أعوان الأمن و الحراسة ..  بوابة الإدارات التي يخشاها الجميع
يعتبرها الكثيرون مهنة من لا مهنة له لا يشترط فيها شهادة و لا مستوى، وظيفة بدوام مريح وبأقل جهد يكفي أن تلبس سترة كتب على ظهرها عبارة « عون أمن» و تجلس عند مدخل إدارة أو مؤسسة لتنظم حركة الدخول و الخروج وتقضي نهارك في تبادل أطراف الحديث مع زملائك في العمل وبذلك  تكسب ود الجميع فيزيد بذلك اطلاعك على كل كبيرة و صغيرة في المؤسسة وتصبح أكثر تأثيرا من بعض رؤساء المصالح و الموظفين الأرفع شأنا، في هذا الإطار الضيق يختزل غالبية الجزائريين مهنة عون الحراسة و الأمن، لكن واقع الأعوان مختلف كثيرا فالتوظيف أصبح أصعب و المسؤولية بالنسبة لهم باتت أثقل.
ثلاثة أرباع طالبي الشغل بقسنطينة يحلمون بهذه الوظيفة
 حسب مصدر من المديرية الولائية للتشغيل بقسنطينة، فإن هذه الوظيفة تشكل حوالي ثلاثة أرباع طلبات الشغل بالولاية بالنسبة لفئة الشباب غير الحاملين للشهادات و تأتي وظيفة سائق في المرتبة الثانية، علما أن غالبية من يبحثون عن هذا العمل يجهلون ماهيته الأساسية و حجم المسؤولية المرتبطة به، بل بالعكس يعتبرونه عملا سهلا. أضف إلى ذلك فإن الطلب المزايد على هذه الوظيفة راجع لطبيعة الدوام القائم على نظام مناوبة يوم عمل مقابل يومين راحة وهو ما يسمح لهم بممارسة نشاط آخر غير مصرح كالتجارة و « الفرود». مع بداية انتشار هذه المهنة كان غالبية الأعوان يتميزون عموما ببنية جسدية قوية و طول معين، لكن هذه الخصائص اختلفت اليوم و المهنة لم تعد تحتكم لهذا الشرط بقدر ما باتت تفرض على طالبيها شهادات تعليمية و مؤهلات من نوع آخر، وهو ما أكده  عدد من الأعوان العاملين على مستوى بعض  الهيئات الإدارية و المؤسسات الاقتصادية و الاستشفائية بقسنطينة، تقربنا منهم لنتأكد من مدى واقعية هذه الصورة النمطية التي يكونها الجميع عنهم .
أرق و مواجهة يومية مع المواطن
وليد 34سنة عون حراسة و أمن بإحدى المندوبيات الحضرية بقسنطينة، أخبرنا بأن هذه المهنة ليست كما يعتقدها الجميع مطلوبة من قبل الشباب لأنها مريحة، بل لأنها البديل الوحيد عن البطالة خصوصا بالنسبة لمن يفتقرون للشهادات و لا يملكون حرفة أو صنعة، محدثنا قال بأنه عمل في هذا المجال منذ أربع سنوات أولا كعون أمن في مؤسسة خاصة قبل أن يلتحق ببلدية قسنطينة عن طريق مسابقة توظيف أعلن عنها قبل سنتين، سمحت له أخيرا بالتثبيت في منصبه، غير أن ذلك لم يحسن من وضعه شيئا  فـ»الحقرة» التي كان يعيشها في القطاع الخاص بسبب تدني سلم الأجور و النظرة الفوقية التي كان يعامله بها المسؤولون في الشركة و إطاراتها و حتى موظفوها، لم تختلف كثيرا، فحتى في البلدية كما قال «نعاني من  الحقرة من مسؤولين ينظرون إلينا بعين ضيقة و بتكبر، و حتى من المواطنين أنفسهم، ممن يتعمدون الإساءة إلينا بكلمات جارحة تقزم من حجم أهميتنا كموظفين، كلما حاولنا أن نتدخل لتنظيم حركتهم أو فض خلاف بينهم وبين موظفي الحالة المدنية».
و حسب المتحدث فإن إرهاق هذه المهنة و تبعاتها على الأعصاب أكثر من مردودها فغالبية الأعوان يتقاضون  من 22 ألف دج إلى 28 ألف دج  شهريا، وهو مبلغ جد زهيد مقارنة بالتعب الناجم عن العمل ليلا دون الحديث عن الأخطار، ضف إلى ذلك فإن التعامل مع المواطنين صعب وحتى البذلات الخاصة بأعوان الأمن و بطاقات المهنية لم تغير من نظرتهم المهينة لعون الأمن.من جهته أوضح عبد الحق 45سنة عون امن وحراسة بمدرسة ابتدائية بأنه يعمل فيها منذ ست سنوات لكنه لم يحظ بالتثبيت إلى اليوم حتى أنه يعيش على هاجس التسريح كل ما اقترب موعد نهاية عقد العمل المؤقت الذي وظف على أساسه، محدثنا قال بأن وضعه صعب فهو يقوم بالحراسة بالتناوب مع شاب آخر تم توظيفه مؤخرا عن طريق وكالة التشغيل. و أكد بأن مهامه خلال الست سنوات الماضية كانت تتعدى الحراسة إلى الاعتناء بالأطفال إلى غاية وصول أبائهم بعد ساعات الدوام، و حتى المساعدة في تنظيف الأقسام أحيانا، مع ذلك فإن نشاطه الدائم لم يشفع له من اجل التوظيف بل يعيش هاجسا دائما سببه الطرد كما انه مهدد بالإحالة للعدالة في حال تعرض أي شىء للتخريب أو الكسر في المؤسسة لأن حراستها مسؤوليته، وهو ما يسبب له القلق الدائم، أضف إلى ذلك فإن هذه الوظيفة التي لم يجد غيرها لإعالة أسرته بعد سنوات من العمل كعامل بناء، تحرمه من الحياة الاجتماعية لأنها لا تعترف بالأعياد و المناسبات كما سببت له الأرق و الإرهاق نظرا لكونها تتطلب السهر طوال الليل.
بين المحسوبية و الخبرة
نفس المشكل طرحه ناصر عون أمن بإحدى فروع مؤسسة سونلغاز، مضيفا بأن عقود العمل المؤقتة تعتبر هاجسا بالنسبة لأعوان الأمن، وحتى في حال توفر إمكانية للتوظيف فعادة ما يتم عن طريق مسابقة يعلن عنها في الجرائد و تمنح خلالها الأولوية لأشخاص جدد على حساب من عملوا بالمؤسسة لسنوات وفق عقود.  سامي وهو عون أمن بأحد الفنادق بوسط المدينة قال بأن المحسوبية تلعب دورا، فالحصول على الوظيفة يكون إما من خلال التعاقد مع واحدة من شركات الحراسة و الأمن التي يتطلب الالتحاق بها المرور بتكوين مكلف يستمر لقرابة الستة أشهر، ومن ثمة انتظار الوظيفة لمدة أطول، أو من خلال تقديم سيرة مهنية للمؤسسة المعنية بالتوظيف و انتظار الرد وهنا يتوقف الأمر على الحظ و الخبرة، فالمحسوبية تلعب دورا كبيرا و لا يتفوق عليها أحيانا إلا سنوات الخبرة، إذا ما علمنا أن معظم المؤسسات تشترط في التوظيف بطاقة الخدمة العسكرية وليس بطاقة الإعفاء منها، و تفضل المتقاعدين من أسلاك الأمن و الدرك و الجيش الوطني الشعبي على الأفراد العاديين. وقد علمنا من محدثنا بأن كل المؤسسات أصبحت تشترط في توظيفها شهادة السلامة الذهنية و العقلية من طبيب أعصاب و أمراض نفسية محلف. سامي قال لنا بأن مهنة عون امن ليست بالسهولة التي تبدو عليها لأن عون الأمن مسؤول أمام مدرائه و متهم في نظر المواطن الذي يميل الى وصفه بالمتزمت و العائق و حتى نعوت غير لائقة أحيانا، غير مدرك بأن ما يقوم به عون الأمن ماهو إلا تنفيذ لأوامر فوقية، قد يدفع وظيفته ثمنا لعدم الالتزام بها.
وظيفة تستقطب الجامعيين
خلال جولتنا بين عدد من المؤسسات بالمنطقة الصناعية بالما ببوالصوف لاحظنا بأن عددا معتبرا من الأعوان هم  من خريجي جامعات، أغلبهم حاملون لشهادات ليسانس في الحقوق و العلوم السياسية، قالوا لنا بأنهم وجدوا في هذه المهنة بديلا للبطالة، حتى أن بعضهم اضطر للتقدم إليها بواسطة شهادة سنة أولى أو سنة ثالثة تعليم ثانوي، وهو المستوى المطلوب عموما. من جهته أوضح مسؤول مصلحة المستخدمين بأحد فروع صندوق التوفير والاحتياط بقسنطينة بأن معايير التوظيف و الانتقاء اختلفت بالنسبة لهذه المهنة و أصبح الطلب أكثر على الجامعيين و أصحاب الشهادات باعتبارهم أكثر تهذيبا في التعامل مع الزبائن كما أنهم، أكثر تكيفا مع المعطيات الأمنية، ومن جهة ثانية فإن الهندام و الشكل العام يعتبران شرطا أساسيا بالنسبة لكل عون.   
أنا الإدارة و الإدارة هي أنا
تبقى نظرة الجزائريين لممارسي هذه المهنة مرتبطة بحوادث لا تزال لصيقة في أذهان الكثيرين، كان أبطالها أعوان امن فرضوا منطقهم على هؤلاء نغصوا عليهم يومهم و عرقلوا أشغالهم، حتى أن الجميع يتفق على نفس الموقف تقريبا  وهو أن التعامل مع المدير نفسه، أسهل من التعامل مع عون الحراسة. يذكر عبد القادر طالب جامعي حادثة وقعت له مع أحد أعوان الحراسة بالكلية التي يدرس بها و الذي منعه دون غيره من الطلبة من الدخول للكلية فقط لأنه نسي بطاقة الطالب، و استمر في إزعاجه يوميا طيلة سنة كاملة مع أنه يعرفه جيدا على اعتبار أنه يتردد يوميا على  كلية الحقوق، من جهته أكد عبد الله بأن بعض أعوان الأمن يستغلون سلطتهم لفرض منطقهم على المواطنين، إذ أن أحد الأعوان على مستوى حديقة التسلية بجبل الوحش رفض السماح له بالدخول للحديقة و اشترط عليه مبلغا من المال، أما مريم وهي صحفية فقالت بأن مشاحناتها مع رجال الأمن و الحراسة العاملين بالإدارات و المؤسسات العمومية والخاصة لا تنتهي إذ أن أغلبيتهم يرفضون السماح لها بالوصول إلى الإدارة حتى وإن كانت على موعد مع المدير، ما يضطرها في الكثير من الأحيان للاتصال بالمسؤول مباشرة ليتصل بدوره بالعون و يأمره بالسماح لها بالدخول، أما على مستوى أحد البنوك فأخبرتنا بأن عون حراسة تجرأ على طردها من أمام مدخل البنك بحجة أن الوقوف هناك ممنوع، ولما حاولت مجادلته تجرأ على شتمها.  ولا تنتهي قصص الكثيرين مع هذه الفئة من الموظفين، الذين يخلط بعضهم بين قوانين عمله و حدود صلاحياته، كما علق فارس وهو شاب من قسنطينة قال بأن عون امن بإحدى المؤسسات التي سبق له أن قصدها ليبحث عن عمل رفض السماح له بالدخول و أخبره بأنه لا توجد وظائف وعندما تجادل معه قاله له أنا الإدارة و الإدارة هي أنا، ما انتهى به الى الدخول في اشتباك بالأيدي معه، قبل أن يتدخل موظفون سمحوا له بالمرور و ترك سيرته المهنية لدى أمانة الشركة.   

نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى