علبـة "رحـمـة ربــي" بـ 3 آلاف ديـنـار و أطبــاء يـؤكـدون أن  مـكـونـاتـه مـجهـولــة
أحدث المكمل الغذائي «آر.آش.بي» الخاص بدواء السكري حالة طوارئ في الوسط الطبي، فبينما يتواصل تهافت المرضى و أهاليهم على هذا المنتج الذي يقول كثيرون أنه “حسّن” وضعهم الصحي، بدأ العديد من الأطباء في تحليل مكوناته التي يرون أنها غامضة و غير معروفة و يستغربون السماح بمنحها للأطفال، فيما تحرك مجلس أخلاقيات الطب و طالب الصيادلة بالحذر والحرص على توضيح الفرق بين المكمل الغذائي و الدواء للمريض، مع دعوته إلى إلزامية استشارة طبيبه.
تحقيق: ياسمين بوالجدري
لم يحدث من قبل أن شاهدنا مواطنين يصطفون في طوابير قرب الصيدليات، ولم يحصل ذلك حتى في عزّ أزمات نقص الأدوية، لكن ظاهرة «الدواء المعجزة» لعلاج السكري الذي تحول فيما بعد إلى مكمل غذائي اسمه «آر.آش.بي» لصاحبه توفيق زعيبط، قلبت الموازين و حوّلت طوابير الخبز و الحليب إلى أرصفة الصيدليات، و الهدف هو الحصول على علبة “رحمة ربي” التي شُرع في تسويقها قبل حوالي أسبوعين و عرفت تهافتا كبيرا من مواطنين قدموا من مختلف أنحاء الوطن، بعد أن علّقوا آمالا كبيرة على منتج رُوّج على أنه يشفي مرض السكري.
و تحولت علبة “آر.آش.بي» إلى «الدواء السحري» الذي يبحث الجميع عنه و يعتبر محظوظا من حصل على أكثر من علبة منه تكفي لثلاثة 3 أشهر، بل أن المكمل الذي يباع في الصيدليات بمبلغ 1760 دينارا، صار يتنقل بين الولايات ويُرسل حتى إلى خارج الوطن عبر الطائرات و البواخر إلى المعارف و الأصدقاء، بعدما لم تستوعب الحصص الموزعة على الولايات، حجم الطلب الهائل على هذا المنتج.
مكونات «غامضة» و أخطاء لغوية!
علبة الدواء “آر.آش.بي» أو “ر.ح.ب” باللغة العربية، اشتُقّ اسمها من عبارة “رحمة ربي” التي يقول توفيق زعيبط أنه استلهمها من ردود فعل المرضى الذين جرّب عليهم المنتج عندما كان عبارة عن دواء اسمه “ديابيكسين»، و اللافت أنه و قبل معاينة ما بداخلها يتضح جليا بعض الأخطاء اللغوية التي يزيد عددها عند قراءة ورقة الإرشادات الطبية، ما يوحي و كأنها دونت بسرعة لم ينتبه إليها المصنع وحتى الجهة الرقابية التي يفترض أنها تحققت من الشكل قبل المضمون.
و في المضمون نجد داخل العلبة أربعة أمشاط يحتوي كل منها على 14 قرصا غير مقسم إلى نصفين بما يسمح بكسره بدقة، رغم أن الإرشادات تنص على أن الأطفال الذين يزيد عمرهم عن 8 سنوات، يجوز لهم تناول نصف قرص، أما ورقة الإرشادات فقد أثارت استغراب من تحدثنا إليهم من أطباء مختصين في الأمراض الداخلية و الغدد و أمراض السكري، فقد تضمنت، حسبهم، معلومات عامة غير شاملة و تفتقر للدقة و العلمية، فعلى سبيل المثال، تضم تركيبة المكمل مجموعة من الفيتامينات التي يتفق الجميع على أنها مفيدة لجسم الإنسان و توجد في أي مكمل غذائي آخر، لكنها قد تكون سامة في حال تم أخذها بكميات تزيد عن حاجة الجسم، لذلك فإنها توصف عادة بعد إجراء تحاليل تبين حجم حاجة الإنسان إليها، كما يجب أن توضح كميتها بالتدقيق، و هو ما لا نجده في دواء “آر.آش.بي».و أكثر ما أثار حيرة و استغراب المختصين، مكون ضمن التركيبة لا وجود له علميا، و هو SOPEB أو “س.ا.ح.و.ب” باللغة العربية، و يبدو أنه يمثل الأحرف الأولى من مكونات المادة الأساسية التي ركز عليها زعيبط في هذا المكمل الغذائي و التي يتساءل الأطباء عن سبب عدم وضع اسمها بالكامل، لأن ذلك من حق المريض، برأيهم، و يفترض أن يكون إلزاميا مثلما هو معمول به في المكملات الغذائية، علما أن توفيق زعيبط فضل عدم الكشف عن تركيبة الدواء “المعجزة” في حوار سابق للنصر، و قال إنها “سرية”، و من المعلومات القليلة التي قدمها لنا، هو أن منتجه يستهدف خلايا البنكرياس، بالتركيز على “مقاومة الأنسولين” و باستعمال “طريقة خاصة” تساعد على “تجديد الخلايا”.أما نصائح الاستعمال الموضوعة في ورقة الإرشادات فغامضة هي الأخرى، حسبما أكده لنا المختصون، فقد حُدّد توقيت تناول الأقراص في الصباح ثم بين الساعتين الثالثة و الخامسة مساء للأشخاص البالغين و عند الخامسة مساء للأطفال، رغم أن هذا التوقيت، و برأي الأطباء، لا يرتبط بأية خصائص فيزيولوجية محددة تحدث في جسم الإنسان في الساعتين المذكورتين بالتحديد.
أقراص دون أعراض جانبية!
و وفق ما هو مدون في ورقة الإرشادات، يُنصح باستعمال مكمل السكري “للتخفيف من المضاعفات المرتبطة بداء السكري ليساهم بشكل إيجابي في التوازن و الراحة»، و هي جملة غير واضحة و عامة و تفتقر للأسلوب العلمي الدقيق، لأن مضاعفات مريض السكري، حسب المختصين، كثيرة و قد تمس الأعصاب و القلب و الكليتين و العينين و غيرها، و لا توجد لحد اليوم أية أدوية تعالجها، و هي الملاحظة ذاتها التي تنطبق على عبارات “المساهمة الإيجابية” و “التوازن و الراحة”.و يؤكد الأطباء الذين تحدثنا إليهم، أن أي دواء أو مكمل غذائي خاص بداء السكري أو أي مرض آخر، يجب أن يُطلق أولا في الوسط الطبي فقط بعد مروره على مراحل البحث، و ذلك بعرض مكوناته و فوائده على المختصين و فتح نقاش حوله، ثم المرور إلى مرحلة تسويقه و عندها يمكن للطبيب وصف مكمل أو دواء يعرف مدى فعاليته و معترف به دوليا، و هو أمر لم يحدث في حالة منتج “آر.آش.بي» الذي كان سيسوق في شكل دواء «ديابيكسين» ثم تحول فجأة إلى مكمل غذائي.
وبيّن استطلاع قمنا به أن العديد من أطباء الأمراض الداخلية و الغدد ينصحون مرضاهم بعدم تناول المكمل الغذائي لأنهم لا يعرفون مكوناته، حيث يرى بعضهم أنه قد تم “زجّ” الطبيب في أمر غير مطلع عليه، عندما تضمنت ورقة إرشادات المكمل نصائح باستشارة الطبيب المعالج لـ “تكييف” العلاج حسب التحاليل التي يُفترض على المريض إجراؤها في حالة ملاحظة “توازن” نسبة السكري في الدم»، و كذا عدم توقيف الأنسولين دون استشارته أيضا، رغم أن ورقة الإرشادات تضمنت تحذيرا بأن منتج “ر.ح.ب” “مكمل غذائي ولا يمكن في أي حالة أن يحل محل العلاج الطبي الموصوف للسكري من نوع 1 و2”.
