السبت 23 أوت 2025 الموافق لـ 28 صفر 1447
Accueil Top Pub

ارتفاع أسعار الذهب زاد الإقبال عليها: الحلي الفضية لغة اجتماعية مشفرة وإبراز للجانب الجمالي


تعبر الحلي الفضية التقليدية عن لغة اجتماعية مشفرة، وتعكس صورة عن الأصالة، كما ترتبط بعض قطعها بدلالات ومعتقدات، حسب ما أكدته باحثة في الآثار للنصر، تشير إلى المستوى الاجتماعي والثقافي من خلال الرموز الموظفة فيها وبعض الألوان،وكذا حرفيون التقت بهم النصر، وتحدثوا عن اختلاف صناعتها من منطقة إلى أخرى في الجزائر، وكيفية حفاظهم على القطع التقليدية الثمينة تراثيا.

روبورتاج / إيناس كبير

شملت جولتنا محلات قديمة متواجدة في قسنطينة، على غرار شارع 19 جوان وشارع «مقعد الحوت» بوسط المدينة، ومن خلال دردشتنا مع أصحابها أخبرونا أنهم ليسوا تجارا فحسب بل هم حرفيون أيضا تشربوا منذ صغرهم هواية صناعة الحلي التقليدية ويتوارثونها أبا عن جد.
وقد عكس شكل محلاتهم ذلك، حيث لاحظنا أنها لا تحافظ فقط على هذه الحرفة فزائرها يشم في تلك المساحات الصغيرة ذات الواجهات البسيطة رائحة المكان، وكأننا دخلنا في صندوق عاد بنا إلى ذلك الماضي الذي تحرص فيه المرأة الجزائرية على زينتها فخرا بأنوثتها التي تدلل عليها بارتداء الحلي سواء «محزمة»، خواتم، قلائد، الأقراط، والأساور، وكلها مبينة في صور كانت معلقة على الجدران، وكذا في الواجهات الزجاجية التي تعرض أنواعا عديدة أغلبها تقليدية.
ويحافظ تاجران على الأسلوب التقليدي في تشكيل الحلي مثل الحجم الكبير للقطعة، وكذا النقوش المزينة بها، وقد تعرفنا معهما على القطع الخاصة بكل منطقة وكذا التي تشتهر بها قسنطينة، بخلاف بعض المحلات التي وقفنا أمام واجهاتها وكانت تركز على عرض حلي فضية عصرية صغيرة الحجم، وبسيطة الشكل، مع تصاميم بأشكال متنوعة أو اسم الشخص وهي مخصصة لتجذب الشابات.
الحلي الفضية التقليدية هي الأصل

تحدثنا مع يونس وهو تاجر متخصص في بيع الحلي الفضية، بشارع 19 جوان، حيث قال إن الفضة مازالت تحافظ على قيمتها بالرغم من منافسة عدة معادن جديدة التي تبقى مجرد موضة، ويكتسب هذا المعدن قيمته وفقا للتاجر، من ذكره في القرآن الكريم مقرونا بالذهب على أنهما من المعادن النفيسة.
أما عن الحلي الفضية في المجتمع الجزائري، فقال إنها تعرف شعبية كبيرة منذ القدم فهي زينة للطبقة الفقيرة التي لا تستطيع اقتناء الذهب، ومازال الإقبال عليها خصوصا مع ارتفاع أسعار الذهب، حسبه، أين تفضل نسوة التوجه نحو الفضة حي تتراوح أسعار «لمحزمة» و«السخاب» الفضيين على سبيل المثال وهي من القطع المشهورة التي تُرافق الأزياء التقليدية في المناسبات والأعراس من 50 ألف دينار إلى 60 ألف دينار.
ويحافظ حرفيون في الجزائر على الصناعة التقليدية في تشكيل الحلي عكس باقي دول العالم التي تأثرت فيها القطع بالعصرنة، وذكر يونس، أن قطعة «السخاب» التقليدية كانت تتميز بـ«واسطة» على شكل دمعة تتدلى منها قطع صغيرة مع بروز في تفاصيل الأشكال والاعتماد على حجر «العنبر»، أما العصري فيُصنع من «الكريستال» وتكون «الواسطة» رباعية الشكل وأكثر بساطة تتوسطها زهرة تحفها أوراق نباتية، وفي الجانبين السفليين تُعلق قطعتين طويلتين، وقد لاحظنا هذه الفروق في النوعين الذين رأيناهما أمامنا، وعقب التاجر أن القطعة الأصلية تبقى أساسية وأصلية.
كما تختلف الحلي الفضية في الجزائر من منطقة إلى أخرى وفقا لما أوضحه يونس، الذي أطلعنا على بعض القطع التي حدثنا عنها، كانت في واجهة المحل مثل «الشنتوف» وهو عبارة عن قلادة مصنوعة من «لويز» تشتهر في ولاية سوق أهراس، و«لقطينة» وهي نوع من الحلي الأوراسية.
لكل فئة عمرية تصميم خاص

وتختار كل فئة عمرية الحلي التي تلائم سنها، وذكر صاحب المحل أن الشابات يرتدين قطعا بسيطة مشيرا إلى القلائد، أساور اليد العصرية، ذات اللون الأبيض، أما النساء المتزوجات فيفضلن الفضة الصفراء التي يرتدينها في الأعراس والمناسبات وتكون في «لمحزمة»، «سخاب»، «أساور وخلاخل اليد»، «رديف» قطعة ترتديها المرأة في الرجل وتكون أكبر حجما من لخلخال، «لجبين» والتاج، وأوضح أن هذه القطع مشهورة لدى المرأة القسنطينية وتكون بيضاء اللون، ومختلفة عن التي ترتديها المرأة الأمازيغية مع زي المنطقة، أما المسنات فمازلن يقبلن على القطع البيضاء مثل «لمحزمة» التي كن يرتدينها كل يوم، غير أن هذه العادة تراجعت نتيجة تغير أسلوب الحياة وتأثير العصرنة.
ويرى البائع الذي ورث هذه الحرفة عن عائلته التي اشتُهرت بها منذ الستينات، أن التركيز على جودة المادة والإبداع يلعبان دورا في التفنن في تشكيل القطعة، مؤكدا أن هذه الصناعة تختلف من شخص إلى آخر حسب الموهبة.
قطع قديمة مازالت مطلوبة
توجهنا إلى زقاق «مقعد الحوت» باحثين عن محل قديم يشتهر بصناعة الحلي الفضية، فوجدنا محل الحرفي محمد الصالح، وداخله ورشة صغيرة، كان يُركب فيها محمد الصالح «سخاب» يدويا، عرفنا من خلال دردشة معه أنه مازال يحافظ على الأسلوب التقليدي اليدوي في صناعة الحلي، وقد كان ذلك واضحا في أشكال القطع التي كانت معروضة في المحل ذات الشكل الكبير نوعا ما، بالإضافة إلى شاشية قديمة مزينة بمسكوكات فضية ذات لون ذهبي.
وأوضح الحرفي، أن العملية معقدة نوعا ما، فهو يسكب الفضة المذابة في القالب حسب شكل القطعة فإذا كان خاتما يقصه ثم يبرده ويزينه بالحجر ليخرج في شكله النهائي، وقد لفتتنا أساور كان يحملها في يديه تبدو قديمة مثل التي كانت ترتديها الجدات قديما مزينة بنقوش لمربعات صغيرة سوداء اللون على قطعة بيضاء لامعة، أخبرنا أنها مصنوعة من الجاموس وقد صنعها لامرأة مسنة.
وبهذه الطريقة يحافظ محمد الصالح على هذا الإرث بالإضافة إلى «مقياس الصم» التي يتفنن في صناعتها ثم يعرضها في الواجهة الخارجية ليجذب شكلها «النوستالجي» الزبائن خصوصا وأن زقاق «مقعد الحوت» يشتهر منذ القدم بالتجارة، وعبر محدثنا في هذا الخصوص أنهم يحافظون أيضا على أصالة المكان وصموده في وجه النسيان.
الفضة القسنطينية تشتهر بـ «الفتلة»
وتحافظ الحلي الفضية على مكانتها في إطلالات نساء جزائريات، بالرغم من غلائها نوعا ما وفي هذه النقطة أوضح محمد الصالح أن السعر يكون حسب الميزان ويبدأ من 2500 دينار ويصل إلى 4000 دينار، وتحدث الحرفي عن قيمة القطع التقليدية المصنوعة باليد التي يرى أنها تكون أصلية أكثر عكس التي تتدخل الآلات في تشكيل تصاميمها.
كما تطرق أيضا إلى تفضيل الرجال ارتداء هذا النوع من الحلي، خصوصا وأننا رأينا في بعض المحلات تنوعا في العرض من خواتم مرصعة بأحجار وأخرى بسيطة، وقال المتحدث إن المغتربين أيضا يقبلون على شرائها خصوصا التي تكون كبيرة الحجم نوعا ما.
وتشتهر قسنطينة بحسب الحرفي والمهتم بالتراث، باستخدام «الفتلة» في صناعة حلي الفضة دون ترصيعها بالأحجار، مشيرا إلى قلائد «الزريعة»، «لمذابح»، كما أفاد أن هذه الحرفة قديمة في المدينة.
حفريات أثرية تدل على قدم صناعة الفضة في الجزائر

