مختصون ينتقدون  طريقة ترميم عين البلد

ندد الباحث المختص في علم الآثار الأستاذ عبد الرحمن خليفة بالتشويه الذي لحق بمعالم مدينة ميلة القديمة جراء أشغال الصيانة والترميم التي تمت مؤخرا على عين البلد، ومدخل المدينة فجعلتها تبدو وكأنها بنايات عادية لا تنتسب للمعالم التاريخية في شيء. و أثار العديد من النقائص التي قام بتسجيلها خلال فعاليات الطبعة العاشرة لملتقى ميلة عبر التاريخ المنظم نهار أول أمس الخميس بمتحف المجاهد سليمان بن طوبال من قبل جمعية أصدقاء ميلة القديمة، و الذي تم على هامشه توقيع اتفاقية بين ولاية ميلة و جامعة عبد الحميد مهري قسنطينة2 من أجل الحفاظ على التراث و البحث فيه.
 الباحث خليفة شدد في مطلع مداخلته الملقاة بمناسبة أن الآثار والمعالم التاريخية تشبه جسم الانسان المريض لا يمكن ان يعالجه سوى طبيب مختص يستطيع أن يتحسس مكامن المرض فيه ويمنح له الدواء والجرعات المناسبة لحالته فلا ينبغي أن يترك هذا المريض بين أيدي الجهلة غير العارفين بمكامن الداء، وما يناسبه من دواء فكيف إذا كان المريض هنا هو ميلة القديمة التي استقطبت في فترة من تاريخها أكثر من 500 أسقف قصدوها من مختلف أقطار المعمورة في مؤتمر عالمي لهم،  ثم قال علينا أن نتساءل عن دواعي اختيار أبو المهاجر دينار الاستقرار بها لفترة من الزمن وبنائه لأول مسجد في الجزائر على ترابها،  مشيرا في السياق إلى أن الأعمال التي أضرت بالآثار لم تقتصر على ميلة فحسب بل أن مشروع الطريق السيار شرق غرب أضر هو الآخر بالعديد من المواقع والمعالم الأثرية التي تزخر بها المناطق التي شكلت مسلكا لهذا المشروع. وقصد التوضيح أكثر اقتربت النصر من المحاضر خليفة لمعرفة ما يقصده فأوضح  بأن المقاولة التي أوكلت لها مهمة التدخل والصيانة على هذا الموقع الأثري قد أضرت كثيرا بالفواصل الموجودة بين القطع الحجرية  التي أصبحت بارزة وظاهرة جدا، مما جعلها تغطي على الحجارة وتشوه منظرها وبالتالي أفقدتها قيمتها التاريخية عند الناظر اليها.
 في الوقت الذي كان يكفي باستعمال ميكانيزمات معينة إذ لا يمكن سد هذه الفراغات هكذا بمادة الجير بين القطع الحجرية ذات القيمة التاريخية هذه الأخيرة حسب الباحث كان يمكن إعادتها لوضعها ولمكانها الأول بحيث أن عقد القبة عند قوس مدخل المدينة القديمة الذي خضع لهذا الترميم المضر تعود إليه صلابته الأولى وهذا الأمر يتطلب تدخل مهندس معماري مختص وليس مجرد عامل بناء عادي.
محدثنا قال أن الجزائريين وسكان ميلة على وجه الخصوص محظوظون بما يملكونه من معالم ورصيد تاريخي يمتد عمره لآلاف السنين تتم معاينته ولمسه يوميا والمرور فوقه أو تحته و بجانبه وهو الرصيد الذي علينا العناية به واحترامه وتثمينه، ذلك أن شعوبا ودولا أخرى تحسدنا عليه لذلك لا ينبغي التفريط فيه بالإهمال أو التدخل الفوضوي عليه.
من النقاط البارزة في هذا الملتقى التي وقعت على هامشه هو توقيع ولاية ميلة اتفاقية تعاون علمي، تقني وثقافي مع جامعة عبد الحميد مهري (قسنطينة 2) والتي تعتبر تجديدا وتكملة للاتفاقية الأولى المبرمة في التاسع عشر ماي 2009 مع جامعة قسنطينة ( قبل تقسيم هذه الأخيرة ) بمبادرة من الجمعية يتم بموجبها تدخل منتسبي قسم التاريخ بهذه الجامعة، من طلبة وأساتذة مثلما كشف عنه للنصر نائب مدير الجامعة مكلف بالعلاقات الخارجية الاستاذ ناجي بن حسين لمدة خمس سنوات كاملة قادمة.
 و تتضمن الاتفاقية انجاز دراسات وبحوث ومشاريع بحث مشتركة في مستويات الماستر والدكتوراه وتشكيل فرق مشتركة تعمل على ترقية كل ما من شأنه يثمن كل ما يتعلق بتراث المنطقة ومعالمها الأثرية المتواجدة في كل مواقع الولاية التاريخية التي يحصى منها حاليا قرابة 400 موقع يختزن رصيدا معتبرا من تراث الأمة الجزائرية والحضارة الانسانية، وهذا بتنظيم مختلف الملتقيات ونشر ما تتوصل اليه الدراسات والبحوث العلمية في المجالات العلمية المتخصصة ناهيك عن ادراج مادة تسهل تدخل أطراف وقطاعات  أخرى ذات العلاقة مثل السياحة و والمجاهدين وغيرهما.
 وقد كانت الفرصة مواتية للجميع من سلطات ولائية و منتسبي الجمعية للمطالبة بضرورة السعي لفتح فرع لقسم التاريخ والآثار على مستوى المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف بميلة فيما أعطى الوالي موافقته على استغلال بناية وأجنحة أرشيف الولاية من قبل الطلبة الدارسين والمختصين سواء في حفظ الوثائق التاريخية أو في استغلالها .
مضمون برنامج محاضرات هذا الملتقى الذي تابع اشغاله بالإضافة للأساتذة الباحثين والمختصين وطلبة معهد التاريخ بجامعات قسنطينة و سطيف وأم البواقي و المنخرطين في الجمعية وأبناء الولاية ركز بالأساس وفي البداية على الدولة النوميدية وعمقها التاريخي والجغرافي بداية من مؤسسها الأول إلى آخر ملوكها وأوجه الحياة عندها وتركتها للحضارات وللأجيال التي جاءت من بعد ودور ومكانة ميلة في كل هذا الزخم التاريخي المتواصل والمتلاصق.
إبراهيم شليغم   

الرجوع إلى الأعلى