تحدثت أستاذات وباحثات في ندوة النصر، على هامش يوم دراسي حول المرأة والحراك، نظمته الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية بالمركز الثقافي العربي بن مهيدي بالعاصمة، عن مشاركة المرأة في الحراك الشعبي، و ثمنت الباحثات في هذه الندوة ، مشاركة المرأة من أجل تحقيق التغيير السياسي، مؤكدات أن الأنفاس الثورية لدى المرأة الجزائرية ليست جديدة، بل التاريخ يقدم قائمة من النساء الجزائريات اللائي وقفن ضد الظلم والاستبداد و الاستعمار، كما دعت المشاركات إلى تفعيل أكثر لدور المرأة في هذا الحراك، خاصة تواجدها في بلاطوهات التحليل السياسي، وتقديم الحلول وصناعة القرار السياسي للبلد.
إعداد : نورالدين عراب

الأستاذة زتيلي خديجة
مشاركة المرأة في الحراك إيجابية وتبشر بمستقبل زاهر
ترى أستاذة الفلسفة بجامعة الجزائر 02 الدكتورة خديجة زتيلي،  أن مشاركة المرأة في الحراك الشعبي، إيجابية وفعالة وتبشر بمستقبل زاهر لحقوق الإنسان في الجزائر، وقالت إنها تنظر بعين التفاؤل لمشاركة المرأة في هذا الحراك، و تعتبر أن هناك نقلة نوعية، فالشارع قبل أعوام لم يكن بهذا الشكل، وخروج النساء في بعض المظاهرات كان باحتشام ، و كان هناك خوف وخجل، و ينظر إلى مشاركة المرأة على أنه خروج عن تقاليد، أو أصول معينة، لكن في حراك الجزائر الشعبي الذي دخل أسبوعه العاشر، أضافت المتحدثة، الأمور عكس ذلك، مشيرة إلى أنها شاركت في 05 مسيرات بالجزائر، و مسيرتين بساحة الجمهورية بفرنسا، أثناء تواجدها بباريس.
وتؤكد الأستاذة زتيلي بأن الحرية لا تؤخذ، والحلم لا يتحقق بين عشية وضحاها، لهذا فإن قبول المرأة في هذا الحراك وهذا الانسجام الموجود مع أخيها الرجل في الشارع، يبشر ، حسبها ، بمستقبل زاهر، كما دعت المتحدثة ، إلى ضرورة فتح مشاركة المرأة في صناعة القرار جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، و يجب أن يكون لها وجود في المؤسسات التشريعية، لأننا نحتاج الآن، حسبها، إلى تغيير قوانين أيضا و تغيير ذهنية، وهذا لا يحصل بين عشية و ضحاها.
أما بخصوص غياب المرأة في عمليات التحليل وتقديم الحلول التي تطرح عبر وسائل الإعلام المختلفة، أوضحت المتحدثة بأن الأمر يرجع إلى مسألتين الأولى أن المجتمع لا يزال ذكوريا، ولا نستطيع الهروب من هذه الحقيقة، و المسألة الثانية هي تواطؤ المرأة، في بعض الأحيان ، ضد نفسها، فهي تعتبر في بعض الحالات، أن مكانها في البيت و الإنجاب فقط، و أضافت زتيلي بأنها لا ترى تعارضا في أن تكون المرأة أما، و في نفس الوقت مناضلة و أستاذة.

أستاذة فلسفة الفن والجمال حبيبة محمدي
بلاطوهات التحليل السياسي تحوّلت إلى صفة رجالية  
أستاذة فلسفة الفن و الجمال بجامعة الجزائر 02 حبيبة محمدي، تطرقت إلى غياب المرأة منذ انطلاق الحراك عن بلاطوهات التحليل التي تنظمها وسائل الإعلام، و جميع الضيوف المحليين في هذه البلاطوهات من الرجال، وهو ما يخالف، حسبها، سمعة المرأة الجزائرية الثائرة  المتحررة، سليلة جميلة بوحيرد و أخريات، و هناك جميلات جديدات مناضلات، كما قالت، بالقلم والفكرة والإبداع.
ودعت محمدي الإعلام إلى تسليط الضوء  أكثر على دور المرأة، وعلى المرأة في نفس الوقت أن تسعى لتكون متواجدة أكثر  في الإعلام، ولا يكون تواجدها منحصرا على الشارع  فقط.
وقالت المتحدثة أن المرأة لا تشارك بالطعام والزغاريد فقط، فهناك بلاطوهات فيها تحليل للواقع، وعلى المرأة أن تكون متواجدة فيها لتقدم أفكارها، مشيرة إلى أنها غيبت وتغيبت في نفس الوقت عن هذه البلاطوهات.
لقد غيبت لكون المجتمع ذكوري وطغيان الرجال  كإعلاميين ومحللين، كما ذكرت، وكأن التحليل السياسي صفة رجالية، و بذلك ساهم المجتمع في تغييبها، وفي نفس الوقت تكتفي المرأة ،حسبها، بالمشي في المسيرات  فقط أو لا تخرج من البيت، كما تمنت محمدي أن يكون للمرأة دور أكثر بروزا وتفعيلا، سواء من المجتمع أو منها.
من جانب آخر أشارت الأستاذة محمدي، إلى أنها شاركت في ندوة المرأة والحراك بمداخلة حول  «مقاربة لمفهوم الثورة فلسفيا وتجلياتها على الحراك الشعبي من منظور أنثوي»، و قدمت في هذه المداخلة تساؤلات دون أن تقدم إجابات لها.
و أوضحت بأن الثورة هي شوق لتغيير وضع، وهي انتقال من الفكرة وتحاول أن تدخلها في التجربة التاريخية، مبرزة بأن كل المفاهيم الفلسفية  حول الثورة تنعكس على دورة المرأة في المجتمع، ليس لأنها أنثى تعامل بوضعها مواطنة من الدرجة الثانية، كما لا يمكن أن تبنى المطالبة بالحرية والديمقراطية في مجتمع نصفه مستعبد، وقضية المرأة، حسبها ، هي قضية الرجل الثوري، لأنها في النهاية هي قضية الإنسان ضد قوى الاستلاب  و القهر و الظلم.
في سياق آخر، دعت المتحدثة إلى ضرورة مشاركة المرأة  والنضال إلى جانب الرجل، وقالت بأن مشاركة المرأة لحد الآن في الحراك، يمكن أن يكون أكثر من هذا، مقارنة  بسمعتها التاريخية، مضيفة أن المرأة كانت متواجدة في بداية الحراك، لكن تواجدها أصبح باهتا ، لأن تواجدها  يجب ألا تقتصر على بعض الوجوه السياسية فقط، بل تملك الجزائر من الأستاذات الجامعيات والوجوه الثقافية والمبدعة الكثيرات اللائي يمكنهن أن يقدمن الكثير.   

طالبة الدكتوراه في تخصص الفلسفة فايزة بغياني
المرأة تخلت عن حقوقها وتوجهت للدفاع عن حرية و كرامة الوطن
طالبة الدكتوراه في تخصص الفلسفة بجامعة الجزائر 02 فايزة بغياني، قالت للنصر، أن المرأة الجزائرية تخلت عن الدفاع عن حقوقها، وتوجهت للدفاع عن حرية الوطن وكرامته في الحراك الشعبي.
و أضافت أن خصوصية المرأة الجزائرية في هذا الحراك، أنها لم تسع إلى الدفاع عن حريتها وحقها في المساواة أمام الرجل، بل ذهبت للدفاع عن حرية و كرامة هذا الوطن، و سارت جنبا إلى جنب مع الرجل منذ عهد الثورة، كما أن هذه الأنفاس الثورية لدى المرأة ليست جديدة، حسبها، بل هي ميزة المرأة الجزائرية.
وأشارت المتحدثة إلى أن التاريخ قدم لنا عدة شهادات حية لنساء امتلكن من القوة والشجاعة والمهارة لصنع مصيرهن بأيديهن، فاستحققن لقب ملكات حاكمات أو نساء مقاتلات، وذكرت منهن الملكة زنوبيا، والكاهنة الأمازيغية، ومن النساء المقاتلات  تقول أنها لا تجد مثالا أفضل من بطلات حرب التحرير الجزائرية، وعلى رأسهن لالة فاطمة نسومر، حسيبة بن بوعلي، وغيرهن من النساء اللائي امتلكن مصيرهن بأيديهن، و كان لهن دور مهم في تغيير المشهد السياسي والاجتماعي للجزائر لترميم هويتنا المنكسرة، بسبب التخلف و الاستعمار والانغلاق على الذات.
و أضافت بغياني أن المرأة سارت في الحراك جنبا إلى جنب مع الرجل، و لم تنتظر الاعتراف بها للخروج إلى الحراك، بل اعترفت هي بنفسها و الآخر، الرجل، فهو أيضا اعترف بحقها في السير معه، لأن هذه القضية هي قضية مصير، و رغبة في إحداث تغيير جذري ضمن المشهد الاجتماعي الجزائري، وأشارت إلى أن شعار» يتنحاو قاع» الذي يمثل، حسبها، رغبة لإحداث قطيعة مع النظام القديم وهو نظام لا نستطيع  أن نصفه حتى بالاستبدادي أو الديكتاتوري لأن الدول الديكتاتورية، حسبها، كانت تضع قوانينها الدكتاتورية و تحترمها.
أما النظام الذي كان سائدا في الجزائر طيلة 20 سنة، لا يمكن أن نصفه بالنظام الديكتاتوري، حسبها، لأنه كان يعمل وفق قانون غير مقنن، مهنته الوحيدة هي السرقة المادية و المعنوية، وسرقة ابتسامة شباب وشابات الجزائر، على حد تعبيرها .
أما بخصوص غياب المرأة في تحليل الوضع السائد عبر وسائل الإعلام المختلفة، أوضحت الطالبة بغياني، أن الأمر لا يزال في البداية وهذه الأفكار تحتاج إلى تحيين ونضج لنتمكن من التعبير عنها.   

