قضت الإجراءات الجديدة التي أقرتها سلطات ولاية جيجل، والمتعلقة بمجانية الشواطئ ومنح مساحات منها لمهنيين في إطار حق الامتياز، على مظاهر الاستغلال غير القانوني للشواطئ والمناوشات المترتبة عنه، والتي غالبا ما كانت تحدث بين مصطافين ومستأجري الشمسيات، ما ساهم، حسب ما وقفت عليه النصر ميدانيا، في توفير ظروف الراحة والاستجمام لمرتادي الشواطئ.
روبورتاج / كريم طويل
حرصت السلطات الولائية بجيجل منذ انطلاق موسم الاصطياف على ضمان تنظيم محكم للشواطئ، من خلال إقرار حزمة من الإجراءات تشمل منع منح الأشخاص رخص لكراء الكراسي والطاولات، للتخلص من مظاهر استغلالها للاستحواذ على الشاطئ وتنصيب الكراسي والطاولات بطرق تحايلية، ما تسبب في سنوات مضت في إثارة سخط المصطافين وحدوث مناوشات انتهت في كثير من الأحيان بالاعتداء على المصطاف.
وقد باشرت الهيئات المعنية منهجية عمل على مر سنتين بتحديد في المرة الأولى 65 مساحة على مستوى 35 شاطئا مسموح للسباحة، في إطار حق الامتياز للاستغلال السياحي للشواطئ وفق دفتر شروط معتمد، بحيث تم خلال صائفة السنة الفارطة كراء 10 مساحات، والتي شهدت إقبالا كبيرا نتيجة جودة الخدمات والأسعار الملائمة، وهو ما شجع هذا الموسم متعاملين للمشاركة في المزايدات، لاستغلال 53 مساحة موزعة عبر 22 شاطئا، ودفع سلطات الولاية لإلغاء الرخص الممنوحة لكراء الكراسي والشمسيات وإعطاء الأولية للمستفيدين والفائزين بحق الامتياز للاستغلال السياحي للشواطئ، والتأكيد على مجانية باقي المساحة غير المسيجة في كل شاطئ.
خدمات جديدة وارتياح وسط المصطافين
والملاحظ بأن المساحة الممنوحة ضمن حق الامتياز للاستغلال والاستعمال السياحيين للشواطئ، حسب ما قدمته مصالح مديرية السياحة والصناعة التقليدية بجيجل، لا تتجاوز 06 بالمئة عبر مختلف الشواطئ، و تختلف النسب من شاطئ لآخر، فعلى مستوى ببلدية جيجل، تم منح بقعة استغلال واحدة بشاطئ أولاد بوالنار بنسبة 26.52 بالمئة، أما باقي المساحة مجانية، أما بشاطئ كتامة فتم منح 03 بقع استغلال بمساحة 10.88 بالمئة والبقية مجانية، وفي بلدية العوانة تم منح 03 بقع استغلال بشاطئ الصخر الأسود بمساحة 14.88 بالمئة وباقي المساحة مجانية، و بشاطئ العوانة مركز تم منح 02 بقع استغلال بمساحة 35 بالمئة من الشاطئ و البقية مجانية.
أما على مستوى بلدية سيدي عبد العزيز، فقد تم منح 04 بقع استغلال بمساحة 15.91 بالمئة بالشاطئ المركزي، وفي شاطئ صخر البلح تم منح 04 بقع استغلال بمساحة 4.02 بالمئة، وتختلف النسبة من شاطئ إلا آخر عبر مختلف البلديات.
5.5 نسبة المساحات الممنوحة
و أوضح، ياسين أمزالي، مفتش في السياحة في حديثه للنصر، بأن 5.5 بالمئة من المساحة الإجمالية عبر الشواطئ المسموحة للسباحة تم تخصيصها للاستغلال في إطار حق الامتياز للاستعمال السياحي للشواطئ، بينما باقي المساحة موجهة للاستعمال المجاني من قبل المصطافين، لاسيما بعد القضاء على ظاهرة الكراء العشوائي للكراسي والطاولات، بحيث تم منح 53 بقعة امتياز عن طريق مزايدات وفق دفاتر شروط تسمح للمهنيين من الاستفادة من حق الاستغلال، ووفق شروط تسمح بتحسين الخدمات للزوار والمصطافين،
فكل شاطئ، يضيف المتحدث، تتجاوز نسبة المساحة المجانية به 60 بالمئة فأكثر، تتضح من خلال المساحات المسيجة من قبل المستفيدين من حق الامتياز، مؤكدا، بأن المصطاف في حالة وصوله للشاطئ يمكن له الاختيار بين التوجه للجهة المجانية، أو المرور لبقعة الامتياز المسيجة والاستفادة من الخدمات المقدمة والممنوحة مقابل أسعار تنافسية، مشيرا إلى أن المستفيدين يخضعون للرقابة ويتم تسليط عقوبات في حال تم ارتكاب أي مخالفة.
قمنا بزيارة ميدانية لشاطئي أولاد بوالنار و كتامة، والتي كانت تعرف انتشار كبيرا لظاهرة احتلال الشواطئ في السنوات الماضية، وأخذنا انطباعات مصطافين، الذين أبدوا ارتياحهم لتوفر شروط الراحة والقضاء على المظاهر العشوائية التي تؤرق المصطاف، والمتعلقة أساسا بالاستغلال غير القانوني للشواطئ، والاستحواذ على الصفوف الأمامية.
غياب تام لمظاهر وضع الشمسيات العشوائي
وخلال زيارتنا لشاطئ كتامة بمدينة جيجل، والتي كانت رفقة مفتشي السياحة، لاحظنا وجود العديد من الفضاءات الشاغرة بمحاذاة مساحات مسيجة، مع غياب تام لمظاهر وضع الطاولات و الشمسيات، ماعدا شمسيات من نفس اللون موزعة عبر 03 بقع بالشاطئ،
ففي الجهة الشرقية للشاطئ، وجدنا مساحة امتياز، مسيجة بصورة جميلة بها كراسي و شمسيات موزعة على طول المساحة المسيجة، وتواجد بعض المنظمين يرتدون لباس أزرق موحد، أما على مستوى الجهة الغربية من الشاطئ، فكانت عائلات تستمع بهدوء المكان، وعند تقربنا للحديث معهم، وأخذ انطباعهم، حيث أعرب رب عائلة قادمة من ولاية قسنطينة عن ارتياحه قائلا « زرت الشاطئ منذ يومين وسررت لغياب مظاهر احتلال الشاطئ التي كانت تؤرقنا في سنوات سابقة، بحيث كنت أجد صعوبة في إيجاد فضاء مناسب في الصفوف الأمامية لوضع الشمسية» مثمنا الإجراء الجديد الذي مكن من القضاء على الظواهر السلبية، وسمح حسب متصرف شاطئ، في تسهيل عملية مراقبة الشواطئ. توجهنا، بعدها مباشرة باتجاه شاطئ أولاد بوالنار، ووقفنا على مدى احترام مجانية الشاطئ، بحيث أكد لنا مصطافون، بأنهم استرجعوا حقهم في الجلوس بالشاطئ مع غياب مظاهر وضع الطاولات و الكراسي التي كانت متفاقمة بالشاطئ. كـ.ط
تساهم الألعاب المائية، في الرفع من مستوى الخدمات السياحية واستقطاب المصطافين والسُياح في موسم الصيف، حيث أصبحت المركبات السياحية بالجهة الشرقية، تتنافس في جلب الباحثين عن المتعة والاستجمام بوسائل الترفيه البحرية الحديثة، وألعاب أخرى ترتبط بالسياحة الغابية والطيران الشراعي، والتي تدخل في السياسة الاستثمارية الجديدة للرفع من جودة الخدمات.
ربورتاج : حسين دريدح
قصدنا المركب السياحي الخاص «بونة بتش» الواقع بشاطئ بلفودار بكورنيش عنابة، والذي يحرص كل سنة على توفير عتاد وألعاب جديدة لتقديم خدمات نوعية، واستقطاب الباحثين عن الراحة والترفيه وسط أجواء هادئة ومؤمنة، وأبرز ما لفتنا خلال جولتنا وجود سيارات مائية يقول صاحب المركب بأنها دخلت حيز الخدمة لأول مرة بالجزائر، فمشاهدتها من بعيد تبدو وكأنها سيارات حقيقية عائمة بعجلات، وهيكل خارجي لسيارات دون غطاء، بديكور فخم وأربع مقاعد ومقود وعلبة سرعة، لكن عند الاقتراب منها تجدها عبارة عن هيكل سيارة مصنعة على قاعدة زورق متوسط الحجم، بمحرك بحري 80 حصان يمكن قطع بها مسافة طويلة، للاستمتاع بالمناظر الخلابة للساحل العنابي في وقت قياسي.
السيارات المائية بمواصفات القيادة على اليابسة
فبمجرد بدأ استخدامها لفتت أنظار الجميع، الذين ظلوا يتابعون طريقة إبحارها متعجبين في طريقة تصميمها الذي يراعي التوازن وعدم التأرجح، حيث تبدو وكأنها تسير فوق أرضية طريق وليس فوق الماء، كما أن توقفها سهل ويشبه لحد كبير طريقة ركن سيارة عادية.
وعن تفاصيل الاستخدام يشير مسير مركب «بونة بتش» سامي لعزيزي، بأن السيارات المائية من وسائل الترفيه الجديدة هذا العام، وهي متاحة للزوار لاستخدمها بمرافقة سائق عند الانطلاق مع حرية استخدامها الفردي عند الوصول إلى عرض البحر، تتوفر على أربعة مقاعد مريحة، ويمكن التحكم في سرعتها وفي توقيفها بسهولة، موضحا بخصوص الأسعار ومدة الاستخدام بالقول بأنها تبدأ من ساعة مع إمكانية تمديد الوقت بناء على طلب الزبون، مقابل 4 آلاف دينار فما فوق، وأشار إلى أن المركب يوفر خدمة حجز واستخدام مختلف مركبات النزهة، وذلك بالاتصال مسبقا بإدارة «بونة بتش» عبر الهاتف أو مختلف الوسائط، وطلب الخدمة المرجوة.
رصيف عائم يضم أفخم اليخوت ويوفر خرجات بحرية مذهلة
نجح مركب «بونة بتش» في توفير أرصفة عائمة لرسو مختلف مركبات النزهة وبطريقة قانونية وآمنة، عكس مواقع الرسو العشوائية التي توضع فيها زوارق النزهة دون أرصفة عائمة على غرار ما لاحظناه بشاطئ الخروبة» لاكروب»، الذي تسجل فيه حوادث اصطدام للزوارق فيما بينها، وكذا عمليات السرقة والتعدي، كون عملية رسو الزوارق هناك غير قانونية، ورغم جهود المصالح المختصة لمنع الرسو إلا أن عددها في تزايد، في انتظار تجسيد مشروع ميناء للنزهة بكورنيش جنان الباي.
