يُجمع أطباء تحدثت إليهم النصر، أن الجزائريين أصبحوا يتحلّون بوعي أكبر بخصوص أهمية التلقيح ضد فيروس كوفيد 19، و هو وعي يحركه الخوف أحيانا و تُرجِم من خلال زيادة في الإقبال على التطعيم بلغت حد تسجيل طوابير بعدد من المراكز، لكنهم يحذرون من تأثير المحتوى المضلل المنتشر بوسائل التواصل الاجتماعي على قرارات الأشخاص الذين ما زالوا مترددين بشأن أخذ اللقاح، مؤكدين أهمية الاعتماد على معلومات موثوقة و إعداد دراسات تفسّر العزوف و تجد الحلول، مع وجوب إعادة النظر في “التربية الصحية”.

ياسمين بوالجدري

* الدكتورة فهيمة صغيرو مسؤولة الوقاية بمديرية الصحة بقسنطينة: هناك زيادة في الإقبال ونحتاج دراسة سوسيولوجية لفهم أسباب العزوف


ترى الدكتورة فهيمة صغيرو، رئيسة مصلحة الوقاية في مديرية الصحة بقسنطينة، أن المحتوى المنشور حول اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19، بوسائل التواصل الاجتماعي، جعل العديد من الجزائريين يمتنعون عن التلقيح، رغم تسجيل زيادة في الإقبال على العملية في الآونة الأخيرة، مؤكدة أهمية العودة إلى طبيب العائلة لكونه يحظى بثقة المواطنين و يقدم لهم المعلومة الصحيحة بعيدا عن الشائعات.
و تعتبر الدكتورة أن تصرّف الجزائريين حيال عملية التلقيح، تغير للأفضل بصفة عامة، مقارنة بما كان عليه قبل بضعة أشهر نتيجة أسباب عدة، قالت إن منها الكم الهائل من المعلومات التي تروج على وسائل التواصل و تأتي من مصادر كثيرة، حيث تضيف “الجزائري أصبح يدخل إلى موقع فيسبوك ليجد فيه كل أنواع المعلومات الصحيحة و الكاذبة أيضا، فيتخذ قرار رفض التطعيم بسبب الخوف».
و تتابع الطبيبة، أنه و انطلاقا من هذا الوضع تبرُز أهمية طبيب العائلة و الطبيب المعالج الذين تخلى عنهما الكثير من الجزائريين، فأصبحوا، مثلما تتابع، يستقون المعلومات الطبية من الأنترنت أو يراجعون 3 دكاترة مثلا، من أجل رأي طبي حول مرض ما، فاختلطت عليهم الأمور.
و تضيف المتحدثة أن المواطنين سارعوا إلى أخذ اللقاح بأعداد كبيرة خلال الفترة الأخيرة، بما يعكس «زيادة في الإقبال»، مؤكدة أن الأمر بحاجة إلى دراسة يجريها علماء الاجتماع لتحديد الأسباب التي تتحكم في هذا الإقبال و أسباب العزوف و معرفة النظام الأكثر فعالية و طرق التواصل الأنسب لإقناع الجزائري بأهمية أخذ اللقاح.
و عن الأسلوب التي تنتهجه مصالح الوقاية لإقناع المواطنين بضرورة التطعيم ضد كورونا المستجد، تردف الدكتورة بالقول “الفرد الجزائري ذكي جدا و واعٍ لكن عندما تكثر المعلومات التي يتلقاها يفقد حس المنطق (..) يجب أن تُقال له الحقيقة و تقدم له كل المعلومات حول اللقاح و أن نشرح له أن فيروس كوفيد 19 قد يسبب أعراضا خفيفة اليوم لكنه يمكن أن يؤدي إلى وفيات في ما بعد، كذلك بأن نوضح به التلقيح هو الحل الوحيد للخروج من الوضع الوبائي الذي نعيشه اليوم. علينا أن نقدم له كل المعطيات ثم نتركه ليقرر»، تختم المتحدثة.

* الدكتور سمير بلقاسمي أحد الأطباء المشرفين على التلقيح بالبليدة: سجلنا تجاوبا كبيرا مع حملة التطعيم خلال الشهرين الماضيين


ينتقد الدكتور سمير بلقاسمي وهو أحد الأطباء المشرفين على عمليات التطعيم ضد كورونا بالبليدة، و رئيس المكتب الولائي للنقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية، استمرار بعض الجزائريين في تصديق المعلومات المغلوطة التي يتم الترويج لها بخصوص لقاحات كورونا، في حين أن السلطات وفرت كميات كافية من الجرعات لم تستطع دول أخرى الحصول عليها.
و قال الدكتور في اتصال بالنصر، إن العديد من الجزائريين عاشوا مخاوف كبيرة خلال شهري جويلية و أوت الماضيين، بسبب ارتفاع عدد الإصابات اليومية الجديدة بفيروس كورونا المستجد، مع ما رافق ذلك من نقص في مادة الأوكسجين الموجهة للحالات المعقدة، و هو ما زاد درجة الإقبال بشكل كبير جدا، مؤكدا أنه وقف شخصيا على تلقيح 602 شخص في يوم واحد، لكنه سجل عودة نسبية للعزوف ما يزال الأطباء يحاولون فهمها، بحسب محدثنا.
و يرى الطبيب أن الإشاعات التي يتم الترويج لها بخصوص لقاح كوفيد 19، حول العقم و غيرها، لعبت دورا سلبيا بالتسبب في عزوف المواطنين عن التطعيم، كما أن هناك من يصرون على أخذ نوع معين من اللقاح و يعتمدون في ذلك على ما ينشر من معلومات خاطئة و غير مؤكدة، رغم أن الجزائر تتوفر على كميات كافية من اللقاحات على خلاف دول أخرى يضطر مواطنوها للانتظار لعدة أيام من أجل الحصول على الجرعات.

* الدكتور فتحي بن أشنهو المختص في الصحة العمومية: يجب تفعيل دور مصالح الطب الوقائي لتحسيس المواطنين أكثر


يربط الدكتور فتحي بن أشنهو، المختص في الصحة العمومية، زيادة الإقبال على التلقيح ضد فيروس كوفيد 19 في الآونة الأخيرة، بحالة الخوف التي سيطرت على المجتمع في ذروة أزمة الأوكسجين، و يؤكد من جهة أخرى أن ما يسجل من عزوف عن التطعيم من طرف بعض المواطنين راجع إلى “غياب ثقافة صحية”، ما يستوجب تفعيلا أكبر لدور مصالح الطب الوقائي و وحدات الكشف و المتابعة.
و يعتقد الدكتور بن أشنهو أن المواطنين تعرضوا للتجهيل، حسب وصفه، من خلال السياسات الصحية التي تم اعتمادها منذ سنوات الثمانينيات، ما جعل العديد من الجزائريين لا يعرفون ما المقصود بالفيروس رغم أنهم يحوزون دفاتر تلقيح تتضمن اللقاحات التي حصلوا عليها منذ الصغر و كانت سببا في حمايتهم من العديد من الأمراض.
و ذهب الطبيب إلى أبعد من ذلك بالقول إن هناك من يعتقدون أن اللقاح أتى فقط بعد أزمة كوفيد 19، و هو وضع يرجع إلى «الفراغ» الموجود في مجال التربية و الثقافة الصحيتين، مؤكدا أن حالة العزوف عن التطعيم ضد كورونا المستجد ليست بالأمر الجديد، بل إنها سُجلت أيضا مع لقاح الحصبة «بوحمرون” و لقاح الانفلونزا الموسمية.
و يرى الطبيب أنه قد حان الوقت لإعادة تفعيل دور مصالح الطب الوقائي و وحدات الكشف و المتابعة المنتشرة عبر جميع ولايات الوطن، من خلال اقترابها من المواطن أكثر و التحسيس و تقديم المعلومات اللازمة له حتى لا يخشى أخذ اللقاح، مضيفا أن الوضع القائم أفسح المجال أمام تغوّل الأخبار الزائفة التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، ليؤكد في الأخير أن ذهاب العديد من المواطنين إلى مراكز التلقيح، يعود بشكل أكبر إلى الخوف، ما يستلزم القيام بحملات توعية «أقوى».

* الدكتورة نورة زغوغو مشرفة على التطعيم بقسنطينة : أصبحنا نستقبل حتى المراهقين بعدما كنا نترجى المواطنين لأخذ اللقاح


تؤكد الدكتورة نورة زغوغو و هي الطبيبة الرئيسية ضمن الفريق المشرف على التلقيح ضد كورونا بعيادة بشير منتوري بقسنطينة، أنها لاحظت زيادة في إقبال المواطنين على التطعيم ضد فيروس كوفيد 19 خصوصا بعد انتباههم للخطر المحدق عقب أزمة الأوكسجين، مرجعة تردد بعضهم في أخذ اللقاح إلى التأثر بالمعلومات الخاطئة التي يروج لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
و تضيف الدكتورة أنه و بحكم تجربتها الشخصية مع الانطلاق في عملية التطعيم قبل أشهر، لاحظت بأنه سُجل تخوف كبير من طرف المواطنين حينها، لتردف قائلة “لقد تعبنا كثيرا في إقناع المواطنين في تلك الفترة حتى أننا كنا نترجاهم لأخذ التطعيم”.
و تردف الدكتورة أن الوضع تغير تماما عند تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات بلغ ذروته أواخر شهر جويلية المنصرم، في ظل تزامُن ذلك مع حدوث أزمة في التموين بالأوكسجين لعلاج المرضى الذين تعرضوا لتعقيدات تنفسية، إلى درجة أن عيادة بشير منتوري التي تعمل بها على مستوى حي سيدي مبروك، شهدت طوابير طويلة امتدت إلى خارج المبنى، قبل أن يُسجل انخفاض نسبي في درجة الإقبال ترجعه إلى تراجع عدد الإصابات اليومية المؤكدة.
و تضيف الدكتورة زغوغو أنه و من خلال حديثها إلى العديد من المواطنين، تبين لها أن العزوف كان ناجما عن مخاوف غذتها المعلومات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص مزاعم تسبب اللقاح في وفاة الأشخاص بعد فترة، لتعلق قائلة “فيسبوك أصبح يلعب دورا كبيرا في حياة الجزائريين و أدى إلى تردد كثيرين في أخذ اللقاح».
و عموما ترى الطبيبة أن هناك زيادة في الإقبال على التلقيح ضد كورونا وسط الجزائريين، حيث بدأ هذا الإقبال مع الأشخاص الكبار في السن و المتقاعدين، ثم امتد إلى باقي فئات المجتمع و بالأخص العمال و الأشخاص الراغبين في السفر لخارج الوطن، و أيضا الشباب و حتى الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، حيث ذكرت محدثتنا أنها وقفت في عيادتها على تطعيم مراهقين ضد فيروس كورونا و ذلك بمرافقة و موافقة من أوليائهم الذين كان معظمهم أطباء، مثلما قالت.

الرجوع إلى الأعلى