قرر فنانون و أدباء من ولاية تبسة، الخروج من روتين القاعات المغلقة، و كل ما ترمز إليه من صور نمطية قديمة، لمغازلة الفضاءات المفتوحة، و عرض إبداعاتهم بالمواقع  الأثرية و التاريخية و السياحية، ضاربين بذلك عدة عصافير بحجر واحد، فكانت وجهتهم الأولى هذا الموسم، منطقة قسطل، ببلدية عين الزرقاء. 

*  الجموعي ساكر

المبادرة انخرط فيها عدد من المهتمين، و لاقت استحسان الكثيرين، لأنها فرصة للترفيه، و الترويح عن النفس، و ربما استكشاف معالم جديدة، فضلا عن الترويج لإبداعاتهم، و تم وضع برنامج بهذا الخصوص و جسدت بعض فقراته قبل ثلاث سنوات، لكن تم تأجيله، بسبب جائحة كورونا، و تبعاتها، و مع انقشاع الأزمة الصحية العالمية، انطلق مجددا تجسيد المبادرة، لاكتشاف ما تزخر به ولاية تبسة، من موروث تاريخي و حضاري.
مواصلة برنامج الرحلات بعد انقشاع الأزمة الصحية العالمية
في هذا الشأن قال الشاعر محمد الأخضر جويني، بأن المبادرة من تنظيم المكتب الولائي لبيت الشعر الجزائري، بالتنسيق مع الأديبة نورة زيتون، و قد وزعت دعوات على العديد من المبدعين، في مجالات الشعر الملحون و الفصيح، و الأدباء والفنانين، ورؤساء بعض الجمعيات و الإعلاميين، لتوثيق الرحلات.
و أضاف المتحدث أن الرحلة التي تمت برمجتها مؤخرا، إلى منطقة قسطل، التابعة إداريا إلى بلدية عين الزرقاء، شارك فيها 30 مبدعا في مختلف المجالات، لاستكشاف ما تزخر به هذه المنطقة الساحرة، من آثار قديمة و مناظرة ساحرة، مشيرا إلى أن رزنامة مهندسي هذه المبادرة، تضم عدة رحلات، لاكتشاف مواقع تاريخية و كنوز أثرية أخرى، سواء داخل ولاية تبسة أو خارجها، و هي تكملة للبرنامج الذي سطر قبل ثلاث سنوات و تضمن رحلات إلى خنشلة و قالمة و بكارية.
مبدعون يثنون على المبادرة..
بالنسبة للشاعر عبد السلام رقية، فإن هذه الرحلات، نافذة يطل من خلالها المبدعون على عبق التاريخ، و تعد محركا ومحفزا على الإبداع، فضلا عن كونها لحظات للمتعة، و الإطلاع على ما يزخر به وطننا من نفائس تاريخية و ثقافية.
و اعتبر الكاتب بدر الدين ناجي، هذه الرحلات الثقافية، تمتين للعلاقات بين المشاركين في الرحلة، فيشعرون بأنهم عائلة واحدة، فضلا عن كونها فرصة لتغيير الأجواء و الهروب من صخب وضجيج المدينة، إلى أحضان الطبيعة، طلبا للهدوء.
و أدرجت من جهتها مهندسة هذه الرحلات، الكاتبة نورة زيتون، المبادرة ضمن تنشيط السياحة الداخلية، و التعريف بمخزوننا الثقافي، فضلا عن الخروج من الفضاءات المغلقة.
أما الشاعر الشعبي محمد رحال، فقد استحسن هذه المبادرة، التي تجمع كل الفنون و تشجع تبادل التجارب الإبداعية بين الحضور.
و نوهت رئيسة جمعية أريج الجنة، بهذه المبادرة التي مكنت من اكتشاف بعض المناطق السياحية، و لم تقتصر هذه الخرجات المنظمة على الجانب السياحي فقط، بل تعدته لعرض بعض الفقرات حول تاريخ كل منطقة، بهدف تعميم الفائدة و المعلومات، مثلما أشار الشاعر محمد نحال، الذي أوضح بالمناسبة، انه في ختام كل رحلة، يتم طرح سؤال تاريخي مع تسليم جائزة رمزية للفائز بعد الخضوع لعملية القرعة، و من أجل توثيق هذه الفسحة، توجه من حين لآخر دعوات إلى بعض الإعلاميين، بغرض التوثيق لها.
بهذا الشأن قالت الإعلامية نور سعدوني، أن لهذه المبادرات تأثيرا إيجابيا على السياحة الثقافية، فيصبح الكاتب والشاعر والفنان والإعلامي، ضمن مكوناتها و صناعها، و وسائل للترويج لها و معالجتها إعلاميا.
قسطل..رحلة إلى فجر التاريخ
تفيد المراجع التاريخية أن منطقة قسطل، التي قصدها أصحاب المبادرة مؤخرا، تعد المنطقة الأولى التي دخل منها الفاتحون الأوائل للجزائر، بعد وصولهم إلى منطقة حيدرة المجاورة، بتونس.
و تضم قسطل سلسلة جبلية ، بها مياه جارية، و مغارات حجرية ذات أبواب مربعة في الأعلى، و تجري أسفل هذه السلسلة الجبلية، المياه رقراقة، في قنوات محفورة على الصخور العتيقة، فتأخذك تلك المشاهد، إلى العصر الروماني.
و تشير المصادر و النقوش و الغرف الجنائزية المنحوتة في الصخر، و الممرات المؤدية إلى زوايا جبل الدير، أن المنطقة تعود إلى فجر التاريخ، لكنها تضم اليوم تجمعا سكنيا حديثا، متناثر البنايات أحيانا، و متقاربة في أحيان أخرى.
و بين ثنايا السلاسل الجبلية، تنام بعض البساتين والأشجار المثمرة، وكلما تابعت المسير بينها، يتهادى إليك صوت خرير المياه، وهو المشهد الذي يتواصل إلى غاية المنبع، أين تتحرك المياه الجارية يمنة و يسارا، كحية رقطاء، قاطعة صمت هذه المنطقة، مثلما تقطع سكونها، أصوات النسوة وهن يغسلن الملابس والصوف، أو مرور بعض الأبقار، أو الحمير الناقلة لمياه الشرب.
و إذا توغل الزائر في المنطقة الجبلية، ستلفت انتباهه تلك الحوانيت أو الغرف الجنائزية المحفورة في جلمود جيري صلب، و يقدر عددها بنحو 36 غرفة ، مركبة فوق بعضها البعض.
أما الغرف العلوية فقد حافظت على شكلها الأول، لصعوبة الدخول إليها، و تضم أبوابا مثبتة بإحكام في الأعلى، بواسطة عوارض مهيأة في الصخر وهي العوارض التي انكسر أغلبها، و غير بعيد منها، توجد بالوعات محفورة فوق المداخل  لمنع    تسربات المياه إلى الداخل، و تبدو المقبرة من بعيد للرائي أن أساساتها عشوائية، غير أن التدقيق فيها ،يمكنه من رؤية أساسيات المدينة كاملة. و ذكر المهتمون بهذه المنطقة، بأنها متأثرة بالحضارة الرومانية و الأمازيغية، من خلال قطع الفخار و بعض الأدوات التي كان يستعملها الإنسان القديم، و يراهن ساكنة قسطل لجعلها قطبا سياحيا، فبرمجة الرحلات المدرسية الأسبوعية أو رحلات المبدعين و بعض الزوار، لا تكفي للتعريف بها، فهي تحتاج إلى اهتمام أكبر من قبل المسؤولين، و إعادة إدراجها  ضمن المخطط  السياحي، و لما لا تشجيع الاستثمار فيها  لتنميتها اقتصاديا، و استحداث فضاءات ترفيهية سياحية للترويج لهذه الوجهة و إخراجها من شرنقتها .                                       ا. س

الرجوع إلى الأعلى