«العائدُ إلى عالمٍ مِن ضَرْبِ «حيفا» سَيَجِد رجالًا ينتظرون وكأنّهم مساميرُ دُقّتْ في جدران من حديدٍ و عُرِّيتْ مِنْ صورٍ كانتْ عالقةً بِها...
قد تعود تلك المساميرُ لِتَحْمِلَ الصُّوَرَ نفسَها.»
عبد المالك سماري
من هو كنفاني؟
تُبَيِّنُه لي الصّورةُ الّتي بين يديّ شابّا عفيفا، ذا جبهة رحبة ومُحَيًّا نزيها صريحًا...
تُبَيِّنُه لي الصّورةُ زهرةً تفتّحتْ لِتَوِّها مع إشراقة صبح جديد بريء.
له نظرة ذات كبرياء وحزم، نظرة بعيدة نافذة وكأنّه يريد بِوَحْدَتِه وَلِوَحْدِه أن يرفعَ كلّ التّحدّيات الجاثمة كالجبال على الشّرط الإنسانيّ.
هذا الرّجل المغوار يتحدّى لوحده عالَمًا من خضمّ تلك العوالم الكثيرة الّتي -  رغم سَعَتِها واختلافها – تضيق فتُطْبِقُ على صدور التّوّاقين للحرّيّة المتعبين من الظّلم والطّغيان.
تِلك الْعَوالِمُ-الأقفاصُ الّتي تزهق الأرواحَ الطّليقة فتُكِفُّها عن الغِناء،
تِلك العوالمُ الكبيرة في تعاستها الّتي تُبْكِينا أكثر ممّا تُضْحِكنا والّتي يُرْثِي لها المرءُ أكثرَ ممّا يجزعُ بها،
تِلك العوالمُ الّتي فُصِّلتْ من كَذِبٍ لِشُعوبٍ مَوَاتِيَ على رؤوسها بِطَانَةُ ملوكٍ وحكّامٍ حِيكتْ هي الأخرى من تعاسةٍ وكذبٍ فكانت أعتى ظلمًا وكانت أشدَّ موتًا،
تلك العوالم اللاّهيّة في رتَابتها والرّداءة وهي تظنّ أنّ النّارَ الّتي تحرقُها إنّما هي نورٌ مشرقٌ من فضل اللّه عليها ووحيٌ كريمٌ،
تِلك العوالمُ النّاعسةُ التّائهةُ وهي تحسب أنّها نشيطة راشدة مُرشِدَةٌ!
كأنّي به (كنفاني) يتحدّى تلك العوالمَ الفارغةَ بَلْ وَيتبرّأُ منها و يقولُ لها إليكِ عنّا، أنتِ لستِ لنا، أنتِ عوالمُ ليستْ لنا.

مسيرة رجل
وُلد الكاتب الكبير “غسّان كنفاني” في عكّا سنة 1936 وقضى طفولتَه في مدينة يافا مع ذَوَيْهِ حتّى سنة 1948 حين اضطرّ إلى النّزوح عن مسقط رأسه ليبتدئ حياةً مِلْؤُهَا آهات وشقاء وأشواق، ليبتدئ حياة الفُرقة والشّتات واليتم الرّوحيّ.
من جرّاء تلك التّعاسة المُضَاعَفة بتعاسة الوجود وقساوته وَجَد “كنفاني” نفسَه تُعاني مُبَكِّرًا بين فكّين من حديد: الخبز المحرّم والحرّيّة المسلوبة.
بدأ نضالَه مُعَلّمًا في مدارسِ وكالة غوث اللاّجئين الفلسطينيّين في دمشق ثُمَّ انتقل بَعْدَها إلى الكُوَيْت حيثُ عَمَلَ مدرّسًا وصحافيًّا.
كما أنّه بدأ إنتاجَه الأدبيَّ في نفس الفترة (1956) فَكتَبَ من بَيْنِ ما كتب:
موت سرير رقم 12
رجال في الشّمس
الباب
عالم ليس لنا
عائد إلى حيفا ...
و الّتي حاولتُ أن أعطيَ القارئَ ، من خِلالها ، نبذةً قصيرةً عن همومه ككاتبٍ عربيٍّ عَاصَرَ تخبّطاتِ العالمِ العربيِّ في صِرَاعِه وَمَصْرَعِه ثُمّ بَعْثِه ثُمّ صِرَاعِه من جديدٍ ثُمّ مصرعِه كما كان ولا يزال.
ككاتبٍ عربيٍّ عَاصَرَ تخبّطاتِ هذه الأمّة الّتي ما فَتِئَتْ تَفْلُتُ من قبضةِ استعمارٍ - وَسَائِله الموتُ وغايتِه الخرابُ والدّمار ثُمَّ الموتُ - حتّى تقَعَ تحت نِيرِ استعمارٍ آخرَ  بِوسائل خرابٍ و دَمَارٍ جديدةٍ لا قِبَلَ للعُرْبِ بها: التَّخَلُّفُ والشّلَلُ كما يَوْجِزُ هو نفسُه (كنفاني) وصفَ ذاك الجرحِ الدّائمِ المتجدّدِ أبدًا، وكأنّي به يردّد ذلك البيت المفعم بالسّخط والتّمرّد لابن وطنه الأكبر اللّبنانيّ “إيليا أبي ماضي”
ألا انهضْ وَ سِرْ في سبيل الحياه  #   فمَنْ نام لم تنتظرْه الحياه
إنّ القارئ العَالِمَ بمشاكلِ العَرَبِ لَيَجِدُ نِداء غَوْثٍ يستنجدُ به كلُّ كِتابٍ من كُتبِ “غسّان كنفاني”، بلْ كلُّ قِصّةٍ من قِصَصِه، بَلْ إنّ كُلَّ كلمةٍ من كلماتِه تَصرُخُ بمأساة، وأيّ مأساة كتلك الّتي يُحْرَمُ فيها المَرْءُ وَطَنَهُ والخبزَ ويُسْلَبُ فيها ذاكرتَه والكرامة على مسمعٍ مِن أهل الأرض وعلى مشهدٍ منهم وَلَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي؟!
لقد مات “كنفاني” شابًّا يافعًا (1972) ولمّا يَجِدْ مُتَّسَعًا من الوقت لكي يُصَفِّيَ حسابَه مع عالَم لَمْ يَكُنْ له مِلكًا في يومٍ مِن الأيّام وما كان لِيَكُونَ لهُ أبدًا في ظلّ نِظامٍ صَاغَهُ بُغَاةُ البشرِ وسَلّطُوهُ قَدَرًا مَقْدُورًا على مَنْ سَوَّلَتْ لَه نفسُه أن يَغفُوَ فَيَهِنَ ويموتَ كما يموتُ التّعساءُ مِن الجُبَنَاء.
لقد مات ولم ير – وهو الفطن ثاقب البصيرة والبصر – نِهايةَ الكوابيسِ الّتي حرّمتْ عليه السّكينةَ وَهَنَاءَ الحياةِ:
كوابيس المشرّدين في أرضٍ هي أرضُهم وأرضُ أبائهم والأجداد،
كوابيس الجيّاع في مأدوبةِ كرامٍ هي مأدوبَتُهُم وَهُمْ أهْلُها من دون اللّئام،
كوابيس مسلوبي الهويّة وهم أهل تاريخ والتّاريخ أهل لهم ورغم ذلك هاهم صاغرون مذلّلون منسيّون!

أثر رجل
لقد مات كنفاني شهيدا من أجل حرّيّته و كرامته و لمّا يَبْلُغِ الأربعين من عُمُرٍ مَلَأَهُ كِفَاحًا شَهْمًا وشاعريّة زَكيّةً ، فكانت حياةً مباركةً لم تَنَل منها الأقدارُ ولا الأعداءُ شيئا.
إنّ القارئ الّذي له دراية باللّغة العربيّة لَيُدْرِكُ من أوّلِ صفحةٍ يَقرَأُهَا مِنْ أدب “كنفاني” جمالَ الأسلوبِ وشجاعةَ القولِ وانتقاءَ الكلماتِ الّتي تَليقُ بالمَقامِ ونُبْلَ العواطفِ من غير تَكلُّفٍ ولا ضَنٍّ بما تَفرضُه نزاهةُ الكاتبِ الأصيلِ مِنْ بذل أقصى ما يمكنُ بَذْلُهُ من مجهودٍ وطاقةٍ في سبيل إغاثة المستضعفين، ليس في فلسطين فحسب، بل في جميع مواطن الظّلم والحرمان أين تُداسُ كرامةُ الإنسانِ أيًّا كان هذا الإنسانُ وأينما كان.
وكذلك جاء أسلوبُه مقتصدا لا يكلّفُ قارِئه مشقّةَ السّير في أنفاق لا نُورَ فيها ولا مَنْفَذَ، بلْ إنّه يجعلُه يشعُرُ بِمُتْعَة ويَمْنَحُهُ فرصةَ التّأمُّلِ (و هل كان الفنّ إلاّ دعوة رقيقة ممتعة إلى التّأمّل؟) في ملكوتٍ رَحْبٍ غريبٍ، ملكوتِ الإنسانِ بآلامه و آماله، بجراحه و أغانيه،  بضرّائه و سرّائه، بعدوانيّته و أخوّته... غيرَ مبالٍ بمفارقاتِ ذلكم الملكوت المتأرجحِ بين براثين السّخَفِ وسماوات العظَمَة والإكرام مادامتِ الإنسانيّةُ و مادامَ التّاريخُ.
ولذلك نراه يستعمل لغةً سهلةً واضحةً. وحتّى وإن كان بين الحين والحين يلجأ إلى ألفاظ قد نستغربُها – لا جرم من جهلنا باللّغة العربيّة - فإنّه إنّما يفعل ذلك عن عمْدٍ فتخرج لغةً متوازنةً بين غرابةِ الإنسان في الوجود وأُلْفَتِهِ لهذا الوجود.
لقد اعتمد كنفاني أسلوب “الفلاش باك”  الّذي كثيرا ما تستعمله السّينما: فقد يلاحظ القارئ في الكثير من قصصه أنّ الكاتب يُدْرِجُ القصّةَ داخل قصّةٍ فتكون الأولى كتمهيد للثّانية.
وهو إذ يعتمد هذا الأسلوب السّينمائيّ فإنّه إنّما يقصدُ من وراءِ ذلك التّعبيرَ والتّمثيلَ وتفادِيَ الخطاباتِ الوعظيّة الجافّة العقيمة.
فَنَحْنُ نراه يُقدِّمُ قصَّة صغيرة في الحاضر ثمّ يغوص بها في الماضي وبالتّالي في قلب الموضوع.
إنّ مثلَ هذه العمليّةِ تجعلُ الذّكرياتِ أكثرَ حياةً - وذلك من خلال ربطها بلحظة الحاضر – الشّيءُ الّذي يُهَيِّءُ للكاتب ليس فقط توحيدَ القصّة والشّخصيّات، ليس فقط منحَهم عُمقًا تاريخيًّا وبالتّالي وجودًا ملموسًا وهُويّة حقيقيّة خاصّة بهم... بل يجعلُهُ أيضًا – وخاصّةً – يُخَلِّقُ حياةً فذّةً لا عهد للحياة ولا للخلق بها قبل ذلك!
قد يظنّ البعضُ أنّ كنفاني كان ينتمي إلى هذا أو ذاك التّوجّه الأيديولوجيّ المتصلّب... لكن الحقيقةُ هيَ أنّه كان ينتمي إلى أفكاره هو ليس إلاّ.
لقد كانت أفكارُه أفكارا مَرِنَةً متطوّرةً بتطوّر حياته ومتحرّكةً بتحرّك عجلة التّاريخ - وكذلك فَلْيَكَنِ الكاتبُ الأصيلُ أو لايكُنْ - أفكارًا جعلتْ محكَّها وميزانَها العنايةَ الرّحيمةَ الّتي أولاها الكاتبُ تلك الإنسانيّةَ البائسةَ المتهالكةَ على التّفاهات كتهالك أَجْرَاءَ رُضَّعٍ جِيّاعٍ على بطنٍ طريٍّ دافئٍ تَحْسَبُهُ ثديًا وما هُو بثديٍ فتمتصَّ دما أوقيحا وتحسبه لبنا وما هو باللّبن (الصّورة لـكنفاني).
قد يكون كلفُ كنفاني بتصوير مأساة فلسطين أيضا دافعا وحجّة لنقد المجتمع - أيِّ مجتمعٍ - بما يحمل في طيّاته من ظلمٍ وهدرٍ لحرّيّة الفرد وهو (المجتمع) يوهمنا أنّه يتفهّم الفردَ ويُحْسِنُ مُعاملتَه:
فها هو (الكاتب) مثلا في “علبة الزّجاج” يبرع في وصف عمّال يُشَبِّهُهُمْ بِسِرْبِ عاهراتٍ (عاهراتُ آمسيردام؟) حتّى يفضحَ فيهم نفاقَهم وجُبْنَهُمْ اللّذيْنِ يُلزِمَانِهِم بالتّلثّم بِالعَرَق والخجل الكاذب ظنًّا منهم أنّهُم  يستطيعون تغطيةَ تورّطِهم وَصَدِّ حياةِ المسكنةِ والذّلِّ عنهم.
 و قد يَحدُثُ وأن يمكثوا حياتهم كلّها داخلَ علبة الزّجاج هذه المكوّنة من طبقات شتّى يصعدون أو يهبطون إليها خلال رحلة العمر كلّها أو جلّها فلا هم يبرحون الزّجاجة ولا العرق يبرح أجسادهم ولا الخجل أرواحهم.

هموم أخرى
لم يكن كنفاني ذا شطط في كفاحه، لقد كان سمحا طليقا: لم يكن يكره الإنسان ولكن البغي والخبث اللّذين يسكنان الإنسان.
ولم تكن قضيّة فلسطين هي هوسه الأوحد: إنّه كان يرى فيما آلتْ إليه فلسطينُ الكسيرةُ المغلوبةُ نتيجةً لذلك البغي وذلك الخبث الجاثميْنِ على صدور النّاس غالبين أو مغلوبين.
في قصّتي “الخراف المصلوبة” و”الأفعى” نرى “كنفاني” يطارد شبح التّكنولوجيا، هذا الجبّار المارد، الّذي استعبد النّاس فيأتيهم أفعى سوداء حالكة كظلمة الموت تصلب أناسا برآء كالخراف تارة وتارة أخرى تشرب دماء الرّجال فلا ترضى ولا تروى.
لقد كَلُفَ غسّان كنفاني بالطّفولة كَلَفًا شديدا حتّى أنّه ليذكّرُنا بالرّوائيّ الرّوسيّ “دوستويفسكي”!
ترى، ما السّرّ في ذلك؟
أتراه سئم من عالم الكبار الّذي طال عليهم الأمد فسفّه عليهم أحلامَهم فهم لم يعودوا قادرين على المروق عن ضيق عالمهم أوعلى أن يأتوا بصبح جديد؟
إذا كان ذاك منه - و ما أظنّه إلاّ كذلك - فإنّه إنّما يردّد من خلال كتاباته أغنيّةً كان قد ردّدها مِنْ قبلِه رائدُ التّحرير في الجزائر حين ابتهل و دعا:
يا نشء أنت رجاؤنا  #  و بك الصّباح قد اقترب
ها هي الطّفولة إذن تتأهّب لانتزاع المشعل والقيام بدور بطل الغد مقتحمة صفّ الكبار التّافهين الّذين بدا على وجوههم وفي سائرهم الْكَلَلُ والجُبنُ والتّقهقرُ والخيانةُ وعاداتُ حبِّ حياةِ الدّعةِ والرّكوضِ والاستسلامِ.
وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون رسالة «مسعود» سوى اعترافًا مريرًا بعدم القدرة على العودة إلى مسقط رأسه
ورمزًا صريحًا لغَرابة الطّفولة وغُرْبتِها في ديّار الكبار المتردّين في رداءتهم، حيث تغيب الأحلام و الطّموحات النّبيلة وشيءٌ غيرُ قليلٍ من البراءة...
هؤلاء الكبار الذين يعتقدون أنّ الطّفولة - ذاك الإرث غير المريح - أضحت بعيدة ودفنت تحت طبقات سميكة ومظلمة في عالم مطبق معتم يستحيل الخروج منه.
هؤلاء الكبار الّذين لم يعودوا يجدون شيئاً أكثر متعة من ممارسة غطرستهم وقسوتهم على الضّعفاء لإخضاعهم واستغلالهم وإذلالهم وقتل الأمل في قلوبهم وكرامة انتمائهم إلى الجنس البشريّ!
الاعتزاز بالنّفس!
هذا ما يجب أن يَشْغَلَ عقولَ البشرِ وأفئدتَهم.
فإذا ما اعتزّ المرء بما تملك يداه - حتّى وإن كان فقره مضاعَفًا بعاديّات الدّهر، حتّى وإن أبكاه الجورُ - فإنّه سوف يكون غنيّا بِصُحْبَةِ بقّالٍ أوكاتب أو رفيق دربٍ أحسن ما فيهم أنّهم أقلّ سوءً من البقيّة.
الاعتزاز بالنّفس، من شأنه أن يفتّق العوالم الضّيّقة الّتي لا نوافذ لها سوى صدورنا والّتي تقف إزاء نفوسنا الكبيرة فتسلبنا نومنا وصحّتنا وهناء العيش، وحينها يدلف شعاع الصّبح إلينا فيغسل وحدتنا بسحر النّغم ويدفع عنّا همومنا وعذاباتنا.
“العائد إلى عالم من ضرب حيفا سَيَجِدُ رجالا ينتظرون وكأنّهم مساميرُ دُقّتْ في جدران من حديد وعُرّيتْ من صُوَرٍ كانتْ عالقةً بها... قد تعود تلك المساميرُ لِتَحْمِلَ الصُّوَرَ نفسَهَا.”  يالها من روعة ودقّة وتوفيق في تصوير أولئك الفلسطينيّين الّذين لم ينزحوا مع النّازحين عن الأراضي يومَ أن أُخْرِجَ النّاسُ عُنوَةً من ديّارهم وسِيقُوا تحت وابل النّار والرّصاص إلى المنفى والعار والدّمار والموت.
كنفاني أُرْغِمَ على النّزوح و قد كان صبيّا، و لذلك يبدو ناقمًا على مَنْ نزح مُفَضِّلًا الهناء الأنانيّ على العناء الجماعيّ: قد كان من الأفضل لهم البقاء لكي يرافقوا الشّهداء.
ولكنّهم نزحوا، وإذن فليس الشّهداءُ لهم ولا هم من الشُّهَداءِ في شيء، بل الشّهداءُ مِلْكٌ عزيزٌ غالٍ لأولئك الّذين لم يخونوا مَنْ حملوا السّلاحَ دِفاعًا عنِ الوطنِ مُسْتَبْشِرينَ تَعْلُو أفواهَهُم ابتسامةٌ مشرقةٌ.
وما الجُنديُّ “خلدون»(المواطن الإسرائيليّ العربيّ) إلاّ واحد من أولئك الثّابتين، فها هو يُجيب والديه اللّذين جاءا بَعدَ فترةٍ لِيُقنعاهُ بالجبن، يعني بالتّخلّي عن الجيش الإسرائيليّ، يعني بالنّزوح عن الوطن الحبيب بعد عشرين عاما من المقاومة:
«عاجزون! عاجزون! مقيّدون بتلك السّلاسل الثّقيلة من التّخلّف و الشّلل.»
هذا هو غسّان كنفاني كما تبيّنه لي صورته الشّمسيّة و كما يتراءى لي من خلال ما قرأتُ له وعنه.
كاتب جزائري مقيم في إيطاليا

الرجوع إلى الأعلى