الجزائر بحاجة إلى حكومة "إنقاذ اقتصادي" لمواجهة الأزمة النفطية

 يرى الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي، فارس مسدور، بأن الجزائر بحاجة إلى حكومة إنقاذ اقتصادي لمواجهة تداعيات أزمة النفط التي تعيشها البلاد، ويعتقد الدكتور مسدور، بان الخطاب التطميني للحكومة لا يتناسب مع الواقع، واعتبر بان رفع الرسوم والأسعار هو الحل السهل لان المواطن هو الحلقة الأضعف في المعادلة، بدل الحديث عن حلول ابتكارية لإنقاذ الاقتصاد الوطني من مرضه ، وقال بان الوقت قد حان للخروج من التبعية المفرطة للاقتصاد الوطني إزاء المحروقات، مؤكدا على ضرورة فتح المجال لإقامة مشاريع شراكة مع الأجانب في قطاع الفلاحة.
• النصر: انهيار أسعار النفط جعل كل المؤشرات الاقتصادية في الأحمر، وأضحت التوازنات المالية للبلاد مهددة، كيف ترون الواقع الاقتصادي الجزائري على ضوء التراجع الكبير في الإيرادات؟
الدكتور فارس مسدور: يجب أن نعترف أننا أخطأنا في توجهاتنا الاقتصادية منذ البداية، فإشكالية الارتباط بالمحروقات اكبر خطأ في الخطط الإستراتيجية أو البرامج الاقتصادية المعتمدة، لان مصير البلاد كله مرتبط بمادة هامش الأمان فيها يكاد يكون منعدما لأنها مرتبطة بسياسات وصراعات دولية وضربات تحت الحزام، والواقع يكشف الآن حجم الكارثة التي وقعت فيها البلاد، فالصراع الإيراني-السعودي مثلا يظهر أن الارتباط بالمحروقات كان خطأ.
  النصر: الدول الكبرى تتوجه لرفع العقوبات عن إيران وهو ما يعني عودتها إلى الساحة النفطية كلاعب رئيسي، هل من شأن ذلك أن يزيد من تفاقم الأزمة النفطية ومزيد من الانهيار في الأسعار؟
فارس مسدور: الصراع السعودي-الإيراني في الوقت الحالي يشكل أكبر خطر على السوق البترولية، وهنا يجب الإشارة بان إيران كانت دائما متواجدة في السوق النفطية بشكل قوي، وعكس ما يردده البعض كانت تقوم بتسويق جزء من بترولها في السوق السوداء، أي أن عودتها إلى السوق سيسمح بترسيم الحصة التي كانت تباع في السوق السوداء، هذه السوق التي تستقبل نفط «داعش» والتنظيمات الأخرى ساهمت بشكل أساسي في تحطيم الأسعار.
  هل ترى بأن التطمينات التي تقدمها الحكومة تعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد الوطني؟

