رحلات مكثفة فرضتها التحوّلات بالمنطقة و فارق الأسعار بين البلدين

تحوّل تسوّق التونسيين من الجزائر في السنوات الأخيرة، إلى ظاهرة قائمة بذاتها، فصار اقتناء السلع الجزائرية المحلية و المستوردة، مشهدا مألوفا لدى غالبية ساكني المناطق الحدودية و الولايات المجاورة، غير أن هذا الاستقطاب تباينت بشأنه آراء المواطنين، فمنهم من وضعه في خانة المحفز للنشاط التجاري و المقوي للروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين، فيما يرى البعض بأن ذلك تسبب في حدوث ندرة في المواد الأساسية التي تشكل دعامة رئيسية للفئات الهشة.
عين فكرون و علي منجلي والعلمة.. وجهات جديدة
ظهر تسوّق وتبضّع التونسيين بالجزائر في السنوات الأخيرة، وربط البعض هذا الظهور بالتحولات التي شهدتها المنطقة بعد ما عرف بـ «الثورات العربية»، بحيث كانت لتلك التحولات تداعياتها الاقتصادية و الاجتماعية على الساكنة، الأمر الذي دفع بفئة من هذا البلد إلى التوجه نحو هذا النشاط، مستفيدة من امتيازات الفارق بين أسعار المواد داخليا و خارجيا، و مع مرور السنوات تطور التسوق التونسي و أخذ أشكالا متعددة.
و يؤكد المتابعون لهذا الملف، على أن تسوق الأشقاء أملته كذلك المصاهرة و حسن الجوار و المعاملة، و هامش الربح المحقق بين السوقين الجزائرية و التونسية، فضلا عن نوعية المنتوج الجزائري و خاصة الحليب و الأجبان و مشتقاتهما. و كانت ظاهرة تسوق التونسيين في بداية الأمر مقتصرة على بعض المناطق الحدودية و هو ما يفسر تواجد سلع البلدين على الشريط الحدودي المشترك، حيث يدخل بعض التونسيين عبر المراكز الحدودية البرية لولاية تبسة، و بوسط المدينة بالقرب من السوق المركزية و سوق الفلاح سابقا لإقتناء العديد من السلع.
و لا يحتاج الرائي لبذل كثير من الجهد ليرى بأم عينيه المئات من السيارات ذات الترقيم التونسي و هي تجوب شوارع مدينة تبسة، أو مركونة بمواقف السيارات بالقرب من مسجد الشيخ العربي التبسي أو بالمواقف القريبة من نهج 4 مارس 56 بقلب المدينة.
و في وقت قياسي تحمل هذه البضائع في سيارات و مركبات خاصة و توجه إلى تونس، غير أن ارتفاع الأسعار بالجزائر و ببعض المناطق في السنوات الأخيرة، دفع بممارسي هذا النشاط إلى البحث عن أسواق جديدة، تكون أقل كلفة و ما يعرض بها ذو جودة.
و قد وسع الناشطون في هذا المجال من دائرة تحركاتهم خلال السنوات الأخيرة، و صار جلب السلع و البضائع يتم من أسواق بعيدة عن تبسة، على غرار عين فكرون بأم البواقي و محلات علي منجلي بقسنطينة و بأسواق تاجنانت بميلة، و محلات دبي بالعلمة في سطيف.


طلب كبير على العجائن والزيت
و رغم إقرارهم بأن الأسعار ارتفعت بالجزائر، إلا أن ذلك لم يثن التونسيين عن التسوق غربا، مستفيدين من الفارق في الأثمان بين البلدين، حيث يفضل أكثريتهم التوجه إلى تبسة و اقتناء السلع من أقرب نقطة و الرجوع في سيارات إلى تونس في اليوم نفسه، بينما استعان آخرون بنظرائهم من الجزائريين الذين يتولون شراء تلك البضائع و تحويلها إلى الحدود و منها تبسة، على أن يتولوا بأنفسهم نقلها في سيارات و حافلات صغيرة إلى بلدهم مرورا بالمراكز الحدودية البرية.
و اللافت للانتباه، هو أن عملية التسوق غير مقتصرة على الرجال فقط، بحيث انخرط عدد من النسوة في هذا النشاط، كما استفاد غالبيتهم من الفرق بين العملتين، بـ 100 دينار تونسي مقابل 7000 دينار جزائري في التسوق المريح، في وقت أكد بعض التونسيين على أن نشاط التسوق من البلد الجار كان يقوم به الجزائريون إلى وقت قريب، كما أنه لا يؤثر على القدرات الشرائية، و إنما يعد، حسبهم، محركا للتبادلات التجارية و لعجلة النشاط التجاري بين البلدين.
و أكد محدوثنا أن إقبالهم على اقتناء بعض المنتوجات من السوق الجزائرية، لا يعني عدم توفرها بتونس، غير أن انخفاض أسعارها هو ما شجعهم على هذا النشاط، مثلما شجعهم تطور نوعية المنتوج الجزائري و خاصة في مجال صناعة الأجبان و الياغورت و العجائن وزيت المائدة. و أفاد آخرون ممن التقت بهم النصر، بأن الناشطين في مجال التسوق لا يقطنون المناطق الحدودية التونسية فقط، حيث يأتي بعضهم من ولايات ساحلية و أخرى بعيدة.
و استحسن بعض المواطنين و خاصة فئات من التجار هذا التسوق، الذي بإمكانه برأيهم، أن ينعش النشاط التجاري بهذه الولايات، و أن يكون محفزا للمؤسسات الوطنية على مضاعفة الإنتاج، كما يؤكد عمق حسن الجوار بين البلدين و المصاهرة و المعاملة اللائقة لضيوف الجزائر.
وبالمقابل، لا ينظر البعض الآخر من المواطنين الجزائريين لهذا التسوق بعين الرضا، حيث يرون أنه يستهدف أحيانا سلعا و مواد مدعمة محليا، مما قد يسبب ندرة خاصة في زيت المائدة و الدقيق والحليب و الأجبان بمختلف أنواعها، و هي ظاهرة تزيد، حسبهم، في بعض المناسبات سيما قبل رمضان و الأعياد و الدخول الاجتماعي.


و يقترح محدثونا إقامة منطقة للتبادل الحر بين الجزائر و تونس، من أجل تبادل السلع و عرض مختلف المنتوجات التي يزخر بها البلدان، كما يسمح ذلك، حسبهم، بالقضاء التدريجي على النشاط الطفيلي في الاتجاهين، إلى جانب تحقيق التنمية خاصة على مستوى المناطق القريبة من الشريط الحدودي.
120 تونسيا يدخلون تبسة يوميا
الجمارك الجزائرية العاملة بالمراكز الحدودية البرية الثلاثة بولاية تبسة، أوضحت بأن التعامل مع التونسيين كغيرهم من الجنسيات يخضع للقوانين و النصوص التطبيقية، فالمادة الخامسة من قانون الجمارك تعرف المسافر بأن كل شخص يدخل الإقليم الجمركي، أو يخرج منه مصحوبا بأمتعته و أشيائه الشخصية، يجب أن تكون أغراضه في حدود المعقول، باستثناء البضائع التي تستورد أو تصدر لأسباب تجارية.
 كما أن كل مسافر يحمل أمتعة بشكل مبالغ فيه، يعد مرتكبا لمخالفات في هذا الباب، و تسلط عليه غرامة مالية بحسب قيمة البضائع الموردة معه، فإذا بلغت قيمة أمتعته و أشيائه الشخصية 20 ألف دينار جزائري، فإن بضاعته تصادر دون المتابعة القضائية بحسب المادة 288 لارتكابه مخالفة الغش الطفيف، التي قد تصل عقوبتها إلى حد الحجز و المتابعات القضائية إذا تجاوزت الكمية المحجوزة لدى كل شخص المبلغ المذكور، أو تضمنت مواد محظورة مطلقا، أو محظورة نسبيا أو ذات رسم مرتفع حسب المادة 321 من قانون الجمارك.
و في هذا الصدد، سجلت المديرية الجهوية للجمارك بتبسة، دخول و خروج 1087 مسافرا تونسيا عبر مراكز بوشبكة و راس العيون و المريج خلال الـ 9 أشهر الأولى من سنة 2018، أي بمعدل 120 مسافرا تونسيا في اليوم، بحيث لا يأتي غالبية هؤلاء إلى الجزائر بنية التسوق، و إنما تندرج زيارات بعضهم في إطار السياحة و الاستثمار و زيارة الأصهار و غيرها.
هذا ما حجزته الجمارك في الحدود
و خلال عمليات المراقبة على مستوى المراكز الحدودية، أحصت مصالح الجمارك بتبسة 132 عملية حجز لبضائع مسافرين تونسيين عند العودة إلى تونس، لبلوغ قيمتها الـ 20 ألف دينار جزائري أو يزيد، و تبين من خلال هذه العمليات، بأن أغلب السلع المحجوزة، عبارة عن مواد غذائية من عجائن و زيت المائدة و أجبان و ياغورت، كما تضمنت موادا للتجميل و الألبسة النسائية و الرياضية الرجالية.
و يخضع إدراج البضائع المستهدفة بالتسوق لمعيار الربح و المكاسب المادية، فالسلع كلها قابلة للاقتناء مادامت أسعارها منخفضة بالجزائر و مرتفعة قليلا بتونس، و هنالك يتم بيعها أو الانتفاع منها بالنسبة للمتسوقين، كما يمكن تغيير الوجهة لو حدث العكس، أين تعاد بعض السلع صوب الوجهة المضادة، و يتولى في الغالب بعض الجزائريين هذه المهمة، حيث يتم جلب مواد تونسية للداخل سواء عن طريق المرور القانوني بالمراكز الحدودية، أو اللجوء للتهريب، فيما تبقى المواد التي يتم جلبها هي الأخرى غير محددة، فيمكن إدراج سلعة ثم الاستغناء عنها بعد مدة لضعف مردودها المادي، و من أهم المواد التي يتم جلبها من البلد الجار، الشامية و الملابس المستعملة والمصبرات التونسية و الأدوية.                  
تحقيق: الجموعي ساكر

الرجوع إلى الأعلى