لم يتصور ابن جيجل محمد الأمين خلوفي، بأن رحلته السياحية إلى تركيا، ستقوده إلى الجحيم، فيتحول من “سائح شرعي”، إلى مهاجر غير شرعي “حراق”، و يتعرض لكل أصناف التعذيب الوحشي على يد الجيش اليوناني،  بمركز حجز المهاجرين بطريقة غير شرعية، ليعود إلى وطنه مؤخرا بجروح و كسور و ندوب في مختلف أنحاء جسده و روحه.

النصر توجهت إلى بلدية أولاد يحيى خدروش، حيث يقيم الشاب محمد الأمين مع عائلته المتكونة من عشرة إخوة، هو أصغرهم، فوجدنا في استقبالنا شقيقه خالد الذي قادنا إلى المنزل العائلي المتواضع المليء بأفراد العائلة الكبيرة الذين قدموا للاطمئنان على شقيقه .
كان محمد الأمين، البالغ من العمر 27 عاما، في حالة يرثى لها من الإرهاق ، و كان ذراعه و ساقه ملفوفين بالضمادات، و أخبرنا بأنه عاد من رحلته الجهنمية قبل ساعات معدودة فقط، و بأنه كان يعمل سائقا لآلية يملكها أحد الخواص، و ظروفه المادية كانت متوسطة، قبل أن تراوده فكرة السفر.
و أضاف المتحدث بأنه كان يحلم دائما بزيارة البلدان الأجنبية، و فكر مرارا في الهجرة، لكن ظروفه لم تكن مواتية آنذاك. و عندما تمكن مؤخرا من جمع مبلغ مالي معتبر ، قرر القيام برحلة سياحية إلى الخارج ، و  اختار تركيا و كله أمل في اكتشاف معالمها و مناظرها الساحرة و عادات و تقاليد سكانها، و قام بالإجراءات اللازمة للحصول على التأشيرة  و الحجز.
شابان جزائريان دفعاني إلى الحرقة
في  09 مارس الجاري، تحقق حلمه أخيرا، و سافر إلى  تركيا، و هناك تعرف على شابين جزائريين، تمكنا من إقناعه بالهجرة غير الشرعية، من تركيا إلى اليونان، ثم إلى مختلف البلدان الأوروبية. و قال محمد بهذا الخصوص “ في البداية ترددت، لكنهما أكدا لي بأن المغامرة سهلة، و بأن الخطوات الأولى فقط متعبة، ثم نستمتع بعد ذلك بالراحة و الاستقرار، و بعد أخذ ورد ، قررت خوض  المغامرة معهم، و توجهنا إلى الحدود اليونانية، وتحديدا إلى مدينة “أديرنة”، غادرنا وسط تركيا عند الساعة العاشرة ليلا، و وصلنا في حدود الساعة الثانية صباحا إلى المكان المتفق عليه، لنواصل السير على الأقدام لمدة أربع ساعات ، إلى أن وصلنا إلى السياج الفاصل بين تركيا و اليونان، فاخترقناه..”
  توقف محمد عن الحديث للحظات ، و كان الألم جليا على ملامحه، ثم قال “مشينا لمدة يوم كامل وسط الحقول، و تجنبنا الأماكن الآهلة بالسكان، حتى لا يتم التبليغ عنا، كانت الأمطار غزيرة ، و من الصعب السير في التربة المبللة، ما جعلنا نتوجه إلى الطريق المعبد، و بعد أن قطعنا حوالي 5 كيلومترات، تم التبليغ عنا، قدمت سيارة بعد دقائق، و نزل منها شخصان، و قالا لنا باللغة الإنجليزية “لا يوجد أي مشكل، اطمئنوا”، ثم قاما باقتيادنا إلى مركز لتجميع المهاجرين بطريقة غير شرعية”.
و أردف محمد بأنه في لحظة القبض عليه رفقة مرافقيه، كان خائفا كثيرا، لكنه كان مطمئنا أيضا، اعتقادا منه بأنهم سيعاملون بطريقة عادية، و يتم إرجاعهم للحدود التركية أو الاتصال بالسفارة، بعد إكمال التحقيق معهم.
أكثر من 40 شخصا في مركز تجميع الحراقة
و تابع “ عندما تم نقلنا إلى المركز، تم تجريدنا من جميع الوثائق و الأشياء التي نملكها، و تم تفتيشنا بدقة، و قضينا عدة ساعات دون أن يتحدث إلينا أحد . تصوروا لأكثر من 20 ساعة لم يتم تقديم لنا وجبة طعام أو شربة ماء. و خلال تواجدنا هناك ، لاحظت أن حوالي  40 شخصا، بينهم جزائريون و سوريون، كانوا داخل زنزانة. الوضعية كانت كارثية داخل المركز، أفرشة بالية، و روائح كريهة تنبعث من كل مكان. و هيمنت علي فكرة العودة إلى الديار، و العائلة، فأنستني الجوع و العطش. و كان لمرور الوقت معنى آخر هناك . لم أكن أتصور يوما بأنني سأضطر لشرب الماء من حنفية المرحاض، لكن بمرور الوقت ، أنهكنا الجوع و العطش”.
و أخبرنا المتحدث بأنه و مرافقيه طلبوا الأكل و الشراب من الحراس مرارا، عبر الكاميرا الموجودة بالزنزانة، و بشكل مباشر، لكن دون جدوى، مضيفا “قمت بالاحتجاج بطريقة سلمية، طلبت من الحارس مجددا تقديم الطعام لنا، فاقترب منا ، و أشار بيده بأنه سيعود، و بعد دقائق، تم إطفاء النور بالقاعة التي كنا متواجدين بها و كذا كاميرا المراقبة، و دخل فجأة، و صوب إلينا الغاز المسيل للدموع”.
ضرب و تعذيب بالماء و الكهرباء و الحديد


و ذكر محمد بأنه تم إخراجه من القاعة رفقة الشابين الجزائريين، من قبل جنود، و شرعوا في ضربهم و تعذيبهم ، باستعمال بالغاز، الكهرباء، و الأوتاد الحديدية، لمدة فاقت الساعتين، ما تسبب في إصابته بكسور بذراعه  و ساقه، ليتم بعد ذلك نقل جميع المتواجدين بالقاعة على متن شاحنة إلى مكان آخر، في حين تم نقلهم على متن شاحنة عسكرية إلى ضفاف نهر بمنطقة إيزير، ثم أرغموا على ركوب قارب مطاطي، في محاولة لإرجاعهم بطريقة غير قانونية إلى الحدود التركية عبر النهر.
و ظل هؤلاء الجنود يراقبون الجيش التركي، إلى أن اكتشف جنود أتراك الأمر، فشرعوا في إطلاق رصاصات تحذيرية عليهم، عنذئذ ألقى العسكريون اليونانيون بهم وسط النهر، رغم علمهم بأنهم مصابون بجروح و كسور ، و لا يستطيعون السباحة بسهولة .
اليونانيون ألقوا بنا في النهر
قال الشاب محمد الأمين” في تلك اللحظات، كل ما كنت أحس به، هو الألم وفقط، لا أتذكر جيدا تفاصيل حول ذلك المكان، لكن عندما ألقى بي الجنود في النهر استرجعت بعض قواي، كانت هبة من الله، فسبحت و رفيقي إلى غاية ضفاف النهر، و فجأة وصل أفراد من الجيش التركي، فنقلونا بعيدا عن النهر، و كانت معاملتهم لنا جيدة تنم عن أخلاق عالية ، ليتم بعد ذلك نقلنا إلى أقرب مستشفى ، حيث  تلقينا الإسعافات اللازمة ، و بعد بضع ساعات، تم نقلنا إلى مركز لتجميع المهاجرين غير الشرعيين. عنذئذ اتصل رفيقي، بمواطن تركي يعرفه، فاصطحبنا إلى منزله، صدقوني لم أتصور بأنني سأستيقظ  من ذلك الكابوس، و تنتهي معاناتي “.
و أضاف المتحدث بأنه تواصل مع شقيقه صالح عبر موقع التواصل فايسبوك، و أخبره بما حدث له، ثم توجه إلى السفارة الجزائرية في تركيا، فطلب منه القائمون عليها، تصريح بضياع جواز سفره من الشرطة التركية، لكنها رفضت و طلبت منه تحديد المتسبب أو الحصول على شهادة تثبت من قام بضربه و الاعتداء عليه، و من جهته رفض المستشفى تقديم الشهادة له، و ذكر المتحدث بأنه وجد صعوبة كبيرة في الحصول على الوثائق.
تواصل بعد ذلك الشاب مع البرلمانية فايزة بوحامة التي كانت في قائمة أصدقائه في موقع فايسبوك، فأخبرها بما وقع له، و أرسل لها الصور، فتدخلت و طلبت الإسراع في معالجة قضيته، بعد أن طلبت وثائق من شقيقه، و هكذا تم الاتصال بمسؤولين في وزارة الخارجية، للتكفل بالوثائق و إرسالها إلى السفارة الجزائرية بتركيا، و قال محمد “ بصراحة وقوف البرلمانية إلى جانبي و مساندتها لي ، هو السبب الرئيسي في عودتي إلى أرض الوطن، و لولاها لكنت الآن بتركيا أبحث عن حلول ، عدت مساء الجمعة الماضي و مكثت في مستشفى محمد الصديق بن يحي بجيجل، للتكفل بحالتي الصحية “.
أطالب كمواطن بسيط  برد الاعتبار لي
و أكد المتحدث بأنه في الوقت الراهن، يلتمس من السلطات الجزائرية و منظمات حقوق الإنسان، رد الاعتبار له، كونه تعرض لمعاملة غير إنسانية من قبل الجيش اليوناني، بالرغم من أنه تعامل في إطار أخلاقي معهم، مضيفا بأن طلبه بسيط لكنه يحمل أبعادا إنسانية، يجب أن تحترم، فهو على حد تعبيره “مجرد مواطن بسيط، مهما كان الخطأ الذي ارتكبه ، يفترض التعامل معه في إطار القوانين”.
ودعا المتحدث، الشباب الذي يفكر في الهجرة  بطريقة غير شرعية “ الحرقة” إلى التريث و التفكير بجدية، و أخذ العبرة منه ، كونه تعرض لتعامل غير أخلاقي، و عاش مغامرة صعبة في بلاد أجنبية، و شدد بأن العيش وسط العائلة رغم الظروف الاجتماعية الصعبة، أفضل من المغامرة و المخاطرة بالحياة.
وقد عبرت والدة محمد الأمين عن مدى سعادتها لرجوع فلذة كبدها، مؤكدة بأنها لم تنم طيلة الأيام الماضية، خصوصا بعدما علمت بما حدث له في اليونان، و قد كانت تتضرع بالدعاء لله عز وجل من أجل أن يرجع أصغر أبنائها إلى حضنها، أما شقيقه صالح، فأشار بأنه لم ينم منذ علم بما تعرض له شقيقه، و حاول جاهدا تقديم الدعم اللازم له ، و اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنقاذه.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى