استطاعت عملية إعادة التهيئة التي يخضع لها وادي الرمال بقسنطينة أن تزيل الصورة القاتمة التي ارتسمت على واحد من أهم معالم المدينة، وتحوله في ظرف وجيز إلى وجهة سياحية يمكن استغلالها في استقطاب الكثير من الزوار من داخل المدينة وخارجها، وتحيي بذلك بعض العادات كصيد الأسماك والتجول على ضفافه، بعد أن انقرضت بفعل السمعة السيئة التي اكتسبها الوادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من الزمن.
ويعد وادي الرمال واحدا من أكبر الوديان بالجهة الشرقية للبلاد وأشهرها على الإطلاق، وذلك لارتباطه الوثيق بمدينة قسنطينة التي تعتبر قطبا حضاريا منذ القدم، بالرغم من أنه يمتد من خارج المدينة، ويعرف بنفس الاسم ابتداء من سد وادي العثمانية، حيث يعتبر المجمع المائي الكبير هناك منبع الوادي الأول، إضافة إلى التقائه مع عدد من الوديان على غرار واد سقان بولاية ميلة، ووادي بومرزوق بالقرب من حي كوحيل لخضر.
وكان وادي الرمال متنفسا لدى سكان قسنطينة وحتى الزوار، وذلك لما يضمنه من أجواء منعشة خلال فصل الصيف، حيث كان القسنطينيون يتجمعون على ضفافه خصوصا بمنطقة باردو، وكذا سيدي مسيد، كما كان يعد مصدر رزق للكثير من العائلات التي امتهن أفرادها صيد السمك من مجرى الوادي، ليتسبب تزايد السكان في تدهور حالة وادي الرمال وانقلاب الصورة 180 درجة، بعد أصبح يستغل كمصب لعشرات شبكات الصرف الصحي للمدينة القديمة.
وقد شكلت فكرة إعادة الاعتبار لوادي الرمال هاجسا لدى الكثير من المسؤولين المتعاقبين على ولاية قسنطينة، حيث انطلقت الفكرة الأولى لتجسيد هذا المشروع سنة 2010، وعرفت تلك السنة انجاز دراسة كاملة عن المشروع، ، ليعاد إحياؤها سنة 2012 بالتزامن مع مشروع مماثل لإعادة الاعتبار لوادي الحراش بالجزائر العاصمة بتكلفة إجمالية قدرت حسب الوزير السابق للموارد المائية والبيئة عبد الوهاب نوري بـ 60 مليار دينار للمشروعين.
تعويض المجرى الترابي بخرسانة على طول 12 كلم
والملاحظ للأشغال على مستوى وادي الرمال ووادي بومرزوق أنها قطعت أشواطا كبيرة، حيث تم التخلص نهائيا من المجرى الترابي للوادي على طول مسافة تقارب 12 كلم، لتستبدل بخرسانة إسمنتية منخفضة في المنتصف ومرتفعة عند الحافتين لمنع خروج المياه عن المسار المحدد لها، مع وضع طبقة كبيرة من الحجارة ذات الحجم الكبير والمتوسط أسفل الخرسانة، والاعتماد على نوعية خاصة من الاسمنت لمنع تسرب المياه إلى داخلها، وبالتالي زوالها بعد فترة وجيزة من الزمن.
كما شهدت العملية أيضا تغيير مسار الوادي بشكل طفيف عند بعض النقاط، سيما على مستوى حي شعبة الرصاص، وبمحاذاة ملعب الشهيد حملاوي، وخلف المنطقة الصناعية بالما، وذلك لتفادي أن يلحق الوادي أضرارا بعدد من المنشآت والمؤسسات والمنازل التي تقع بالقرب من الضفتين، مع تغيير كلي لشبكات الصرف الصحي التي تصب بمجرى الوادي، وتعويضها بأخرى مغطاة.
زيادة على هذا، فقد أخذ المهندسون بعين الاعتبار منح الوادي مجرى أوسع من السابق، وهو ما يظهر جليا على مستوى كامل المشروع من منطقتي بومرزوق والمنطقة الصناعية بالما، وصولا إلى أسفل جسر سيدي راشد كآخر نقطة لمشروع التهيئة حاليا، حيث تترك المياه تشق طريقها بين الصخور العملاقة، لتصل إلى الشلالات أسفل جسر سيدي مسيد.
أما نقاط انعطاف الوادي فقد تم إيلاء عناية خاصة بها، سيما بمحاذاة محطة المسافرين الشرقية، وذلك تفاديا لخروج المياه على المسار المرسوم لها، مثلما يحدث في مواسم تساقط الأمطار من قبل، حيث تم تشييد جوانب مرتفعة بشكل كبير، تجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار تقريبا. ورغم أن عملية تطهير الوادي من المياه لم تنطلق بعد، إلا أن بعض النقاط قد لفتت الانتباه بصور رائعة، خصوصا بالقرب من المركب الرياضي الشهيد حملاوي، أين تنتشر العديد من المنشآت الرياضية ودور الشباب على ضفتي الوادي، مع إمكانية تشييد ممرات للرياضيين بين الجهتين، كما تعد حديقة باردو من بين النقاط التي تحولت بفعل مشروع إعادة التهيئة إلى لوحة فنية، حيث ينتظر القسنطينيون بلهفة افتتاحها حتى تكون متنفسا لهم، ومكانا لقضاء أوقات الفراغ بعيدا عن ضجيج المدينة، مع التمتع بعدة مناظر أخرى على غرار جسر سيدي راشد وجسر صالح باي.
مديـر الـري
 مشروع التهيئة سيسلم قبل نهاية السنة الجارية
أوضح مدير الري لولاية قسنطينة علي حمام أن موعد تسليم مشروع إعادة تهيئة وادي الرمال سيكون قبل انتهاء السنة الجارية، وذلك بعد أن تجاوزت نسبة الأشغال 65 في المائة، في انتظار تحرير وزارة الموارد المائية للميزانية الخاصة بإنجاز ثلاثة شلالات موزعة على طول مسار الوادي.
وأوضح المسؤول في حديث للنصر، أن المشروع الذي انطلق بتاريخ 2 نوفمبر 2014، قد قطع مراحل كبيرة، حيث تم الانتهاء من الشطرين الأول والثاني، في حين تعكف المؤسسات المكلفة بالانجاز بتجسيد الشطر الثالث والأخير، وتابع محدثنا، أن الشطر الأول تكفلت بإنجازه مقاولة جزائرية على مسافة 1.2 كلم بتكلفة 1.1 مليار دينار، أما الشطر الثاني فقد تكفلت المؤسسة العمومية «أونيدري» بتجسيده على مسافة 1.6 كلم بغلاف مالي قدره 1 مليار دينار.
أما بالنسبة للشطر الثالث والأخير، فقد تمت الاستعانة بالخبرة الأجنبية، من خلال منح الصفقة للمجمع الكوري «دايو» الذي يتكفل حاليا بإنجاز 9.6 كلم من أشغال وضع الخرسانة والتهيئة، أي ما يمثل 70 في المائة من طول المشروع، أما المسافة المتبقية والبالغة 2.4 كلم فقد أسندت للمؤسسة العمومية «أونيدري» والتي تعكف حاليا على إتمام العقود مع شركات مناولة، مضيفا أن الموعد الأخير لتسليم المشروع لن يتجاوز نهاية السنة الحالية، سيما وأنه تم الانتهاء من أغلب النقاط التي تتطلب أشغالا خاصة، وذلك بتكلفة إجمالية قدرها 30 مليار دينار.
ذات المتحدث أوضح أنه وبعد 20 شهرا من الانجاز، سيتحول وادي الرمال إلى مفخرة للقسنطينيين سيما وأن الأشغال أخذت بعين الاعتبار إعادة الاعتبار لكافة قنوات الصرف الصحي التي كانت تصب في مجرى الوادي بطريقة عشوائية، وذلك من خلال إنشاء شبكة جديدة وبطريقة عصرية، كفيلة بمنع انبعاث الروائح الكريهة وتسرب المياه القذرة في الوادي، فضلا على أن الوادي سيكون مهيأ للتجاوب مع ارتفاع منسوب المياه خلال موسم تساقط الأمطار وخلال الفيضانات.

