اختارت آمنة فغرور ولوج عالم الحرف والأشغال اليدوية تحديدا مجال صناعة الشموع، فتفردت بوضع بصمتها الخاصة التي جعلت اسمها ينقش على لسان كل باحث عن شموع للزينة والديكور والتعطير، فبعد عديد التجارب التي باءت بالفشل أطلقت العنان لمخيلتها الفنية متجردة من مختلف عباءات التقليد، لتبدع وتستقطب زبائن من 58 ولاية في الجزائر.

تخبرنا آمنة أنها ولدت في قسنطينة ثم انتقلت عائلتها إلى ميلة وهي طفلة، حيث أنها من أسرة حرفية، فوالدتها مختصة في الخياطة والرسم على الأقمشة، أما عمتها فلطالما داعبت أناملها خيوط الكروشيه وشغفت بالأشغال اليدوية، ما جعلها تحب كل ما له علاقة بالحِرف. وبعد عدم نجاحها في امتحان شهادة البكالوريا لمرتين، قررت آمنة الالتحاق بالتكوين المهني أين حصلت على ديبلوم تقني سامي في الإعلام الآلي، وهي شهادة فتحت لها أبواب التوظيف في مفتشية العمل ثم في إحدى ثانويات تاجنانت، قبل أن تقرر التوقف والمكوث بالمنزل بعدما كانت قد كونت عائلة.
 بدايات فاشلة بقوالب من الورق المقوى
وتضيف محدثتنا أنه وخلال فترة مكوثها في المنزل عاد بها الحنين إلى هوايات الطفولة من رسم وأشغال يدوية، وكذا المطالعة، ثم فكرت منذ حوالي 7 سنوات في إطلاق مشروعها الخاص بخياطة وسائد بأحجام صغيرة وبأشكال متنوعة تستخدم في ديكور المنازل، مع صناعة شموع تتماشى معها، فباشرت باقتناء المستلزمات التي تحتاجها للعمل من ماكينة الخياطة والأقمشة والخيوط وغيرها، مع البحث في مجموعات «فيسبوك» ومحرك البحث «غوغل» عن أي معلومات تفيدها في صناعة الشمع.  وكانت أولى تجارب آمنة في صناعة الشموع بالمنزل، فاشلة، رغم تتبعها لمختلف الخطوات التي نشرها حرفيون مصريون مختصون في صناعة الشمع باليوتيوب، ما جعلها تشعر بالإحباط، لكن تشجيع شقيقتها أعاد بعث الرغبة في داخلها من جديد، ففي ثاني تجربة قامت باقتناء كؤوس زجاجية صغيرة شفافة، وصبت فيها شموع الإضاءة المذابة مع تزيينها ببعض الورود الصناعية، ثم قامت بنشر صورها في مجموعات على منصة «فيسبوك»، ليبتسم لها الحظ هذه المرة وتشترى الكؤوس الخمسة التي حضرتها بحب وتفان. بعد ذلك قامت آمنة بتحضير أكياس صغيرة مزينة، مستلهِمة الفكرة مما شاهدته في موقع «يوتيوب»، لتقوم بعدها بتوصيل الكؤوس بنفسها لزبائنها. هذه الخطوة الناجحة شجعت الحرفية الشابة على الاجتهاد أكثر والعمل على وضع بصمة خاصة بها، لتواصل مشوارها في صنع شموع أخرى لاقت إقبالا من النساء، خاصة ربات البيوت. وتقول السيدة آمنة، إن الأشخاص المحيطين بها نصحوها بعد ذلك بالتعامل مع أصحاب المحلات وعرض منتوجاتها عليهم من أجل توسيع مشروعها، فقصدت محلا يختص ببيع الديكور، لكنه أراها شموعا مستوردة من الصين وقارنها بما صنعته، رافضا التعامل معها.  هذه المرة عادت آمنة لمنزلها وهي تحمل في صدرها غصة، لم تحطمها بقدر ما زرعت في داخلها إصرارا كبيرا على مواصلة السير بخطوات ثابتة، والعمل أكثر حتى تكتسب الخبرة التي تفتقر إليها، فافتتحت صفحة على موقع فيسبوك تنشر فيها صور أعمالها، فلقيت تشجيعا من طرف النسوة حيث كن يضعن لها تعليقات إيجابية حفزتها بشكل كبير، كما كن يشاركن أعمالها في مجموعات أخرى من أجل دعمها. وقد استخدمت الحرفية في البداية، مواد بسيطة جدا، بدءا بشمع الإضاءة غير الجيد والألوان الشمعية التي تباع في المكاتب وتستخدم في التلوين، كما كانت تستعمل قوالب أسطوانية تصنعها من الورق المقوى مع تثبيت أطرافها بالشريط اللاصق، قبل أن تتنبه إلى استخدام العلب المعدنية ذات الشكل الأسطواني من قارورات المشروبات الغازية وأخرى معدنية صغيرة الحجم تستخدم في صناعة الحلويات، وقد تفطنت أيضا إلى أن ليس كل الألوان قابلة للمزج مع الشمع.
طموح لتوسيع المشروع
واكتشفت آمنة أن العديد من الحرفيين يقومون بطلب المواد الأولية من مواقع إلكترونية أجنبية، على غرار الملونات والمعطرات والخيوط القطنية، وهو نفس ما قامت به، ما ساهم بشكل كبير في تمكنها من صناعة شموع ذات جودة عالية، كما أن بروز مهتمين بالصنعة أدى ببعض التجار إلى افتتاح متاجر لبيع المواد الأولية، فأصبحت تقتني ما تحتاجه منهم. وقد أصبحت الحرفية، تقوم بصناعة شموع بأشكال مختلفة وأحجام متنوعة، جعلت الزبائن يتنافسون على اقتنائها من ولايات عدة، وبعد تحسن وتطور مستواها اقترح عليها صاحب محل بيع مستلزمات الديكور أن يعرض شموعها في متجره، أين أبدى إعجابه بعملها قائلا إنه أفضل بكثير من المستورد، كما نصحها بأن تهتم بالتغليف وبشعار علامتها التجارية فهو ما يزيد من الطلب على المنتج. وتابعت الحرفية ذات 34 عاما حديثها، بأن هذه الفرصة فتحت لها أبوابا عديدة، حيث لاقت إقبالا كبيرا على منتجاتها من الزبائن العاديين وحتى التجار في جميع ولايات الوطن، خاصة بعد تطور خدمات التوصيل في السنوات الأخيرة، كما تعتمد في الترويج والتسويق على تطبيقي «فيسبوك» و»أنستغرام». نجاح آمنة فغرور في مجال صناعة الشموع وتفردها ببصمة إضافية مميزة، جعلها مطلوبة من الجمعيات والأكاديميات، وهي تطمح اليوم، مثلما قالت للنصر، إلى توسيع مشروعها.                                                   رميساء جبيل 

الرجوع إلى الأعلى