و الأغرب من ذلك كله أن ورقة الإرشادات لم تتضمن قائمة الأعراض الجانبية مثلما هو معمول به حتى في أرقى مخابر العالم، لأن غياب هذه الأعراض يكاد يكون مستحيلا لإحتمال عدم ملاءمة التركيبات المستعملة لبعض الأشخاص الذين قد يعانون من حساسية اتجاه مواد معينة.
شيوخ و شباب ينتظرون "رحمة ربي"
و قد بلغ التهافت على المكمل الغذائي إلى درجة الانتظار لساعات قرب الصيدليات التي حصلت على حصص منه، حتى أن بوابات بعضها تعرضت للتكسير من شدة التدافع الذي لا يزال مستمرا رغم مرور أسبوعين كاملين على الشروع في عملية التسويق، حيث لاحظنا أمس اصطفاف طابور من المواطنين قرب صيدلية تقع بأحد أحياء مدينة قسنطينة، بينهم شيوخ و نساء و كذا شباب كان عددهم الكبير مثيرا للريبة.
وجدنا بين المنتظرين أشخاصا قدموا من الجزائر العاصمة و بسكرة و حتى من تندوف، في مشهد ذكّرنا بما رأيناه قبل أشهر قليلة قرب منزل توفيق زعيبط بالخروب عندما رُوّج لدواء «ديابيكسين»، و قد أجمع من تحدثنا إليهم على أن ما دفعهم لشراء المكمل هو ما سمعوه من أقاربهم و معارفهم بـ “تحسن وضعهم الصحي” عند تناول المكمل الغذائي، فأصبحوا أكثر نشاطا و تحسّنت رؤيتهم، بل أن نسبة السكر في الدم لم تعد ترتفع بشكل كبير، و ذهب بعضهم إلى اتهام الأطباء المشككين في المنتج بأنهم “متآمرون” مع مخابر الأدوية العالمية التي يجزمون أنها تخشى الإفلاس إذا توقف المرضى عن استعمال الأدوية و الأنسولين.
أكثر ما استوقف انتباهنا فيما قاله هؤلاء الأشخاص، هو أن بعضهم يأملون فعلا في الشفاء من مرض السكري بفضل مكمل “رحمة ربي”، بل و قالوا أنهم يعرفون أشخاصا توقفوا عن استعمال الأنسولين.. أخبرناهم أن توفيق زعيبط نفسه أكد للنصر أن منتجه لا يشفي من السكري بل “يعالج أعراضه”، لكنهم لم يقتنعوا و كأنهم يحاولون التعلق بأية قشة قد تنقذهم من مرضهم المزمن.اقتربنا من بعض الشباب الذين كانوا بين المنتظرين و علمنا منهم أنهم ليسوا مرضى بل قدموا لشراء الدواء من أجل معارفهم، لكن بمراقبة تحركات بعضهم اكتشفنا أنهم “يعملون” في شكل مجموعة يقوم في كل مرة أحد أفرادها بشراء علبتي دواء و أحيانا أربعة، ثم تجميعها في كيس يحتوي على أكثر من عشرين علبة.. لم نطل المكوث قليلا حتى وجدنا تفسيرا لما يحدث، فقد علمنا أن هناك من يشتري كميات كبيرة من منتج “آر.آش.بي» ثم يعيد بيعها في السوق السوداء بـ 3 آلاف دينار للعلبة، و لا يكون ذلك إلا عند التأكد بأن المكمل قد نفد من بعض الصيدليات.
و الغريب أننا لاحظنا بأن العديد من الصيادلة يبيعون المكمل الغذائي و كأنهم يبيعون البقوليات، بحيث لا يقدمون نصائح للزبون بضرورة عدم التخلي عن الأنسولين و الدواء و لا يوجهونه إلى استشارة الطبيب، و يبدو أن ذلك أثار انتباه مجلس أخلاقيات مهنة الطب، حيث أصدر مجلس الصيادلة مساء أول أمس، بيانا مُوقّعا من الدكتور بن بحمد لطفي تلقت النصر نسخة منه، جاء فيه أنه و تبعا للبدء في تسويق المكمل الغذائي الذي أعطته بعض وسائل الإعلام “خواصا خارقة”، فإن المجلس الوطني للصيادلة ينصح الصيادلة بالتقرب من المرضى المصابين بداء السكري، لكي يشرحوا لهم الفرق بين المكمل الغذائي و منتوج صيدلاني (دواء)، و كذا الضرورة المطلقة لاحترام إرشادات الطبيب المعالج و الاستمرار في استكمال العلاج بصرامة و تعليمات النظام الغذائي المعروف الخاصة بمرض السكري.
و دعا مجلس الصيادلة إلى مواصلة محاربة ما وصفه بالشعوذة و الامتناع عن تقديم الخدمات من هذا النوع، و عدم خلق أي خلط بين الدواء و المواد الأخرى المتعلقة بصحة الإنسان أو المكمل الغذائي، و ختم المجلس بيانه بالتذكير بالمادة 130 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276 الصادر في 6 جويلية 1992 و المتضمن مدونة أخلاقيات الطب، التي تنص على أن جميع المعلومات بخصوص المواد الصيدلانية يجب أن تكون صادقة و مشروعة. و ذكر الدكتور بغلول رئيس مجلس الصيادلة بقسنطينة في اتصال أمس بالنصر، أن البيان سيُرسل إلى جميع صيادلة الولايات الشرقية التابعة له عن طريق البريد الالكتروني، و هو ما سيطبق على باقي المجالس الإحدى عشرة الموزعة على الوطن، معترفا بأن أغلبية الصيادلة الشباب شرعوا في بيع المكمل الغذائي دون الالتزام بتوجيه النصائح للزبون، عكس الصيادلة من ذوي الخبرة و كبار السن الذين كانوا «أكثر حذرا».

رئيس مصلحة الأمراض الداخلية بالمستشفى الجامعي بقسنطينة
لا أعـرف شيئـا عن الـمُكمّل و لا أنصح مرضاي بتـنـاولـه و تـقديمـه للأطـفـال خطـر
النصر التقت بالبروفيسور داود رولة الطبيب المسؤول بمصلحة الأمراض الداخلية بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، و سألته عن رأيه في المكمل الغذائي «آر.آش.بي» الخاص بمرض السكري، فأجاب بصراحة أنه لا يعلم عنه شيئا و لا يملك أية إحصائيات دقيقة عن التجارب الخاصة به، لذلك لا يمكنه أن ينصح المرضى بتناوله.
و أكد البروفيسور أنه يجب قبل وضع الدواء في السوق تجريبه على الحيوان ثم أشخاص متطوعين، يكونون غالبا طلبة في البلدان الأخرى، ثم يجرب على المرضى شرط أن يوضح لهم بشكل دقيق ماهية الدواء و أعراضه المحتملة، بعد معرفة النتيجة دون مضاعفات، و في هذه الحالة يمر المنتج على اللجان المعنية لإعطاء تصريح بالتسويق.
و أضاف البروفيسور رولة أن المخيف في الأمر هو أن مكمل “آر.آش.بي» يقدم للأطفال ابتداء من عمر 8 سنوات، و هذا يعني أن بعض أوليائهم قد ينساقون وراء ما يروج بأنه يشفي من السكري، فيوقفون الأنسولين عن أبنائهم، الذين قد يدخلون بسبب ذلك في غيبوبة و ربما يفارقون الحياة، مضيفا «لا أستبعد أن يأتينا خلال شهر أو أقل أطفال في حالة غيبوبة».
و ذكر محدثنا أن معلوماته تفيد بأن توفيق زعيبط اعتمد على نوع من الزيوت و الفيتامينات، و هو أمر ممكن لأن تاريخ العرب و المسلمين، عرف، كما أكد، استعمال حشائش مفيدة للسكري، مثل الحلبة التي أثبتت الأبحاث أنها تساعد المريض لكنها لا تعالج و لا تعوض الأدوية التي لا يوجد بينها ما يشفي السكري، مضيفا أن منتج زعيبط قد يساعد في التقليل من نسبة السكر في الدم، لكنه “يستحيل” أن يشفي، كما يستحيل ألا يحدث مضاعفات مستقبلا، مهما طالت مدتها.

الرجوع إلى الأعلى