وعن إمكانية إلغاء ما تبقى من مشروع إعادة التهيئة على غرار الشلالات الثلاثة التي أدرجتها الدراسة والتي كان من المفترض أن توزع على ثلاث نقاط هي، سيدي مسيد، باب القنطرة قرب الحديقة المعلقة وجنان الزيتون، أوضح ذات المتحدث أن العملية التي ستكلف مبلغ كبيرا متوقفة لحد الساعة، رغم أن وزارة المالية أعطت موافقتها على عملية إعادة التقييم، معبرا عن أمله في أن تحمل الأيام القليلة القادمة جديدا في الموضوع.
زيادة على هذا، ينتظر أن تمتد عملية التهيئة إلى إنشاء محطة لتصفية المياه على مستوى حي بومرزوق، سيكون دورها إعادة رسكلة كل المياه الواردة من عدة مناطق على غرار علي منجلي، الخروب، عن نحاس القرارم، قبل إعادة ضخها مجددا في مجرى الوادي، وهو ما سيضع الحد حسبه لتدفق مياه قذرة بعد ذلك، ويسمح بتجسيد فكرة زرع كميات من الأسماك، مضيفا، أن الدراسة التقنية لهذه المحطة انتهت، ومصالحه بصدد إجراء مناقصة وطنية ودولية لاختيار مؤسسة للانجاز، مع رصد غلاف مالي أولي بقيمة 4 مليار دينار.                          

عبد الله بودبابة

الرجوع إلى الأعلى