عند مشاهدة العدد الكبير من مركبات النزهة « ببونة بتش»، تجد مختلف أنواع الوحدات العائمة منها « جاتت سكي، اوربور» يخوت فخمة، سيارات مائية وغيرها من الألعاب، في عالم مختلف يستهوي الباحثين على متعة الإبحار والمغامرة وسط زرقة البحر والمناظر الطبيعية المحيطة.أثناء تواجدنا بالمركب السياحي، لاحظنا حركية بالرصيف العائم حيث كان شباب يستعدون للنزول من مركبات النزهة، وآخرون يستعدون للصعود، وعائلات أبحرت وأخرى قادمة متجهه نحو المركبات، وحسب شروحات المسير سامي لعزيزي، يوفر الرصيف العائم رسو مختلف المركبات، التي منها ما هو خاص بالزبائن، تستخدم للجولات السياحة طيلة النهار، وهناك مركبات مخصصة لتقديم خدمات كراء سفن النزهة للمصطافين الذين يقصدون المركب السياحي «بونة بتش»، وتتوفر على ألعاب مائية مختلفة منها « بلاد أومار» والتي يبدأ توقيت استخدمها من 20 دقيقة، وساعة إلى ساعتين، فيما هناك زبائن يستأجرون زوارق النزهة ليوم كامل، وأضاف المتحدث بأن الرصيف العائم ساهم في تطويق و حماية الشاطئ و منع دخول قوارب النزهة غير النظامية والخاصة بالصيد، التي تزعج المصطافين الذين يقصدون المركب السياحي بونة بتش. ومن وسائل النزهة التي يوفرها المركب أيضا، « الجتسكي» والتي يستخدمها الشاب بشكل كبير، كذلك الألعاب المائية الموجهة للكبار والأطفال منها « لبيدالو» « بوي نوتيك، لابنال، لاتومات»،
لدى حديثنا لبعض أصحاب مركبات النزهة، أبدو إعجابهم بالخدمات المقدمة في «بونة بتنش»، مع توفير الأمن وحماية قوارب، حيث قال صاحب يخت « نحن نستمتع هنا، نقوم بجولات سياحية في ظروف جيدة ونستمع أكثر بالبحر»، كذلك مصطافين قدموا من مختلف ولايات الوطن ومغتربين وحتى سياح أجانب.
قدوم المغتربين يرفع نشاط استخدام زوارق النزهة بالكورنيش
مع استئناف الرحلات البحرية بالجهة الشرقية منها المحطة البحرية بعنابة، التي من المرتقب أن تستقبل 14 رحلة قادمة من فرنسا وايطاليا، من المتوقع أن تحمل قوارب نزهة لمغتربين، وهو ما أصبحنا نسجله منذ سنوات، حيث تتكرر مشاهد نزول سيارات المغتربين من السفينة وهي تجر اليخوت و الدراجات المائية « جاتسكي»، ما سيرفع استخدامها بالشواطئ، مع العلم أن سلطات عنابة تحصي أكثر من 800 قارب نزهة في موسم الاصطياف، بعضها لسياح ومصطافين من الولايات الداخلية، يقومون بجلبها مع بداية الموسم ويدفعون ثمن رسوها وحراستها، تم يعودون لاسترجاعها مع بداية الاضطرابات الجوية .
قوارب النزهة السبيل للوصول للشواطئ العذراء والمغلقة
زاد استخدام قوارب النزهة بعنابة، مع زيادة الاهتمام والإقبال على الشواطئ الصخرية والمغلقة، المسماة بالشواطئ «العذراء»، حيث أصبح الوصول إليها مطلب الكثيرين، لما يشاهدونه من مناظر جميلة لهذه الشواطئ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقع أغلبها وسط الصخور، ولا توجد طرق أو مسالك ترابية تؤدي إليها، باستثناء الولوج إليها عبر البحر، باستخدام الزوارق واليخوت ومراكب النزهة، ومع ارتفاع درجة الحرارة، زاد اهتمام هواة النزهة باستخدامها، فيما أصبحت عائلات تكافئ أبنائها الناجحين بالخروج في نزهة للشواطئ العذراء عبر اليخوت.
وقد تم استحداث هذا الموسم مداخل للمركبات المائية على مستوى الشواطئ، وهي تحت إشراف ومراقبة فرق حرس السواحل، لإخضاع مراكب النزهة للتفتيش، والتأكد من حيازة أصحابها الوثائق التعريفية ورخصة القيادة، وجاء تفعيل هذا الإجراء حسب مصادرنا بالتنسيق بين وزارات الدفاع، الداخلية، والسياحة بهدف ضبط حركة الزوارق بالمياه الإقليمية، والتعامل معها بحزم لمخالفة أصحابها قوانين الإبحار كل موسم اصطياف، كما تتسبب في تعريض حياة المصطافين للخطر، على غرار السنوات الماضية أين تسجل بالشواطئ حالات وفاة نتيجة اصدمهما بالمصطافين أثناء السباحة.
وتساهم الخلية التقنية المكلفة بمتابعة حركة السفن والبواخر على مستوى المياه الإقليمية، وفقا لقوات البحرية، في ترصد بالتدقيق مسار الزوارق، وتحديد هويتها، بعد إرسال الإحداثيات إلى الوحدات العائمة المكلفة بالمناوبة الليلية لضمان تأمين الحدود البحرية، ومساعدة أصحاب الزوارق في عرض البحر في حال تعطلها.
جولات سياحية بالطيران الشراعي والدراجات النارية رباعية الدفع
وقد أصبحت المنافسة في عرض الخدمات السياحية بعنابة، لا تقتصر فقط على الجولات البحرية عبر اليخوت وقوارب النزهة، وإنما شملت خوض مغامرات الطيران الشراعي حيث تحولت سرايدي إلى منطقة استقطاب أيضا للباحثين على خوض مغامرات الطيران الشراعي من قمم جبال الايدوغ نزولا بشاطئ جنان الباي المعروف « بواد بوقرط»، حيث توفر بعض النوادي المتخصصة في هذه الرياضة، خدمة الطيران الشراعي للهواة بمساعدة محترفين، والخروج في جولات طيران لاستكشاف الساحل، كما توفر أيضا وكالات سياحية خرجات عبر المسالك الغابية باستخدام دراجات نارية رباعية الدفع، لا تقل متعة على الخرجات البحرية وكذا الطيران، وتتخذ من فندق المنتزه بسرايدي نقطة انطلاق للغابات المجاورة، وقد أبرزت هذه الفرق والنوادي الناشطة، خدماتها في استعراضات افتتاح موسم الاصطياف، أين عرفت بخدماتها للجمهور عن قرب. ح د
يفضل أولياء استثمار فترة العطلة الصيفية في تسجيل أبنائهم بمدارس قرآنية، تفتح أبوابها هذه الفترة من السنة للراغبين في حفظ كتاب الله وتدبر معانيه، ويعتبرونها فضاء لتهذيب السلوك والتخلص من العادات السلبية كإدمان الشاشات الإلكترونية، وحصن يحميهم من خطر الشارع، ويغرس القيم الدينية في نفوسهم، وهو ما تحدث بشأنه معلمين، قالوا بأنهم غيروا من إستراتيجية التحفيظ في العطل، بإنشاء مجموعات خاصة على تطبيق «تيليغرام»، وتنظيم حلقات في فضاءات مفتوحة، لتحقيق النتائج المرجوة وتجنب الغيابات المتكررة.
روبورتاج / لينة دلول
خلال زيارة ميدانية للنصر لعدد من المدارس القرآنية الصيفية بقسنطينة، من بينها تلك الموجودة بمسجد الصمد، ومسجد الفرقان، ومسجد البيضاوي، لاحظنا إقبالا كبيرا للأطفال لا يتعدى سنهم 17 سنة على حلقات تحفيظ القرآن، وهم يحملون مصاحف ودفاتر صغيرة، مبدين استعدادهم للالتحاق بحلقات التحفيظ، وبعد الحديث إليهم تبين أن بعضهم من المسجلين بها طوال السنة، والبعض الآخر التحق مع بداية برنامج جديد مخصص للعطلة الصيفية، غير أن رغبتهم واحدة وهي حفظ ما تيسر من كتاب الله والسعي لكسب المراتب الأولى في الاختبار للظفر بجوائز.
بعدها التحقنا بالقاعات المخصصة للتحفيظ، أين يجتمع المعلمون والأطفال مكونين حلقات، مقسمة حسب الفئات العمرية والبرنامج المسطر، حيث قالت معلمة للنصر أن منهجية التحفيظ تختلف باختلاف طبيعة الفوج، حيث تعتمد في تحفيظ فوج الصغار الذين لا يتعدى سنهم العشر سنوات، على منهجية القراءة بالتكرار لتسهيل ترسيخ الآيات، مع مراعاة قدرات كل طفل، وإعطاء كل واحد منهم وقتا خاصا.
أما الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 سنة، فيوزعون ضمن حلقات جماعية، تضم كل حلقة حوالي 12 طفلا، يعتمدون طريقة الحفظ الثنائي، وبعدها الاستظهار الجماعي، وهو أسلوب تراه مجديا بالنسبة لهذه الفئة خصيصا، حيث يخلق نوعا من المنافسة الإيجابية وينمي روح الفريق، ويشجع على المواصلة وتحقيق الأفضل.
ولاحظنا خلال تنقلنا بين حلقات التحفيظ، أن هناك من فضل الحفظ الفردي والانزواء، في إحدى الزوايا الهادئة البعيدة نوعا ما عن الحلقات، وهي الطريقة الأنسب بالنسبة لهم ويصفونها بالمجدية وتساعد على الحفظ بسرعة، حيث يأخذون متسعا من الوقت في الحفظ قبل التقدم قبل نهاية الحصة أمام المعلمة واستظهار ما تم حفظه.
حلقات تحفيظ عبر «التلغرام» و في الفضاءات المفتوحة
وما لفتنا أن معلمين لم يتقيدوا بالتحفيظ داخل المدارس القرآنية والمساجد، وفضلوا اللجوء لفضاءات مفتوحة كنوع من التغيير الذي يساعد في استقطاب عدد أكبر ويحفز على الحفظ، يقول معلمون أنهم اعتمدوا أساليب مبتكرة، تجمع بين التعلم والترفيه، من خلال تنظيم خرجات جماعية إلى الحدائق والغابات والمحميات الطبيعية خلال عطلة نهاية الأسبوع، بهدف الترويح عن النفس من جهة، وتحفيز الأطفال على المواظبة وعدم التغيب عن الحصص من جهة أخرى.
