ثروة أثرية تنتظر الاكتشاف والتصنيف بأعالي بني حميدان
 تعتبر بلدية بني حميدان بقسنطينة، من بين المناطق التي تزخر بمعالم تاريخية عديدة يؤكد مؤرخون أنها تعود إلى حضارات متعاقبة، إلا أن معظم هذه المواقع ومن أبرزها المدينة الأثرية "كالديس"، صار عرضة للسرقة والتخريب بسبب عدم حمايته، بينما تؤكد مصالح مديرية الثقافة أنها تسعى لمنع محاولات النهب مع إضافة هذه المعالم في قوائم الجرد المحلية.

روبورتاج: رونق بوشارب

كانت  بداية الاستطلاع من المغارات والكهوف المنتشرة في منطقتين، إحداهما في دار الوادي بين المدينتين الأثريتين "تيديس" و"كالديس" بأعالي البلدية، والأخرى تتشارك الحدود مع بلدية زيغود يوسف، ويسميها سكان المنطقة "السويري".
أول ما لفت انتباهنا أن السكان بالمنطقتين يستخدمون مساحات من هذه المغارات كاسطبلات للأغنام، خاصة أن الأراضي الزراعية تحيط بها من كل جانب، كما تقع على قرب من مجرى الوادي، ما يجعلها مقصدا للفلاحين.
واصلنا السير إلى أن بلغنا "الدولمينات"، وهي مقابر حجرية تاريخية عُرفت بكون الإنسان القديم استعملها في دفن "أبطال" القوم. توجد هذه "الدولمينات" بدار الوادي غرب موقع كالديس، بالقرب من المغارات، وكذلك بمنطقة سويري أين كانت محاطة بأشجار البطم والعشرق مشكِّلة منظرا غاية في الجمال، غير أنه لم يتبق منها سوى عدد قليل، بسبب تعرّضها للتخريب خلال عمليات استصلاح الأراضي بالمنطقة وجهل البعض بوجودها.
استمرت جولتنا إلى أن وجدنا الموقع المسمى "الحبس" في أقصى شمال البلدية على ارتفاع أكثر من 1260 مترا عن مستوى سطح البحر، وهو عبارة عن غرفة نصفها تحت الأرض، والنصف الآخر فوقها، حيث قيل لنا إنه كان يستخدم كسجن قديم، لذلك أطلِقت عليه هذه التسمية.
أوان فخارية وبقايا مطاحن قديمة
وفي جنوب بني حميدان وصلنا حيث توجد "المارة"،  وهي منطقة رعوية بامتياز، تتميز بهوائها النقي ومناظرها الخضراء الخلابة، حيث تضم بقايا حجارة ضخمة مصقولة استخدمت في البناء وعمارة المنطقة في القديم، كما عثرنا بمنطقة "الحمري" السفلي، على بقايا قطع أثرية لأواني فخارية مختلفة الأحجام، كانت مطمورة تحت مساحات واسعة من الأراضي الرعوية.
وتضم بني حميدان مواقع أكبر تحتوي على بقايا أثرية متنوعة، أهمها "توقاس" الموجودة غرب مركز البلدية، ومما وجدناه بالمكان، حائط حجري يظهر وكأنه كان مجمّعا مائيا قديما، وفي شماله توجد مقبرة اكتشفها الفلاحون منذ أكثر من 30 سنة، كما شاهدنا حجارة مصقولة للبناء، بالقرب منها مجرى مائي حجري، وقد دلّنا أحد السكان إلى صخرة نُقشت عليها حروف وأرقام لاتينية.
وفي بئر بن عربية، وهي على غرار باقي المناطق، فلاحية أيضا، لم نكن بحاجة للبحث كثيرا لكي نعثر على القطع الأثرية، فقد كانت بقايا قرميد وأواني فخارية وحجارة مختلفة الأنواع والأشكال تتناثر في عدة أجزاء، ومنها بقايا مطحنة، بالإضافة إلى الحجارة المصقولة التي علمنا من بعض السكان أن عددا كبيرا منها استُعمل في بناء منازل بالمنطقة.
وكما هو معروف، تعد "تيديس" المعلم الأشهر الذي تمت فيه الحفريات ببني حميدان، حيث أصبحت هذه المدينة الأثرية مصنفة إثر اكتشافها في بداية أربعينيات القرن الماضي، غير أن العارفين بتاريخ المنطقة، يعتقدون أن "كالديس" لا تقل أهمية خاصة أنها مدينة كبيرة ذات معالم تاريخية جلية تظهر على الضفة الشمالية لوادي الرمال، لكنها لم تنل حظها من التصنيف والحماية.
ويجمع سكان المنطقة، بأن بني حميدان تضم ما لا يقل عن 20 موقعا أثريا، يُعتقد أن عددها كبير لكون المنطقة ذات أراض زراعية خصبة كانت مقصدا للحضارات المتعاقبة خاصة بالقرب من الينابيع والمجاري المائية، على غرار توقاس وبئر بن عربية، الأمر الذي جعل السكان يطالبون بمنح هذه المواقع، اهتماما أكبر في الحفاظ على هذه الثروة الأثرية، مع التنقيب على كنوزها المطمورة وحمايتها من النهب والتخريب.
وقد قمنا بعرض صور التقطناها لهذه المواقع على الباحث في الآثار، الدكتور حسين طاوطاو، حيث أكد لنا أنها عبارة عن بقايا أثرية تدل على أن الإنسان القديم عاش بمناطق بني حميدان ومارس نشاطه بها، أين تعاقبت الحضارات، كما أضاف أن بني حميدان تزخر بثروة أثرية توجد خاصة في أراضيها الزراعية وبالقرب من مصادر المياه.
مساعٍ لجرد معالم إضافية والقيام بحفريات جديدة
من جهته، أكد منسق التراث الثقافي بمديرية الثقافة لولاية قسنطينة، سماعلة عمار، في حديث للنصر، أن قسنطينة تزخر بالعديد من المواقع والمعالم الأثرية التي تتوزع عبر كامل تراب الولاية، متحدثا عن استقبال العديد من البلاغات وطلبات التدخل من أجل حماية الممتلكات الثقافية، خاصة من أعمال النهب والتخريب التي تتعرض لها، موضحا أن هناك مجهودات تُبذل من مديرية الثقافة لتثمين هذه الآثار.
وتابع سماعلة أن بني حميدان تزخر بعدد كبير من بقايا الآثار والشواهد المادية التي تعود لفترات قديمة، وهي مذكورة في مصادر ومراجع تاريخية على غرار الأطلس الأثري الجزائري، حيث قال بأن مديرية الثقافة تسعى مستقبلا لتسجيل بعضها في قائمة الجرد الإضافي على المستوى المحلي، خاصة المعالم ذات البعد التاريخي والمعماري الكبير.
وأضاف المتحدث أن مصالح مديرية الثقافة سبق لها أن قامت بمعاينة ميدانية على مستوى مدينة "كالديس"، رفقة الدرك الوطني، بعد بلاغ عن وجود أعمال حفر غير شرعية، ويضم الموقع، بقايا أسوار وصناعات فخارية، حجارة مصقولة، كتابة لاتينية قديمة، ومعالم جنائزية تعود لفترة ما قبل التاريخ، مؤكدا أن كلها دلائل تشير إلى وجود موقع أثري هام يتطلب القيام بحفريات على مستواه.                                        ر.ب

الرجوع إلى الأعلى