يحرص الحكواتي ومخرج مسرحيات الأطفال على ركح باتنة الجهوي فؤاد لبوخ، على انتقاء النصوص التربوية التعليمية للأطفال، ويستلهم أعماله من قصص ألف ليلة وليلة، وحكايات الأدب العربي القديم، فيعيد ترجمتها على الركح ليقدم أعمالا هادفة مستمدة من عمق الثقافة العربية.
ويرى الفنان ، بأن الحكاية الهادفة تعد أفضل طريقة تربوية للطفل الصغير، تلقنه الأخلاق والقيم بشكل غير مباشر كما قال للنصر، مستدلا بمسرحيته الأخيرة « حذاء الطنبوري» التي تذم صفة البخل، ويؤكد الفنان ميله الدائم لمسرح الطفل على الرغم من ممارسته لمسرح الكبار طيلة سنوات، كما ينتقد ما وصفه  بـ «البهلوانية» في مسرح الصغار
النصر: لنستهل حديثنا بآخر مسرحياتك حذاء الطنبوري، ماذا عنها؟
فؤاد لبوخ: حذاء الطنبوري مسرحية للأطفال، تتشكل من عدة لوحات على الخشبة، وتحكي قصة طريفة مستلهمة من التراث العربي، وقد وردت في كتاب ثمرات الأوراق لتقي الدين بن حجة الحموي، الذي يتحدث عن ثري بخيل صار مضربا للمثل لتمسكه بحذائه القديم الذي جلب له المتاعب حينما أراد التخلص منه.
تدور وقائع المسرحية حول ثري بخيل كان يعيش في بغداد بالعراق ويعرف بأبي القاسم الطنبوري، الذي اشتهر بحذائه القديم الذي كان يرقعه كلما تمزق، على مر سنوات حتى صار كبير الحجم وثقيل الوزن ليتحول الطنبوري، إلى مضرب المثل في التمسك بالأشياء القديمة، ويذيع صيت الحذاء بالشؤم الذي جلبه لصاحبه، لأنه كلما حاول التخلص منه إلا وجلب له الأذى بمقالب طريفة، حيث يتعرض لمصائب تجره إلى القاضي الذي يحكم عليه بالسجن أو بغرامة مالية حتى أصبح فقيرا.
ـ على ماذا يعتمد مسرح الطفل خلافا لمسرح الكبار؟
ـ لمسرح الطفل خصوصيات منها أنه مسرح تعليمي، وهو ما أعمل عليه في المسرحيات، على غرار آخر عمل قدمه على الخشبة محمد بوعافية وشاكر بهلولو وزكريا سلوم ونجيب زروال، إلى جانب إلياس هجهوج وقادري عمر، علما أن المسرحية استفادت هذه السنة من صندوق الإبداع لوزارة الثقافة والفنون، وهي عبارة عن عرض كوميدي تعليمي يهدف إلى إثراء القاموس اللغوي للطفل بلغة عربية سهلة وبسيطة وبمفردات ذات معاني يراد تلقينها للطفل بالشرح والتكرار عبر مشاهد مسلية ومعبرة، ولمسرح الطفل عموما أهداف أخرى ناهيك عن التعليم كتطوير مخيلة الطفل، ووجب أن تكون النصوص المسرحية الموجهة للطفل قصيرة وتتلاءم والتوقيت الذي يجب ألا يتجاوز ساعة من الزمن لتفادي الوقوع في الملل.
 يشترك النص المسرحي الموجه للأطفال في هيكله كذلك، مع مسرح الكبار من حيث الحوار والحبكة والصراع الذي يمثل المادة الخام لفن المسرحية.


ـ كيف يؤثر المسرح على الطفل في ظل انتشار الوسائط التكنولوجية الحديثة؟
ـ لمسرح الطفل دور مهم يعنى بجوانب التربية والتعليم دون تلقين، مع مساهمته في زيادة الثراء اللغوي وتعزيز التنشئة الاجتماعية، فللمسرح أهمية كبيرة خاصة بالنسبة للأطفال الممارسين، بحيث يجعلهم في منأى عن إدمان الوسائط التكنولوجية الحديثة وما ينجم عنها من سلبيات ومخاطر، وأشير هنا إلى أن لمسرح الطفل عدة أشكال  على غرار ما نشهده في المدارس ويصطلح عليه لدى البعض في الجزائر بالمسرح المدرسي الذي يؤدي فيه الطفل فنا موجها لزملائه.
أشير أيضا، إلى أن رسائل مسرح الطفل وبنيته تتباين، وفق ما ذهب إليه الباحثون والدارسون على أساس تقسيم عمري إلى ثلاث فئات تتمثل في فئة الحضانة والفئة الثانية من 06 إلى 12 سنة، والثالثة ما فوق 12، وعلى أساس الفئة العمرية تدرس المواضيع الموجهة للأطفال، وكذا اعتماد الألوان في السينوغرافيا، وهو ما يجب مراعاته.