كما أنشأوا مجموعات خاصة على تطبيق «تيليغرام»، للتواصل والمتابعة عن بعد، والتي ساهمت حسبهم في خلق أجواء منافسة إيجابية.وعن سر الإقبال المتزايد، قال معلمون تحدثت إليهم «النصر»، بأنه يعكس مدى وعي الأولياء بأهمية المدراس القرآنية ودورها في ضبط سلوك الطفل وتقوية ذاكرته، وتهيئته نفسيا وفكريا لبداية موسم دراسي جديد، وغرس القيم الدينية لديه.
* إمام مسجد الصمد الشيخ محمد نجيب بطو
نهدف لاستقطاب الناشئة وشغل فراغها بالقرآن والقيم
أكد الشيخ محمد نجيب بطو، إمام بمسجد الصمد، أن الهدف الأساسي من تنظيم المدارس القرآنية الصيفية هو استقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال والفتيان من مختلف الأعمار، لحفظ كتاب الله وتعلم قواعد التلاوة والتجويد.
وأوضح المتحدث، أن المدارس تستقبل الأطفال بداية من سن 6 سنوات إلى 17 سنة، مع تسجيل إقبال أكبر من طرف الفئة العمرية ما بين 6 و14 سنة، سواء من الذكور أو الإناث، ويرى أن هذا التوجه يعكس وعي الأولياء بضرورة استثمار العطلة الصيفية في ما ينفع الأبناء.
وحسب وجهة نظر الإمام، فإن أن المدرسة القرآنية الصيفية لا يقتصر دورها على التحفيظ فقط، وإنما تؤدي دورا تعليمي آخر يشمل غرس القيم والآداب الإسلامية، وتعزيز الأخلاق الحميدة لدى الناشئة، موضحا أن المسجد يعمل على توفير بيئة تربوية شاملة، تتخللها أيضا نشاطات ترفيهية متنوعة بهدف كسر الروتين وتحفيز الأطفال على الاستمرار.
وفيما يخص منهجية العمل، أكد الإمام أن المؤطرين يعتمدون على مبدأ التلقين المباشر للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، نظرا لحاجتهم إلى التكرار والتمكين، بينما يسمح لمن هم أكبر سنا بالحفظ الذاتي بعد الاستماع الجيد للآيات التي يتلوها عليهم المعلم، لتجنب الأخطاء في الحفظ، مشيرا إلى أنهم يولون اهتماما كبيرا لتصحيح النطق ومخارج الحروف، لأن إتقان التلاوة يعد أساسا في تعليم القرآن.
وأضاف أن المدرسة تضم حوالي 60 طفلا سنويا على الأقل، وهو عدد مستقر نسبيا، رغم التفاوت في الإقبال من سنة إلى أخرى.
وفي خطوة لمواكبة التحول الرقمي، كشف الشيخ عن استخدامهم تطبيق «تيليغرام» لتشكيل مجموعات افتراضية يتم من خلالها متابعة الحفظ عن بعد، والتواصل مع الأطفال لتسريع وتيرة الحفظ ومتابعة التقدم الفردي ولتحقيق التوازن بين التعلم وراحة النفس، تقوم المدرسة بتنظيم خرجات ترفيهية دورية إلى الفضاءات الطبيعية، وهو ما يُسهم، حسبه، في ترسيخ حب الأطفال للمدرسة القرآنية وتشجيعهم على الانضباط.
* كريمة طراد معلمة بمسجد الفرقان
نغرس السيرة والقيم في قلوب الأطفال
من جهتها، أكدت المعلمة كريمة طراد، وهي متطوعة بمسجد الفرقان، أن الهدف الرئيسي من المدرسة الصيفية هو تحفيظ الأطفال كتاب الله عز وجل، وتعريفهم بالسيرة النبوية وقصص الأنبياء، ومرافقتهم في مسار تربوي أخلاقي شامل. وأوضحت أن المدارس تستقبل الأطفال من سن 6 سنوات فما فوق، وتقوم بتكييف طرق التعليم حسب أعمارهم، فبالنسبة للفئات الصغيرة، تعتمد كريمة أسلوب التقريب العاطفي والاحتضان التربوي، حيث تسعى لكسب ثقة الطفل وتقريبه منها، مما يسهل عليه التلقي والتفاعل، بينما تدرس الفئة الأكبر سنا قواعد القراءة الصحيحة للقرآن، قبل أن تترك لهم فرصة الحفظ الذاتي، ثم يقومون بعرض ما حفظوه لاحقا.
وأضافت أن أيام الدراسة تمتد إلى أربعة أيام في الأسبوع، وهي مدة كافية لتلقين الآيات ومتابعة الحفظ، لكنها لاحظت أن الإقبال هذا العام شهد بعض التراجع على مستوى مسجد الفرقان مقارنة بالسنوات الماضية، مرجعة السبب إلى اختيار البعض التسجيل دورات اللغات الأجنبية، والحساب الذهني، والروبوتيك.
سرد قصص الأنبياء وتعليم الأحاديث لتهذيب السلوك
ورغم ذلك، تواصل كريمة العمل بحماس، مؤكدة أنها تعتمد في منهجها على التلقين المتدرج لكل فئة عمرية حسب مستواها، إلى جانب سرد قصص الأنبياء وتعليم الأحاديث النبوية، وهو ما تعتبره أسلوبا فعالا لغرس القيم وتقويم السلوك. وأبرزت المتحدثة، أن العمل في المدرسة القرآنية ليس تعليميا فقط، بل هو عمل تربوي في جوهره، مشيرة إلى أنها لاحظت تغيرا إيجابيا في سلوك العديد من الأطفال، الذين أصبحوا أكثر انضباطا وتهذيبا ووعيا بعد التحاقهم بهذه المدرسة.
* المعلم برهان مجعوط بمسجد البيضاوي
الإعلان المبكر والمرونة في التنظيم يعززان الإقبال
من جانبه، أوضح المعلم برهان مجعوط، من مسجد البيضاوي، أن إدارة المسجد تعمل في كل موسم صيفي على الترويج لانطلاق المدرسة القرآنية الصيفية، من خلال الإعلان عنها خلال خطب الجمعة، وكذلك عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال والأولياء.
وأكد برهان أن الإقبال على المدرسة يكون مرتفعا في البداية، ثم يتراجع نسبيا بسبب سفر بعض العائلات أو انشغال الأطفال بأنشطة موازية، مشيرا إلى أن باب التسجيل يبقى مفتوحا أمام الجميع، مع التركيز أساسا على الناشئة الذين يبدون اهتماما كبيرا بالحفظ والمشاركة، مضيفا أن أيام الدراسة تمتد من السبت إلى الخميس، وهو ما يساعد الأطفال على المداومة دون انقطاع، ويقلل من فرص نسيان ما تم حفظه. ل د
يكشف لنا أحفاد علي بوالنمر "بوشلوخ"، في هذا الروبوتاج الوجه الثاني من ملحمة الشاب الذي تمرد بمفرده على الاستعمار الفرنسي طيلة سبع سنوات وطوى النسيان حكايته لأكثر من قرن، فبعد التحقيق الذي أزاحت فيه النصر الغبار عن وقائع قصته التي تبدأ من رفض التجنيد في الحرب العالمية الأولى إلى السجن والنفي في أمريكا الجنوبية، يقدم لنا أفراد عائلته رواية الذاكرة الشعبية التي توارثوها ومازالوا يروونها لأبنائهم، بعد أن نسيتها شوارع مدينة قسنطينة وأزقتها ومقاهيها وبيوتها التي كانت يوما تضج بأخبار ومآثر بوشلوخ أو "أحمد الطاير" الذي كان يتنقل ملتحفا كهوف "الريميس" وصخوره ليثبت عجز السلطات الاستعمارية بكل قواتها وعسسها وسجانيها، كما تزور النصر المنزل العائلي الذي كان يتردد عليه البطل بقلب مدينة قسنطينة.
روبورتاج: سامي حبّاطي
بوشلوخ كان يستعمل الحمام الزاجل للتواصل مع عائلته
وبعد نشر التحقيق الذي كشفنا فيه عن الهوية الحقيقية للبطل "بوشلوخ" الذي شهد مالك بن نبي بما تركه فيه من إلهام، استطعنا الوصول إلى أفراد من عائلته في مدينة قسنطينة، حيث التقينا بمراد بوشلوخ البالغ من العمر 56 سنة، حفيد شقيقة علي بوالنمر، الذي ما يزال مقيما بالمنزل نفسه الذي أقامت فيه أسرة البطل بوشلوخ قبل فراره من التجنيد الإجباري في الجيش الاستعماري وتمرده. ورافقنا مراد إلى منزل العائلة الواقع بالمدينة القديمة في نهج مولود بن عميرة "الرصيف قديما"، بمحاذاة العيادة متعددة الخدمات التي تحمل الاسم نفسه ومقابل الزقاق المفضي إلى حمام سوق الغزل، حيث دلفنا إلى المسكن من خلال الممر الرئيسي، لتقابلنا بناية مشيدة على النمط القديم من عمران المدينة العتيقة، بلبنات الآجر الممتلئ التقليدي على أوتاد خشب العرعار المتين.
وفتح مرافقنا بوابة خشبية قديمة مزودة بمقبضين فولاذيين كبيرين ومعززة بمسامير سميكة حول المقبض؛ تتخذ أشكالا هندسية نباتية، حيث دخلنا عبر ممر مغطى قبل الوصول إليها ولاحظنا أن البوابة خشبية بشكل كامل، بما في ذلك القفل القديم المستعمل لإيصادها ومحاور تثبيتها في الجدار الحجري للمنزل، فضلا عن خطاف فولاذي كبير مثبت في الجدار ويستعمل لإحكام إغلاقها. وقال مراد بوشلوخ في حديثه معنا إن تاريخ قدوم عائلته إلى هذا المسكن يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، بعدما انتقلت عائلته من مسكنها القديم في المكان المسمى "ساباط البوشيبي" في السويقة، حيث أخذ محدثنا يرينا تفاصيل من البناية المؤلفة من ثلاثة طوابق، لافتا إلى أن جده علي بوالنمر كان يتردد على المكان خلال فترة فراره من الاستعمار الفرنسي، قبل أن يشير بإصبعه إلى غرفة في الطابق الثاني من البناية، ويؤكد لنا أنها مكان مكوث البطل بوشلوخ خلال تردده على المسكن.
وأضاف محدثنا أن بوشلوخ كان يتواصل مع أفراد أسرته من خلال الحمام الزاجل، حيث أشار إلى حافة السقف وقال إن "الحمامات التي كان يرسلها جدي علي كانت تحط على ذلك المكان، ليعرف أهل البيت أنه قادم لزيارتهم". وغادرنا المسكن الذي يضم تفاصيل ضاربة في القدم، على غرار الحجارة الزرقاء التي فرشت على أرضيته وتقسيم المنزل التقليدي، فرغم وضعية البناية، أكد مرافقنا أنه لن يغادرها أبدا إلى مسكن جديد. وسرنا مع مرافقنا عبر المدينة القديمة إلى غاية شارع سيدي بوعنابة، حيث وقفنا بمحاذاة مدرسة بلعابد "أراغو سابقا" للحديث عن المكان الذي ألقي فيه القبض على بوشلوخ، فأكد لنا أنه على علم بذلك، ودائما ما يستذكر هذه الحادثة كلما مر من هذا الموقع.
«أحمد الطاير» الذي نقش اسمه في أحد كهوف الريميس
وقدّم لنا الحديث مع مراد نسخة الذاكرة الشعبية من قصة علي بوالنمر المتمرد على الاستعمار، فرغم أنها نُسيت من ذاكرة أغلب السكان بعد أكثر من قرن، إلا أن العائلة مازالت تحتفظ بها ويتناقلها أفرادها شفويا. ويروي مراد أن جوانب القصة التي مازال يحتفظ بها في ذاكرته إلى اليوم مأخوذة مما كانت ترويه له جدته من جهة والدته، المرحومة أم السعد بوالنمر، شقيقة علي بوالنمر "بوشلوخ"، حيث أوضح لنا أنها توفيت في سنة 1983 بعدما تجاوزت التسعين من العمر، مضيفا أنها كانت مقربة من شقيقها كثيرا منذ طفولتها، فضلا عن أن فارق العمر بينهما لم يكن كبيرا.
ويروي لنا مراد أن علي بوالنمر له شقيقة أخرى تدعى مسعودة وكانت تقيم في حامة بوزيان، حيث قال إن جدته أم السّعد ذكرت له أن سبب تمرد بوشلوخ يعود في البداية إلى رفضه التجنيد في الجيش الاستعماري خلال الحرب العالمية الأولى، مشيرا إلى أن روايات العائلة تقول إنه كان يقيم في كهوف وادي الرمال أسفل المدينة خلال سنوات فراره من السلطات الاستعمارية، مضيفا أنه "يقال إنه نقش اسمه في أحد كهوف "الريميس" بخنجره". وأكد المصدر نفسه أن عائلتا بوالنمر وبوشلوخ عائلة واحدة؛ قسمها الاستعمار الفرنسي بمنح لقبين مختلفين، معتبرا بأن تسمية بوشلوخ التي كان يعرف بها علي بوالنمر متأصلة في لقب العائلة.
وذكر حفيد بوشلوخ أن روايات العائلة تقول إنه كان معروفا بين سكان المدينة بتسمية "أحمد الطاير" (أحمد الطائر)، حيث قال إن هذه التسمية تعود إلى سرعته في الركض في هاوية وادي الرمال بطريقة عجيبة، كما قال إن هناك رواية أخرى نسجت حوله، وتقول إن تسمية الطائر تعود إلى أنه كان يتواصل مع عائلته بالحمام الزاجل، إذ كانت عائلته تحضر له الطعام وتستعد لاستقباله بمجرد مشاهدة قدوم حمامته إلى المنزل.
روايات شعبية وأساطير حول جنية ذهبية كانت تحمي بوشلوخ
ويلاحظ على الرواية الشعبية التي قدمها لنا الحفيد مراد أن الكثير من حكايات الخوارق والأساطير نُسجت حول شخصية بوشلوخ، حيث أوضح لنا أن جدته كانت تتحدث عن الجنية التي كانت تحميه، مضيفا بالقول "كانت جدتي تقول إنها تراها في البيت، وتقول إنها جنية ذهبية بالكامل وكانت تسمع قدومها بجلجلة الحلي... كما كانت تشاهد شيخا"، مشيرا إلى أن الرواية الشعبية كانت دائما تنسب له وقائع خارقة منذ طفولته، مثلما ينقل عن جدته، فحتى عندما كان يعاقب بسبب مشاكسات الطفولة ويحجزونه في غرفته، يجدون لديه طعاما وماء.
وتتداخل الوقائع الموثقة من خلال الصحافة الاستعمارية التي اطلعنا عليها حول قصة بوشلوخ مع الروايات الخارقة التي كانت تتداول بين سكان المدينة، حيث ذكر لنا حفيده أن جدته كانت تتحدث عن وقوف سجانيه في حالة عجز أمام ما كان يحدث معه في الزنزانة، إذ قال "وحتى حارسه في السجن الاستعماري أصيب بالخوف عندما لم يجده في الزنزانة رغم أنه كان مكبلا بالسلاسل وكان يجد لديه الطعام وكل ما يحتاج إليه"، في حين تبدو هذه الرواية قريبة من التفاصيل الحقيقية لمحاولة فراره الأخيرة من السجن المدني بقسنطينة قبل أسبوع من محاكمته بإحداث ثقب في السقف، رغم الحراسة المشددة التي كانت مفروضة عليه، ما ترك السلطات الاستعمارية في حالة حيرة واستغراب بشهادة الصحافة الاستعمارية.
ويؤكد محدثنا أن الأحداث التي عايشتها الجدة أم السعد خلال فترة تمرد جده بوشلوخ على السلطات الاستعمارية أورثتها خوفا كبيرا ظل يرافقها إلى غاية وفاتها، حيث أوضح أن عائلته تعرضت لمضايقات كبيرة خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى ما عايشته خلال الثورة التحريرية. وأضاف المتحدث أن والد بوشلوخ كان يستدعى بشكل يومي تقريبا من قبل الشرطة الاستعمارية لمضايقته واستجوابه حول ابنه، في حين روى لنا أن جدته حدثته عن القوة الجسدية الكبيرة التي كان يتمتع بها والد بوشلوخ أيضا، حتى "أنه ضغط يوما على يد عون شرطة استعماري خلال مصافحته وتركها تقطر بالدماء من قوة قبضته للتعبير عن غضبه وحتى لا يستدعيه مجددا"، مثلما قال.
الجدة أحرقت كل الأغراض والوثائق الخاصة ببوشلوخ
وتقدّم الرواية العائلية حول سيرة بوشلوخ أحداثا تستند جميعها إلى قصص متوارثة بين أفرادها شفويا، حيث أوضح مراد أن الروايات تقول إن شخصا أوروبيا التقط صورة لوالد بوشلوخ وهو يرفع بغلين اثنين عن الأرض بذراعيه بالقرب من باب الجابية في الجهة السفلى من السويقة، لكنه يعود للتأكيد على أن "لا أحد رأى هذه الصورة". وأكد المصدر نفسه عدم وجود أي وثائق أو أغراض تخص علي بوالنمر لدى العائلة، حيث قال إن جدته أحرقت كل ما يخصه، بما في ذلك الرسائل التي كان يرسلها إليها وصورته ووثائقه الشخصية، وذلك انطلاقا من خوفها على باقي أفراد العائلة من التّعرّض للمُلاحقات أو السَّجن من قبل السلطات الاستعمارية.
ويبدو من خلال الرواية المتداولة بين أفراد العائلة حول بوشلوخ أن مذكرات مالك بن نبي "شاهد على القرن" وجدت طريقها أيضا إلى التداول ضمن رواية الذاكرة الشعبية لسيرة بوالنمر، حيث قال مراد بوشلوخ إن "مكتبة مالك بن نبي قد تحتوي على مزيد من المعلومات حوله"، مستندا فيما ذهب إليه بأن ابن نبي "عرف قصة بوشلوخ من خلال الوثائق التي تركها شخص مجهول بجانبه في المسجد"، في حين يمثل هذا التفصيل استعادة لحادثة خيالية اختارها مالك بن نبي في مقدمة مذكراته، إذ يروي فيها سيرته الشخصية على لسان شخصية متخيلة يدعى "الصديق" وينطلق من كونه وجد وقائعها في مخطوط وضعه شخص مجهول بجواره خلال أدائه صلاة العصر في مسجد حسن باي بقلب مدينة قسنطينة، ثم غادر دون أن يلتقي به.
وظلت عائلة بوشلوخ تتوارث المقولة الشهيرة التي أطلقها علي بوالنمر في وجه هيئة المحكمة التي حكمت عليه بالسجن المؤبد، حيث قال مراد حفيده إنه قال "إنكم لا تحكمون علي وإنما تحكمون على مقعد فارغ"، مضيفا إليها شقا آخر بالقول "لكنه قال للقاضي إن أحباب الله حكموا علي بخمس سنوات"، ليؤكد أن بوشلوخ فر من السجن المؤبد بعد خمس سنوات تحديدا. وتؤكد هذه النسخة أن العائلة ظلت تتابع أخبار ابنها علي بوالنمر حتى بعد منفاه، حيث تمكن من الفرار من غويانا بعد سبع سنوات بحسب ما اطلعنا عليه، وهو ما يقترب من رواية حفيده، رغم أن الأخير قال "إنه فر من سجن الكدية بعد خمس سنوات عند تمام منتصف الليل"، مضيفا إليها تفاصيل خارقة أكد لنا أنها رويت له من قبل جدته بكون "باب الزنزانة فُتح تلقائيا، فخرج بوشلوخ وصعد فوق سور السجن، ليرى شيخا يمر بالقرب من السجن، فقفز ووقع فوق ظهره. سار خطوات ثم استدار ليعتذر منه، ليجده قد اختفى".
ولفت محدثنا إلى أن جدته تعتبر المصدر الأساسي لجميع القصص التي توارثتها العائلة إلى غاية اليوم حول شقيقها، مشيرا إلى أنها كانت تبتئس للظروف الصعبة التي كان يعيشها في مرحلة فراره من السلطات الاستعمارية، إلا أن بوشلوخ كان يصر على رفضه التجنيد في الجيش الاستعماري. ويذكر المصدر نفسه أن جده كان يتحدى الاستعمار ويقول "إذا قبضوا علي فليفعلوا بي ما يشاؤون، لكن بما أن الدماء تسري في جسدي فلن أتوقف ولن أسلم نفسي لهم". وذكر محدثنا أن جدته وصفت بوشلوخ بأنه لم يكن ضخم البنية مثل والده، لكنه كان كتوما جدا وقليل الكلام، حتى أنه "لا يتكلم إلا إذا سألته"، مضيفا أن هناك قصصا لم يروها لأحد، ولا حتى لعائلته لتجنبيهم المضايقات الاستعمارية.
انتفاضة من سكان السويقة خلال القبض على بوشلوخ
وسألنا مراد عن الأماكن التي كان يقيم فيها بوشلوخ ويتردد عليها، فقال: "لا أحد يعلم على وجه التحديد"، مضيفا أنه كان يبيت ليلة واحدة عندما يتردد على المنزل العائلي ثم يغادر، كما أنه كان يتردد أحيانا على منزل شقيقته المسماة مسعودة في حامة بوزيان، في حين أوضح أن المتداول أنه كان يقضي أغلب الوقت مختبئا في كهوف هاوية وادي الرمال "الريميس"، ليضيف محدثنا: "كان في الغالب يتنقل ليلا مع الجنية التي كانت ترافقه مثلما كانوا يقولون". وتتقاطع رواية الحفيد حول تردد بوشلوخ على منزل شقيقته في حامة بوزيان مع حادثة إطلاقه النار على الحارس الريفي في مدينة الحامة في 1919، بعدما رصده الأخير وحاول اعتقاله لكن بوشلوخ تمكن من الفرار.
أما عن حادثة القبض على بوشلوخ في سيدي بوعنابة، فقد تبيّن لنا وجود تشابه كبير في الوقائع التي نقلها لنا الحفيد مراد مع التفاصيل الموثقة التي اطلعنا عليها، حيث ذكر العثور على "قطعتين حديديتين مشحوذتين لاستعمالهما كسكين"، وهو ما يبدو أن جريدة الدعاية الاستعمارية "لاديباش دو كونستونتين" أشارت إليه بـ"العثور بحوزته على مبردين". وأضاف مصدرنا أن أفراد الشرطة الاستعمارية الذين قبضوا عليه أصابوه في ساقه ما تسبب في وقوعه أرضا ليتمكنوا من توقيفه، منبها بأنهم جردوه من مسدس كان يحمله معه، لكنهم لم يتفطنوا لوجود مسدس ثان مخبأ في حزامه، ليتمكن بوشلوخ من استخراجه واستعماله في إصابة عون الشرطة في فخذه، ما أدى إلى وفاته بعد أيام، مثلما نقل لنا عن رواية جدته.وذكر محدثنا أيضا أن جدته روت له أيضا أن أعوان الشرطة الاستعمارية جلبوا عربة لنقل الشرطي المصاب إلى المستشفى، لكنهم أخذوا يجرون بوشلوخ على الأرض، إلا أن الجزائريين من سكان سيدي بوعنابة، وعلى رأسهم أفراد عائلة ابن جلول، تجمعوا للاحتجاج على طريقة معاملتهم له، إذ قال أحدهم مهددا بحزم: "اليوم تَخْلَى وَلّا تَعمُر". وذكر محدثنا أن جدته أكدت أن سكان المدينة من الجزائريين كانوا يمدون يد العون له خلال مرحلة فراره.
حديث عن استقراره في البرازيل وتأسيسه عائلة بعد الفرار من غويانا
ولم تكن عائلة بوشلوخ تتواصل معه خلال فترة حبسه بعد القبض عليه في 1923 إلا من خلال الرسائل، حيث أكد حفيده أن السلطات الاستعمارية منعت عنه الزيارات العائلية، في حين أوضح أن جدته ذكرت أنه فر من الأسر في غويانا رفقة أربعة أو خمسة منفيين آخرين، ولم ينج منهم إلا اثنان، فضلا عن أن طريقة فراره من هناك غير معروفة لدى الجدة، لكن محدثنا أكد أنه ظل يتواصل مع جدته بالرسائل، بينما قال إن جدته كانت تؤكد أنه فر إلى البرازيل. وأبرز المصدر نفسه أن آخرين من العائلة يقولون إنه اتجه إلى الإكوادور أو دول أخرى في أمريكا الجنوبية، بينما ذكر أن "آخر خبر عنه تلقته العائلة في السبعينيات أو الثمانينيات، حيث قدم إلى منزلنا شخص يبحث عن والدي وأخبره أنه التقى ببوشلوخ، فطلب منه والدي علامة تثبت أنه هو، ليؤكد له أنه يعرج بساقه عند المشي".واعتبر محدثنا أن علامة ساقه العرجاء تعود إلى الرصاصة التي تلقاها في ساقه، حيث أضاف أن الزائر أخبر والده "أنه بخير ويعيش في سويسرا في وضع جيد، فضلا عن أنه يملك محلا لبيع المجوهرات ومحلا ثانيا لبيع المواد الغذائية، كما أنه تزوج وأنجب أربعة أطفال، فيما طلب من العائلة ألا تبحث عنه وأكد أنه سيزورها عندما يجد فرصة لذلك". وتتداول الرواية العائلية أخبارا مختلفة عن بوشلوخ ومكان استقراره بعد فراره من جحيم الأسر والمنفى في غويانا، حيث يخبرنا الحفيد أنه يقال إن علي بوالنمر أطلق اسم "أم السعد" على ابنته، استعادة لاسم شقيقته، في حين أكد أن جميع أفراد العائلة لديهم علم بالقصة رغم بعض التناقضات والاختلافات في الرواية، فضلا عن أن سكان مدينة قسنطينة القدماء كانوا يعرفونها أيضا ويروونها.
مصيره بعد غويانا مجهول إلى اليوم
وتحدثنا إلى السيدة نادية بوشلوخ، حفيدة مسعودة شقيقة علي بوالنمر أيضا، حيث سعينا من خلالها إلى توطيد النسخة العائلية من سيرة بوشلوخ، إذ ذكرت لنا أن جدتها كانت تروي لها أيضا هذه القصة وبطولات هذا الجد، في حين ذكرت لنا أن جدتها تلقت رسالة من بوشلوخ في 1945 بحسب ما يقال، وأخبرها فيها أنه "بخير ويقيم في بلاد يتحدث أهلها بلغة لا يعرفها". وذكرت محدثتنا أن جدتها أحرقت الرسالة من شدة خوفها من العثور عليها من قبل السلطات الاستعمارية، فيما ذكر مراد، ابن عم السيدة نادية، أن جدته كانت تمزق الأغراض الخاصة ببوشلوخ وتحرقها ثم تدفن الرماد المتبقي منها في قبو المنزل.
وذكرت محدثتنا أنها تفاجأت قبل أكثر من 15 سنة بشخص من سكان مدينة قسنطينة يتحدث عن مآثر جدها بوشلوخ من خلال الإذاعة المحلية بقسنطينة، حيث قال إن بوشلوخ كان صديق والده، في حين توجهت محدثتنا إلى الإذاعة حينها والتقت بالمعني وشاركته عدد البرنامج للحديث عن جدها أيضا. وأضافت محدثتنا أن الأخير ذكر لها بأن والده كان صديقا للبطل بوشلوخ، مشيرة إلى أن بوشلوخ لم يكن يتخذ إلا عددا محدودا من الأصدقاء، فضلا عن أنه لم يكن يختلط كثيرا بالناس ولا يثق في أي كان تجنبا للقبض عليه من قبل السلطات الاستعمارية التي كانت تلاحقه، في حين تقاطعت القصص الأخرى التي روتها حوله مع ما حدثنا به ابن عمها، لاسيما قصة الحمام الزاجل الذي كان يستعمله للتواصل وحمله لسلاحين دائما وغيرها من المآثر التي توارثها أهل مدينة قسنطينة. وبالعودة إلى مراد، سألناه عن كيفية استقباله لقصة جده خلال طفولته، حيث أوضح لنا أنه يتذكر أن بعض أصدقائه كانوا يصدقون القصة البطولية لبوشلوخ عندما يرويها لهم، إذ يرددون أن أولياءهم كانوا يروونها لهم، لكنه قال إن بعض الأشخاص لم يعرفوا عنها لكون أحداثها قديمة جدا، إذ تتجاوز ليوم المئة سنة. وأكد محدثنا أن جده بوشلوخ لم يتزوج ولم ينجب أطفالا في الجزائر، خصوصا أنه عاش فترة شبابه فارا من الاستعمار الفرنسي، كما أكد أنه لم يسبق له أن استخرج الوثائق الخاصة به بعد الاستقلال، لكنه أوضح أنه ما يزال يحلم بلقاء أفراد من عائلته التي بلغهم أنه أسسها بعد فراره من الأسر في غويانا. وذكر المصدر نفسه أنه لم يكن على علم بالكثير من التفاصيل التي اطلع عليها في تحقيق النصر المنشور في 8 ماي 1925 حول بوشلوخ، في حين شدد على أن رغبته ستظل قائمة في معرفة المزيد حول جده الذي يفتخر بكونه من أحفاده. س.ح
تعبر الحلي الفضية التقليدية عن لغة اجتماعية مشفرة، وتعكس صورة عن الأصالة، كما ترتبط بعض قطعها بدلالات ومعتقدات، حسب ما أكدته باحثة في الآثار للنصر، تشير إلى المستوى الاجتماعي والثقافي من خلال الرموز الموظفة فيها وبعض الألوان،وكذا حرفيون التقت بهم النصر، وتحدثوا عن اختلاف صناعتها من منطقة إلى أخرى في الجزائر، وكيفية حفاظهم على القطع التقليدية الثمينة تراثيا.
روبورتاج / إيناس كبير
شملت جولتنا محلات قديمة متواجدة في قسنطينة، على غرار شارع 19 جوان وشارع «مقعد الحوت» بوسط المدينة، ومن خلال دردشتنا مع أصحابها أخبرونا أنهم ليسوا تجارا فحسب بل هم حرفيون أيضا تشربوا منذ صغرهم هواية صناعة الحلي التقليدية ويتوارثونها أبا عن جد.
وقد عكس شكل محلاتهم ذلك، حيث لاحظنا أنها لا تحافظ فقط على هذه الحرفة فزائرها يشم في تلك المساحات الصغيرة ذات الواجهات البسيطة رائحة المكان، وكأننا دخلنا في صندوق عاد بنا إلى ذلك الماضي الذي تحرص فيه المرأة الجزائرية على زينتها فخرا بأنوثتها التي تدلل عليها بارتداء الحلي سواء «محزمة»، خواتم، قلائد، الأقراط، والأساور، وكلها مبينة في صور كانت معلقة على الجدران، وكذا في الواجهات الزجاجية التي تعرض أنواعا عديدة أغلبها تقليدية.