يجب أن نعترف أن الأموال لا تسيّر بعقلانية

فارس مسدور: في الحقيقة الخطاب التطميني الذي تبنته الحكومة غير واقعي ولا ينسجم مع حقيقية الوضع، فاكبر مشكل وقعت فيه كل الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة هو العقلانية في تسيير الموارد المالية، مثلا خلال 18 سنة الأخيرة تم صرف 1100 مليار دولار وهذا رقم مهول، 800 مليار منها استهلكت في مشاريع دون أن نجد لها اثر كبير على ارض الواقع، أي بعبارة أخرى هناك تباين واضح بين حجم الأموال التي تم صرفها والنتائج المحققة فعليا، كان من المفروض أن نجد بعد كل تلك الأموال التي تم صرفها بلدا جديدا متطورا عصريا، إلا أننا بعد كل هذه السنوات لا زلنا نتحدث عن مشاكل السكن والبطالة والنقل والصحة والتعليم دون الحديث عن التكنولوجيا.
يجب أن نعترف أن الأموال لا تسير بعقلانية، ولم نعرف أي حكومة أحسنت التصرف في المال العام، فقد صرفنا كل تلك الأموال دون أن نتمكن من أن نطعم الجزائري ونلبسه بقدرات وطنية، ثم بعد كل تلك السنوات من التسيير اللاعقلاني للأموال نتحدث عن إلغاء الدعم وتوجيهه إلى الفقراء، وهذا أمر صعب المال وتحقيقه لا يأتي بين عشية وضحاها، بل يتطلب الأمر على الأقل 10 سنوات لبلوغ هذا الهدف.
  النصر: برأيكم هل يجب تصحيح السياسة الاقتصادية أم تغيير في الأجهزة المكلفة بتنفيذ البرامج؟
فارس مسدور: اعتقد انه آن الأوان  لمراجعة عاجلة لطريقة تسيير الشؤون الاقتصادية يجب مصارحة الجزائريين بشأن بعض القرارات التي كانت غير ناجعة، فالبلاد بحاجة إلى حكومة أزمة قوية بكفاءات عالية تمكنها من إيجاد الحلول للمشاكل وقادرة على تنفيذ ما تصرح به للشعب ولا تبقى مجرد شعارات وخطابات على ورق، يجب أن تتجه البلاد إلى حكومة إنقاذ اقتصادي تضم كفاءات معروفة عالميا.   
النصر: هل على الجزائريين أن يتخوفوا من تداعيات أزمة النفط؟ 
فارس مسدور: بالطبع على الجزائريين أن يخافوا من تداعيات الأزمة على قدرتهم الشرائية، خاصة وان تداعيات الأزمة بدأت تظهر من خلال الزيادات في الرسوم والضرائب، واعتقد أن المواطن هو الحلقة الأضعف في المعادلة، فمن السهل زيادة الضرائب والرسوم ورفع الأسعار، لكن الأصعب هو الاعتراف بفشل التوجهات والسياسات والعمل على تصويبها
  النصر: الأزمة الحالية ربما تكون سببا في تحقيق تحول اقتصادي طال انتظاره للخروج نهائيا من هيمنة المحروقات كما يقول بعض الخبراء، لكن يختلفون بشأن القطاعات التي يجب أن تكون على رأس الأولويات؟
فارس مسدور: الأكيد يتوجب علينا الخروج من هذه التبعية إلى اقتصاد أكثر أمانا، واعتقد أن القطاع الفلاحي سيكون ملجأ مهما، فإذا لم يساهم في رفع قيمة الصادرات، فانه سيساهم في ضمان أمننا الغذائي المحلي، ويمكن في هذا المجال إقامة علاقات شراكة مع فاعلين دوليين وفي مقدمتهم الصين، ويكمن القول أن الشراكة مع الصين في المجال الفلاحي قد تشكل مخرجا، ويمكن أن تشكل سوقا بأكثر من مليار مستهلك للمنتجات الفلاحية الجزائرية، فالصين يمكن أن يكون شريكا في الإنتاج والاستهلاك.
هناك دراسات دولية كشفت بان العالم يتقاسم 40 مليون هكتار من أجود أنواع الأراضي الخصبة 32 مليون هكتار منها موجودة في الجزائر التي تتمتع بمناخ مناسب، بينما 8 ملايين هكتار تتقاسمها باقي الدول الأخرى، منها 3 ملايين هكتار في كاليفورنيا تدر مداخيل سنوية تقدر بـ 600 مليار دولار سنويا، و 1,6 مليون هكتار في اسبانيا تدر عائدات سنوية بقيمة 400 مليار دولار، أما الجزائر التي تتوفر على 32 مليون هكتار يمكنها أن تجني ما لا يقل عن 7 آلاف مليار دولار سنويا لتصبح بذلك اكبر سوق للمنتجات الفلاحية في العالم.
يجب الخروج من هيمنة المحروقات واستغلال الفوائض المالية المتوفرة لترقية القطاع الفلاحي في فترة الثلاث سنوات المقبلة، من خلال توجيه الأموال لبعث مشاريع كبرى مع شركاء أجانب.
  النصر: إضافة إلى الفلاحة، ماهي القطاعات التي يمكن أن تشكل بديلا لاقتصاد الريع النفطي ؟  

على الحكومة مصارحة الجزائريين ببعض القرارات التي كانت غير ناجعة

فارس مسدور: هناك أيضا قطاع السياحة، فالجزائر تتمتع بمؤهلات سياحية طبيعية هامة، وهي ليست بحاجة إلى فنادق فخمة ومنتجعات مكلفة، لكن هناك إشكالية ضعف تسويق الوجهة السياحية الجزائرية، اعتقد أن هناك عمل كثير ينتظر المسؤولين في هذا المجال، يجب العمل على ترقية الوجهة السياحية الجزائرية والتوجه إلى أسواق جديدة،  هناك العديد من الوكالات السياحية لا تدرج الجزائر ضمن وجهاتها المقترحة، يجب العمل مع تلك الوكالات و أخرى لترقية الوجهة السياحية الجزائرية.
هناك أيضا القطاع الخدماتي يمكن أن يكون بديلا للمحروقات، أشير هنا إلى وجود عدد كبير من الابتكارات مسجلة لدى وزارة التعليم العالي ولم تجد من يستغلها، هناك دول تحقق إيرادات سنوية كبيرة من الابتكارات، وعلينا أن نتوجه إلى التكنولوجيا الحديثة لإنشاء قطاع تنافسي.
  النصر: هناك توجه حكومي نحو قطاع الصناعة، برأيكم هل هو بديل ممكن للمحروقات؟ 
فارس مسدور: يمكن أن يكون قطاع الصناعة بديلا للمحروقات، لكن لن يتحقق ذلك إلا عبر شراكة حقيقية مبنية على اقتسام الارباح والمنفعة ونقل التكنولوجيا، ويمكن هنا أن يكون الطرف الألماني الشريك المثالي في قطاع الصناعة، ولديهم تجربة مع الأتراك ؛ ترى اليوم أين وصلت الصناعة التركية بفضل مساهمة ومساعدة الشركات الألمانية التي ساهمت في نقل الخبرة والتجربة. وهنا يجب أن نؤكد بأنه لا يجب أن نخاف من الشراكة مع الأجانب وليس الاستثمار الأجنبي المباشر، ثم التفكير جديا في تحويل الجزائر إلى جنة ضريبية بقوانين طبعا على غرار ما قامت به دول أوروبية لها أنظمة رقابة شديدة والشروع في تجسيد هذا التوجه في ظرف 10 سنوات، وهذا ما سيسمح للجزائر من اقتحام الأسواق الإفريقية التي تعد السوق الطبيعية للجزائر.
 أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى