يفضل أولياء استثمار فترة العطلة الصيفية في تسجيل أبنائهم بمدارس قرآنية، تفتح أبوابها هذه الفترة من السنة للراغبين في حفظ كتاب الله وتدبر معانيه، ويعتبرونها فضاء لتهذيب السلوك والتخلص من العادات السلبية كإدمان الشاشات الإلكترونية، وحصن يحميهم من خطر الشارع، ويغرس القيم الدينية في نفوسهم، وهو ما تحدث بشأنه معلمين، قالوا بأنهم غيروا من إستراتيجية التحفيظ في العطل، بإنشاء مجموعات خاصة على تطبيق «تيليغرام»، وتنظيم حلقات في فضاءات مفتوحة، لتحقيق النتائج المرجوة وتجنب الغيابات المتكررة.
روبورتاج / لينة دلول
خلال زيارة ميدانية للنصر لعدد من المدارس القرآنية الصيفية بقسنطينة، من بينها تلك الموجودة بمسجد الصمد، ومسجد الفرقان، ومسجد البيضاوي، لاحظنا إقبالا كبيرا للأطفال لا يتعدى سنهم 17 سنة على حلقات تحفيظ القرآن، وهم يحملون مصاحف ودفاتر صغيرة، مبدين استعدادهم للالتحاق بحلقات التحفيظ، وبعد الحديث إليهم تبين أن بعضهم من المسجلين بها طوال السنة، والبعض الآخر التحق مع بداية برنامج جديد مخصص للعطلة الصيفية، غير أن رغبتهم واحدة وهي حفظ ما تيسر من كتاب الله والسعي لكسب المراتب الأولى في الاختبار للظفر بجوائز.
بعدها التحقنا بالقاعات المخصصة للتحفيظ، أين يجتمع المعلمون والأطفال مكونين حلقات، مقسمة حسب الفئات العمرية والبرنامج المسطر، حيث قالت معلمة للنصر أن منهجية التحفيظ تختلف باختلاف طبيعة الفوج، حيث تعتمد في تحفيظ فوج الصغار الذين لا يتعدى سنهم العشر سنوات، على منهجية القراءة بالتكرار لتسهيل ترسيخ الآيات، مع مراعاة قدرات كل طفل، وإعطاء كل واحد منهم وقتا خاصا.
أما الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 سنة، فيوزعون ضمن حلقات جماعية، تضم كل حلقة حوالي 12 طفلا، يعتمدون طريقة الحفظ الثنائي، وبعدها الاستظهار الجماعي، وهو أسلوب تراه مجديا بالنسبة لهذه الفئة خصيصا، حيث يخلق نوعا من المنافسة الإيجابية وينمي روح الفريق، ويشجع على المواصلة وتحقيق الأفضل.
ولاحظنا خلال تنقلنا بين حلقات التحفيظ، أن هناك من فضل الحفظ الفردي والانزواء، في إحدى الزوايا الهادئة البعيدة نوعا ما عن الحلقات، وهي الطريقة الأنسب بالنسبة لهم ويصفونها بالمجدية وتساعد على الحفظ بسرعة، حيث يأخذون متسعا من الوقت في الحفظ قبل التقدم قبل نهاية الحصة أمام المعلمة واستظهار ما تم حفظه.
حلقات تحفيظ عبر «التلغرام» و في الفضاءات المفتوحة
وما لفتنا أن معلمين لم يتقيدوا بالتحفيظ داخل المدارس القرآنية والمساجد، وفضلوا اللجوء لفضاءات مفتوحة كنوع من التغيير الذي يساعد في استقطاب عدد أكبر ويحفز على الحفظ، يقول معلمون أنهم اعتمدوا أساليب مبتكرة، تجمع بين التعلم والترفيه، من خلال تنظيم خرجات جماعية إلى الحدائق والغابات والمحميات الطبيعية خلال عطلة نهاية الأسبوع، بهدف الترويح عن النفس من جهة، وتحفيز الأطفال على المواظبة وعدم التغيب عن الحصص من جهة أخرى.
كما أنشأوا مجموعات خاصة على تطبيق «تيليغرام»، للتواصل والمتابعة عن بعد، والتي ساهمت حسبهم في خلق أجواء منافسة إيجابية.وعن سر الإقبال المتزايد، قال معلمون تحدثت إليهم «النصر»، بأنه يعكس مدى وعي الأولياء بأهمية المدراس القرآنية ودورها في ضبط سلوك الطفل وتقوية ذاكرته، وتهيئته نفسيا وفكريا لبداية موسم دراسي جديد، وغرس القيم الدينية لديه.
* إمام مسجد الصمد الشيخ محمد نجيب بطو
نهدف لاستقطاب الناشئة وشغل فراغها بالقرآن والقيم
أكد الشيخ محمد نجيب بطو، إمام بمسجد الصمد، أن الهدف الأساسي من تنظيم المدارس القرآنية الصيفية هو استقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال والفتيان من مختلف الأعمار، لحفظ كتاب الله وتعلم قواعد التلاوة والتجويد.
وأوضح المتحدث، أن المدارس تستقبل الأطفال بداية من سن 6 سنوات إلى 17 سنة، مع تسجيل إقبال أكبر من طرف الفئة العمرية ما بين 6 و14 سنة، سواء من الذكور أو الإناث، ويرى أن هذا التوجه يعكس وعي الأولياء بضرورة استثمار العطلة الصيفية في ما ينفع الأبناء.
