مرحلة بداية استقلال الجزائر لم تأخذ حقها من التوثيق
 نشط نهاية الأسبوع الباحث و المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا ندوة تاريخية، في إطار لقاءات تظاهرة «هنا قسنطينة»، تحدث خلالها مطولا عن علاقته بالجزائر، كاشفا عن جوانب من شخصيته كمعمر سابق، غادر المدينة بعد الاستقلال، وهو مراهق، ليعود إليها كباحث في تاريخ الجزائر، وهو الجانب الإنساني الذي أراد أن يبرزه من خلال سرد مطول لتاريخ عائلته، قبل أن يتطرق للحديث عن شح الأعمال التاريخية و البحثية التي تناولت واقع الفرنسيين الذين فضلوا البقاء في الجزائر بعد الاستقلال، رغم أهمية تلك المرحلة و علاقتها بعدد من الأحداث اللاحقة.
بنجامين ستورا حل ضيفا على لقاء ثقافي تاريخي، احتضنه مساء السبت قصر الثقافة مالك حداد بقسنطينة، حيث كانت المناسبة فرصة لمصارحة النفس، فخصص لأول مرة المؤرخ مساحة كبيرة من مداخلته للحديث عن حياته و طفولته في قسنطينة و تاريخ عائلته، التي قال بأن وجودها لم يكن يقتصر على قسنطينة أو خنشلة، مسقط رأس والده، فحسب،  بل أنها كانت عائلة متفرعة لها جذور في كل مدن الجزائر، فضلا عن تواجدها في تونس و المغرب، ليعرج للحديث عن قرار والديه بالعودة إلى فرنسا بعد الاستقلال ، تحديدا في جوان 1962، وهو قرار قال بأنه جاء بعد طول تفكير، مشيرا إلى أنه كان آنذاك طالبا في المرحلة الثانوية، ولذلك فقد كانت المغادرة بالنسبة إليه أمرا صعبا جدا، مع أن الأمور جرت بسرعة، كما قال، بعدما استدعت الظروف ذلك، وهي الطريقة التي  ميزت رحيل الأقدام السوداء و اليهود الذين بقوا في الجزائر بعد إعلان استقلالها.
وقال المؤرخ في خضم حديثه عن ظروف مغادرته الجزائر رفقة أسرته، بأن رحلة ما بعد استقلال الجزائر و تحديدا الفترة التي عرفت بقاء الكثير من المعمرين و رفضهم مغادرة أراضيها، لم توف حقها من التوثيق و البحث، بالرغم من أهميتها، فعدد المعمرين الذي ظلوا بالجزائر لحوالي 20سنة إضافية، تجاوز 300 ألف شخص، حسبه، لكن شهاداتهم لم توثق ولم تنقل.
كما أن أسباب رحيلهم لاحقا لم تدرس بالشكل اللازم، بمعنى أن حوالي 20سنة كاملة من تاريخ الجزائر لا تزال مبهمة، لأن تركيز الباحثين انحصر، كما قال، في الحديث عن رحيل الجالية اليهودية بعد مقتل الفنان  ريمون، مشيرا إلى أن عدد اليهود قبل الاستقلال، كان يقدر بحوالي مليون يهودي، رحل منهم 700 ألف مع القوات الفرنسية و بقي 300ألف رحلوا لاحقا ، لكن دون أن يتم البحث في الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إلى ذلك، وهي النقطة التي قال بأنه يجب الوقوف عندها لفهمها، خصوصا وأن الكثير من الفرنسيين من يهود و غيرهم، واجهوا صعوبة في التأقلم ثقافيا، بعد عودتهم إلى فرنسا التي يحملون جنسيتها، و منهم من لم يزر فرنسا نهائيا، وفضل الهجرة إلى بلدان أخرى، انطلاقا من الجزائر، وهي قصة فرنسية قديمة، على حد تعبيره.
وبهذا الخصوص قال الباحث، بأن الرغبة في فهم تلك المرحلة من تاريخ الجزائر، تستوجب جمع الشهادات الحية و الاعتماد في البحث على مذكرات المعمرين و الأقدام السوداء، لأن بعض الشهادات الشفوية ضعيفة و لا تؤرخ للأحداث بمصداقية عالية، لذا من الواجب الاطلاع على الأرشيف الجزائري الموجود في فرنسا، للتأكد من حقيقة ما حصل خلال الفترة المذكورة، وإماطة اللثام عن بعض الحقائق التاريخية و طريقة تعاطي المجتمع معها آنذاك، مع وجوب وضع عمل بحثي يقوم على أساس الشهادات الحية والأرشيف.
وقبل أن يختم اللقاء تطرق ستورا، لحميمية العودة إلى الجزائر و تحديدا قسنطينة في كل مرة، للمشاركة في الملتقيات التاريخية و غيرها، و عن خصوصية ذلك الشعور الذي ينتابه عندما يرى الجسور و الأحياء التي كبر فيها، قبل أن  يذكر بعض الجوانب من المحطات التي قادته إلى الجزائر في السنوات الأخيرة و جمعته ببعض قيادات الثورة الذين تعرّف عليهم، و استند إلى شهادات بعضهم في انجاز أعماله التي تؤرّخ لبعض المحطات التاريخية الثورية الجزائرية كمذكّراته حول مصالي الحاج ومعارضيه وحول بعض القيادات.
هـ / ط

الرجوع إلى الأعلى