الأستاذة نورة شملال
الجزائرية قدمت في الحراك صورة راقية وحضارية للعالم
قالت أستاذة الفلسفة الغربية المعاصرة بجامعة الجزائر02 نورة شملال، أن المرأة الجزائرية قدمت في الحراك صورة راقية، جمالية و حضارية للعالم، وأضافت بأن المرأة تناضل بصدق وتخرج و تضحي، كما صنعت صورة جميلة عن التضامن بين الناس.
و أضافت أن موضوع المرأة والحراك هام جدا، و قضية المرأة مثل القضايا المهمة التي في كل مرة تطرح نفسها في كل ظرف تاريخي ومنعرج هام، مؤكدة أنها ترى أن قضية المرأة هي قضية ضرورية ولا بد من مناقشتها، خاصة وهي موجودة بقوة في هذا الحراك الذي يجسد طموح المرأة وتضحياتها وبطولاتها وقناعاتها ، وهي تتواجد في هذا الحراك.
وتتمنى المرأة، حسبها، أن تترجم الطموحات المتمثلة في حق المواطنة الفعلية وضمان الحريات الأساسية، حتى تخرج من فكرة المواطنة إلى مواطنة فعلية، كما تتمنى المرأة ،حسب نفس المتحدثة، أن تصل إلى الجزائر الجديدة، جزائر الحريات، وجزائر المواطنة الفعلية، لأن وجود المرأة وحق المواطنة الفعلية ، هو أساس التنمية في الوطن، كما ترى بأن المرأة ليست نصف المجتمع، بل هي أساسه.
و تتساءل الأستاذة شملال ،كبقية النساء اللائي خرجن في الحراك،  إذا كان فعلا يحقق جزائر الحريات والمواطنة، وكيف تضمن المرأة حقها وتتمكن من إبعاد الصراعات الإيديولوجية والدينية، وتبني دولة حديثة، هي دولة المواطنة الفعلية خارج كل تمييز جنسي أو طبقي أو إيديولوجي، مؤكدة على ضرورة تجاوز كل هذه الصراعات، في حين يطرح سؤال نفسه ،حسبها ، إذا كان هذا الحراك يمكن أن يضمن ما تتمناه المرأة ، أم يثير مرة أخرى صراعا وجدلا ويعيدنا إلى نقطة البداية.
من جانب آخر قسمت المتحدثة مشاركة المرأة في الحراك، إلى أربع فئات، الأولى هي فئة الرموز الثورية، ورموز حرب التحرير، ووجدت بأن هذه الرموز قد خرجت  إلى الحراك، لأن المرأة تتمنى مرة أخرى أن تعيش وتناضل من أجل استقلال الجزائر، لأنها ناضلت من قبل من أجل جزائر ديمقراطية، وجزائر العدالة والحقوق، لكن ذلك لم يحدث، و كأنها خرجت مرة أخرى لتنادي بما ضحت من أجله.
أما الفئة الثانية فهي فئة الأمهات اللائي عشن العشرية السوداء، و أصبحن يطالبن بحق أبنائهن المفقودين والضحايا، كما وجدت ضمن هذه الفئة أمهات فقدنا أبناءهن في البحار، وهذه الآلام والمأساة والمعاناة هي التي أخرجت هذه الفئة، لتأمل بأن تجد علاجا أو دواء يسكن هذه الآلام كلها، كما أنها تأمل في مستقبل أفضل.
أما الفئة الثالثة فهي فئة النخبة الواعية، و ليس شرطا أن تكون من حاملي الشهادات، لكنها فئة واعية بما خرجت من أجله، و تضم هذه الفئة الأستاذات، الطالبات، المحاميات الإعلاميات، القاضيات، و الطبيبات، بمعنى كل الشرائح التي تتمتع بوعي، وهي تأمل بجزائر جديدة، جزائر تكون فيها المرأة حرة لا تختلف عن أخيها الرجل في الحقوق والواجبات وفي التنمية وصنع القرار السياسي الحاسم لهذا الوطن.
أما الفئة الرابعة،  حسب المتحدثة، فهي فئة النساء اللواتي خرجن للتجول و التنزه و التقاط « السيلفي» ، باعتبار أنهن وجدن في ذلك فرصة للتخلص من القهر والكبت والهيمنة، بمعنى أنهن وجدن في الحراك فضاء للحياة والأمل.
و أضافت المتحدثة بأن قيمة هذا الحراك بوجود  كل هذه الفئات التي أجمعت على أمل واحد، وهو أنها تريد أن تتغير الجزائر، و تصبح جزائر الأمل، وجزائر الحياة و التنمية. وتأمل الأستاذة شملال أن تمر الجزائر في هذه المرحلة بسلام،  لتدخل في مستقبل التنمية ومستقبل الجزائر التي يحبها الجميع ،و لا يملكون وطنا غيرها.
    ن ع

الرجوع إلى الأعلى