وحسب وجهة نظر الإمام، فإن أن المدرسة القرآنية الصيفية لا يقتصر دورها على التحفيظ فقط، وإنما تؤدي دورا تعليمي آخر يشمل غرس القيم والآداب الإسلامية، وتعزيز الأخلاق الحميدة لدى الناشئة، موضحا أن المسجد يعمل على توفير بيئة تربوية شاملة، تتخللها أيضا نشاطات ترفيهية متنوعة بهدف كسر الروتين وتحفيز الأطفال على الاستمرار.
وفيما يخص منهجية العمل، أكد الإمام أن المؤطرين يعتمدون على مبدأ التلقين المباشر للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، نظرا لحاجتهم إلى التكرار والتمكين، بينما يسمح لمن هم أكبر سنا بالحفظ الذاتي بعد الاستماع الجيد للآيات التي يتلوها عليهم المعلم، لتجنب الأخطاء في الحفظ، مشيرا إلى أنهم يولون اهتماما كبيرا لتصحيح النطق ومخارج الحروف، لأن إتقان التلاوة يعد أساسا في تعليم القرآن.
وأضاف أن المدرسة تضم حوالي 60 طفلا سنويا على الأقل، وهو عدد مستقر نسبيا، رغم التفاوت في الإقبال من سنة إلى أخرى.
وفي خطوة لمواكبة التحول الرقمي، كشف الشيخ عن استخدامهم تطبيق «تيليغرام» لتشكيل مجموعات افتراضية يتم من خلالها متابعة الحفظ عن بعد، والتواصل مع الأطفال لتسريع وتيرة الحفظ ومتابعة التقدم الفردي ولتحقيق التوازن بين التعلم وراحة النفس، تقوم المدرسة بتنظيم خرجات ترفيهية دورية إلى الفضاءات الطبيعية، وهو ما يُسهم، حسبه، في ترسيخ حب الأطفال للمدرسة القرآنية وتشجيعهم على الانضباط.
* كريمة طراد معلمة بمسجد الفرقان
نغرس السيرة والقيم في قلوب الأطفال
من جهتها، أكدت المعلمة كريمة طراد، وهي متطوعة بمسجد الفرقان، أن الهدف الرئيسي من المدرسة الصيفية هو تحفيظ الأطفال كتاب الله عز وجل، وتعريفهم بالسيرة النبوية وقصص الأنبياء، ومرافقتهم في مسار تربوي أخلاقي شامل. وأوضحت أن المدارس تستقبل الأطفال من سن 6 سنوات فما فوق، وتقوم بتكييف طرق التعليم حسب أعمارهم، فبالنسبة للفئات الصغيرة، تعتمد كريمة أسلوب التقريب العاطفي والاحتضان التربوي، حيث تسعى لكسب ثقة الطفل وتقريبه منها، مما يسهل عليه التلقي والتفاعل، بينما تدرس الفئة الأكبر سنا قواعد القراءة الصحيحة للقرآن، قبل أن تترك لهم فرصة الحفظ الذاتي، ثم يقومون بعرض ما حفظوه لاحقا.
وأضافت أن أيام الدراسة تمتد إلى أربعة أيام في الأسبوع، وهي مدة كافية لتلقين الآيات ومتابعة الحفظ، لكنها لاحظت أن الإقبال هذا العام شهد بعض التراجع على مستوى مسجد الفرقان مقارنة بالسنوات الماضية، مرجعة السبب إلى اختيار البعض التسجيل دورات اللغات الأجنبية، والحساب الذهني، والروبوتيك.
سرد قصص الأنبياء وتعليم الأحاديث لتهذيب السلوك
ورغم ذلك، تواصل كريمة العمل بحماس، مؤكدة أنها تعتمد في منهجها على التلقين المتدرج لكل فئة عمرية حسب مستواها، إلى جانب سرد قصص الأنبياء وتعليم الأحاديث النبوية، وهو ما تعتبره أسلوبا فعالا لغرس القيم وتقويم السلوك. وأبرزت المتحدثة، أن العمل في المدرسة القرآنية ليس تعليميا فقط، بل هو عمل تربوي في جوهره، مشيرة إلى أنها لاحظت تغيرا إيجابيا في سلوك العديد من الأطفال، الذين أصبحوا أكثر انضباطا وتهذيبا ووعيا بعد التحاقهم بهذه المدرسة.
* المعلم برهان مجعوط بمسجد البيضاوي
الإعلان المبكر والمرونة في التنظيم يعززان الإقبال
من جانبه، أوضح المعلم برهان مجعوط، من مسجد البيضاوي، أن إدارة المسجد تعمل في كل موسم صيفي على الترويج لانطلاق المدرسة القرآنية الصيفية، من خلال الإعلان عنها خلال خطب الجمعة، وكذلك عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال والأولياء.
وأكد برهان أن الإقبال على المدرسة يكون مرتفعا في البداية، ثم يتراجع نسبيا بسبب سفر بعض العائلات أو انشغال الأطفال بأنشطة موازية، مشيرا إلى أن باب التسجيل يبقى مفتوحا أمام الجميع، مع التركيز أساسا على الناشئة الذين يبدون اهتماما كبيرا بالحفظ والمشاركة، مضيفا أن أيام الدراسة تمتد من السبت إلى الخميس، وهو ما يساعد الأطفال على المداومة دون انقطاع، ويقلل من فرص نسيان ما تم حفظه. ل د