تبهر المار أمامها بهندستها الإسلامية المميزة، وحديقتها الشاسعة المزينة بأشجار النخيل، و تجعله يتطلع لمعرفة ما تخفيه زخرفتها و أسوارها المتينة و نوافذها الصغيرة المقوسة، هي ثانوية أحمد باي التي كانت في بداية تأسيسها معهدا إسلاميا ليتم تحويلها لاحقا إلى مؤسسة للتعليم الأصلي، احتضنت أبناء الجزائر و قارتي إفريقيا و آسيا لسنوات ، و لا تزال تحافظ على جمالها الخارجي الجذاب الذي يزين سطح المنصورة، غير أن وضعها من الداخل مزر و يجعلك تتحسر لما آل إليه هذا الصرح العلمي و الإرث الإسلامي .
أسماء بوقرن

من معهد إسلامي ومؤسسة للتعليم الأصلي ..إلى ثانوية
شيدت ثانوية أحمد باي سنة 1971، في إطار إنشاء معاهد إسلامية بعدد من ولايات الوطن، و تعتبر هندستها نسخة لجل المعاهد المشيدة في تلك الفترة في كل من حسين داي بالعاصمة و البليدة و تلمسان و باتنة، و ظلت إلى غاية 1973 معهدا تابعا لوزارة  الأوقاف آنذاك، على غرار المعهد الإسلامي الموجود بساحة سي الحواس وسط مدينة قسنطينة، الذي حول إلى متوسطة تحمل حاليا اسم فاطمة الزهراء، و مراكز أخرى تابعة لها في  «البطحة» و «الروتيار» متخصصة في التجويد و القراءات و تستغل بعضها للمبيت و الإطعام،  نظرا للاكتظاظ الكبير الذي كان يشهده ، حسب طالبين سابقين بالمعهد اشتغلا به لاحقا ، و هما  محمد جبار أستاذ فلسفة سابق بالثانوية ، بالإضافة إلى  أحمد . ب مراقب عام سابق.
بعد سنة 1973 تحول المعهد الإسلامي إلى مؤسسة التعليم الأصلي، بعد إدراجه من قبل الوزير مولود قاسم نايت بلقاسم الذي تولي آنذاك حقيبة وزارة التعليم الأصلي و الشؤون الدينية، فبرز نمطان من التعليم ، هما العام الذي يدرس في المؤسسات التعليمية العادية، و الأصلي الذي كان يدرس في المعاهد الإسلامية التي لم تعد مختصة في تدريس شؤون الدين و الشريعة الإسلامية ، بل تحولت لتدريس جميع المواد العلمية و الأدبية ، بالإضافة إلى مواد التفسير و التوحيد و أصول الدين و الفقه و تجويد القرآن و أحكامه كمواد تكميلية، كما قال الأستاذان جبار و  أحمد للنصر، مشيرين إلى أن عديد الدفعات التي ضمت طلبة من إفريقيا و آسيا،  تخرجت من المؤسسة التي كانت تعرف باحتضانها الجامعة الشعبية الليلية التي فتحت للأشخاص الذين توقفوا عن الدراسة و كانوا يطمحون لمتابعتها، حيث كانوا يدرسون ابتداء من الساعة السابعة ليلا و فتحت أمامهم آفاق الدخول إلى الجامعة بعد نيلهم للبكالوريا، فيما كانت تبث حصة أسبوعية من المؤسسة مباشرة على أمواج الإذاعة مخصصة للفتاوى و مختلف المواضيع الدينية و كذا ملتقيات الفكر الإسلامي آنذاك.
تم إدماج التعليمين الأصلي و العام ، حسب الأستاذ محمد جبار، في سنة 1978 بموجب مرسوم رئاسي ، فبرز  التعليم الموحد، و هو  تابع لوزارة التربية الوطنية،  و قد أكدت لنا من جهتها مديرة ثانوية أحمد باي السيدة مونية مريمش،  أن الإدماج الفعلي  للتعليمين الأصلي و العام كان في سنة 1989 ، و قد حملت المؤسسة اسم ثانوية أحمد باي يوم  27 فيفري 1980 ، و هو ما أكدته الوثائق التي اطلعنا عليها بأرشيف المؤسسة.
تلاميذ من آسيا و إفريقيا مروا من هنا

هذا الصرح العلمي و الإرث الثقافي الذي تقدر طاقة استيعابه ب 1100 تلميذ ، كان متميزا باستقطابه لتلاميذ من مختلف ربوع الوطن، فالسجلات التي اطلعنا عليها ، تؤكد دراسة تلاميذ من سطيف و عنابة و بجاية و تيبازة و مستغانم و غيرها من الولايات به، حيث كان من أفضل المعاهد الموجودة آنذاك، كما درس به،  كما قال لنا الأستاذان جبار و أحمد،  أساتذة من المشرق العربي، خاصة من العراق و كانوا مختصين في تدريس الشريعة الإسلامية، فيما تميز السوريون بتدريس الرياضيات،  و كان هناك أستاذ من إريتيريا يدعى أحمد إدريس عبدو، و هو شخصية معروفة لأنه مؤلف و مفتي،  كما تعلم بها تلاميذ من بوركينافاسو التي كانت تسمى آنذاك « فولطا العليا» ، و النيجر و مالي و الصومال و تايلندا و ذلك لشهرتها الكبيرة.
تحفة إسلامية لم تستفد من التهيئة منذ تأسيسها
ثانوية أحمد باي المتربعة على مساحة 21 ألف متر مربع، و المتكونة من ثلاثة طوابق لا تزال تحظى بشهرة كبيرة في قسنطينة و خارجها،  ليس لكونها المؤسسة الوحيدة التي درست التعليم الأصلي، و إنما لهندستها المعمارية الإسلامية ، التي أبدع المهندس المعماري الخبير لدى المحاكم عبد الرحمن بوشامة في تصميمها،  فهي تعكس  أصالتنا و تاريخنا ، و تقف شامخة في سطح المنصورة التي زادتها  جمالا و روعة بلونها البني،  و تزين نوافذها و سقفها زخارف إسلامية جميلة، و تتربع بها حديقة تبلغ مساحتها 19218 متر مربع، غنية بالأشجار المثمرة و مختلف أنواع الورود، و كذا أشجار النخيل الواقفة بمدخلها و الموزعة على طول رواقها الرئيسي الذي يربط البوابة الرئيسية بمدخل البناية ، ما يزيد حماس زائرها لولوج هذا الصرح .
 من تتاح له اليوم الفرصة للتجول بين أروقة  و حجرات الثانوية ، يصطدم بالوضع المزري الذي آلت إليه ، حيث وجدنا أعمدتها الأساسية متشققة بشكل كبير و كذا أسقف حجراتها و جدرانها ، خاصة قاعة الاجتماعات التي بدت في وضع كارثي، بعد انهيار جزء من سقفها ما جعل إدارة المؤسسة تضع طاولات دون كراس، حتى لا يجلس الأساتذة .
الوضع مشابه في باقي حجرات الثانوية، ما جعل المديرة تقرر  غلق عدد من الأقسام، خوفا من  حدوث ما لا يحمد عقباه، و قد احتج الأساتذة  في  الشتاء المنصرم، بسبب التسربات والتشققات في الجدران و مشاكل الكتامة التي شهدتها المؤسسة ، و أشارت مديرة المؤسسة إلى أن وزير الداخلية الحالي نور الدين بدوي عندما كان واليا لقسنطينة، زار الثانوية و وقف على وضعها الكارثي،  و وعد بتخصيص غلاف مالي بقيمة 15 مليار سنتيم لتهيئتها ، إلا أن الوعد لم يجسد بعد تحويله.
مخطوطات و كتب كبار علماء الدين مهددة بالتلف

توجهنا إلى قاعة الأرشيف للإطلاع على ما تكتنزه المؤسسة من وثائق و أسرار، خاصة و أنها شهدت فترات انتقالية مهمة، و كانت برفقتنا مديرة المؤسسة مونية مريمش و المقتصدة ،  إلا أننا وجدنا صعوبة كبيرة في البحث ، لأن كل الوثائق جمعت في علب كارتونية كبيرة جدا و متراصة، بالإضافة إلى  كمية الغبار المتراكم و رائحة المواد الكيميائية المنبعثة من بعض الأنابيب و الوسائل البيداغوجية التي كانت تستعمل في شرح دروس الفيزياء في فترة ما.  
لم نتمكن من فتح العلب ، لكن عمال المؤسسة ساعدونا في استخراج كتب و مجلدات و مخطوطات ، فوجدنا كتبا دينية لكبار علماء الدين و مخطوطات قيمة تعود إلى قرون خلت، غير أن وضعية بعضها مزرية، و أوراقها بدأت تتساقط من بينها كتاب « تفسير القرآن العظيم و السبع المثانى « لمحمد زهري النجار و هو أحد علماء الأزهر، و آخر للعالم الشيخ إسماعيل حقي البروسوي و آخر للإمام غزالي بعنوان « إحياء علوم الدين» ، و غيرهم من العلماء، و وجدنا مخطوطات و لم نتمكن من معرفة هوية من كتبها،لأن  الأوراق الأمامية غير موجودة ، فيما حاولنا تصفح بعض الملفات المتعلقة بتلاميذ و أساتذة درسوا هناك، علنا نجد بعض المعلومات التي تثري استطلاعنا إلا أننا لم نستطع.
قالت لنا مديرة المؤسسة بأنها قدمت طلبا بتحويل الأرشيف المتعلق بكتب الدين و الشريعة إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ليستفيد منها طلبة التخصص، عوض أن تبقى مهملة و غير مستغلة ، إلا أن طلبها قوبل بالرفض، فيما لاحظنا عند زيارة المكتبة التي تحتوي على 9826 كتابا ، منها أكثر من 19 ألف كتاب باللغات الأجنبية ، تخصيص جزء منها للكتب الدينية المختلفة و مذكرات تخرج في تخصصات عديدة، و قالت لنا مسؤولة المكتبة أن هذه المراجع تستغل من قبل التلاميذ، في المطالعة داخل المكتبة في أوقات الراحة أو للاستعارة .
أ / ب

الرجوع إلى الأعلى