"صــنع في الجــزائـر" تحــاول استعــادة ثــقة المستــهلك
يكشف معرض الإنتاج الجزائري في طبعته الرابعة والعشرون، حقيقة المنتوج الجزائري في عقلية و ميزانية جزائريين أكدت أعدادهم الهائلة التي توافدت على المعرض في أيامه الأولى و أعادت إلى الأذهان مشاهد اكتظاظ سوق الفلاح، ثقتهم التي  خلقتها منتوجات قديمة أثبتت جودتها منذ سنوات طويلة، و أخرى حديثة تحاول ربط علاقة حميمية بزبائن يبحثون عن الجودة، و آخرون يأملون في ضرب عصفوري انخفاض الأسعار و جودة المنتوج بحجر الصناعة المحلية، لتكشف الأجنحة عن منتوجات ظلت بعيدة عن أعين الجزائريين شكلت الصناعة الجلدية عالية الجودة فيها الحدث طوال أيام الصالون.

روبورتاج: إيمان زياري
كسوق شعبي عشية شهر رمضان، أو عيد الفطر، أو الدخول المدرسي، بدا المشهد بمجرد اقترابنا من قصر المعارض الصنوبر البحري بالجزائر العاصمة الذي يحتضن فعاليات معرض الإنتاج الجزائري، أعداد هائلة من المواطنين حشود كبيرة تدخل، و أخرى خارجة حاملة أكياسا كثيرة و مملوءة عن آخرها بمنتوجات محلية خصص لها معرض بأكمله ينشطه أزيد من 600 عارض في مختلف الصناعات الغذائية، الإلكترونية، الألبسة الأحذية، الكهرومنزلية، السيارات و الآلات الثقيلة و أخرى ثانوية تساهم بشكل أو بآخر في الصناعة الوطنية كالتغليف مثلا.
الآلاف يوقعون حضورهم يوميا في معرض الإنتاج الجزائري
لم نكن نتوقع تسجيل هذا الحضور الكبير، لعائلات فضلت التنقل جماعيا في عطلة نهاية الأسبوع فلم يحكمها لا التوقيت، و لا بعد المسافة، فخرجت كل الفئات، من مختلف الولايات لأفراد اختاروا زيارة العاصمة و المعرض بشكل خاص بمناسبة عطلة التلاميذ الشتوية، ما تكشفه حظيرة قصر المعارض التي كانت ممتلئة عن آخرها بسيارات تحمل ألواح ترقيم لمختلف الولايات، و أجنحة عجت بمواطنين حضروا بسياراتهم الخاصة و آخرون استغلوا وسائل النقل الحضري التي لم تتوقف لدى زيارتنا إلى غاية ساعة متأخرة من المساء.
و قد خلق التوافد الكبير للزوار على المعرض تدافعا بالمدخل الرئيسي للقصر من الجهة العلوية، و تسبب ذلك في خلق اختناق مروري امتد إلى غاية مول المحمدية الجديد، فيما تحول الظفر بمكان بموقف المعرض أو حتى المواقف الموجودة بمحيطه ضربا من الخيال، فأرغم الكثيرين على الانتظار داخل سياراتهم إلى حين شغور مكان يمكنهم من إشباع فضول أفراد قرروا اكتشاف المنتوج الجزائري، و آخرون قالوا لنا أنهم لن يفوتوا فرصة شراء منتوج تعودوا عليه من مصدره الأصلي و بأثمان معقولة.
و بحسب ما أكده لنا بعض المنتجين في جولتنا، فإن الإقبال و منذ اليوم الأول من افتتاح التظاهرة كان كبيرا، مضيفين بأنه يرتفع كل مساء، علما أنه بلغ ذروته في عطلة نهاية الأسبوع التي سجلت حضور الآلاف من المواطنين الذين كانوا يتنقلون بشغف كبير بين الأجنحة، و حريصين على الاطلاع على كل منتوج و إن كان صغيرا على حد قول بعض المواطنين.
زوار يكتشفون منتوجات وطنية لأول مرة
تؤكد المعطيات الميدانية بمعرض المنتوج الجزائري و ما اقتناه المواطنون من أغراض متنوعة و بأحجام مختلفة حقيقة لطالما كانت موضع شك وتوجس ، فكل ما سجلناه يؤكد أن الجزائريين بدأوا يثقون بإنتاجهم الوطني،  و هو ما صرح به عدد كبير منهم لدى تقربنا منهم، حيث قالت السيدة نجاة التي كانت تحمل كميات كبيرة و زوجها و حتى ابنها الصغير من الأكياس بأنها باتت تثق في صناعة الجزائريين في مجالات شتى، مضيفة بأنها تفضل اقتناء منتوجات محلية و مساعدة اقتصادها عوضا عن دعم اقتصادات أجنبية بشراء منتجات مستوردة.
و قال سيساني رب أسرة متقاعد أنه لا يفوت فرصة كل معرض للإنتاج المحلي، كما يحرص على شراء منتوجات جزائرية في كل عملية تبضع يقوم بها، معتبرا المعرض فرصة مواتية لاكتشاف الصناعة الجزائرية، ما شاركه فيه رابح الموظف الذي قال و زوجته أنهما يكتشفان صناعة جزائرية لأول مرة، يؤكد أنها ستكون بداية من هذا الموعد خياره مهما تعددت العروض الأجنبية التي قال بأنها لم تعد مغرية مقارنة بتحسن المنتوج الجزائري الذي أصبح الكثير منه ينافس فعلا الصناعة الأجنبية المعروفة خاصة في مجال الغذاء حسبه.
و وجه كل من تحدثنا إليهم رسائل تشجيعية للمنتجين المحليين على تطوير نشاطاتهم بشكل أكبر، من أجل وضع حد للمنافسة الأجنبية و دعم الاقتصاد الوطني خاصة في ظل ما تعانيه البلاد نتيجة انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية مثلما حدثتنا أستاذة متقاعدة قالت بأن دعم البلاد يبدأ من هذه النقاط.
طوابير على المواد الغذائية
يصطدم كل من يدخل لزيارة الجناح «A» بقصر المعارض للأعداد الكبيرة للمواطنين الذين وصلوا حد التدافع في بعض النقاط لتميز ما تعرضه الأجنحة حيث استقطبت المنتوجات الغذائية المتنوعة التي عرضت بين أجبان، دقيق و معجنات، زبدة، عصائر و حتى تمور الآلاف من الزبائن الذين لم يخرج و لا واحد منهم خاو الوفاض، بل حملوا أثقالا من مواد غذائية قالوا بأنها فرصتهم لتناول أغذية جديدة و من مصدرها الأصلي.
و ربما تعتبر الأسعار و بعض العروض المغرية المشجع الأكبر على شراء كل تلك الكميات من الأغذية و مواد التنظيف و حتى العطور و بعض الألبسة و الأواني المنزلية، حيث تم البيع بأسعار أقل من تلك المعتمدة في المحلات فضلا عن محاولة جلب الزبائن بشكل أكبر عبر منح منتج مجاني بشراء منتجين أو أكثر، و حتى اعلان التخفيضات على مجموعة من المنتجات مثلما فعل أحد أهم منتجي صناعة مواد التنظيف فيما اختارت شركات أخرى أن تدخل السوق حديثا بمنح عينات من منتجاتها مجانا مثلما فعلت شركة لصناعة ملح الطعام الخالي من اليود.
كما كان للتمور نصيبها من المبيعات، حيث سجل منتجون لتمور طولقة أرقاما قياسية من المبيعات، عكستها أعداد الزبائن الذين كانوا يتدافعون من أجل الظفر بكيلوغرام أو اثنين من تمر عالي الجودة بيع مقابل 260 دينار، ما اعتبره مواطنون فرصة ثمينة تكسر شجع و بعض التجار في السوق العادية، كما سجلت الصناعة الإلكترونية و إن كانت قليلة حضورها في المعرض بجوار أجهزة كهرومنزلية اقتنى الكثيرون منتوجاتها مثل كوبرا و براند و سناريك، فيما لم تحظى صناعة الآلات الثقيلة و المركبات و السيارات بالزيارة الكافية مثلما سجل في معرض السيارات، و غاب الجمهور كليا عن الصناعات التقليدية التي عانى أصحابها ركودا جعل البعض منهم ينام على كراسي الانتظار دون اهتمام زبون واحد مثلما وقفنا عليه في أجنحة الألبسة التقليدية و الحلي.

الصناعة الجلدية تصنع المفاجأة
سجلت أجنحة بيع الأحذية و الصناعات الجلدية الجزائرية انزالا قياسيا لزبائن لفت الفضول الكثير منهم حول سلع، قال عدد كبير منهم بأنهم يكتشفونها لأول مرة، حيث قال أحد المواطنين بأنه و لأول مرة يعرف بأن الجزائر تصنع المنتوجات الجلدية، خاصة و أن الأحذية الرجالية قد استقطبت الكثيرين، كما اكتشف الكثيرون بأن بعض المؤسسات التي كانت معروفة بجودة منتوجها في السنوات الماضية كديستريش مثلا ما تزال موجودة على مستوى السوق الوطنية، و لم يتغير سوى اسمها الذي تحول إلى «ماكفيل» الكائن مقرها ببرج الكيفان بالجزائر العاصمة.
و قد كشفت رئيسة مصلحة التسويق بالشركة الآنسة «عيتور» للنصر، أن ديستريش ما تزال حاضرة لكن باسم آخر، مؤكدة ما لمسناه لدى المواطنين من جهل لوجود صناعة جلدية، قالت بأنها تعاني من مشكل عدم مواكبة العصر في منتجاتها التي غيبتها عن السوق الوطنية، و أضافت في معرض حديثها معنا أن الكثيرين يقصدون الجناح بحثا عن الجودة و هربا من النتائج السلبية التي خلفها استهلاك المنتوج الصيني ردئ النوعية حسبهم، ما اعتبره عامل ساعد في العودة للمنتوج المحلي المعروف بجودته و معقولية أسعاره خاصة و أنه جلد 100 بالمائة ومحلي أيضا.
كما استوقفنا خلال جولتنا بالمعرض جناح صناعة جلدية للشركة الوطنية «الملكية للجلود»، التي جمعت حولها العشرات خاصة من فئة الشباب، بالنظر لجودة ما عرضته من منتجات تنوعت بين المحافظ، حافظات الأوراق، أحذية جلدية رجالية و نسائية عالية الجودة، فضلا عن ألبسة خاصة بالعمل، و هي كلها كما أكدت لنا مسؤولة التسويق بالشركة السيدة «ن،نسيمة» محلية مائة بالمائة، إلا أن عدم تعرف المواطنين عليها يعود لاقتصار تعاملها مع الشركات، حيث دهش الجمهور لمنتوجات فاخرة جعلت بعضهم يعتقدون باستحالة أن تكون محلية الصنع خاصة و أنها غير موجودة في السوق كما قالوا، معربين عن أملهم في الاستفادة من منتجاتها التي ينتظر أن توضع للبيع خلال اليومين الأخيرين من التظاهرة التجارية.
علامات تصمد وأخرى تبحث عن مكان في السوق
تمكنت و على مدار عقود، أسماء معينة لشركات جزائرية من حجز مكانة دائمة في السوق الوطنية فبقيت رغم المنافسة الشرسة للمنتجات الأجنبية و حتى استثماراتها بالجزائر كشركتي حمود بوعلام مثلا لصناعة المشروبات و صومام لصناعة منتجات الحليب و الأجبان، و التي أكد لنا مدير التسويق لديها طالبي العياش، أن العمل على الجودة هو سر البقاء في السوق الوطنية و احتكار الريادة في الكثير من المنتجات، مضيفا بأنه الهدف الأسمى للمؤسسة، مردفا بأن سبب فشل الكثير من المؤسسات المحلية عدم أخذهم بعين الاعتبار أن المستهلك الجزائري يعرف جيدا المنتجات الجيدة من غيرها، كما يتميز بذاكرة قوية تجعله يحافظ على ما يروقه.صومام التي تمكنت حسب ممثلها من صنع نوعية تسمى «صومام»، عملت على عدم اغفال أي نقطة قد تفشل المشروع حيث وصلت لإنتاج 140 نوع على طول مسارها، على تقريب المنتج من المواطن، دون أن تترك المجال للعراقيل التي قال بأنها مؤسسة لم تتعرف يوما بها، فركزت على مساعدة الموزع و المنتج من خلال توفير الأبقار الحلوب التي باتت توفر 50 بالمائة من منتوجات مؤسسة جزائرية تمكنت من تغطية السوق و التصدير إلى ليبيا و قريبا نحو موريطانيا.
أما بالنسبة للشركات حديثة النشأة، فأكد بعض من تحدثنا إليهم أن الكثير منها أثبتت وجودها في السوق كشركة «بالمري» مثلا لصناعة الشوكولاطة و «بيبيا» التي تمثل مجموعة تجارية كسبت ثقة الزبائن بعد سنوات قليلة من دخولها السوق، و تمكنت من منافسة منتجات أجنبية كما قال صانع للحلويات أكد أنهم استبدلوا المنتجات الأجنبية بما تصنعه من مواد عالية الجودة حسبه، و قد أكد مسؤول التسويق بالمجموعة تركي محمد، أن الرهان يتمثل في تحقيق الجودة بأقل سعر، ما تمكنت من تحقيقه بشهادة الزبائن، فضلا عن أنها تمكنت حاليا من التصدير إلى 8 دول، إلا أن المؤسسات الحديثة حسب ما أفاد به و إن كانت تعمل على تغطية التسويق بمفردها، فإنها تعاني من مشكل نقص العقار الصناعي، داعيا و صناعيين جدد آخرين لخلق مناطق نشاط صناعي جديدة، و منحها للصناعيين الناجحين لكسر الاحتكار و التقليص من حجم الاستيراد في الحلويات.فهل سيحافظ المنتجون المحليون على ما اكتسبوه من ثقة في معرض الإنتاج الجزائري؟ و هل ستفتح الجهات الوصية ذراعيها للأخذ بأيدي الصناعيين الحديثين للنهوض بقطاعات يراهن على أن تكون البديل و السند القوي لنظام اقتصادي يعاني زلزال نفط يتهاوى باستمرار في السوق الدولية؟ و هل سيصبح الجزائري يستهلك جزائري فعليا أم أنها مجرد حمى المعارض.

الرجوع إلى الأعلى