تعرف موضة «مطاعم الأكل التقليدي» رواجا في السنوات الأخيرة، و بقسنطينة بدأت التجربة بمطعم واحد وتوسعت كثيرا بعد الجائحة، ليصل العدد إلى أكثر من خمسة بينها مطاعم بسيطة وأخرى راقية، وسط إقبال متزايد للعائلات والأفراد عليها، ممن يبحثون عن التنوع و تستهويهم فكرة تذوق نكهات مختلفة من مدن جزائرية أخرى، ولعل أكثر ما يشد الزبائن ليس الطعم فقط، بل الديكورات التقليدية كذلك.
  لينة دلول

تنوّع في الأطباق وتفاوت في الأسعار
 وبحسب عدد من  مسيري هذه المطاعم، فإن النشاط انتعش بعدما أصبح هناك زبائن يفضلون الأكل المنزلي  على الوجبات السريعة الجاهزة، ولأن تحضير الأطباق التقليدية يوميا أمر صعب، فإن توفرها في المطاعم يعد بديلا مناسبا للكثيرين بما في ذلك النساء العاملات.
وتقدم هذه المطاعم  العديد من الأطباق التقليدية التي تشتهر بها المدينة، كوجبات رئيسية مثل الرفيس و المشلوش و تريدة الموس و شباح الصفرة و الشخشوخة و الجاري فريك، وغيرها من الأكلات اللذيذة التي تعودنا على  تناولها  من يد أمهاتنا وفي مناسبات خاصة، والتي يتطلب إعدادها  الكثير من العناية والخبرة لنجاح الوصفة.
 وترافق هذه التشكيلة من الأطباق، تحليات تقليدية أيضا  على غرار الطبيخ و  المحلبي و الطمينة، فضلا عن الحلويات بما في ذلك المقروض و طمينة اللوز
و البقلاوة و بوراك الرنة وغيرها من  الحلويات التي تقطر لذة.
وتختلف أسعار الأطباق باختلاف المحل وشعبيتيه   ويعد مطعم «إغرسان» المطل على جسر ملاح سليمان أول استثمار في هذا المجال عرفته الولاية، وقد تحول مؤخرا إلى محطة يتوقف عندها السياح، لتجربة المطبخ التقليدي، خصوصا وأنه يوفرا ديكورا يتماشى مع طبيعة تخصصه الأمر الذي يستقطب الزبائن، و الملاحظ عموما أن أسعار الأطباق التقليدية في هذا النوع من المطاعم تزيد نوعا ما عن أسعار باقي الأكلات التي تقترحها قائمة الطعام، «فالطاجين» على اختلافه ينطلق من 2000 دج، أم سعر طبق صغير جدا من «الرفيس» أو «شباح الصفرة» فلا يقل عن 700 دج.
بالمقابل تقل الأسعار في  محل خيمة الحضنة،  المتواجد بعلي  منجلي، والذي يشتهر بتقديم أكلات تقليدية تخص منطقتي مسيلة و بسكرة، وذلك نظرا لكونه شعبيا بدرجة أكبر، حيث يمكن هناك تناول «مهراس الزفيطي» أو الشخشوخة أو الكسكسي، بما لايزيد عن 300 دينار.
تجربة أسبوعية و تعبير عن الكرم
وفي جولة بوسط مدينة قسنطينة،  لاحظنا إقبالا كبيرا على هذه المطاعم خلال فترة الغذاء، إذ يحب الزبائن الاستمتاع بوجبة مختلفة عن ما اعتادوا عليه في محلات الأكل السريع، حيث أكد عدد ممن تحدثنا إليهم، بأن المطاعم التقليدية تعد تجربة أسبوعية لا يمكن إغفالها    إذ يخصصون يوما في الأسبوع على الأقل، للخروج عن الروتين اليومي وتناول طبق تقليدي لذيذ.
وحسب موظفين قالا لنا بأنهما يعملان بمصلحة الضرائب، يعتبر الأكل التقليدي تجربة فريدة ترفع المعنويات و تكسر روتين الأيام، كما أن دعوة أحدهم على الغداء في مطعم تقليدي فيها تعبير عن التقدير والكرم، وحتى وإن كانت هذه الأطباق تحضر في المنازل، إلا أن تناولها في المطعم له طعم خاص.
 موظفة بإحدى البنوك، قالت لنا، بأن رائحة وجبات الأكل السريع باتت تزعجها لكثرة ما قضت سنوات في شراء الطعام الجاهز ، ولذلك فقد وجد ضالتها في مطاعم الأكل التقليدي ، حيث دلتنا في خضم حديثها على عنوان جديد لم نكن نعرفه واتضح لذا زيارتنا له      بأنه مكان شعبي بديكور بسيط، يصطف الزبائن على بابه نظرا للذة أطباقه و ملاءمة الأسعار كما علمنا من بعضهم و وقفنا عليه ونحن نتصفح قائمة الطعام.
انتبهنا أيضا، إلى أن قائمة الطعام تختلف من محل إلى أخر، فهناك مسيرو مطاعم  يحضرون كل ما هو موجود في القائمة، فيما يختار آخرون أطباقا معينة تختلف باختلاف الطقس، أو حسب ما يطلبه زبائنهم الأوفياء.
ولا يقتصر التنوع على الأكل فقط، بل يشمل المشروبات كذلك، حيث تتوفر في المطاعم عصائر طبيعية مختلفة بينها التايكرويت المزابي والشاي التيميموني، كما يقترح على الزبائن اللبن كمكمل لبعض الأطباق.
تجدر الإشارة إلى أن مبادرة إعداد الأطباق التقليدية  لم تعد حكرا على المحلات المتخصصة في ذلك فقط  فحتى أرقى المطاعم في المدينة، أصبحت تخصص أياما معينة في الأسبوع، لاعتماد قائمة طعام تقليدية خالصة وعادة ما تعلن عن ذلك على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي و ترفق البرمجة بسهرة فنية غنائية كثيرا ما ينشطها فنانو المالوف.
ديكورات تعكس الخصوصية
وتوفر هذه المحلات ديكورا  أصيلا يحتفظ بأدق تفاصيل الزمن الماضي، حيث  يختار أصحابها اللمسة التقليدية المتناسقة مع الأطباق  لضمان الراحة للزبائن و كسبهم بصفة دائمة، حيث أن هناك مطاعم استبدلت فيها الطاولات والكراسي بمفروشات أرضية و وموائد بما يعكس الطابع العربي و يسمح بالجلوس بأريحية أكثر. وما لا يجب إغفاله أيضا هو ظهور عدد من مطاعم  « الخيام»  التي انفردت بديكور خاص يجسد شكل الخيمة  بكل تفاصيلها، و لا يتوقف الأمر عند الزينة و الديكور، بل يشمل لباس النادلين و أطقم الأكل الفخارية.وحسب هشام  صاحب محل قعدات زمان، فإن الطلب على الأكل التقليدي صار كبيرا، خصوصا هذه السنة وذلك راجع إلى تغير ملموس في نمط غذاء البعض بعد الجائحة، وهو ما يفسر حسبه، تضاعف عدد المحلات  التي تحولت نحو الاستثمار في هذه التجارة التي وصفها بالمربحة. وكشفت زوجته حنان، أن الأطباق التي يكثر عليها الطلب في المحل هي الشخشوخة و التريدة و الشواط و الشوربة.
وأضاف زوجها بأن الإقبال لا يقتصر على الأفراد والموظفين فقط، بل يشمل العائلات أيضا، مشيرا إلى أن تجربة الطعام التقليدي باتت تستهوي بعض العائلات القسنطينية، خصوصا ما تعلق بالأطباق غير المحلية والتي تخص باقي ولايات الوطن، وقال، إن الوجبات التقليدية أصبحت الخيار المفضل للعديد من زبائنه لأنها منزلية وأقل ضررا من الوجبات السريعة المشبعة بالزيوت المهدرجة، موضحا، بأن ذروة الطلب تكون  خلال فترة الغذاء خاصة من قبل الموظفين الذين ملوا من الوجبات السريعة.
ويزيد  الإقبال على  المطعم  حسب صاحبه، خلال فترة الصيف مع زيادة عدد  السياح  الأجانب، الذين يقصدونه خصيصا  لأجل تذوق  طبق الكسكس الذي تعده حنان بإتقان، مشيرا في ذات السياق إلى أن زوجته هي الطباخة الرئيسية في المطعم وأن سر نجاح مطعمهما هو الأسعار المدروسة التي يقترحانها على الزبائن إلى جانب لذة الأطباق و تنوعها.
يرى أخصائي التغذية محمد عبد القادر لزرق،  أن الأكل التقليدي مفيد أكثر من الوجبات الجاهزة، لأن المطعم التقليدي غني ومتنوع من حيث المكونات حسبه ويعتمد كثيرا على القمح و الخضر و اللحوم الحمراء  وكلها مصادر مناسبة للطاقة.
وقال، بأن المطبخ الجزائري يعتبر من أغنى المطابخ في العالم، فهو يتميز بالعديد من الأكلات الشعبية التي تحتوي على مكونات مفيدة للصحة على غرار زيت الزيتون، و تشبه  الشخشوخة، حسب المختص، طبق الرقاق في الغرب الجزائري،  وهو طبق غني  بالكربوهيدرات، أما الفريك فيساعد على الهضم و مشبع بالقمح و اللحم.
ويضيف في ذات السياق، أن الطعام التقليدي يحد من زيادة الوزن وتراكم الدهون في الجسم، كما يحتوي على كمية عالية من الفيتامنيات والمواد المضادة للأكسدة التي تعمل على تعزيز صحة الجسم ومحاربة الأمراض السرطانية شريطة أن لا نبالغ في تناوله، خصوصا الأطباق الغنية بالبروتينات و اللحوم والشحوم، لأنها قد تعرض الإنسان إلى السمنة و الضغط.

الرجوع إلى الأعلى