تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات القليلة الأخيرة، إلى فضاء يعج بالأخبار الكاذبة و الصور المفبركة أو المغلوطة،و هو محتوى ينتشر بشكل مكثف وسريع عبر الحسابات الفردية و صفحات و مجموعات فايسبوك تحديدا، وذلك تزامنا مع وقوع أحداث مهمة أو اضطرابات معينة أو كوارث.
و الملاحظ أن فخ تداول هذه المادة لا يصطاد العامة من الناس فقط ، بل يجر بعض وسائل الإعلام التي تغفل استخدام تقنية تقصي حقيقة الصور والفيديوهات و مصادرها و تواريخها، رغم  كثرة الحديث عن وجود توظيف متعمد لهذا المحتوى من قبل مخابر تمتهن توجيه الرأي العام و افتعال الأزمات.
وحسب مختصين في مجال الأمن المعلوماتي، فإن المنصات التفاعلية تصنف كوسائل تحريض وتعبئة و سلاح رئيسي في حروب المعلوماتية، بدليل قرار بعض الدول تحجبها نهائيا لأسباب أمنية.  
الفضاء الافتراضي  سوق  الإشاعة و الأخبار الكاذبة
 كما تساعد المشافهة على نقل الأخبار غير المسنودة و الإشاعات في عالمنا الواقعي، فإن عملية الترويج للإشاعات و الأخبار الكاذبة، تعتمد بمواقع التواصل الاجتماعي على نفس الأسلوب، إذ يرمى الطعم عبر الفضاء الأكثر استخداما من قبل الجزائريين  وهو فايسبوك ، وتستمر كرة الثلج في التدحرج و التعاظم إلى أن يصل الخبر إلى أكبر عدد من الناس، و يصبح له تأثير معين في نفسية الأفراد، ما يخلف انعكاسات معينة.
عشنا ذلك سابقا خلال أزمات السميد و بعد ذلك الزيت التي تم افتعالها بغرض المضاربة، نذكر أيضا الكم الهائل من المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة و الإشاعات وحتى التسجيلات الصوتية التي تم تداولها بقوة مع بداية الحراك، و ساهم فايسبوك، و منصات التواصل الأخرى في انتشارها و أعادت نشرها مؤسسات إعلامية في ما يشبه عملية تعبئة جماعية، ما شكل معالم حرب نفسية حقيقية و أثر بشكل كبير على مجريات سير الأحداث آنذاك، على غرار خبر وفاة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، و هروب عائلته وبعض كبار المسؤولين من البلاد، ناهيك عن إنتاج أطراف معينة خطابات ذات أبعاد تحريضية، تم الترويج لها بأساليب مختلفة، سواء عبر فيديوهات أو تسجيلات صوتية انتشرت بكثرة على تطبيق المحادثة ماسنجر، ما يؤكد وجود نية حقيقية لاستغلال الفضاء الرقمي من أجل توجيه الرأي العام و تعبئته لغايات مبيتة، على غرار زعزعة الاستقرار وهو ما نراه مؤخرا في الشبكات التواصلية من محاولة للترويج لخطابات التفرقة والكراهية و كسر عروة الثقة بين أجهزة الدولة والمواطن وبين أبناء الشعب الواحد.
 و يعتبر تداول الصور المغلوطة ونسبها لغير الأحداث المرتبطة بها، وجها من أوجه التهويل و الدعاية ، حيث شاهدنا مثلا صورا من حرائق تركيا و روسيا، قدمت على أنها حرائق تيزي وزو و خنشلة، و قبل ذلك انتشرت صور من حرائق أستراليا، و صور أخرى قيل بأنها تعكس حجم الكارثة التي خلفتها فيضانات الجنوب، قبل أن يتضح بأنها صور لفيضانات هايتي و الأمثلة كثيرة.


 و أعاد الكثيرون نشر أخبار مفادها أن الحرائق الأخيرة مفتعلة، دون ذكر مصادر رسمية أو الاستناد لحقائق علمية أو نتائج تحقيقات مؤكدة، وبهذا الخصوص أوضح الخبير في الأمن المعلوماتي كريم خلوياتي، بأن المنصات التفاعلية تعتبر بيئة مناسبة وسريعة لانتشار «الفيك نيوز» و الصور المغلوطة وذلك بالنظر إلى طبيعة مستخدميها، مؤكدا بأن هذه المواقع تعد من بين أدوات الدعاية و التحريض و وسيلة لافتعال الأزمات، مستشهدا بمحاولاتها التشويش على المؤسسات الإعلامية العمومة عبر إدراج ملاحظات جانبية، تذكر بأن صفحة المؤسسة ممولة أو تخضع لرقابة الدولة و أنها محسوبة على النظام مثلا و غيرها  من المحاولات الواضحة لضرب مصداقية هذه الوسيلة. و ذكر أيضا ما تتعرض له صفحتا مؤسستي  التلفزيون العمومي و جريدة الشعب، بالمقابل لا نجد مثل هذه الملاحظات في صفحات قنوات أجنبية حكومية أو محسوبة على السلطة، مثل «فرانس 24 « على سبيل الحصر.
حرب غير معلنة
 من جهة ثانية قال المتحدث، بأن نوايا شركات التواصل الاجتماعي و بالأخص فايسبوك و يوتيوب معروفة، وأن الجزائر مستهدفة، حسب الخبير، بدليل نوعية المنشورات والفيديوهات التي يتم تكثيف تداولها و اقتراحها على المستخدمين، فكثيرا ما يقترح عليك يوتيوب مثلا، فيديوهات لبعض الأسماء المعروفة بعدائها للجزائر، دون أن تكون قد أبديت اهتماما مسبقا بهذا النوع من المحتوى، و الأدهى أن هذه الشركات تتحجج بوجود خوارزميات معينة هي المسؤولة عن فرز المحتوي و تقديمه للمستخدمين، ولكن حقيقة الأمر غير ذلك، كما عبر، فلا أحد يمكنه حسبه، أن ينكر دور هذه المنصات في التعبئة الشعبية خلال الحراك ، إذ كان لها الدور الأكبر في الانتقال من الحشد الافتراضي إلى الحشد الواقعي، بعدما أصبح الأفراد يتواصلون عن طريقها بشكل ساهم في التعبئة الافتراضية للرأي العام.
المتحدث ذكر أيضا القضايا المتعلقة بتسريب معلومات المستخدمين وغير ذلك من الأحداث الأخرى، و كلها عوامل دفعت، حسبه، بدول عديدة إلى رفض الترخيص لهذه الشركات بالنشاط على أراضيها، ومنع استخدام التطبيقات التي تنتجها الولايات المتحدة الأميركية، على غرار  فايسبوك الممنوع في روسيا والصين، حيث يدعو الخبير إلى ضرورة اتخاذ إجراء حجب هذا الموقع في الجزائر أيضا، لأننا، كما قال، نخوض حربا غير معلنة مع أعداء يستغلونها لزعزعة استقرارنا.
10بالمئة من مستخدمي الشبكات يتقصون حقيقة المنشورات
من جانبه أوضح الخبير في تكنولوجيات الاتصال و الأمن المعلوماتي سليم منيخ، بأن نسبة من يقومون فعليا بتقصي حقيقة بعض المنشورات قبل إعادة نشرها أو تداولها تبقى  قليلة ولا تتعدى في الغالب 10 بالمئة، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي منصات مفتوحة  لجميع المستخدمين من مختلف الفئات العمرية والمستويات الثقافية والتعليمية، ما يفرض  التعامل مع محتوياتها بحذر، بسبب الاشتباه في صحة الأخبار المتداولة، و وجود احتمال استغلال هذا المحتوى لخدمة أجندات و غسيل أدمغة و نشر الأفكار الدخيلة.
الخبير، أضاف بأن مجابهة هذا التدفق الكبير للأخبار والصور والإشاعات عبر مواقع التواصل، لا يمكن أن يتم إلا من خلال تقصي حقيقتها و هو دور أسنده إلى وسائل الإعلام، التي قال بأنها قادرة على ترجيح الكفة و تجنب الوقوع في فخ نشر هذه المعلومات، عن طريق التحكم في  تقنيات التقصي بما في ذلك طريقة البحث العكسي للصور مثلا، و هي عملية تعتمد على استخدام  أدوات ومواقع معينة على الإنترنت، للتأكد من الصور و الفيديوهات، على غرار « تين آي  و غوغل إيماج و إيكزيف»، مضيفا، بأن منظمة «أمنيستي»  كانت قد وضعت، بالاتفاق مع شركة يوتيوب، منصة لتقصي المنشورات تعرف بـ « سيتيزن ايفيدانس».
ثغرة الفراغ الإعلامي و الحاجة للتعبير
أما أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، نصر الدين العياضي ، فقال بأن انتشار المحتوى الكاذب و الصور والفيديوهات المغلوطة على مواقع التواصل، و تزايد حجم تداوله والتعاطي معه و حتى توظيفه إعلاميا، راجع بالدرجة الأولى إلى ضعف أداء الإعلام الحقيقي و فقدان الثقة فيه، وهو أمر أفرزه خلل اتصالي نجم عن تراجع الحديث عن الخدمة العمومية بمفهومها الصحيح، خصوصا في السنوات الأخيرة، التي عرفت نوعا من الانغلاق الاتصالي بين طرفي المعادلة « الجهات الرسمية و المواطن»، وهو ما قدم مواقع التواصل بكل سلبياتها وإيجابيتها كبدائل و زاد من تأثيرها في تكوين الرأي العام الإلكتروني، فلا تشكل هذا الرأي عبر تأثيرات المحتوى فحسب، وإنما تصنع جانبا من وجوده، مما يعطيها دورا يتجاوز سياقات وأساليب المستخدمين لها.
و يدعو المتحدث إلى مراجعة السياسيات الاتصالية  الرسمية و بعث النقاش حول الخدمة العمومية، و وضع آليات تكوين صحيحة لتلقين الصحفيين كيفيات التعامل مع التقنيات و الأساليب التكنولوجية الحديثة، و توفير مناخ إعلامي جديد.
أما الباحث في علم الاجتماع عبد السلام فيلالي، فقال  بأن  الأسباب التي منحت مواقع التواصل الاجتماعي قوة التأثير التي تتمتع بها في مجتمعنا، راجع بالضرورة إلى توفرها، فالديمقراطية التكنولوجية أتاحت للجميع على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم، الحق في الحصول على التكنولوجيا واستخدامها للتعبير و التواصل، و هو تحديدا ما زاد من حجم استخدام هذه المنصات، خصوصا وأنها قدمت حلولا سريعة و سهلة للاتصال بين الأفراد و ووفرت بدائل للحصول على المعلومة، « بغض النظر عن صحتها»، في ظل ضبابية المشهد الإعلامي و شح المعلومة الرسمية.
الباحث تحدث أيضا عن  وجود علاقة طردية بين زيادة نسبة التعبير الحر للأفراد في الشبكات الاجتماعية، و نسبة التعبئة العامة الفعلية في المجتمع الحقيقي؛ إذ كلما لاحظ أفراد المجتمع ديناميكية تعبير جارفة في الفضاء العام الإلكتروني، تقوم على عوامل موضوعية ملموسة تسمح لها بتوليد حالة من العمل الاجتماعي الهادف لحل المشكلات، كلما  زادت الرغبة في الخروج من التعبير الافتراضي إلى التعبير الفعلي في الفضاء العام الحقيقي.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى