أطلق رجال أعمال كبار مشاريع اقتصادية عملاقة بولاية بسكرة معلنين بذلك عن ميلاد قطب اقتصادي وطني واعد عبر 20 منطقة صناعية بالولاية، ربما سيفتح الطريق إلى مستقبل جديد تكون فيه السيادة للاقتصاد الجزائري البديل لثروة النفط التي تعرف تقلبات مخيفة بالأسواق الدولية. و لا تكاد تجد مظهرا للبطالة في ولاية بسكرة التي تبحث بشدة عن اليد العاملة من كل الأصناف و شتى التخصصات، حتى أن العديد من المستثمرين صاروا يشتكون نقص العمال.
و قد تحولت عاصمة الزيبان التي تتوسط الشمال و الجنوب إلى ورشة مفتوحة في كل القطاعات، و صارت منطقة جذب للمستثمرين القادمين من مختلف ولايات الوطن و حتى من دول أوروبية و إفريقية و آسيوية ظلت عينها على النفط الجزائري عقودا طويلة، لكنها بدأت تحول اهتمامها إلى قطاعات أخرى في إطار إستراتيجية البحث عن أسواق جديدة و فرص استثمار بديلة، تكون في منأى عن التقلبات المفاجئة و المدمرة التي تعصف حاليا بالكثير من اقتصاديات الدول المعتمدة على النفط، و من  بينها الجزائر التي قررت التوجه بقوة إلى الاستثمار الخاص و تحرير المبادرات و الأفكار و تشجيعها للنهوض بالصناعة و الزراعة و السياحة لخلق الثروة و مناصب العمل، و التخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن تراجع أسعار النفط الذي ظل المورد الرئيسي الممول لخزينة الدولة.  و يتوقع الكثير من المتتبعين للحركية الاقتصادية غير المسبوقة التي تعرفها المنطقة في المدة الأخيرة بأن بسكرة ربما ستكون قطبا اقتصاديا كبيرا في غضون السنوات القليلة القادمة بعد الإنزال القوي لرجال المال و الأعمال الذين بدؤوا يعمرون الصحاري الموحشة، و يبعثون فيها الحياة مسلحين بإرادة قوية دفعتهم إلى رفع التحدي و خوض معركة الاقتصاد البديل الذي يعتمد على تكنولوجيات حديثة وجدت لها موطئ قدم بين الكثبان الرملية و الجبال الصخرية، التي تنام على ثروات طبيعية هامة و احتياطات منجمية ضخمة لم تمسسها يد بشر حتى الآن.  
النصر زارت حوض بسكرة الكبير و تحدثت إلى مسؤولين محليين و كبار المستثمرين من رجال المال و الأعمال حول واقع و آفاق النهضة الزراعية و الصناعية و السياحية غير المسبوقة، و زارت مواقع المشاريع العملاقة التي أصبحت حقيقة ثابتة على الأرض، يمكنك أن تراها بعينيك و تلمسها بيديك أين ما توجهت، من شمال بسكرة إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها، لا حديث هنا إلا على معركة الاقتصاد البديل الذي صار هاجسا كبيرا يقض مضاجع الملايين من الجزائريين الذين أفاقوا على بوادر أزمة اقتصادية متوقعة إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض.   
المستثمرون في بسكرة يحملون هم الجزائر في قلوبهم و عقولهم، لم يعودوا ينظرون بعين الرضى إلى ثرواتهم الطائلة و هم يرون اقتصاد بلادهم يواجه متاعب كبيرة، قد تكون لها عواقب وخيمة على السكان الفقراء و حتى الطبقات المتوسطة التي أصبحت على حافة الخطر في ظل التحولات المتسارعة التي بدأت تؤثر على الاقتصاد الوطني. فقد قال لي أحدهم بأن الثروة التي يملكها حاليا تغنيه عن العمل و الاستثمار المثير لوجع الرأس، لكنه قرر إطلاق المزيد من المشاريع الكبرى لتوفير مناصب عمل للبطالين و وضع حد لبواخر الاستيراد التي تمخر عباب البحار و المحيطات باتجاه الجزائر لتطعم شعبها، مضيفا بلهجة فخر و بثقة أن البواخر التي تأتينا بغذائنا اليوم ستتحول خلال السنوات القادمة إلى بواخر تصدير للكثير من السلع و المنتجات انطلاقا من بسكرة، و غيرها من الأقطاب الصناعية و الزراعية المتواجدة عبر الوطن.  و قد ظل رجال بسكرة يعملون بعيدا عن الأضواء سنوات طويلة لوضع أسس الصناعة و الزراعة و السياحة بالمنطقة، و مازال الكثير منهم إلى اليوم يفضل العمل في صمت حتى أننا وجدنا صعوبة كبيرة  في ربط الاتصال بهم و الحصول على البعض من وقتهم الثمين، و إقناعهم للسماح لنا بدخول المواقع المحروسة لمشاريعهم، و التجول فيها خاصة تلك التي توجد بها تجهيزات تكنولوجية دقيقة، أو التي يعتبر دخول الغرباء إليها من ضمن المخاطر الصحية تستوجب الترخيص المسبق و تفرض الكثير من الحيطة و الحذر، كما هو الحال بمركب الدواجن العملاق الذي يعمل بتكنولوجيا ألمانية متطورة تمنع حتى الاتصال بين عمال الأقسام و الوحدات الإنتاجية المختلفة.    و حسب رجال الأعمال و مسؤولي بسكرة الذين التقتهم النصر فإن النهضة الاقتصادية و السياحية و الزراعية التي تشهدها المنطقة تعود لعوامل عديدة بينها الموقع الاستراتيجي، و هي محطة التقاء التجار و الصناعيين و قوافل النقل البري في الرحلة الطويلة بين الجهات الأربع للوطن. و توفر بسكرة عوامل أساسية لنجاح الإستثمارات منها وفرة كبيرة في  العقار و المياه الجوفية، اعتدال المناخ، شبكة الطرقات البرية و السكك الحديدية، المطار. و فوق كل هذا توفر المعادن و السهول الزراعية و التحفيزات التي قدمها قانون الاستثمار و الدعم الكبير الذي تقدمه سلطات الولاية و مختلف المديريات التنفيذية و غرفة التجارة و الصناعة الزيبان و غرفة الفلاحة، و مركز ترقية النشاطات السياحية و غيرها من العوامل التي جعلت من بسكرة قطبا اقتصاديا و زراعيا بلا منازع.   و تعد الطاقة المائية التحدي الأكبر الذي يواجه التحول الاقتصادي الذي تعرفه بسكرة منذ نحو 5 سنوات حيث تعرف المنطقة نقصا في المياه السطحية بسبب موجات الجفاف المتعاقبة على المنطقة منذ نحو 7 سنوات متتالية، و هبوط الاحتياطي من المياه الجوفية بعدة مواقع، و تعمل سلطات بسكرة على حفر المزيد من الآبار العميقة و إنجاز السدود و الحواجز لتوفير مياه السقي الزراعي و مياه الشرب و تزويد المصانع العملاقة التي يستهلك البعض منها كميات كبيرة من المياه. كما تشكل اليد العاملة أيضا تحديا آخر للنهضة الصناعية و الزراعية و السياحية بالمنطقة حيث اشتكى أصحاب المشاريع من نقص كبير في اليد العاملة سواء المتخصصة أو البسيطة و اضطر الكثير منهم إلى جلب الكوادر المتخصصة و العمالة البسيطة من الخارج و خاصة من الصين و فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و السودان، في انتظار إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل العمالة سواء من خلال التكوين داخل المصانع و مراكز التكوين المهني أو من خلال اتفاقيات مع الجامعات و المعاهد الجزائرية، و كذلك التكوين بالخارج و هذا لضمان السير الحسن للإنتاج و التحكم في التكنولوجيا الدقيقة التي تم جلبها من  الخارج.  
و أصبح اقتصاد بسكرة المتنامي في حاجة إلى يد عاملة نشطة و مؤهلة و خاصة بالمركبات الصناعية العملاقة التي تعمل بالنظام الآلي كما في مصانع الآجر و البلاط و مركب الدواجن و المنتجع السياحي الكبير و مركب الاسمنت و وحدات الصناعة التحويلية و مصانع الجلود و الجبس و الأدوية الزراعية و غيرها من خلايا النسيج الاقتصادي المتشابك الذي بدأ يؤسس لقطب وطني واعد بقلب الصحراء.        

فريد.غ

الصادق خليل مدير غرفة التجارة و الصناعة الزيبان ببسكرة  
أكثـــر من 20 منطقـــة صناعيــة تحـــت تصـــرف المستثمـــرين و دراســـة الملــــفات في 8 أيـــام
تعتبر غرفة التجارة و الصناعة الزيبان بولاية بسكرة بمثابة نادي كبير يجمع كل رجال الأعمال و ينسق بينهم و بين الإدارات المعنية بقطاعات النشاط المختلفة، حيث تقوم الغرفة بدور كبير في بعث الاستثمارات و تشجيع أصحاب الأفكار على تجسيد مشاريعهم على أرض الواقع.  
و حسب مدير الغرفة الصادق خليل فإن ما لا يقل عن 20 منطقة صناعية موضوعة تحت تصرف رجال الأعمال من بسكرة و من كل ولايات الوطن منها 15 منطقة نشطة، و البقية قيد الدراسة و التهيئة على مساحات واسعة يمكنها احتضان مصانع عملاقة يتوقع إنجازها في غضون السنوات القليلة القادمة، لتضاف إلى المركبات الكبرى التي انطلقت على أرض الواقع من بينها مصنع الاسمنت و مركب الدواجن و القرية السياحية و مصانع الآجر و الجبس و الصناعات الغذائية، و الحليب و المطاحن و تركيب السيارات الصناعية و إشارات المرور و تحويل التمور و مواد البناء و غيرها من مجالات النشاط المستقطبة لرجال الأعمال لذي سيحولون بسكرة إلى أكبر قطب اقتصادي بالجزائر في غضون سنوات قليلة.  
و أضاف الصادق خليل في لقاء مع النصر بأنه و بالإضافة إلى المشاريع الاستثمارية الكبرى التي دخلت مرحلة الإنجاز و الاستغلال توجد عشرات المشاريع الكبرى التي يتوقع دخولها مرحلة النشاط بداية من السنة القادمة، أهمها مركب تحويل التمور للمستثمر خبزي عبد المجيد بالشراكة مع متعاملين إيطاليين، و ينتج المركب عسل التمر و سكر التمر و الخل و قهوة التمر و السكر السائل، الذي يملك نفس خصائص و مواصفات السكر الأبيض العادي، كما ينتج المركب أيضا أغذية الأنعام من التمر ذات النوعية الرديئة.
و ينص الاتفاق الموقع بين الطرفين على بيع المنتوج كله للإيطاليين لمدة 5 سنوات ثم يوجه إلى بقية الأسواق الأخرى بما فيها السوق الوطنية. و حسب المتحدث فإن مركب تحويل التمور يعد الأول في الجزائر و الثالث في العالم بعد مصنعين في كل من إيران و الصين.  
كما قرر أحد كبار المستثمرين بالمنطقة إنشاء مؤسسة خاصة لتوزيع المشتقات البترولية و ستكون منافسا قويا لمؤسسة نافطال العمومية التي تحتكر توزيع المشتقات البترولية في الجزائر.   و في مجال الاستثمارات العمومية بولاية بسكرة أوضح رئيس غرفة التجارة و الصناعة الزيبان بأن شركة سوناطراك قد قررت بناء مصفاة نفط بالمنطقة الصناعية لوطاية، و قد دخل المشروع الضخم مرحلة الإنجاز و سيوظف أكثر من 1500 عامل عند دخوله مرحلة الاستغلال.  
من جهته قال نائب رئيس غرفة التجارة و الصناعة ببسكرة السيد بوعزيز زريبي للنصر بأن عوامل عديدة جعلت بسكرة قبلة لكبار المستثمرين و رجال المال و الأعمال و في مقدمتها الموقع الاستراتيجي و المناخ المعتدل و وفرة العقار و المرونة في دراسة الملفات و الرد عليها، مضيفا بأن مختلف الإدارات المعنية بالاستثمار قد لعبت دورا كبيرا في تشجيع الأفكار و تحرير المبادرات و تحويلها إلى واقع ملموس على الأرض.   و تقوم الغرفة بتكوين مستمر لرجال الأعمال و الصناعيين و توفر لهم المعلومة و تساعدهم و تمثلهم أمام مختلف الإدارات و الهيئات و صارت ناطقا رسميا لهم الأمر الذي خفف عنهم الكثير من المتاعب و سمح لهم بالتفرغ التام للعمل الميداني الشاق و التواصل المستمر مع رجال المال و الأعمال بالخارج لجلب التكنولوجيا و توقيع اتفاقيات الشراكة حسب القانون الجزائري الساري المفعول.  
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى