أطباء و ممرضون و أعوان في مواجهة مفتوحة مع أمراض قاتلة

 تخفي المآزر البيضاء  و الزرقاء التي يرتديها عمال المستشفيات من أطباء و ممرضين و كذا أعوان مخابر و عمال نظافة، خطرا صامتا يغفله الكثيرون، فدائرة العدوى  واسعة و احتمال الإصابة بأمراض متنقلة جد وارد، خصوصا خلال  لمس التجهيزات و الاحتكاك المباشر بالمرضى، الذين يتعمد بعضهم إخفاء حملهم لأمراض معدية عند خضوعهم للمعاينة أو لسحب الدم، ما ينجر عنه مآس ضحاياها عمال و أطباء منهم من فقد حياته و منهم من يعيش اليوم حاملا لأمراض أخطرها السيدا و السل، التيتانوس و التهاب الكبد الفيروسي.
تحقيق هدى طابي
أطباء يقترحون إخضاع المرضى للتحليل المسبق
تشخيص الأمراض و علاج الآلام و إنقاذ حياة الآخرين، ليست بالمهمة السهلة، كما أكد أطباء و عمال بمستشفيات عديدة في الجزائر نشروا مؤخرا عبر صفحتهم التفاعلية الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك « الأطباء الجزائريون» التي يتابعها أزيد من 15ألف شخص، مقترحا يتعلق بإخضاع المرضى الذين يقصدون المستشفى، بغرض التشخيص و العلاج، إلى فحوص و تحاليل تؤكد عدم حملهم لفيروسي السيدا و التهاب الكبد الفيروسي،و ذلك قبل إتمام إجراءات قبولهم و السماح بمكوثهم في المستشفيات.

 المعينون أوضحوا من خلال منشور مفصل، بأن بعض المرضى يدخلون المستشفيات بغرض العلاج من مرض معين، لكن يتضح لاحقا بأنهم مصابون بالسيدا، لكن بعد فوات الأوان، أي بعد أن يلمس الأطباء و الممرضون و المخبريون وحتى أعوان النظافة، دم المريض عن طريق الحقن أو تجهيزات الفحص.
و خلال تواصلنا مع إدارة الصفحة، أكد لنا الأطباء المسؤولون عنها ، بأن هذا المقترح وقائي بالدرجة الأولى، خصوصا و أن بعض المرضى يتعمدون أحيانا عدم التصريح بحملهم لفيروس خطير أو لمرض نقص المناعة المكتسبة، خوفا من رفضهم في المستشفيات،هذا و قد أشار المنشور إلى تسجيل حالات لأطباء و ممرضين تعرضوا لعدوى مرض نقص المناعة المكتسبة، بعدما أشرفوا على متابعة حالات عدد من الرضع.
و الملاحظ هو أن حجم التفاعل مع المقترح كان كبيرا من قبل أطباء، منهم من أكد بأن الأمر ضروري، لاتخاذ الاحتياطات التي من شأنها أن تحد من دائرة الخطر.
حسب بعض الأطباء، فإن هناك مستشفيات على مستوى الوطن قد بدأت فعليا في تطبيق إجراء التحليل المسبق، على غرار مصلحة أمراض الجهاز الهضمي بمستشفى مصطفى باشا، و كذا مستشفى سطيف الذي أشار طبيب يعمل به بأنه يعتمد هذه السياسة الوقائية منذ سنة 2011.
و قد أشار المعنيون إلى أن تكلفة إجراء هذا النوع من  التحاليل في القطاع الخاص جد مكلفة، و قد تعادل 5 آلاف دج للتحليل الواحد الخاص بالسيدا، مؤكدين بأن الحل يكمن في إجرائها على مستوى المستشفيات العمومية، كما تطرقوا إلى مطلب رفع منحة الخطر، و تحدثوا عن مشكل نقص التجهيزات من قفازات و حقن و غيرها، كما أشاروا إلى نقص على مستوى النظافة و التعقيم في بعض المصالح.
ممرضة أصيبت بالسيدا   و مخبرية توفيت بالتيتانوس
مستشفى قسنطينة الجامعي كغيره من المؤسسات الأخرى، يشهد حوادث من هذا النوع ، ففي مارس سنة2013، كانت ممرضة ضحية للإصابة بعدوى السيدا، و هي أم لولدين و عمرها 44 سنة، وقد أوضحت للنصر، بأنها تعرضت للعدوى خلال أدائها لعملها المعتاد و هو حقن مريضة بالسيدا في مصلحة الأمراض المعدية ، غير أنها و بعد إنهاء عملية الحقن، قامت بسحب الإبرة لرميها في حاوية خاصة، لكنها سقطت من يدها و استقرت في أصبع قدمها الأيمن متسببة في نزيف، و هو ما أدخلها في حالة من الهلع استدعت تدخل زملائها على الفور، و محاولة استخراج الدم الملوث عن طريق الضغط على أصبع قدمها.
الطبيب المسؤول في المصلحة نصح الممرضة بضرورة الشروع في تناول الأدوية التي قد تساعد على القضاء على الفيروس في أولى مراحل دخوله جسم الإنسان، و اقتنعت بذلك بعدما كانت غير متقبلة لفكرة احتمال إصابتها بالمرض بعد 22 سنة من العمل داخل المصلحة. بمخبر علم الأنسجة بذات المؤسسة الاستشفائية، تعرضت مخبرية للإصابة بعدوى التيتانوس خلال سحبها لعينة دم من مريضة، الأمر الذي لم تتنبه إليه في البداية، كون المريضة لم تصرح بمرضها، وهو ما جعل الضحية تقلل من خطر الحادثة قبل أن تسوء حالتها و تكتشف الخطأ الذي ارتكتبته، لكن بعد فوات الأوان  فقد أودى بحياتها.
وقد تعرضت زميلة لها قبل سنتين، كما علمنا من عمال المصلحة، للإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي عن طريق الخطأ أيضا لدى سحبها لدم مريض يعاني من هذا الداء.
وحدثنا عمال بالمستشفى عن حالات عديدة لضحايا خطر المهنة، آخرهم طبيب أشعة، أصيب بالسرطان و قد تم تشخيص السبب بكثرة التعرض للإشعاعات خلال الفحص.

أطباء بمصلحتي الأمراض المعدية و الأوبئة
الممرضون يشكلون نسبة كبيرة من الضحايا
أكد البروفيسور أحمد عواطي أخصائي الأمراض المعدية بذات المصلحة بمستشفى ابن باديس، بأن الممرضين يعدون الفئة الأكثر عرضة لمثل هذه الحوادث المهنية، باعتبارهم أكثر احتكاكا بالمرضى، لأنهم مسؤولون عن حقنهم و تنظيف جراحهم وما إلى ذلك، مضيفا بأن أكثر الأمراض شيوعا هي التهاب الكبد لفيروسي و السيدا، بالإضافة إلى السل.
 البروفيسور أشار إلى أن بعض الممرضين ورغم تكوينهم و توجيهات الأطباء، إلا أنهم يفضلون العمل دون قفازات واقية، لكونها تعيق حركة أيديهم، وهو ما يجعلهم عرضة لالتقاط العدوى، وكذلك الأمر بالنسبة لأعوان النظافة الذين قد يتعرض بعضهم لجرح سببه حقنة ملوثة ، أو حتى لالتقاط العدوى خلال تغيير بعض الأغطية و الملاءات الخاصة بالمرضى.
 و قال المتحدث بأن الضغط المفروض على المستشفى و  العدد الكبير للمرضى يجعل التحكم في الوضع صعبا، فبعض المرضى، حسبه، قد يدخلون المستشفى بغرض العلاج من مرض معين، لكنهم يتجنبون التصريح بحملهم لعدوى مرض آخر خطير، ما يعرض الطاقم العامل بالمصلحة ككل للخطر، حتى وإن كانت التغطية الطبية جيدة، فتوفر الأدوية و جدية التكفل بالمصابين من ممرضين و أطباء وعمال من قبل مصالح طب العمل لا تعد كافية وحدها، بل أن التحلي بالوعي و إدراك المواطن لأهمية التصريح بالمرض ضروري، لمجابهة أي خطر على الصحة داخل المستشفى، خصوصا و أن هناك حالات عديدة سجلت خلال سنوات متتالية أغلبها لعدوى السيدا و السبب هو أن المستشفى مركز جهوي لمكافحة المرض، وبالتالي فإن عدد المرضى فيه كبير.
شاطره الرأي رئيس المصلحة البروفيسور دالي شاوش مشيرا إلى أن إجراءات الوقاية في المستشفى تشمل حتى الطلبة و المتدربين، الذين يتم حقنهم ضد العدوى المتنقلة على سبيل الاحتياط، لكن  تبقى درجة الخطورة في بعض المصالح كمصلحة الأمراض المعدية  و الاستعجالات و الأوبئة وكذا المخابر مثلا، جد عالية، مضيفا بأن العدوى قد ينقلها القادمون من خارج المستشفى خلال الزيارات و قد يحملونها معهم وهم يغادرون المستشفى.
 بدروه  تحدث البروفيسرو جمال زغيلش رئيس مصلحة علم الأوبئة، عن نقص ثقافة التحسيس في المجتمع، و عاب على وسائل الإعلام عدم تعاطيها بشكل أعمق مع هذا الموضوع لتوعية المواطنين و الممارسين ، على حد سواء، بأهمية الوقاية و الحذر.  مشيرا من جهة ثانية إلى أن المشكل الأساسي يكمن في التعامل السطحي مع هذا المشكل، سواء من قبل بعض مسيري المستشفيات و كذا العاملين على مستواها، وحتى زوارها ، و إغفالهم لأهمية الخطر، فالوقاية لا تعد من بين أولوياتهم، وهو ما يبرز من خلال ضعف تجهيزات التطهير « أحواض غسل الأيدي المزودة بالماء والصابون»، فلا نكاد نجدها تقريبا على مستوى كل مصالح و أروقة المستشفيات العمومية و العيادات، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة توفيرها و إعادة تجهيز هذه المصالح لضمان النظافة و الوقاية للعاملين والزوار.
 أكد بدوره يوسف كيطوني، مسؤول مخبر علم الأنسجة بذات المستشفى على أن الوقاية الداخلية وحدها غير كافية، لأن مصالح طب العمل تقوم بدورها، لكن  المشكل يكمن في عدم تصريح المرضى بحملهم لعدوى أمراض خطيرة، مؤكدا بأن زملاء كثر راحوا ضحية هذا السلوك و تعرضوا للإصابة بأمراض، منها ما أودى بحياتهم.
الوقاية التحدي الأكبر
مديرية الوقاية بوزارة الصحة، كانت قد أقرت تدابير صارمة سنة 2015 بعد تسجيل حالات عدوى عديدة بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع « ب» بين عمال المستشفيات، و اقتضت  الضرورة آنذاك تحسين شبكة التلقيح ضده، بعد أن تم اكتشاف عدم تلقيح غالبية العاملين بالمستشفيات والعيادات ضد هذا المرض، وبناءً على ذلك، تقرر إخضاع الجميع لعملية التلقيح دون استثناء، بشكل إجباري.
كما تم اتخاذ قرار آخر في العام الماضي يقضى بإخضاع عمال المخابر ومراكز حقن الدم، وكل العاملين الذين يقدمون خدمات طبّية مباشرة للمرضى، لتحليل الكثافة الفيروسية وفقدان المناعة الأولية بشكل دوري ، لحمايتهم من احتمالات الإصابة بالعدوى.
وحسب البروفيسور مصطفى حداد رئيس مصلحة طب العمل بمستشفى قسنطينة الجامعي، فإن العمل في المستشفى يفرض تعرض الممارس للخطر ، لكن برنامج الوقاية المتبع سمح، حسبه، بالتحكم في الوضع بشكل كبير، مقارنة بالسنوات الماضية و لم يعد عدد الحالات التي تتعرض لالتقاط عدوى معينة المسجلة بين الطواقم الطبية و شبه الطبية وحتى العاملين، تتعدى حالة واحدة كل ثلاث إلى أربع سنوات، مؤكدا نجاعة برنامج الوقاية و نجاحه.
 وأضاف بأن الحالات التي تسجل قد تكون ناتجة عن لمس إبرة أو الإصابة بجرح أثناء أداء العمل، و هنا يعد الحذر و التحلي بالوعي مسؤولية الممارسين بالدرجة الأولى، علما بأن أي حادث عدوى يتم التكفل بضحيته بشكل مباشر و جاد، سواء من حيت العلاج أو المتابعة الدائمة.                   
 هـ.ط

الرجوع إلى الأعلى