ويحافظ تاجران على الأسلوب التقليدي في تشكيل الحلي مثل الحجم الكبير للقطعة، وكذا النقوش المزينة بها، وقد تعرفنا معهما على القطع الخاصة بكل منطقة وكذا التي تشتهر بها قسنطينة، بخلاف بعض المحلات التي وقفنا أمام واجهاتها وكانت تركز على عرض حلي فضية عصرية صغيرة الحجم، وبسيطة الشكل، مع تصاميم بأشكال متنوعة أو اسم الشخص وهي مخصصة لتجذب الشابات.
الحلي الفضية التقليدية هي الأصل
تحدثنا مع يونس وهو تاجر متخصص في بيع الحلي الفضية، بشارع 19 جوان، حيث قال إن الفضة مازالت تحافظ على قيمتها بالرغم من منافسة عدة معادن جديدة التي تبقى مجرد موضة، ويكتسب هذا المعدن قيمته وفقا للتاجر، من ذكره في القرآن الكريم مقرونا بالذهب على أنهما من المعادن النفيسة.
أما عن الحلي الفضية في المجتمع الجزائري، فقال إنها تعرف شعبية كبيرة منذ القدم فهي زينة للطبقة الفقيرة التي لا تستطيع اقتناء الذهب، ومازال الإقبال عليها خصوصا مع ارتفاع أسعار الذهب، حسبه، أين تفضل نسوة التوجه نحو الفضة حي تتراوح أسعار «لمحزمة» و«السخاب» الفضيين على سبيل المثال وهي من القطع المشهورة التي تُرافق الأزياء التقليدية في المناسبات والأعراس من 50 ألف دينار إلى 60 ألف دينار.
ويحافظ حرفيون في الجزائر على الصناعة التقليدية في تشكيل الحلي عكس باقي دول العالم التي تأثرت فيها القطع بالعصرنة، وذكر يونس، أن قطعة «السخاب» التقليدية كانت تتميز بـ«واسطة» على شكل دمعة تتدلى منها قطع صغيرة مع بروز في تفاصيل الأشكال والاعتماد على حجر «العنبر»، أما العصري فيُصنع من «الكريستال» وتكون «الواسطة» رباعية الشكل وأكثر بساطة تتوسطها زهرة تحفها أوراق نباتية، وفي الجانبين السفليين تُعلق قطعتين طويلتين، وقد لاحظنا هذه الفروق في النوعين الذين رأيناهما أمامنا، وعقب التاجر أن القطعة الأصلية تبقى أساسية وأصلية.
كما تختلف الحلي الفضية في الجزائر من منطقة إلى أخرى وفقا لما أوضحه يونس، الذي أطلعنا على بعض القطع التي حدثنا عنها، كانت في واجهة المحل مثل «الشنتوف» وهو عبارة عن قلادة مصنوعة من «لويز» تشتهر في ولاية سوق أهراس، و«لقطينة» وهي نوع من الحلي الأوراسية.
لكل فئة عمرية تصميم خاص
وتختار كل فئة عمرية الحلي التي تلائم سنها، وذكر صاحب المحل أن الشابات يرتدين قطعا بسيطة مشيرا إلى القلائد، أساور اليد العصرية، ذات اللون الأبيض، أما النساء المتزوجات فيفضلن الفضة الصفراء التي يرتدينها في الأعراس والمناسبات وتكون في «لمحزمة»، «سخاب»، «أساور وخلاخل اليد»، «رديف» قطعة ترتديها المرأة في الرجل وتكون أكبر حجما من لخلخال، «لجبين» والتاج، وأوضح أن هذه القطع مشهورة لدى المرأة القسنطينية وتكون بيضاء اللون، ومختلفة عن التي ترتديها المرأة الأمازيغية مع زي المنطقة، أما المسنات فمازلن يقبلن على القطع البيضاء مثل «لمحزمة» التي كن يرتدينها كل يوم، غير أن هذه العادة تراجعت نتيجة تغير أسلوب الحياة وتأثير العصرنة.
ويرى البائع الذي ورث هذه الحرفة عن عائلته التي اشتُهرت بها منذ الستينات، أن التركيز على جودة المادة والإبداع يلعبان دورا في التفنن في تشكيل القطعة، مؤكدا أن هذه الصناعة تختلف من شخص إلى آخر حسب الموهبة.
قطع قديمة مازالت مطلوبة
توجهنا إلى زقاق «مقعد الحوت» باحثين عن محل قديم يشتهر بصناعة الحلي الفضية، فوجدنا محل الحرفي محمد الصالح، وداخله ورشة صغيرة، كان يُركب فيها محمد الصالح «سخاب» يدويا، عرفنا من خلال دردشة معه أنه مازال يحافظ على الأسلوب التقليدي اليدوي في صناعة الحلي، وقد كان ذلك واضحا في أشكال القطع التي كانت معروضة في المحل ذات الشكل الكبير نوعا ما، بالإضافة إلى شاشية قديمة مزينة بمسكوكات فضية ذات لون ذهبي.
وأوضح الحرفي، أن العملية معقدة نوعا ما، فهو يسكب الفضة المذابة في القالب حسب شكل القطعة فإذا كان خاتما يقصه ثم يبرده ويزينه بالحجر ليخرج في شكله النهائي، وقد لفتتنا أساور كان يحملها في يديه تبدو قديمة مثل التي كانت ترتديها الجدات قديما مزينة بنقوش لمربعات صغيرة سوداء اللون على قطعة بيضاء لامعة، أخبرنا أنها مصنوعة من الجاموس وقد صنعها لامرأة مسنة.
وبهذه الطريقة يحافظ محمد الصالح على هذا الإرث بالإضافة إلى «مقياس الصم» التي يتفنن في صناعتها ثم يعرضها في الواجهة الخارجية ليجذب شكلها «النوستالجي» الزبائن خصوصا وأن زقاق «مقعد الحوت» يشتهر منذ القدم بالتجارة، وعبر محدثنا في هذا الخصوص أنهم يحافظون أيضا على أصالة المكان وصموده في وجه النسيان.
الفضة القسنطينية تشتهر بـ «الفتلة»
وتحافظ الحلي الفضية على مكانتها في إطلالات نساء جزائريات، بالرغم من غلائها نوعا ما وفي هذه النقطة أوضح محمد الصالح أن السعر يكون حسب الميزان ويبدأ من 2500 دينار ويصل إلى 4000 دينار، وتحدث الحرفي عن قيمة القطع التقليدية المصنوعة باليد التي يرى أنها تكون أصلية أكثر عكس التي تتدخل الآلات في تشكيل تصاميمها.
كما تطرق أيضا إلى تفضيل الرجال ارتداء هذا النوع من الحلي، خصوصا وأننا رأينا في بعض المحلات تنوعا في العرض من خواتم مرصعة بأحجار وأخرى بسيطة، وقال المتحدث إن المغتربين أيضا يقبلون على شرائها خصوصا التي تكون كبيرة الحجم نوعا ما.
وتشتهر قسنطينة بحسب الحرفي والمهتم بالتراث، باستخدام «الفتلة» في صناعة حلي الفضة دون ترصيعها بالأحجار، مشيرا إلى قلائد «الزريعة»، «لمذابح»، كما أفاد أن هذه الحرفة قديمة في المدينة.
حفريات أثرية تدل على قدم صناعة الفضة في الجزائر
وفي حديثنا مع مديرة متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية «قصر الحاج أحمد باي» مريم قبايلية، عن القيمة التاريخية والتراثية لحلي الفضة، أخبرتنا أن هذه الصناعة موجودة منذ عصور قديمة في الجزائر وقد دلت حفريات أثرية، وأثاث جنائزي على وجود الحلي التقليدية وكذا في بقايا المدن القديمة.
تضيف أن الفضة في الجزائر كانت تُستخدم أيضا في صناعة الأواني خصوصا لدى العائلات الغنية، والأسلحة، وقد كشفت جولتنا في محلات قسنطينة ذلك حيث رأينا داخل إحدى الواجهات الزجاجية ملعقة وشوكة، بالإضافة إلى «مسبحة».
أما عن المناطق التي تشتهر بهذه الصناعة ذكرت قبايلية، الجنوب الكبير على غرار ولايات تمنراست، أدرار، غرداية، أما في الشرق فتوجد الحلي الأوراسية في باتنة، خنشلة، بسكرة، بينما تتميز قسنطينة بالحلي الفضية أو الذهبية والفضية معا لأن المرأة القسنطينية، وفقا لمديرة المتحف كانت تمزج بين المعدنيين ومازالت إلى يومنا هذا.
في حين يختلف الحلي الفضي القبائلي عما ذُكر سابقا وهو يتميز، بحسب قبايلية، بألوانه التي تحمل دلالات فالأزرق يشير إلى السماء، الأصفر إلى الشمس، الأخضر للأرض، أما المرجان فيرمز إلى اللون الأحمر أي الدم الذي رُويت به هذه الأرض منذ القدم خصوصا وأنها شهدت عدة معارك ضد كل من يريد غزوها.
وبالإضافة إلى الألوان يُزين حلي الفضة أيضا برموز هندسية وظفها الفنان الجزائري في تزيين الحلي الفخار، المنسوجات، وذكرت المتحدثة، المثلث على سبيل المثال ويرمز إلى الجمال والخصوبة، تضيف أنه استلهم من الطبيعية الأزهار والنباتات.
معتقدات ودلالات اجتماعية
ولم ترتبط الفضة بالجانب الجمالي فقط للمرأة لكن كل قطعة تحمل «شيفرة» اجتماعية يتخاطب من خلالها أفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال ذكرت مديرة قصر الحاج أحمد باي، أن «الرديف» وهو يشبه «الخلخال» لكنه أكبر حجما منه مرجعة ذلك إلى الصوت الذي يصنعه ويجعل الرجال يخلون الطريق للمرأة وهو نوع من الاحترام و«الحرمة».
كما توجد قطع ترتديها المرأة المتزوجة فقط مثل «لمحزمة»، فيما تُميز الفتاة عن المرأة بعدد «دمعات» «خيط الروح» وقالت قبايلية، إن دمعة واحد تدل على أن الشابة غير متزوجة، ثلاث دمعات تعني أنها متزوجة، خمسة تعني أنها أم، أما سبعة دمعات فتشير إلى مستوى المرأة الاجتماعي المرموق.
وكذلك المربعات الفضية الكبيرة أو كما تُعرف بـ«لحروز» التي يزين بها اللباس الأوراسي والنايلي، التي يشير عددها إلى الحالة الاجتماعية، وذكرت المتحدثة أن مربعا واحدا يعني أن الشابة مخطوبة، ومربعان يعني أنها متزوجة، وفي هذا السياق قالت قبايلية إن المجتمع الجزائري قديما كان ينتشر فيه الحياء لذلك كانوا لا يُحرجون بعضهم البعض بالسؤال بل يتعرفون من خلال اللباس والحلي على الوضعية الاجتماعية.
وتولي الدولة الجزائرية اهتماما بهذا الموروث، وفقا لقبايلية، حيث سبق وأن سجلت الجزائر سنة 2024 الزي النسوي الاحتفالي للجنوب الكبير مع عدد من الحلي الذهبية والفضية على غرار «سخاب»، «رديف»، «مسايس»، «مقايس»، «لكشطة» وهو نوع من الحلي الخاص بمدينة قسنطينية يشبه «لجبين الأوراسي» في التراث العالمي لدى «اليونيسكو»، وحفاظا على تراثها العريق وتعزيز هويتها الثقافية، قالت المتحدثة إن وزارة الثقافة والفنون أودعت شهر مارس المنصرم من سنة 2025 بصفة رسمية ملف الحلي القبائلية في التراث العالمي وهو قيد الدراسية.
صناعة الفضة تختلف في المناطق الجزائرية
من جانبه أفاد الحرفي المختص في الحلي التقليدية، محمد أمغشوش، من ولاية باتنة، أن كل منطقة في الجزائر لها خصائص في صناعة حلي الفضية وذكر أن «الحلي الأوراسية» تتميز بعدة تصاميم وبالحجرة الحمراء والخضراء وتُصنع بالسكب، كما تشتهر بكثرة الرموز خصوصا توظيف الحيوانات التي كانت وفقا للمعتقدات القديمة تحمي من الأرواح الشريرة، والأكثر شيوعا العقرب، الثعبان، التيس، الخمسة، الهلال والنجمة، فيما ترمز «لبزيمة» إلى العائلة الأب، الأم والأولاد.
أما الحلي التقليدية القبائلية فهي معروفة بأنها تُطلى بأربعة ألوان وتُزين بأحجار مرجانية، في حين تُصنع حلي الجنوب الكبير من مادة «النيكل» وهي تشبه الحديد تُصنع بالمثقب وتكون منقوشة باستخدام مضرب صغير ثم تُزين «بحطبة، وفقا للحرفي.
ا. ك
بعثت عودة المصاعد الهوائية بقسنطينة النشاط التجاري بعدة شوارع من المدينة القديمة ومحيط محطات “التيليفريك”، حيث دبت حركية المارة في عدة أنهج وأزقة بعدما سجلت تراجعا كبيرا خلال السنوات الماضية التي توقفت فيها هذه الوسيلة، في وقت سلطت فيه المصاعد الضوء على وجه مختلف من المدينة لدى المواطنين وزوارها من داخل الوطن وخارجه، فقد كشفت عن مشاهد جديدة لعدة معالم ومواقع سياحية تعرف إقبالا كبيرا وتعتبر من الملامح المميزة لقسنطينة.
روبورتاج: سامي حباطي
وبدأنا جولتنا الاستطلاعية من نقطة الدوران بحي الزيادية، التي يمثل محورا مفصليا يربط مجموعة من أحياء الجهة الشمالية الشرقية للمدينة بعضها ببعض. ولاحظنا في المكان أن الحركة المرورية استعادت سيولتها المعهودة منذ عدة أشهر، فقد أعيد فتح المسلك الجانبي المحاذي لنفق الزيادية يوم السبت الماضي بعد أشهر من الغلق، وذلك بعد أيام قليلة من عودة المصاعد الهوائية، ما خلق أريحية للسائقين الذين يمرون عبر نقطة الدوران المذكورة من أجل الوصول إلى وسط المدينة من خلال جسر صالح باي أو أحياء سيدي مبروك عبر المنصورة وغيرها. وكان السائقون يضطرون خلال الأشهر الماضية إلى المرور عبر مسالك ضيقة بحي الأمير عبد القادر، من بينها بعض الطرق غير المهيأة، مواجهين الازدحام المروري، في وقت كان يعاني المواطنون من نقص سيارات الأجرة التي تنشط على خط الزيادية نحو وسط المدينة نتيجة استغراق سائقي الأجرة وقتا طويلا للذهاب والإياب عبر الخط.
ووجدنا عند محيط نقطة الدوران مجموعة من سيارات الأجرة المتوفرة لنقل المواطنين إلى وسط المدينة، في حين كان عدد كبير من المارة يتجهون إلى محطة الأمير عبد القادر القريبة من المكان نفسه من أجل ركوب المصاعد الهوائية. ولاحظنا بمجرد دخول المحطة أن نسبة كبيرة من الوافدين على “التيليفريك” يسعون لاختبار تجربة المصاعد الهوائية، حيث أخبرتنا مجموعة من سبع مراهقات أنهن سيجربن ركوبها لأول مرة، في حين أوضح لنا شاب يبدو في الثلاثينيات أنه اعتاد استعمال المصاعد الهوائية قبل ما يقارب ثمان سنوات من توقفها، ليعود إليها اليوم على إثر تشغيلها مجددا لأنها تسهل وصوله لمكان عمله خلال وقت قصير.
التيليفريك ينهي مشكلة نقص وسائل النقل من الزيادية إلى وسط المدينة
واشترينا تذكرة مقابل ثلاثين دينارا، حيث لاحظنا أنها تحمل ترقيما قريبا من 16 ألف، في حين ركب معنا مراهقان وشخص مع ابنته، إذ استخرج جميع مرافقينا هواتفهم لالتقاط الصور بمجرد انطلاق التيليفريك نحو وسط المدينة. وقد أكد لنا مرافقونا أنها المرة الأولى التي يستعملون فيها هذه الوسيلة منذ إعادة افتتاحها، بينما لاحظنا على امتداد الجزء الأول لخط المصاعد الهوائية من الأمير عبد القادر إلى غاية محطة المستشفى الجامعي ابن باديس قد سلط الضوء على عدة أحياء متفرعة من الشوارع الرئيسية، إذ لم تكن جلية للركاب من قبل عبر المسارات المعهودة التي تسلكها وسائل النقل الأخرى، مثل الحافلات وسيارات الأجرة، فضلا عن أن المتجهين نحو وسط المدينة أصبح بإمكانهم رؤية عدة معالم تاريخية عبر الجزء الأول من الخط.
ويلاحظ أن الركاب بوسعهم مشاهدة المسالك والأنهج الفرعية لحيي محمد لوصيف الذي كان معروفا بتسمية “حي غايار” وحي الإخوة بوشامة وأجزاء من حي باب القنطرة، على غرار شارع بيار وماري كوري ومتقن الإخوة بسكري المشيد على النمط العمراني للقرن التاسع عشر، إلى جانب الأسقف المختلفة للبنايات المشيدة بنمط عمراني قديم، بالإضافة إلى الجهة الواقعة أسفل المستشفى الجامعي ابن باديس وامتدادها إلى حديقة بورصاص التي خضعت لعملية إعادة تأهيل مؤخرا، وأصبحت تستقطب المواطنين إليها، إلى جانب أجزاء من شوارع باب القنطرة على غرار شارع بلعايب محمد.
وقال ركاب للمصاعد الهوائية الذين تحدثنا إليهم إن الرؤية من التيليفريك تمنحهم تصورا جديدا ومختلفا عن المدينة وأحيائها، خصوصا في الجزء الثاني من محطة المستشفى الجامعي ابن باديس إلى غاية محطة طاطاش بلقاسم، فقُمرة المصعد، بمجرد انطلاقها، تمر فوق صوامع تخزين الحبوب القديمة بباب القنطرة، لتعبر بعد ذلك هاوية وادي الرمال الشهيرة، فتتيح إطلالة مختلفة على حديقة سوسة والجسور الطبيعية لهاوية الرمال، التي يطلق عليها سكان المدينة تسمية “الريميس” نسبة إلى المهندس فرديريك ريماس الذي صمم درب السياح نهاية القرن التاسع عشر، فضلا عن أنها تسمح بمشاهدة جسر باب القنطرة وجسر سيدي مسيد المعلق على الجهة الأخرى والنسيج العمراني للمدينة القديمة انطلاقا من حي الشارع إلى غاية القصبة وطريق جديدة وأجزاء من رحبة الصوف.وينعكس انبهار المواطنين والزوار بالمشاهد الجديدة التي سمح التيليفريك بالتقاطها للمدينة في المئات من المقاطع والصور المنشورة حول المدينة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على غرار ما لاحظناه على منصة “تيكتوك” التي تداول فيها المستخدمون عبر صفحاتهم الشخصية والمهنية خبر عودة الاستغلال التجاري للمصاعد الهوائية، فضلا عن مقاطع الفيديو المختلفة المصورة انطلاقا من المصاعد، كما شارك بعض المستخدمين تجربتهم المتميزة في ركوب “التيليفريك” وحققت مشاهدات عالية جدا، مثلما يبدو من إحصائيات التفاعل معها.
المحلات تعود للنشاط بمحيط محطة التيليفريك بشارع ديدوش مراد
ويتوافد على المصاعد الهوائية عددٌ كبير من زوار المدينة من الولايات الأخرى، حيث رافقنا اثنان من ولاية مجاورة عندما قمنا بتغيير القُمرة عند محطة المستشفى الجامعي، ليسألاننا عن كيفية الوصول إلى جسر صالح باي وجامع الأمير عبد القادر بعدما استطاعوا مشاهدته من الجهة الواقعة فوق باب القنطرة. وقد لاحظنا أن جزءا كبيرا من المدينة انطلاقا من باب القنطرة إلى شارع زعموش يظهر من التليفريك عند المرور فوق مسجد التقوى، فضلا عن امتدادات قسنطينة في الجهة المفضية إلى زواغي وحي الصنوبر، في حين يمكن مشاهدة الجزء الشمالي الشرقي المعروف بتسمية “محجرة قنص” أيضا من الموقع نفسه تقريبا.أما على مستوى وسط المدينة، فقد بعثت عودة المصاعد الهوائية الحركية التجارية في المدينة القديمة، حيث غادرنا محطة طاطاش بلقاسم عبر الجهة العليا أولا من النهج المؤدي إلى شارع ديدوش مراد، أين عادت طاولات البائعين إلى المكان بعد سنوات من توقفها، على غرار طاولات بيع الأطعمة والحلويات وبعض الأغراض التذكارية. وتوقفنا في المكان لمعاينة حركية المواطنين الوافدين على المكان، فوجدنا أن أكثر من 20 شخصا خرجوا من المحطة في دقيقة واحدة، في حين امتدت الحركية التجارية إلى الجزء السفلي من شارع ديدوش مراد الذي سجل من قبل ركودا نسبيا مقارنة بما كان عليه سابقا، كما وجدنا شابين يقومان بنصب طاولة لبيع العطور عند أحد زوايا الشارع، غير بعيد عن محطة التيليفريك.وذكر لنا تجار في شارع ديدوش مراد أن عدد الزبائن المتوافدين على محلاتهم تزايد مقارنة بما كان يسجل قبل إعادة تشغيل المصاعد الهوائية، في حين لاحظنا عددا من المحلات التي أصبح أصحابها يعرضونها للكراء في هذا الشارع أيضا. وامتد أثر عودة المصاعد الهوائية أيضا إلى الجهة السفلى من المحطة، حيث أوضح لنا تجار بنهج عوسات محمد أنهم لاحظوا عودة لحركية المارة عبر هذا المسار المفضي إلى رحبة الصوف، ثم منها إلى أجزاء أخرى من المدينة القديمة مقارنة بما كانت عليه في أوقات سابقة، فرغم أنها ظلت دائما القلب النابض للمدينة القديمة، إلا أن التجار فيها يؤكدون تراجعا محسوسا في السنوات الماضية؛ يعزونه لتوقف التيليفريك بالدرجة الأولى ومنافسة الأقطاب الجديدة للتسوق، في وقت يعبرون فيه اليوم عن تفاؤلهم بإعادة تشغيله.
س.ح
يرتبط فلاحو بلدية بني حميدان بولاية قسنطينة، بأرضهم ارتباطا وثيقا، يتجلى في امتهانهم للفلاحة، التي تعد جزءا من يومياتهم ونشاطا متوارثا عن الأجداد، يمارسه أبناء المنطقة بشغف، ويعتبرونه أحد أشكال التعبير عن الانتماء للأرض، ما جعل موسم الجني ببني حميدان، طقسا جماعيا يشهد مشاركة واسعة للأطفال والنساء للاحتفاء بخيرات المنطقة، واستذكار التقاليد.
ربورتاج / لينة دلول
حركية كبيرة خلال جني البازلاء
مع حلول موسم جني البازلاء والفول تتحول سهول بني حميدان الخصبة ومساحاتها الخضراء إلى خلية نحل تعج بحركة المزارعين وعائلاتهم، وقبلة للزوار من داخل وخارج الولاية، للظفر بمحاصيلها المعروفة بجودتها وتميز مذاقها، وهو ما وقفنا عليه خلال جولتنا بالمنطقة، أين شاركنا أبناء البلدية أجواء موسم جني الفول والبازلاء، وشاهدنا حركة الفلاحين الذين باشروا جني محاصيلهم الزراعية بكل حماس ومتعة، الذين تحدثوا للنصر عن سر تعلقهم بخدمة الأرض وما تعنيه الفلاحة بالنسبة لهم،
فهي في نظرهم ليست مجرد مهنة، بل عادة متوراثة والاحتفاء بجني المحصول تقليد سنوي لا يقتصر على الفلاحين فحسب وإنما يشمل حتى النساء والأطفال، وهو ما أكده أحد شباب المنطقة، في حديثه إلينا قائلا، إن موسم الجني لا يقتصر فقط على الفلاحين الأصليين، بل يعرف مشاركة واسعة للأطفال والنساء والرجال والشباب، منهم من قدموا من مناطق قريبة كميلة والقرارم، ومن من بلديات مجاورة، للمساهمة في هذه الحركية الموسمية التي تمثل بالنسبة للكثيرين مصدر رزق وفرصة لإحياء تقاليد الآباء والأجداد.
أصوات من الحقول تعبر عن التحدي والشغف
يستمتع المتجول بين حقول البازلاء والفول، بأصوات الفلاحين المعبرة عن سعادتهم بجني محصول وفير وبجودته، وينبهر بمدى تماسك أبناء العائلة الواحدة، حيث وجدنا عائلات بنسائها وأطفالها تتسابقن لجني المحصول ويتناقشن عن خصوصية منتوج هذا الموسم، فرحين بتحسنه ووفرته مقارنة بالعام الماضي.
وفي حديثنا مع عدد من الفلاحين، قال جلهم إنهم يبدأون يومهم مع أولى خيوط الفجر، حيث يتجمعون وسط الحقول، ثم ينقسمون إلى مجموعات صغيرة، توزع كل مجموعة على مساحة معينة وفق خطة عمل منظمة، وبمجرد توزيع الأفواج، تنطلق عملية الجني التي تستمر بوتيرة متسارعة حتى حدود الساعة العاشرة صباحا، وبعد انتهاء الجني، تبدأ مرحلة أخرى لا تقل أهمية، حيث يعرض الفلاحون ما جنوه من خيرات على تجار يقصدون المنطقة خصيصا، للظفر بأجود المحاصيل من فول وبازلاء المعروفة بطراوتها وجودتها العالية.
قال الفلاح عمار، المنحدر من بلدية بني حميدان، إنه يمارس النشاط الفلاحي منذ سنوات طويلة، متخصصا بالأساس في شعبة البقول الجافة، مثل الفول، البازلاء « الجلبانة «، الحمص، والعدس، موضحا أنه يبدأ عمله مع بزوغ الفجر، ويستمر إلى منتصف النهار، ليأخذ فترة راحة ثم يواصل نشاطه الفلاحي إلى غاية غروب الشمس، مضيفا أن عمل الفلاح لا يتوقف عند جني المحاصيل، بل يتطلب متابعة يومية دقيقة، مردفا بأنه يولي عناية خاصة بمحاصيله من خلال الحرص على تنظيف الحقول من الأعشاب الضارة بشكل دوري، ومعالجة النباتات ضد الأمراض لضمان جودة الإنتاج.
وقد عبر عمار عن معاناته من صعوبة العمل الفلاحي بالطرق التقليدية، خاصة في ظل نقص العتاد الفلاحي الحديث الذي من شأنه أن يخفف من مشقة العمل ويحسن الإنتاجية، وبالرغم من ذلك يفضل ممارسة الفلاحة التي ورثها عن والده ويعتبرها جزءا من هويته وتاريخه العائلي، على نشاط آخر، لتعلقه بممارستها واعتمادها كمصدر رئيسي للعيش.
فول بني حميدان يحظى بمكانة خاصة في الأسواق المحلية
وعن طبيعة منتوجات بني حميدان الفلاحية، قال بأنها تحظى بمكانة متميزة في الأسواق المحلية خاصة البقول الجافة، نظرا لجودتها العالية ومذاقها المتميز الذي يعكس خصوبة أرض المنطقة ونقاء مياهها.
وهو ما أكد عليه الفلاح الندير، صاحب 23 سنة، قائلا أن بلدية بني حميدان من المناطق المشهورة بجودة منتوجاتها الفلاحية، خاصة منتوج البازلاء والفول، نتيجة اعتماد مصادر المياه الطبيعية في السقي، والتي أعطت مذاقا مميزا للمحاصيل، إلى جانب جودة التربة، مبرزا نظام عمل فلاح المنطقة والذي يعد هو الآخر عاملا مساهما في توفير محصول وفير وجيد.
وبالحديث عن يومياته، قال إنه يبدأ يومه مبكرا في حدود الساعة الخامسة صباحا، حيث يتوجه أولا إلى المقهى المحلي، قبل أن يلتقي بأصدقائه للانطلاق إلى الحقول، مشيرا إلى أنه وخلال شهر رمضان، كان يولي عناية خاصة بالنباتات، حيث كان يسقيها في الفترة ما بين السحور وحتى غروب الشمس، في عمل يستمر قرابة أربع ساعات يوميا، ما يعكس التزامه الكبير بالمحافظة على جودة المحاصيل وضمان نموها السليم رغم مشقة الصيام والعمل تحت أشعة الشمس.
وأكد الشاب أن الفلاحة بالنسبة له ليست مجرد مهنة، بل هواية متوارثة عن الأجداد، قائلا إنه يجد متعة كبيرة في العمل بالأرض، سواء خلال موسم الحصاد أو في بقية أيام السنة، مضيفا بأنه مع حلول فصل الصيف، يحول نشاطه إلى تجارة بسيطة، حيث يقوم ببيع «البراج» واللبن، محافظًا على صلته بالأرض ومنتجاتها الطبيعية.
عملية الجني هواية متوارثة عن الأجداد
من جهته، أكد رمزي، أحد فلاحي المنطقة أنه، كغيره من أبناء المنطقة، يستيقظ في الصباح الباكر من أجل جني محصول البازلاء، ويعتبر عملية الجني بالنسبة له هواية وشغفا قبل أن تكون عملا بدأ في ممارسته في سن مبكر، وخدمة الأرض جزءا أساسيا من حياته اليومية.وأوضح رمزي، أن هذا الارتباط الوثيق بالمهنة هو السر الحقيقي وراء تميز منتوجات بني حميدان، التي باتت تحظى بسمعة طيبة وتجذب العديد من الزبائن من مختلف المناطق، باعتبار أن من يشتغلون بها يعرفون أسرار الفلاحة ومراحل الإنتاج من الألف إلى الياء، وهو ما ينعكس إيجابا على جودة المحاصيل.وفي السياق ذاته، أبرز أن العديد من شباب المنطقة ينشطون في هذا المجال الواعد، حيث نشأوا منذ صغرهم وهم يمارسون مختلف الأعمال الفلاحية، مما أكسبهم خبرة كبيرة ووطد صلتهم بالأرض.
قال الفلاح الشاب عماد مقري، المنحدر من بلدية بني حميدان، بأنه جاء رفقة عدد من جيرانه إلى الحقول الفلاحية من أجل حصد محصول الفول، وكسب أجر محترم خلال هذا الموسم الزراعي، مشيرا في ذات السياق، إلى أن منطقة بني حميدان تعد من أهم المناطق الفلاحية، حيث يعتمد أغلب سكانها على المواسم الفلاحية كمصدر أساسي للعمل والدخل، مضيفا بأن موسم جني محصولي الفول والبازلاء، يستقطب زوارا من مختلف الولايات المجاورة، على غرار سطيف وبرج بوعريريج، لما تتميز به محاصيلها من جودة عالية. لم يخف عماد مقري بعض الصعوبات التي تواجهه خلال عمله في الحقول، أبرزها برودة الطقس والصقيع الذي يخيم على المنطقة خلال ساعات الصباح الباكر، ما يزيد من مشقة العمل ويؤثر أحيانا على جودة الحصاد.
جني صندوق من الفول بـ120 دينارا
وبحسب ما وقفنا عليه، فإن العاملون يتقاضون في الجني أجرة رمزية مقابل تعبهم، حيث تتراوح كلفة جني صندوق واحد من الفول بين 100 إلى 120 دينارا ، ما يجعل الموسم فرصة حقيقية لكسب دخل إضافي، بالإضافة إلى التمسك بمهنة توارثوها جيلا بعد جيل.
ل.د