وفي حديثنا مع مديرة متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية «قصر الحاج أحمد باي» مريم قبايلية، عن القيمة التاريخية والتراثية لحلي الفضة، أخبرتنا أن هذه الصناعة موجودة منذ عصور قديمة في الجزائر وقد دلت حفريات أثرية، وأثاث جنائزي على وجود الحلي التقليدية وكذا في بقايا المدن القديمة.
تضيف أن الفضة في الجزائر كانت تُستخدم أيضا في صناعة الأواني خصوصا لدى العائلات الغنية، والأسلحة، وقد كشفت جولتنا في محلات قسنطينة ذلك حيث رأينا داخل إحدى الواجهات الزجاجية ملعقة وشوكة، بالإضافة إلى «مسبحة».
أما عن المناطق التي تشتهر بهذه الصناعة ذكرت قبايلية، الجنوب الكبير على غرار ولايات تمنراست، أدرار، غرداية، أما في الشرق فتوجد الحلي الأوراسية في باتنة، خنشلة، بسكرة، بينما تتميز قسنطينة بالحلي الفضية أو الذهبية والفضية معا لأن المرأة القسنطينية، وفقا لمديرة المتحف كانت تمزج بين المعدنيين ومازالت إلى يومنا هذا.
في حين يختلف الحلي الفضي القبائلي عما ذُكر سابقا وهو يتميز، بحسب قبايلية، بألوانه التي تحمل دلالات فالأزرق يشير إلى السماء، الأصفر إلى الشمس، الأخضر للأرض، أما المرجان فيرمز إلى اللون الأحمر أي الدم الذي رُويت به هذه الأرض منذ القدم خصوصا وأنها شهدت عدة معارك ضد كل من يريد غزوها.
وبالإضافة إلى الألوان يُزين حلي الفضة أيضا برموز هندسية وظفها الفنان الجزائري في تزيين الحلي الفخار، المنسوجات، وذكرت المتحدثة، المثلث على سبيل المثال ويرمز إلى الجمال والخصوبة، تضيف أنه استلهم من الطبيعية الأزهار والنباتات.
معتقدات ودلالات اجتماعية
ولم ترتبط الفضة بالجانب الجمالي فقط للمرأة لكن كل قطعة تحمل «شيفرة» اجتماعية يتخاطب من خلالها أفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال ذكرت مديرة قصر الحاج أحمد باي، أن «الرديف» وهو يشبه «الخلخال» لكنه أكبر حجما منه مرجعة ذلك إلى الصوت الذي يصنعه ويجعل الرجال يخلون الطريق للمرأة وهو نوع من الاحترام و«الحرمة».
كما توجد قطع ترتديها المرأة المتزوجة فقط مثل «لمحزمة»، فيما تُميز الفتاة عن المرأة بعدد «دمعات» «خيط الروح» وقالت قبايلية، إن دمعة واحد تدل على أن الشابة غير متزوجة، ثلاث دمعات تعني أنها متزوجة، خمسة تعني أنها أم، أما سبعة دمعات فتشير إلى مستوى المرأة الاجتماعي المرموق.
وكذلك المربعات الفضية الكبيرة أو كما تُعرف بـ«لحروز» التي يزين بها اللباس الأوراسي والنايلي، التي يشير عددها إلى الحالة الاجتماعية، وذكرت المتحدثة أن مربعا واحدا يعني أن الشابة مخطوبة، ومربعان يعني أنها متزوجة، وفي هذا السياق قالت قبايلية إن المجتمع الجزائري قديما كان ينتشر فيه الحياء لذلك كانوا لا يُحرجون بعضهم البعض بالسؤال بل يتعرفون من خلال اللباس والحلي على الوضعية الاجتماعية.
وتولي الدولة الجزائرية اهتماما بهذا الموروث، وفقا لقبايلية، حيث سبق وأن سجلت الجزائر سنة 2024 الزي النسوي الاحتفالي للجنوب الكبير مع عدد من الحلي الذهبية والفضية على غرار «سخاب»، «رديف»، «مسايس»، «مقايس»، «لكشطة» وهو نوع من الحلي الخاص بمدينة قسنطينية يشبه «لجبين الأوراسي» في التراث العالمي لدى «اليونيسكو»، وحفاظا على تراثها العريق وتعزيز هويتها الثقافية، قالت المتحدثة إن وزارة الثقافة والفنون أودعت شهر مارس المنصرم من سنة 2025 بصفة رسمية ملف الحلي القبائلية في التراث العالمي وهو قيد الدراسية.
صناعة الفضة تختلف في المناطق الجزائرية

من جانبه أفاد الحرفي المختص في الحلي التقليدية، محمد أمغشوش، من ولاية باتنة، أن كل منطقة في الجزائر لها خصائص في صناعة حلي الفضية وذكر أن «الحلي الأوراسية» تتميز بعدة تصاميم وبالحجرة الحمراء والخضراء وتُصنع بالسكب، كما تشتهر بكثرة الرموز خصوصا توظيف الحيوانات التي كانت وفقا للمعتقدات القديمة تحمي من الأرواح الشريرة، والأكثر شيوعا العقرب، الثعبان، التيس، الخمسة، الهلال والنجمة، فيما ترمز «لبزيمة» إلى العائلة الأب، الأم والأولاد.
أما الحلي التقليدية القبائلية فهي معروفة بأنها تُطلى بأربعة ألوان وتُزين بأحجار مرجانية، في حين تُصنع حلي الجنوب الكبير من مادة «النيكل» وهي تشبه الحديد تُصنع بالمثقب وتكون منقوشة باستخدام مضرب صغير ثم تُزين «بحطبة، وفقا للحرفي.
ا. ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com