دخل الدستور الجديد، رسميا حيز التنفيذ، بعد التوقيع عليه من قبل رئيس الجمهورية، وصدوره في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، بعد شهر من تصويت البرلمان بغرفتيه على النص، ليصبح بذلك الدستور الجديد نافذا، وتبدأ مرحلة التجسيد الفعلي للتدابير التي تضمنها، خاصة ما يتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، ومنع تولي مزدوجي الجنسية بعض الوظائف السامية في الدولة، وحصر العهدات الرئاسية في عهدتين فقط.
بصدور الدستور الجديد في الجريدة الرسمية، فإن كل مواده وأحكامه تصبح «نافذة» ما يفتح الباب أمام إطلاق ورشات إصلاحات تسمح بمراجعة عدة قوانين، على مراحل، خاصة وأن الأحكام الدستورية، تنطوي على مسائل ومبادئ وحقوق عامة بحاجة إلى تفصيل عن طريق قوانين عادية أو عضوية، وهو ما يفتح المجال لتعديل أزيد من 25 قانونا، و يسمح كذلك بتنصيب الهيئات الجديدة الواردة في الدستور على غرار المجلس الأعلى للشباب، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني للبحث العلمي.
وقال بوجمعة صويلح، الخبير في القانون الدستوري للنصر، بأن «توقيع الرئيس بوتفليقة على الدستور وصدوره في الجريدة الرسمية يعني بأن القانون الأول في البلاد أصبح نافذا»، مضيفا بأن المرحلة المقبلة تتمثل في بداية تطبيق الأحكام التي تضمنها الدستور وتفعيله، من خلال فتح ورشات كبرى لتجسيد المواد والأحكام الدستورية التي تضمنها.
وكان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، قد أكد بأن تنفيذ مضمون الدستور الجديد، سيكون على رأس أولوياته في المرحلة المقبلة، حيث قرر إنشاء خلية متابعة مهمتها السهر على التجسيد «الشامل والدقيق» للأحكام التي يتضمنها الدستور الجديد «في الآجال المحددة». وتتولى اللجنة التابعة لرئاسة الجمهورية، مهمة السهر بعناية على التجسيد الشامل والدقيق لهذه الأحكام في الآجال المحددة، وحرص الرئيس بوتفليقة على التأكيد بأنه سيتابع شخصيا عمل تلك اللجنة بشكل منتظم.
وأكد رئيس الجمهورية، بأن النصوص القانونية التي صادق عليها البرلمان في السنوات الأخيرة، سيتم إعادة النظر فيها وتعديلها من قبل البرلمان، وذلك على ضوء التعديل الدستوري. ما يعني إعادة فتح عديد الورشات لمراجعة النصوص القانونية، وأشار إلى تعديل قانون الانتخابات خاصة فيما يتعلق بآليات المراقبة. ويشمل التعديل إنشاء هيئة عليا مستقلة لمراقبة الإستشارات السياسية الوطنية والمحلية، والتي ستكون مكلفة بالحرص على شفافية هذه الإستشارات ونزاهتها، وذلك بدءا من استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للإقتراع.
ومن المتوقع أن يناقش نواب البرلمان خلال الدورة الربيعية، 18 مشروع قانون و قانون عضوي سيتم إعدادها طبقا للتعديل الدستوري . و يتعلق الأمر بالقوانين العضوية التي تنظم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، و نظام التعويضات البرلمانية، و نظام الانتخابات، وتحديد مسار تنفيذ الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لتجسيدها كلغة وطنية ورسمية، و تأطير الجمعيات، و تحديد كيفيات إخطار المجلس الدستوري من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، و مشروع القانون العضوي المتعلق بمجلس الدولة.
و من المنتظر أن تدرس الدورة أيضا، عددا من مشاريع القوانين الواردة في التعديل الدستوري كمشروع قانون يحدد قائمة المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية التي تتطلب الجنسية الجزائرية لتوليها، و كيفيات إفادة الأحزاب السياسية بالحقوق التي تضمنتها المادة 53 من الدستور، و الإجراءات الجزائية للتكفل بتنظيم محكمة الجنايات في إطار تجسيد مبدأ التقاضي على درجتين ومراجعة الأحكام المتعلقة بالتظاهر قصد ضبط كيفيات ممارسة حرية التظاهر السلمي.
الأمازيغية لغة رسمية و تحديد العهدات الرئاسية
وبموجب الدستور الجديد تصبح اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، بالإضافة إلى إنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية تكون تحت إشراف رئيس الجمهورية مكلفة بتوفير الشروط المطلوبة لهذه المكانة التي أصبحت للغة الأمازيغية. وترسيم العربية كلغة رسمية للدولة، كما تطرق الدستور الجديد إلى المصالحة الوطنية التي أصبحت مكرسة دستوريا في ديباجة القانون الأول في البلاد.
كما سيتم ابتداء من الرئاسيات المقبلة، تحديد العهدات الرئاسية بعهدتين، ومنع إعادة فتحها مجددا، وحصر التنافس على كرسي الرئاسة في الجزائريين المقيمين بالبلاد منذ أكثر من 10 سنوات، وتضمن الدستور إجراءات لضمان شفافية العملية الانتخابية، منها دسترة آلية مستقلة ودائمة لمتابعة العملية الانتخابية منذ بدايتها.
كما نصت المادة 79 على أن رئيس الجمهورية «يعين أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول» و «ينسق الوزير الأول عمل الحكومة» فضلا عن أن الحكومة «تعد مخطط عملها وتعرضه في مجلس الوزراء». أما المادة 84 من المشروع التمهيدي فقد جاء فيها بأنه «يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة. تعقب بيان السياسة العامة مناقشة عمل الحكومة».
وتضمن التعديل الدستوري محورا يتعلق بدعم الحقوق الـمعترف بها للـمعارضة السياسية، حيث يتم الاعتراف للأحزاب السياسية دون تمييز للحقوق لاسيما بالنسبة لحقها في التعبير والإجتماع، وتوفير وقت لها في وسائل الإعلام العامة حسب تواجدها على الـمستوى الوطني، ومنحها دعما ماليا عموميا تماشيا مع تمثيلها في البرلمان استنادا إلى المادة 42 مكرر.
وينهي الدستور المقترح، نظام دورتين برلمانيتين، ويتم استبدالها بدورة واحدة كل سنة، مدتها عشرة (10) أشهر على الأقل، وتبدأ في اليوم الثاني من أيام العمل في شهر سبتمبر ويحدد أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما للرد على اللأسئلة الشفوية، ويعقد كل من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، بالتداول، جلسة أسبوعية تخصص لأجوبة الحكومة على الأسئلة الشفوية للنواب وأعضاء مجلس الأمة.
لجنة لمراقبة الانتخابات و نهاية التجوال السياسي
من جانب آخر، يقترح مشروع الدستور الجديد، وضع إجراءات جديدة لدعم مصداقية الانتخابات ويتعلق الأمر بـإلزام الدستور السلطات العمومية بتنظيم الإنتخابات في كنف الشفافية والنزاهة (المادة 170 مكرر)، ويلزم الدستور السلطات العمومية بوضع القائمة الانتخابية في متناول المترشحين، كما ينصّ المشروع على إنشاء هيئة عليا لمراقبة الانتخابات. تكون لها مهمة السهر على شفافية الانتخابات منذ إستدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعـلان عن النتائج المؤقتة لذلك، بالإضافة إلى إلزام المجلس الدستوري بدراسة محتوى الطعون التي يتسلمها حول النتائج المؤقتة للإنتخابات التشريعية والرئاسية.
كما يؤكد الدستور الجديد على حرية التظاهر السلمي، و يعزّز المشروع الحقوق والحريات الفردية و الجماعية ويقمع المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما تضمن الدستور تدابير لوضع حدّ للتجوال السياسي، في إجراء يعد الأول من نوعه، حيث سيتم معاقبة التجوال السياسي وحرمان الذين يقومون بتغيير انتمائهم السياسي بعد الفوز بمنصب برلماني من عهدتهم البرلمانية.
كما أكد الدستور الجديد ملكية الدولة للثروات الباطنية والأراضي الفلاحية، وعدم تنازل الدولة عن ملكيتها، وينص على أن الدولة تضمن الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة» و «تحمي الدولة الأراضي الفلاحية و الأملاك العمومية للمياه». كما ينص الدستور على المنع بالقانون لكل مظاهر الاحتكار والتنافس غير الشريف. وتعزيز الحوار بين المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين من خلال دسترة مجلس وطني اقتصادي واجتماعي، إضافة إلى أخلقة الممارسات والحوكمة الاقتصاديين، من خلال إجراءات مقترحة من أجل الحماية الدائمة للاقتصاد الوطني ضد الرشوة والممارسات المشبوهة والتجاوز، وتقوية إلزامية التصريح بالممتلكات بالنسبة للمنتخبين والإطارات، وقمع الغش والتهرب الضريبي وتهريب الأمـوال.
أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى