ترامــواي قسنطينــة يبحث عن سكتــه بعد سنتين من تشغيلــه
تشهد الخدمات المقدمة بترامواي قسنطينة تراجعا برأي العديد من زبائنه بعد سنتين من بدء الاستغلال، كما يشتكي عماله من تدني ظروف العمل و يتحدث بعضهم عن "تعسف" يتعرضون له من طرف المسيرين الفرنسيين، في وقت لا تزال اختلالات إشارات المرور مستمرة، رغم تسجيل زيادة في الوعي بين المسافرين الذين يرون بأن الترامواي و برغم النقائص المسجلة به، يُعدّ وسيلة مريحة و عصرية و الأكثر أمانا، أما مؤسسة "سيترام" فتعترف بجزء من النقائص  و تعد بتداركها.

روبورتاج: ياسمين بوالجدري

النصر قضت نصف يوم بين محطات ترامواي قسنطينة، الذي يمتد مساره على مسافة 9 كيلومترات بين وسط المدينة و حي زواغي، و قد كانت البداية من محطة المنطقة الصناعية «بالما»، حيث قدمنا لعون الشباك مبلغ ألف دينار من أجل شراء تذكرة الركوب، لكنه أعلمنا بعدم توفر «الفكّة» و اقترح شراء 5 تذاكر بمبلغ 200 دينار، فاضطررنا لقبول عرضه، و هو حل عادة ما يرضخ إليه الكثير من زبائن الترامواي المستعجلين.. بعد ذلك اتجهنا إلى الدرج لصعود المحطة فوجدنا تقنيين كانوا بصدد إصلاحه كونه في الأصل من النوع المتحرك و لم يشغل إلا في زيارات الوزراء.
في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا و بعد 3 دقائق من وصولنا كانت عربة الترامواي قد أتت، و هو توقيت لم يكن فيه عدد الزبائن كبيرا مقارنة بما يسجل في ساعات الذروة.. العربة لم تكن ممتلئة و استطعنا الجلوس بأحد مقاعدها بكل سهولة بعد المصادقة على التذكرة الكترونيا، حيث كانت الرحلة مريحة و استغرقت دقائق قليلة للوصول إلى محطة الجامعة المركزية، هناك وجدنا طالبات ينتظرن الترامواي للتوجه إلى وسط المدينة، الطالبات قلن لنا بأنهن ينتظرن وصول العربات منذ حوالي ربع ساعة و هي مدة طويلة مقارنة بما كان مسجلا في السابق، ليضفن بأنهن كثيرا ما يجبرن على عدم الركوب، بسبب وصول العربات مليئة بالركاب.

رُبع ساعة من الانتظار و حشود بمحطتي بن عبد مالك و زواغي

بعد مدة قصيرة ركبنا الترامواي مجددا باتجاه حي زواغي أين تقع المحطة الرئيسية، هناك كانت الساعة قد قاربت منتصف النهار، و قد تفاجأنا لدى الوصول بالعدد الكبير من المواطنين الذين كانوا في انتظار وصول العربات و هو مشهد قال لنا الزبائن أنه يتكرر يوميا خاصة في ساعات الذروة، حيث ذكر أحدهم بأنه انتظر لأزيد من ربع ساعة من أجل التنقل نحو وسط المدينة لأمر ضروري، مبديا استياءه لـ “تردي” الخدمات بترامواي قسنطينة بعد سنتين من بدء استغلاله، و ذلك بزيادة مدة التأخرات رغم أن المعدل المعمول به لا يتعدى 3 دقائق، ليضيف بأن سعر 40 دج للتذكرة يعد كبيرا مقارنة بنوعية الخدمات المقدمة على حد تعبيره، ليستدرك قائلا و بأنه و بالرغم من كل ذلك، يظل الترامواي وسيلة نقل جيدة و مريحة كما أن موظفيها يتعاملون بلباقة مع الزبائن.
حشود المواطنين الذين كانوا بمحطة زواغي اختفوا في ظرف أقل من دقيقتين بمجرد وصول الترامواي، باستثناء عجوز رفضت الصعود رغم إلحاح ابنتها، لأن العربة كانت قد امتلأت عن آخرها و صارت  لا تختلف عما تشهده حافلات النقل العمومي.. انتظرنا وصول عربة أخرى و اضطررنا هذه المرة للعودة واقفين بسبب كثرة عدد الركاب، الذين تحدثنا إلى بعضهم أثناء رحلة الذهاب باتجاه وسط المدينة، فقد طرح بعضهم مشكلة التأخرات بعدما كانت مدة الانتظار لا تتعدى في بداية استغلال الترامواي 10 دقائق.
أثناء الرحلة لفت انتباه المسافرين ملاسنات بين مراقب و زبونة لا تبدو عليها علامات العوز، لكنها رفضت شراء تذكرة و قالت بأن المسافة التي قطعتها رفقة ابنتها قصيرة و لا تستدعي حسبها تسديد مبلغ 40 دينار، في وقت كانت تنتشر داخل الترامواي لافتات تنذر بإلزام كل من يسافر بطريقة “غير قانونية”، بتسديد مبلغ 100 دينار يمثل «وصل تسوية السفر»، و يتعلق الأمر بالركاب الذين لا يحملون تذكرة أو يحملون تذكرة غير صالحة أو الذين لم يصادقوا عليها و كذا الذين استخدموا بطاقة اشتراك شخص آخر.
واصلنا الرحلة إلى غاية محطة وسط المدينة قرب ملعب بن عبد المالك رمضان، و هناك لم يختلف المشهد كثيرا عما وقفنا عليه بحي زواغي سليمان، فبمجرد توقف العربة كان العشرات من المواطنين قد اصطفوا بالقرب منها،  ثم دخلوا مباشرة بعد فتح الأبواب، رغم أن من كانوا بداخل الترامواي لم ينهضوا بعد من مقاعدهم، و هو وضع يسجل عادة في أوقات الذروة، أي قبل الثامنة صباحا و في منتصف النهار و كذلك عقب الرابعة مساء، لكن و بحدة أقل مقارنة بما كان مسجلا في بداية استغلال الترامواي قبل سنتين، بحدوث حالات تدافع كبيرة بين الركاب الذين تعايشوا اليوم مع هذه الوسيلة.
بمحطة بن عبد المالك جلسنا في انتظار عربة أخرى للعودة إلى نقطة الانطلاق بالمنطقة الصناعية، و قد اقتربنا من عجوز كانت جالسة بمقاعد الانتظار.. السيدة أخبرتنا بأنها قدمت من حي زواغي من أجل شراء بعض الأغراض لمنزلها، و اعتبرت أن الوسيلة جيدة مقارنة بما يعانيه المواطنون مع سائقي السيارات و الفرود، خصوصا بالنسبة للراحة التي توفرها و التعامل الجيد لموظفيها مع الزبائن.

السيارات و الحافلات هاجس سائقي الترامواي

اقتربت النصر من عدد من سائقي الترامواي، و قد أكدوا لنا تسجيل زيادة في الوعي بين الركاب لدى استعمال هذه الوسيلة، باستثناء بعض الحالات الشاذة، لكن بالنسبة لسائقي المركبات يلاحظ بحسب محدثينا، استمرار مظاهر عدم احترام الإشارات الضوئية و الأولوية لصالح الترامواي، فمثلا على مستوى الجامعة المركزية لا يحترم أغلب سائقي حافلات الطلبة ضرورة ترك الأولوية للعربات، و هو الأمر ذاته المسجل بتقاطع حي الأمير عبد القادر، الذي يعد خطيرا جدا خاصة بعد تعطل الإشارات الضوئية مؤخرا، و هو ما استدعى تدخل مصالح الأمن لتنظيم حركة المرور و تجنيد اثنين من أعوان «سيترام»، كما تزيد المخالفات في الفترة المسائية بحيث يقوم بعض الشباب بسلوكات غير لائقة يتصدى لها أعوان المراقبة.
و فسّر سائقو الترامواي التأخر المسجل في وصول العربات، برفع عدد هذه الأخيرة إلى 17 عربة، ما استوجب العمل بنظام و برمجة جديدين يقولون أنه سيُعدل تدريجيا، مضيفين بأن الأمور تسير عموما نحو الأحسن بتعايش الجميع مع هذه الوسيلة الحديثة، التي لم سجل على مستواها أية حادثة خطيرة منذ بدء استغلالها في جويلية من سنة 2013.

الوقوف المتواصل ينهك أجساد أعوان الأمن

خلال استطلاعنا تحدثنا إلى عدد من الأعوان المكلفين بتأمين عربات الترامواي و تنظيم حركة المرور بتقاطع الأمير عبد القادر، الذي تعطلت به الإشارات الضوئية منذ أسبوعين تقريبا، حيث أكد لنا هؤلاء بأنهم يعملون في ظروف قاسية جدا سيما في فصلي الشتاء و الصيف، إذ يقفون لست ساعات متواصلة تحت الأمطار و الشمس و ببدلة وحيدة لا تتماشى حسبهم مع تغيرات الطقس، كما أنهم يمنعون من الاستفادة من ساعة الراحة و «يحرمون» من تناول الغذاء و حتى من شرب قارورة ماء، و إذ “تجرأ” أحد على فعل ذلك بالتقاطعات، قد يتعرض لعقوبة.
أحد الأعوان قال لنا بأن ما يتعرض له رفقة زملائه، “استعباد”تعسف  ممارس عليهم من طرف المسيرين الفرنسيين بشركة “سيترام»، و هو وضع زاده تأزما التحرشات اللفظية التي يتعرضون عليها من بعض المواطنين، مضيفين بأن الوقوف المستمر و لست ساعات متواصلة تسبب في إصابتهم بأمراض السكري و الضغط الدموي، كما أن أغلبهم أصبح يعاني من آلام مزمنة في الظهر و الحوض، خلال السنتين الماضيتين اللتين كانوا يعملون خلالها بنقاط التقاطع قبل وضع الإشارات الضوئية.
محدثونا سجلوا وعيا أكبر بين الراجلين، و قالوا بأنهم يعملون بالتنسيق مع غرفة التحكم المركزي التي تراقب الترامواي من الداخل و الخارج بالعديد من الكاميرات المثبتة و تنبههم إلى أية اختلالات قد تفوتهم، و هو ما ساعد على عدم تسجيل حوادث خطيرة.
و رغم تأكيدهم على أن أجورهم تبقى مقبولة، اشتكى العديد من عمال ترامواي قسنطينة من عدم تلقي بعض المنح، ما جعلهم ينتظرون بفارغ الصبر تجديد الاتفاقية الجماعية بعد حل نقابتهم الوطنية من قبل الفدرالية، كما يتساءل العمال عن سبب استفادة بعض الإطارات الإداريين من منحة التقييم المهني، في وقت لم يحصلوا هم على العديد من المنح، في وقت أكد أمين عام نقابة العمال بأن الأمور تحسنت نسبيا بعد تغيير طبيعة عقود عمل العشرات من محدودة إلى مؤقتة، و هو قرار كان قد اتخذه المدير العام الأسبق للمؤسسة “بيار شبات».

"سيترام" تعترف بالنقائص و تعد بالتحسن

و لمعرفة رأي مؤسسة «سيترام» في النقائص التي يطرحها الزبائن و انشغالات العمال، اتصلنا بالسيدة غيموز ابتسام مسؤولة الاتصال و التسويق بالمؤسسة، حيث أرجعت مشكلة التأخرات إلى احترازات أمنية تم اتخاذها حفاظا على سلامة الزبائن، و ذلك بعدما تم رفع عدد العربات إلى 17، ما يزيد، من احتمال التقارب بينها في المسار، مضيفة بأن “سيترام» تفضل التأخر ببضع دقائق إضافية على أن يتعرض المسافرون لأي مكروه.
و اعترفت المتحدثة بتسجيل اختلالات في عمل الإشارات الضوئية، قالت أنه يتم تسجيلها و العمل على تداركها من قبل تقنيين مختصين، مضيفة بأنه من العادي وقوع هذه الاختلالات لأن استعمال الإشارات بدأ منذ مدة قصيرة و لا يمكن معرفة نتائج عملها إلا أثناء تجريبها، كما سبق، حسبها، تشغيل الإشارات الضوئية القيام بحملة تحسيسية دامت لستة أشهر، و بالنسبة لمشكلة نقص الفكّة، قالت السيدة غيموز أن الأزمة مسجلة عبر كامل التراب الوطني، ما جعل “سيترام» تلجأ إلى البنوك و حتى إلى محطات البنزين من أجل الحصول على القطع النقدية.
و أضافت المسؤولة في اتصال بنا بأن قرار فرض “وصل تسوية السفر” على الزبائن الذين لا يسددون ثمن التذكرة، جاء عقب تسجيل تزايد للظاهرة الركوب بطريقة “غير قانونية” خصوصا بين فئة الطلبة، و ذلك بهدف الردع كون الشركة ذات طابع تجاري و تتحمل أعباء مالية كثيرة، لتضيف فيما يتعلق بانشغالات العمال أن أغلبهم أدمج في الفرقة المتنقلة للتدخل ضمن عقود عمل غير محدودة، كما قالت بأن أي وظيفة لها مخاطرها و يمكن أن تؤدي إلى حدوث أمراض.
و قالت المتحدثة بأن العمال يستفيدون من العطل التعويضية و من ساعة راحة كل يوم، كما يصلهم الغذاء ساخنا في فضل الشتاء و سخرت لهم مظلات و بدلات خاصة خلال فصل الصيف، و ذلك في إطار مسعى تنتهجه المؤسسة لتحسين ظروف عمل العمال.
مسؤولة الاتصال بـ «سيترام» ترى بأن هذه المؤسسة و بعد سنتين من بدء تسييرها لترامواي قسنطينة، سجلت تحسنا مستمرا في الخدمات المقدمة و ظروف العمل بفضل المجهودات التي يتم بذلها موازاة مع مراعاة شكاوى و انشغالات الزبائن و أخذها بعين الاعتبار.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى