أحكـــام بين الإعــــدام و 10 سنوات سجنـــا للمتهمين باختطـــاف و قتل تاجر العملـــة بقالمـــة

أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء قالمة في ساعة متأخرة من ليلة الأحد إلى الاثنين أحكاما تراوحت بين الإعدام و 10 سنوات سجنا نافذا و الحرمان من الحقوق المدنية و غرامات مالية في حق 3 متهمين باختطاف و قتل تاجر العملة بقالمة يوم 29 نوفمبر 2012 ببلدية بوحمدان، و التخلص من جثته بدوار السبتي الواقع ببلدية مجاز عمار. المتهم الرئيسي (س.ع.ح) 53 سنة الذي التزم الصمت طيلة المحاكمة صدر في حقه حكم بالإعدام، و حكم على ابن أخيه أصغر المتهمين (س.ن) بـ15 سنة و على منفذ عملية الاستدراج و الاختطاف (ز.س) بـ10 سنوات.   
المحاكمة التي استمرت نحو 15 ساعة حضرها أكثر من 20 شاهدا و فريق دفاع مكون من كبار المحامين تخللتها نقاشات ساخنة، كشفت عن تفاصيل اختطاف و قتل تاجر العملة (ب.م) يوم 29 نوفمبر 2012 الذي تزامن مع إجراء الانتخابات المحلية التي استغلها الجناة لتنفيذ الخطة التي كانت تهدف إلى الحصول على فدية بقيمة 2 مليار سنتيم، في إطار مخطط إجرامي و ضعه المتهمان الرئيسيان (س.ع.ح) و شريكه (ز.س) لاختطاف رجال أعمال كبار بالمنطقة بينهم بن عمر صاحب المركبات الصناعية الغذائية الشهيرة و الحاج ظافري صاحب مصنع المشروبات الغازية و تجار عملة و ذهب.  
 و كانت بداية تلك العمليات اختطاف تاجر “دوفيز” صغير وقع بين أيدي المتهمين الرئيسيين و دفع الثمن غاليا بعد فشل مخطط تسليم الفدية، حيث تفطن أحد المتهمين المكلف بعملية الاستلام لتحركات رجال الأمن بالموقع المحدد و المتواجد قرب الفرع البلدي الحاج امبارك بمدينة قالمة، أين كانت زوجة الضحية وابنته و أقارب لهما ينتظرون قدوم الوسيط لأخذ الفدية التي انخفضت إلى 100 مليون سنتيم في نهاية المفاوضات الشاقة التي جرت داخل مزرعة محصنة قرب بلدية بوحمدان على بعد 35 كلم تقريبا غرب مدينة قالمة.  
المتهم الرئيسي كان يدير منتجعا سياحيا ومدبر الاختطاف كان يرأس فريق الأمن فيه
المتهم الرئيسي الذي كان يدير منتجع قصر هالة السياحي بمدينة قالمة و مشاريع أخرى داخل الوطن و خارجه، قبل تعرضه للإفلاس رفض المشي و الكلام أمام هيئة المحكمة و التزم الصمت متظاهرا بالجنون و ظل صامتا لا يتحرك طيلة المحاكمة، و قد حاول دفاعه تمرير طلب تأجيل المحاكمة و إجراء مزيد من الخبرات العقلية على موكله، لكن الهيئة الجنائية التي ترأسها القاضي المعروف عبد الجليل بن زبوشي  رفضت الطلب و أكدت بأن المتهم خضع لخبرتين طبيتين، و ثبت بأنه سليم و يتحمل مسؤوليته الجزائية و قادر على الخضوع للاستجواب كما فعل عند توقيفه قبل 3 سنوات، أين بدا متعاونا مع رجال التحقيق و اعترف بتفاصيل الجريمة من البداية إلى النهاية.  
و أمام إصرار المتهم على الصمت اضطرت المحكمة إلى قراءة تصريحاته عبر مراحل التحقيق و التي تورط و بشكل مباشر و صريح شريكه منفذ عملية الاختطاف (ز.س) البالغ من العمر نحو 47 سنة و الذي كان يرأس فريق الأمن بمنتجع قصر هالة و كان أيضا من المقربين إلى المتهم (س.ع.ح) حتى بعد تعرضه للإفلاس، و معه بداية بحثه عن فديات كبيرة لتعويض خسائره و العودة إلى عالم المال و الأعمال من جديد.
  القط  نفذ عملية الاستدراج و فشل في استلام الفدية
 و حسب وقائع المحاكمة فإن تاجر العملة قد جرى استدراجه من مدينة قالمة إلى مزرعة قرب بوحمدان حيث أوهمه المتهم الثاني المدعو «القط» بوجود مبلغ من العملة الصعبة هناك عند شخص يعرفه و تمكن من إقناعه بالذهاب معه، و عند الوصول تفاجأ الضحية بوجود شخص آخر هو صاحب المزرعة و منفذ عملية القتل الذي طلب منه فدية بملياري سنتيم لإطلاق سراحه، وبعد مفاوضات شاقة أقنعهم الضحية بأنه لا يوجد لديه سوى 100 مليون سنتيم، فطلبا منه الاتصال بزوجته لنقل المبلغ إلى مكان قرب الفرع البلدي الحاج أمبارك بمدينة قالمة ففعل و كان هذا أول اتصال له مع أهله بعد مرور ساعات على اختفائه و انقطاع الاتصال به.  
و في هذه الأثناء كان رجال الأمن يبحثون في كل مكان و يتعقبون مختطفين مفترضين بالتنسيق مع أهل الضحية الذي تمكن بذكاء من تمرير رسالة مشفرة إلى زوجته و أخبرها بأنه متواجد بمزرعة يحيط بها سور كبير يشبه خط برلين، لكنه لم يتمكن من تسمية المنطقة حيث سارع الجناة إلى نزع الهاتف منه و تحذيره من مغبة الكشف عن المزيد من التفاصيل، فاستسلم للأمر الواقع و تلقى أوامر بمعاودة الاتصال بزوجته حيث طلب منها هذه المرة تحضير المبلغ المالي و التوجه إلى الموقع المحدد للتسليم. و هنا أدرك الجميع من أقارب و رجال تحقيق بأن تاجر العملة قد تعرض للاختطاف و هو الآن يواجه وضعا خطيرا و معقدا و لابد من التحرك بسرعة لإنقاذه قبل فوات الأوان.  
جدار برلين و الخيط الأبيض مفتاح القبض على الجناة
و كانت كلمة «مزرعة يحيط بها سور كبير يشبه جدار برلين» مفتاح البحث عن الضحية الذي تبين من خلال كلامه بأنه تعرض للضرب المبرح و هو ما حدث بالفعل حيث تلقى ضربات عنيفة داخل المزرعة و نزفت منه دماء غزيرة، قبل تقييده و نقله على متن سيارة إلى دوار السبتي قرب بلدية مجاز عمار أين ترك هناك جثة هامدة عثر عليها أحد الرعاة في اليوم الموالي.            
المتهم الثاني (س.ن) البالغ 33 سنة قال للقضاة بأنه كان بعيدا عن مخطط الاختطاف، و قد تورط في القضية بسذاجة حيث صرح بأنه كان ببوحمدان يوم الوقائع عندما تلقى مكالمة هاتفية من عمه قبل المغرب يطلب منه القدوم إلى المزرعة لمساعدته في تشغيل محرك السيارة الذي رفض الدوران على غير العادة، فتوجه مباشرة إلى المزرعة لمساعدة عمه فسمع و رأى ما لم يكن يتوقعه، حيث وجد حسب تصريحاته أمام المحكمة رجلا يحتضر و الدماء في كل مكان و قال أنه  أصيب بالدهشة و الحيرة و عجز عن الكلام خوفا من انتقام عمه المعروف بالعنف فهو عنيد و متمرس في رياضة الكاراتي و الجيدو.  
دفع السيارة مسافة قصيرة حتى أقلع المحرك القوي و توجهت السيارة تحمل الضحية عبر الولائي 27 ليلا و بقي المتهم متكتما على الأمر معتقدا بأن القضية مجرد عراك بين عمه و شخص آخر في جلسة خمر كالمعتاد.  
في صباح اليوم الموالي عاد عمه إلى المزرعة و استدعاه من جديد لتنظيف إحدى الغرف من الدم و حرق ملابس الضحية و طمس كل الدلائل الجنائية، التي يمكن أن تقود رجال التحقيق إلى كشف الفاعلين بعد العثور على جثة الضحية الذي يكون قد فارق الحياة قبل وصوله إلى دوار السبتي.    
أصغر المتهمين لم يختطف و لم يقتل لكنه تكتم على الجريمة
و سأل القضاة أصغر المتهمين لماذا لم تخبر الدرك الوطني ببوحمدان عندما رأيت ما رأيت و سمعت ما سمعت، فسكت المتهم ثم أجاب بأنه لم يكن يدري بأن الأمر يتعلق بجريمة قتل نفذها عمه و شريكه إلى غاية إخباره بالحقيقة بعد نحو شهر من الواقعة، عندما توصل رجال التحقيق إلى مسرح الجريمة و معهم خيط الحذاء الأبيض الذي قيد به الضحية، و قد  بقيت قطعة منه لم تحترق خلف جدار برلين الذي مر من أمامه رجال الضبطية القضائية عدة مرات لكنهم لم يكونوا يتوقعون بأن رجل الأعمال المعروف (س.ع.ح) صاحب المزرعة قد يفعل هذا تحت تأثير الفقر و الحنين إلى زمن المال الوفير، الذي جعله ذات يوم سيدا على قومه قبل أن ينهار كل شيء و تنقلب الأوضاع رأسا على عقب و تنتهي مسيرة رجل الأعمال العنيد بجريمة اختطاف و قتل ألقت به في غياهب السجن.  
المتهم الثالث (ز.س) حاول إنكار التهم الموجهة إليه مدعوما من عشرات الشهود الذين جلبهم لتبرير تواجده بمدينة قالمة طيلة يوم الوقائع و أخرج أحد محاميه وثيقة من عدة صفحات فيها كل المكالمات التي أجراها في ذالك اليوم، و التي تشير حسب دفاعه بأنه لم يغادر المدينة حيث كان مكلفا بمراقبة مراكز الانتخابات ممثلا لأحد الأحزاب المشاركة في محليات 29 نوفمبر 2012.   
تصريحات المتهم الرئيسي قبل أن يتعرض للجنون المزعوم ورطته و حاصرته من كل الجهات و لم يجد منفذا يهرب منه بعد أن حملت عليه النيابة العامة، التي طالبت بتسليط عقوبة الإعدام على جميع المتهمين، كما حمل عليه  دفاع زوجة الضحية و أبنائها حيث خاض معركة مضنية لإقناع هيئة المحكمة بتورط المتهم رفقة الفاعلين الآخرين (س.ع.ح) و ابن أخيه (س.ن).  
و قد منحت الهيئة الجنائية المتهمين مهلة 8 أيام للطعن بالنقض في الأحكام الصادرة قبل أن تصبح سارية المفعول و تكتسب قوة الشيء المقضي فيه.  
فريد.غ  

الرجوع إلى الأعلى