ـ حدثنا عن تجربتك في مسرح الطفل خاصة مع نيلك لجائزة بالمهرجان الوطني لمسرح الطفل؟
ـ انطلق مساري الفني بعد تخرجي سنة 1991 من معهد الفنون الدرامية لألتحق بعدها سنة 1993 بالمسرح الجهوي بباتنة، وكنت محظوظا بالاحتكاك والعمل إلى جانب فنانين ومخرجين كبار بينهم المرحوم عز الدين مجوبي، كما كان لي الشرف بالعمل كمساعد مخرج مع الفنان القدير أحمد بن عيسى، وبالنسبة لمسرح الطفل فقد ازداد شغفي به، بعد أن نهلت من خبرة العراقية الدكتورة فاتن الجراح، وكان لي عمل معها سنوات التسعينات يتمثل في مسرحية بعنوان «الحافر الفضي»، وقد توجت حينها بجائزة أحسن أداء رجالي في المهرجان الوطني لمسرح الطفل سنة 2007، في مسرحية «نهاية ثعلب» من إنتاج مسرح باتنة الجهوي وإخراج سمير أوجيت، وكانت لي مشاركة في ذات التظاهرة سنة 2010 بمسرحية عن مسرح باتنة أيضا بعنوان «علي بابا الكبير».
ـ كيف تقيمون واقع مسرح الطفل بالجزائر انطلاقا من تجربتكم؟
ـ هو مسرح تطغى عليه « البهلوانية» عموما، ما لا يتطابق مع المعايير الأكاديمية لمسرح الطفل التعليمي دون تلقين، وأغلب العروض موجهة للتسلية وبعضها يؤدي أحيانا رسائل عكس ما يراد بها، لهذا أرى بأن مسرح الطفل الذي هو صلب اهتمامي، لايزال بحاجة لإعطائه عناية أكبر من طرف وزارة الثقافة والفنون بتخصيص فضاء  له عبر كل مؤسسة ثقافية وطنية.
ـ واضح من خلال أعمالك أنك تفضل حكايا الأدب العربي القديم التي تعكسها مسرحياتك حدثنا عن ذلك؟
ـ لا يخفى عليك، أنه إلى جانب مسرح الطفل الذي أشتغل عليه فأنا حكواتي ولي تجربة طويلة، وتلهمني الحكايا المعروفة التي كبرنا عليها والمستمدة من الأدب العربي القديم، على غرار قصة علي بابا من ألف ليلة وليلة، فالقصة لها وقع جمالي على الطفل، لهذا اشتغلت عليها فيما سبق من خلال الإعداد الدراماتيرجي بتحويل الحكاية إلى شخصيات. وأنوه، كثيرا بمبادرة القراءة في احتفال التي ترعاها وزارة الثقافة لأن نشاط الحكواتي من الأنشطة المطلوبة التي تتماشى وقراءة في احتفال وأرى أن أحسن وجبة تعليمية يمكن تقديمها للطفل هي الحكاية دون تلقين، لأن رسائلها هادفة، وهو ما يتجلى في آخر عمل في مسرحية حذاء الطنبوري، التي تبرز صفة البخل وأن على الطفل تجنبها، ناهيك عن قصص ألف ليلة وليلة والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، ومقامات الحريري والهمذاني  والأغاني لأبي فرج الأصفهاني.
ـ كيف توازن في أعمالك بين مسرح الكبار ومسرح الطفل؟
ـ شاركت طيلة مساري في عديد الأعمال في مسرح الكبار، وقدمت أدوارا مختلفة من خلال التوزيع الفني لها، غير أن بعض المسرحيات تبقى عالقة في الذاكرة كمسرحية «الدالية» ، والتي أديت فيها دور الهايم، ومن الأعمال التي أحببتها أيضا، مشاركتي في مسرحية بالمملكة الأردنية في القصر الملكي بالعاصمة عمان، وأظن أنه أول عرض مسرحي جزائري قدم هناك قبل نحو 23 سنة، لكن اهتمامي كان دوما منصبا على مسرح الطفل الذي يستهويني.
ـ لماذا لم نشاهدك في أعمال تلفزيونية على الرغم من تجربتك المسرحية الطويلة؟
ـ لا أخفيك أنه كانت لي في وقت مضى، مبادرة للمشاركة في أعمال تلفزيونية عبر الكاستينغ إلا أنني صرت أتجنبها، لا لشيء سوى تلافيا للصراع مع المنتجين الذين عادة ما يحتكرون السيناريو، بحيث يحرم الممثل من الاطلاع عليه مسبقا، وأنا لا أوافق على طريقة العمل هذه لذلك لا تستهويني التلفزة بكل بساطة.
حاوره: يـاسين عـبوبو

الرجوع إلى الأعلى