الحب يتغلب على مآسي الحزن والحروب و“عائلة سورية” ينتزع الإشادة

خلال ثلاثة أيام من عمر مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، حكت الأعمال السينمائية المعروضة قصص حزن و مآس، لم تمنع الإنسان، عن البحث عن نصفه الآخر و مقاسمته الحب، حتى وسط رصاص الحرب، و بين الأموات في المقابر، و في قلب الصراع النفسي مع رواسب الماضي، وقد لقيت العروض اهتماما ملفتا من الجمهور رغم برودة الطقس، و تأخر توزيع برامج الأفلام، وضعف تأثير نشاطات المهرجان بالورشات .
«عائلة سورية» يُدشن المهرجان
افتتح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، مساء الأربعاء، باقة أفلامه بفيلم «عائلة سورية»، من إخراج البلجيكي فيليب فان لو، الذي حضر ليمثل بلده في المهرجان كضيف شرف، مؤكدا « أنا معجب بالجمهور و بالجزائر التي أزورها لأول مرة».
و يحكي الفيلم حياة عائلة سورية تعيش تحت الحصار والقصف بمدينة دمشق، و تبقى حبيسة منزلها الدمشقي، خوفاً من الخروج أو الهروب إلى مصير مجهول، مع بداية الحرب التي اشتعلت في سوريا قبل نحو 8 أعوام.
و تم تصوير العمل بمدينة «تورنهوت»، الواقعة بالإقليم الفلامندي الناطق بالهولندية، حيث يعيش العديد من اللاجئين السوريين.
و أسندت بطولة الفيلم للفنانة الفلسطينية هيام عباس، واللبنانية ديامان بو عبود، التي استفادت بلا شك من معايشتها الحرب الأهلية اللبنانية ، في تجسيد الدور الذي أسنده إليها المخرج البلجيكي فيليب فان لييوف. الفيلم البلجيكي حصد جوائز عدة في مهرجانات أوروبية، وقد أشاد النقاد بمخرجه وقالوا أنه عالج الأزمة السورية بحياد، من زاوية إنسانية اجتماعية.
فيلم «إلى آخر الزمان» قصة حب داخل مقبرة
حاولت مخرجة الفيلم ياسمين شويخ في فيلمها «إلى آخر الزمان» الخروج عن المألوف، حيث يسلط الضوء على أشخاص يعيشون داخل مقبرة «سيدي بولقبور»، أين يعيش حفار القبور علي،  الذي تجاوز الستين و يلتقي بـ «جوهر»، و تقمصت هذا الدور الممثلة شفيقة، التي جاءت لزيارة قبر شقيقتها للمرة الأولى بعد وفاة زوجها، فتشرع في تجهيز القبر لترقد فيه، إلى جوار شقيقتها الراحلة، وتقرر إقامة جنازتها، استعدادا للرحيل، وتطلب المساعدة من علي، لكن استعداداتها للرحيل من الدنيا تتوقف فجأة، عندما تقع في حبه وتكتشف أنه يبادلها الشعور نفسه.
جدير بالذكر أن ياسمين شويخ بدأت مسارها الفني، كممثلة متربصة وكاتبة سيناريو منذ كانت في ربيعها 14. و  بعد أن درست علم النفس، تابعت تدريبا صيفيا في فيميس في باريس. وفي عام 2006، أخرجت أول فيلم قصير لها، تحت عنوان «الباب»، ثم تلاه فيلم»الجن» في 2010.
و قالت شويخ لدى تنشيطها ندوة صحفية بعد عرض الفيلم « اخترت أكبر تناقض موجود في الكون، بين الحياة و الموت، وأسقطته على صورة سينمائية تنقل تصرفات غير مألوفة تحدث بمقابرنا اليوم و جزء منها مستوحى من الخيال، واعتبر المتفرج ذكيا، لا أستطيع أن أقول له العبرة من الفيلم ، لأن طريقة فهمه تختلف من شخص لآخر».
«الشيخ جاكسون» صراع نفسي يعيشه شاب متدين يستحضر طفولته مع الفنان
تعود أحداث فيلم «الشيخ جاكسون» إلى يوم 25 جوان 2009 ، و هو تاريخ الإعلان عن خبر وفاة مايكل جاكسون الذي هزَّ العالم، خاصةً أحد الشيوخ الذي كان يلقبه الجميع بجاكسون، خلال سنوات الدراسة، لكن ماذا يربط شيخا وإمام مسجد بأسطورة الطرب الأميركي؟ و السؤال الأهم، هل سيستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي بعد ذلك، أم ستعود به ذكرياته وعلاقاته بمن أحبهم إلى السؤال الأهم في وجدانه؟ هل هو الشيخ أم جاكسون أم الاثنان في قلب رجل واحد؟ هذا ما يجيب عنه الفيلم.


«أسوار القلعة السبعة» يعرض لأول مرة
يحاول المخرج أحمد راشدي في عمل سينمائي ثوري جديد، أن يحكي قصة قبل انطلاق ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، أين تأزمت المأساة وتفاقمت الأوضاع، و حاصر الاستعمار الفرنسي «ثابتي» و منزل سيد إقطاعي، سعيا منه للانتقام.
يفشل الهجوم ويواجه «لوسيان» الذي يتمسك بأرض الجزائر تمسّك الولد بثوب أمه،  وبذلك يقف كل من «ثابتي» و»لوسيان» في مواجهة مع النفس ومع الآخر في نزال وجوديّ لا رحمة فيه.
بالنسبة لأحمد راشدي ، فإن حرب التحرير بمثابة مدرسة للنضال و السينما، فهو ينتمي رفقة رينيه فوتييه ومحمد شانديرلي، إلى أول نواة سينمائية لجبهة التحرير الوطني،و  ترأس أول مركز للسمعيات والبصريات في الجزائر بعد استقلالها عام 1962، ثم مؤسسة المركز الجزائري لصناعة السينما.
و  شارك راشدي في إخراج الفيلم الجماعي «مسيرة شعب « لتخليد حرب التحرير الجزائرية، ومن أشهر أفلامه «علي في بلاد السراب»، و»الطاحونة»، إضافة إلى «مصطفى بن بولعيد» سنة 2009 و»العقيد لطفي» عام 2015. فضلا عن دوره في إنتاج العديد من الأفلام الجزائرية .
ثلاثة أعمال سينمائية للمخرج التونسي رضا الباهي
فيلم «زهرة حلب» للمخرج التونسي رضا الباهي من أبرز الأعمال التي عرضت خلال المهرجان، حيث يروي قصة مراد، 17 عاما، الذي عاش دوامة نفسية، جعلت منه شخصا متطرفا، فقرر السفر للجهاد في سوريا. و يتصل هاتفيا بأمه سلمى،  ويخبرها أنه انضم إلى جماعة مسلحة، فتخوض رحلة للبحث عن ابنها من أجل إعادته إلى حياته الطبيعية .
أثار رضا الباهي في فيلمه، قضية تمس كيان مجتمعات ما بعد الثورات،و يعالج فيه ظاهرة نقل الشباب إلى جبهات القتال في سوريا، دون أن يغوص الفيلم في خبايا السياسة، لكنه طرح الظاهرة من منظور إنساني، بما تحمله من تأثير على الأمهات والعائلات على حد سواء بمنأى عن توجيه المشاهد نحو هدف سياسي محدد.
ويقول المخرج الباهي «لم أرد في هذا الفيلم التطرق لأمور سياسية ولا للقضية السورية، أردت فقط التركيز على معاناة امرأة تونسية، سافرت لجلب ابنها الذي يعد ضحية من ضحايا غسيل الدماغ».
و تدور أحداث الفيلم حول الأم التونسية سلمى، تجسد دورها الفنانة التونسية هند صبري، عاشت معاناة بعد أن تم تسفير ابنها مراد، من أجل «الجهاد» في سوريا.
أما مراد ذو 17 سنة، فكان يعيش حياة طبيعية كأبناء جيله، وهو مولع بالموسيقى إلا أنه انجذب نحو الفكر المتطرف، و تعرض لعملية «غسل دماغ» من قبل جماعة إرهابية، لينضم في ما بعد إلى جبهة فتح الشام ( جبهة النصرة سابقا) في سوريا.
تفككت عائلة مراد، بعد انسياقه نحو هذا التيار، و عاشت أمه مأساة حقيقية، فهي لم تتردد ولو للحظة في الالتحاق به متنكرة في ثوب «الجهاد»، بحثا عنه ورغبة في استرداده. الوضع العائلي لمراد الذي جسد دوره الممثل التونسي باديس الباهي، يبدو للبعض سببا في تغير تصرفاته واقتحامه عالما غير معتاد عليه.
إن تطليق والد مراد لوالدته الممرضة، وتحملها أعباء الحياة بمفردها، وتكريس كل وقتها لعملها ، كانت عوامل مهمة في تغير سلوكه، خاصة و أن والده  السكير كان يعيش في عالم خاص به، مما حرم الابن من حياة عائلية طبيعية، و من وجود الأب ودوره في حياته.
يتناول الفيلم قضية حساسة بالنسبة للمجتمع التونسي الذي شهد بعد الثورة عمليات متكررة لتسفير الشباب والفتيات بحجة الجهاد في سوريا،  كما يبرز الفيلم الذي صورت مشاهده في تونس ولبنان ،بشاعة الدمار في حلب  السورية ومخلفات أعمال العنف فيها، ورغم أنه لم يتعمق في ثنايا السياسة، فإنه وقف على الخلاف بين تنظيمين مسلحين لا يختلفان في أساليب القتل والدمار.
وقد تجسد ذلك في مشاهد عديدة، من بينها أسر الأم سلمى في كمين لتنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثمة اغتصابها من قبل منتسبين للتنظيم، معتقدين أنها تابعة لجبهة فتح الشام.
نهاية الفيلم لم تكن غريبة بالنسبة لبعض المتابعين الذين توقعوا أن تكون مأساوية، فمراد الذي انضم لجبهة النصرة أنهى حياة أمه التي جاءت بحثا عنه دون أن تراه.
وبعد أسر الأم واغتصابها من قبل تنظيم الدولة، تقرر جبهة النصرة إرسال عدد من قناصتها لاستعادتها، وكانت المفاجأة أن مراد هو أحد هؤلاء القناصة. وبهذا الفيلم تعود هند صبري إلى السينما التونسية بعد سبع سنوات من الغياب.
الفيلم الثاني لرضا الباهي عنوانه « شمس الضياع» و يحكي قصة قرية ساحلية تونسية، يعيش سكانها على حرفة الصيد، وبعض الأعمال الصغيرة، فهي قرية بطيئة الإيقاع، تصل إليها ذات يوم مجموعة من رجال الأعمال الهولنديين، من أجل تحويلها إلى قرية سياحية بدعم من المسؤولين في الدولة والمحافظة، و يشارك أهل القرية في بناء القرية السياحية،و تنكمش أعمال الصيد، ويقاوم أحد الرجال هذا التحول، لكن الصيادين أنفسهم سعداء بما حدث، لدرجة أنهم تركوا الصيد، وحولوا مراكبهم إلى وسائل لترفيه السياح .
الفيلم الثالث «السنونوات لا تموت في القدس»، تدور أحداثه حول شيخ فلسطيني يبحث عن أمه التي فقدها عام 1948 ،وعلى الجانب الآخر يتعرض الفيلم لصحفي فرنسي يهودي جاء إلى فلسطين، ليبحث عن جدته التي فرت من المحرقة النازية (الهولوكوست)، ليعرض لنا الرؤيتين العربية واليهودية من خلال رحلة البحث، مستعرضاً أحوال المخيمات الفلسطينية، والوضع العام تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
تغطية: حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى