الكسكسي الجزائري يقتحم السوق العالمية وينافس مغاربيا
بدأ الكسكسي الجزائري يلج السوق العالمية بعد اقتحام مصانع لعدد من الدول الأجنبية وفرض سمعة جعلت الطلب على ما ينتج في بلادنا يتزايد، في وقت ساهم مهرجان دولي ينظم بالعاصمة في التعريف بهذا الطبق الذي يعد جزءا من تاريخ وحاضر الجزائر ويتعدى الحاجة الغذائية إلى عادة اجتماعية وثقافية تقول الكثير عن الجزائر.
فقد أكد مصنعون ومختصون التقتهم النصر على هامش الطبعة الثانية من الصالون الدولي الذي اختتم منذ أيام، أن الكسكسي المحلي أصبح ينافس المغربي والتونسي بل وأصبح لديه زبائن لا يرضون بغير “ الطعام”   كما تعرف طباخون عالميون على أكثر من مئة طبق تقليدي أساسه  ما تجود به أيادي الجزائريات من “ الفتيل” ، وهو ما سمح بإخراج الكسكسي الجزائري إلى العالم، لكن يبقى الجمع بين الصناعة والطرق التقليدية للإعداد حلقة مفقودة، بعد أن تخلت النساء عن هذه العادة وتحاشتها المصانع بسبب التكلفة.     
 فقد فتح المهرجان الدولي للكسكسي المقام منذ أيام بالجزائر العاصمة، ملف صناعة الكسكسي الجزائري الأصيل، في ظل متغيرات فرضت على أغلب “الحرائر” تطليق “الفتيل” و تعويض كسكسي البيت بكسكسي مصانع تتنافس اليوم من أجل فرض منتوجها في السوق المحلي قبل العالمي.
فتحت ضغوط متطلبات الحياة العصرية، السرعة في كل شيء ، و وجدت الكثير من العائلات الجزائرية نفسها  مرغمة على مواكبة التحولات و التطورات التي طالت  حتى الأغذية، و منها طبق الكسكسي التقليدي أو “النعمة” و “البربوشة “في الشرق الجزائري و “الطعام” في منطقة الوسط ، هذا الطبق الذي، و إن كان لا يزال سلطان الموائد الجزائرية من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب، بأزيد من 111 طبقا  ، إلا أن طريقة تحضيره تغيرت 180 درجة ، عبر أغلب ربوع الوطن، و بات الكسكسي الذي يباع في المتاجر أكثر رواجا، مما تجود به أيادي النسوة.
“الفتيل” عادة اجتماعية تخلّت عنها العائلات
لطالما اقترن مصطلح الكسكسي لدى العائلات الجزائرية بتلك اللمة للقريبات و الجارات، اللائي يجتمعن دوريا بالبيوت، ليساعدن بعضهن البعض في تحضير كمية كبيرة من الكسكسي لجمع المؤنة “العولة” الخاصة بعام بأكمله، بالاعتماد على التحضير اليدوي التقليدي باستعمال الغرابيل “السياير” بأنواعها مثل “السقاط  “، “المعاودي”، “الدقاق “.. و هي كفيلة مع مهارة الحرائر، بتحضير أجود أنواع الكسكسي ، سواء تعلق الأمر بالكسكسي الأبيض أو “المغلوث” أو كسكسي البلوط و غيره.
خالتي دليلة واحدة من النسوة اللائي لا يزلن يتمسكن بالفتيل، قالت للنصر، بأن أغلب جاراتها و نساء عائلتها،  توقفن عن ممارسته، و بتن يفضلن كسكسي  المصانع على الكسكسي المفتول يدويا، لتجنب التعب الناتج عن هذه العملية، و الارباك الذي تخلف .
و أكدت خالتي دليلة، ابنة ولاية قسنطينة، بأنها لا تزال “تفتل النعمة”، كما في السابق، لأن الكسكسي أهم جزء في “عولة” بيتها، كما اتخذت من “الفتيل” مصدر رزق من خلال تحضير كميات من الكسكسي تلبية لطلبيات بعض العائلات التي و إن توقفت عن هذا النشاط، إلا أنها لا تزال تفضل استهلاك الكسكسي المعد يدويا.
أما نجود ذات الأربعين عاما ، المنحدرة من منطقة شلغوم العيد بولاية ميلة، فقالت لنا بأنها و بعد تزايد حاجتها للمال، قررت التخصص في تحضير الكسكسي يدويا، لأجل توفير دخل إضافي لعائلتها يضمن تغطية تكاليف الحياة التي ارتفعت، مضيفة بأنها كانت تساعد والدتها في تحضيره في البيت كجزء من “العولة”، غير أن هذه الصنعة مكنتها اليوم من مساعدة نفسها،  دون حاجة لطلب المال من الناس.
بينما تحدثت خالتي زهية بمرارة عن عادة “التويزة “  في تحضير الكسكسي التي طواها النسيان ، و عادت بذاكرتها إلى أيام خلت عندما كانت نساء العائلة و الجارات يجتمعن في بيت واحد ، و هن يتبادلن أطراف الحديث تارة و يغنين تارة أخرى، ليجدن أنفسهن قد تمكن من تحضير كميات كبيرة تتراوح بين 25 إلى 50 كلغ من الكسكسي قبل انقضاء المساء في أجواء عائلية يملؤها المرح و السرور و البركة في الوقت و في الطعام المحضر، على حد تعبيرها، و أضافت خالتي زهية بأن تدهور صحتها، يمنعها من هذا النشاط  اليوم، مما حتم عليها شراء ما تحتاجه من هذه المادة الضرورية من سيدة تحضره بنفسها ببيتها و تبيعه.
طلقت أغلب نساء الجزائر اليوم، ما عدا  القليلات خاصة اللائي يقمن بالقرى “الفتيل”، و استغنين عن كسكسي البيت و عوضنه بكسكسي المحلات الذي يعرف انتشارا واسعا بعلامات تجارية مختلفة، سهلت مهمة ربات البيوت ممن يرغبن في تحضير هذه الوجبة التي لا تزال الأولى في مختلف المناسبات و في يوم الجمعة ، وكذا في بقية الأيام، قالت لنا فريدة بأن توفر أنواع مختلفة من الكسكسي المصنع بجودة عالية ، جعلها تستغني عن الكسكسي اليدوي الأصلي، فهي تحصل عليه بسهولة و في أي وقت شاءت، مثلما أكدت.

صناعة الكسكسي يدويا التي تعرف بأنها من أصعب النشاطات و الحرف التقليدية، تشير المعطيات إلى أن نساء و فتيات هذا العصر ينفرن من تعلمها ، و نادرا ما تجد ربة بيت شابة تجيدها،  كما استخلصنا من النساء اللائي تحدثنا إليهن بعديد مدن شرق و وسط البلاد، لكن في القرى و المداشر، لا تزال الأمهات يحرصن على تعليم بناتهن الفتيل، فالسيدة نجود تؤكد بأن ابنة شقيقتها الطالبة الجامعية، تساعد والدتها في العملية، مؤكدة بأن الكسكسي الذي تعده من أجود أنواع الكسكسي الذي ترغب النسوة في شرائه، غير أن بنات المدينة، كما أكدت، يعد الفتيل آخر اهتماماتهن و يرفضن تعلمه، بحجة أن أمهاتهن لا يمارسنه أصلا.
الآلات تعوّض حرائر “الفتيل”
قبل عقدين أو أكثر، لم نكن نسمع بكسكسي المصانع، و كان اقتناؤه أو التحدث عنه بمثابة عار في جبين النساء، لأن ممارسة الفتيل من الثوابت بالنسبة للجميع، غير أن المعطيات و تطورات العصر فرضت على أغلب العائلات الجزائرية التخلي عن الكسكسي المفتول يدويا، و استبدلته بماركات و أنواع مختلفة تتزايد في السوق الوطنية اليوم، بأسعار منخفضة نسبيا ، في متناول الجميع ، ما جعل عديد ربات البيوت يخترن الأسهل .
بالمقابل لا تزال الكثير من سيدات الشرق الجزائري و الأوراس تفضلن الكسكسي اليدوي، و إن كن لا يقمن بتحضيره بأنفسهن، بل يقمن بشرائه من نساء تحترفن الصنعة، في حين سجلنا الإقبال الكبير بمنطقة الوسط الجزائري،  خاصة العاصمة ، على كسكسي المحلات الجاهز لسهولة استعماله، و بتن يتفنن في إعداده بطرق مختلفة، بغض النظر عن مراحل تحضيره، فالمهم النتيجة، كما قالت لنا بعض النساء. السيدة آمال مثلا، قالت لنا بأن والدتها ذات 78 عاما، أصبحت مثلها تقتني كسكسي المحلات، بدل الذي يتم تحضيره يدويا، مؤكدة بأنها الثقافة الرائجة اليوم في العاصمة، في حين التحضير اليدوي انقرض كليا هناك، حسبها.    

المدير العام لشركة “جيبيور” رضا بن حمادي
نصّدر الكسكسي الرفيع إلى سبعة بلدان أجنبية
قال المدير العام لشركة جيبيور التي تنتج “كسكسي إكسترا” ببرج بوعريريج، بأن فتح مصانع كبيرة بمختلف ولايات الوطن، زاد من إنتاج الكسكسي، مضيفا بأن إنتاج الشركة التي يسيرها يغطي كامل التراب الوطني، مع التصدير لنحو 7 دول أجنبية، مؤكدا بأن “كسكسي إكسترا”، كما يدل اسمه، من أجود الأنواع، بفضل معدات جد متطورة ساهمت في تحسين نوعيته.
في حديثه للنصر، ذكر المسؤول بأن مصانع العجائن ، ساهمت في الترويج للكسكسي الجزائري و إيصاله إلى دول أجنبية كثيرة، فشركة جيبيور مثلا، تصدر هذه المادة الغذائية نحو 7 دول أجنبية ، من بينها دول إفريقية و مغاربية مثل ليبيا و موريتانيا، و أخرى أوروبية، على غرار فرنسا و كندا، مضيفا بأن الشركة تستعد لتوسيع استيراده إلى ثلاث دول أخرى قريبا، مشددا بأن الكسكسي الجزائري ينافس اليوم الكسكسي المغربي و التونسي في أوروبا، و أصبح لشركته زبائن خاصين هناك، لا يستغنون عن “كسكس إكسترا”، و لا يستبدلونه بأي ماركة أخرى.
بالنسبة لمراحل إعداد الكسكسي في المصنع، أوضح المتحدث بأنها تختلف عن الطريقة التقليدية، و تعتمد على معدات جد متطورة ذات تقنيات حديثة، مضيفا بأنه لا يمكن للشركة الاعتماد على تحضير هذا النوع من العجائن بالطريقة التقليدية ، نظرا لصعوبتها و عدم قدرتها على توفير كميات كبيرة يمكن تسويقها محليا أو دوليا، خاصة و أن ما تنتجه المصانع تضاهي جودته الكسكسي المفتول يدويا، كما أكد.

 منظمة المهرجان الدولي للكسكسي شهرزاد عيواز
المهرجان أوصل الكسكسي الجزائري إلى العالمية
قالت السيدة شهرزاد عيواز، صاحبة مؤسسة “شهرا بروجكت” ، المنظمة الرئيسية للمهرجان الدولي للكسكسي الذي احتضنه قصر الثقافة مفدي زكريا بالجزائر العاصمة من 4 إلى7 فيفري الجاري، بأن الكسكسي الجزائري بدأ يجد مكانته في مختلف دول العالم.
و أوضحت بأن تنظيم طبعتين من مهرجان الكسكسي و مشاركة عدة دول في فعاليتهما ، فتح المجال أمام تسويق الكسكسي الجزائري نحو مختلف دول العالم، فقد كان له صدى واسعا و لقي اهتماما كبيرا من طرف أشهر الطهاة و المطاعم العالمية.بغض النظر عن طريقة تحضيره يدويا أو آليا، فإن طرق إعداده و إخراجه في شكل أطباق جزائرية، أبهر المتخصصين خلال المنافسة التي يراهن منظموها على تحقيق هدفها الأساسي و هو إخراج الكسكسي الجزائري من المحلية إلى العالمية.  
إ.زياري

   

الرجوع إلى الأعلى