بين قاعات الدراسة في معهد زرزارة بجامعة قسنطينة، يوجد باب صغير يمكنك أن تلج من خلاله إلى عالم الابتكار و الاختراع، الذي أسس له مجموعة من الطلبة بإنشاء ناد للروبوتيك، بإمكانيات بسيطة لم تقف حاجزا أمام طموحهم الكبير في  تطوير الاقتصاد الوطني و دفع عجلة الصناعة،  من خلال توسيع مجال البحث في النادي. بفضل اتفاقيات تكوين مع مؤسسات صناعية نجح هؤلاء الشباب في كسب ثقة مسيريها و دفعهم لاتخاذ قرار الاستثمار في طاقاتهم و تحويل أفكارهم الى مشاريع، بعدما أثبتوا كفاءتهم عن طريق حلول عملية ناجعة قدموها لعديد المشاكل الصناعية.
من 2014 إلى 2019 الحلم يتواصل
 حلم إنشاء النادي ولد سنة 2014، حيث أسس له طلبة سابقون في الجامعة، و سعوا جاهدين لإعطائه طابعا إداريا عن طريق الترخيص لإنشائه من قبل مديرية الخدمات الجامعية التي أقرت لصالحه ميزانية محدودة، لم تكن كافية لتوسيع النشاط، لذلك ظل المشروع محدود الأفق، إذ لم يكن عدد أعضائه في البداية يتعدى 5 إلى 10 طلبة، لكن العدد أخذ في الارتفاع بمرور السنوات، فبداية من سنة2017، أعاد طلبة أقسام الماستر تخصص الأوتوماتيك بكلية الإلكترونيك، بعث النادي من جديد، و تمكنوا من رفع عدد أعضائه إلى 40 عضوا من عديد التخصصات ، على غرار الإلكترونيك و تكنولوجيا الاتصال و الهندسة الطبية و العلوم التكنولوجية، و الإعلام الآلي، كما يحظى النادي باهتمام طلبة التخصصات الأدبية.
النصر، قضت صبيحة كاملة مع طلبة النادي، صابوني بدر الدين ، بلهادف إسلام، قنز أيمن، دراجي محمد الأمين، بلقشي محمد، بولمرقة شراف، بومعراف عبد الناصر، بولسان مهدي، ياسر إبراهيم و أيوب بومعراف، وحاولت التقرب منهم لفهم طبيعة نشاطهم، إذ علمنا منهم بأن ما يقومون به يعد جانبا من التكوين التطبيقي، و نوعا من الممارسة الفعلية لما يتعلمونه في المناهج البيداغوجية، حيث يحاولون من خلال العمل على نماذج علمية ملموسة، تقديم صورة واضحة لباقي الطلبة عن مفهوم دراسة الأوتوماتيك في الجامعة، وعن طبيعة النشاط المهني الذي يفترض للطالب بهذا التخصص، ممارسته في المستقبل.
« سيرف بوت» الروبوت النادل في خدمتكم
في مشغلهم البسيط، لا يكتفي الطلبة بالمحاولة، بل يعملون بجد لاختراع روبوتات عملية جاهزة للاستغلال و موجهة لخدمة أهداف معينة، وهو أمر يتطلب منهم، كما قالوا، الكثير من الوقت و الجهد، لدرجة أنهم كثيرا ما يطلبون من إدارة الكلية رخصة للمبيت في المخبر أو التأخر في مغادرته ليلا، خصوصا و أن الحصول على النموذج النهائي لفكرة الاختراع، قد يتطلب أزيد من شهر و نصف من العمل الدؤوب، بداية بضبط الفكرة و انتهاء بانجاز عديد النماذج التجريبية  الأولية.
من بين المشاريع العلمية الناجحة و المبتكرة التي عرضها علينا الطلبة، شد انتباهنا روبوت آلي  يشبه إلى حد بعيد النموذج الذي نراه عادة في الأفلام، وهو عبارة عن رجل آلي يحمل تسمية « سيرف بوت»، ذلك نسبة إلى طبيعة وظيفته، فهو نادل آلي موجه لخدمة زبائن المطاعم، صمم هيكله و ضبطت برمجياته لأداء هذه الوظيفة تحديدا.
هناك أيضا  نموذج آخر، لآلي يعمل كراصد للطاقة الشمسية يتحرك على عدة محاور، ما يمكنه، كما قال الطالب صابوني بدر الدين، صاحب المشروع، من امتصاص أكبر قدر من الطاقة، عكس الألواح العادية المعروفة التي تعد ثابتة أو تتحرك على محور واحد، ما يحد من مردوديتها و يتسبب في خسارتها لـحوالي 33 بالمئة من الطاقة.
 و تتوفر الورشة بالإضافة إلى ما ذكر، على العديد من الابتكارات الموجهة للتنافس و لخدمة أغراض علمية أو صناعية معينة، كلها أنجزت من طرف الطلبة بإمكانيات جد بسيطة.
  محدودية التمويل وطلبة يبيتون في المخبر
 مضيفونا، أكدوا بأن ما ينجزونه يعتبر جزء يسيرا جدا مما يمكنهم فعلا العمل عليه، غير أن إمكانياتهم تبقى محدودة و تحد بدورها قدرتهم على الابتكار، فالعديد من القطع الأساسية لإنجاز الروبوتات أو  النماذج العلمية الأخرى غير متوفرة بشكل كبير في السوق، كما أن أسعارها تعد مرهقة لميزانيتهم كطلبة جامعيين، خصوصا في ظل محدودية التمويل الذي تقدمه مديرية الخدمات الجامعية للنادي، فأسعار بعض المحركات تقدر بـألفين و 200  دج إلى 3آلاف دج، أما المولدات و الدارات الإلكترونية فتكلف ما يعادل 4 آلاف دج للقطعة الواحدة، ناهيك عن كون أبسط تفصيل في النموذج العلمي أو الروبوت يعد مكلفا بالنسبة إليهم، فسعر العجلة الواحدة مثلا لا يقل عن ألف دج.
مع ذلك يؤكد الطلبة بأن الأمر لم يثنهم عن النشاط ، خصوصا في ظل وجود تشجيع دائم معنوي و مادي من قبل الأساتذة المؤطرين و المشرفين على المخبر.
أفكار أعادت الثقة بين الصناعيين و الجامعة
لا يقتصر نشاط الطلبة على المشاركة في المنافسات الوطنية و الدولية للاختراع، على غرار مسابقة «سمارت إيديا» و «يوروبوت» و غيرها، بل يتسع ليشمل أيضا المجال الصناعي، وهو أمر تحدث عنه الطلبة بإسهاب و أكده الأستاذ المشرف على ناديهم يخلف عامر، مشيرا إلى أن عمل طلبة النادي يندرج في إطار تشجيع البحث العلمي، كما يعد تكوينا تكميليا يغطي الجانب التقني للدراسة،  ناهيك عن أن هذا العمل يعتبر جسرا لتعزيز الشراكة بين الجامعة و الصناعيين ، وفرصة لفتح باب التكوين للطلبة داخل المؤسسات الاقتصادية، حيث يتم حاليا، كما قال، العمل على مشاريع بحثية، بالتعاون مع مصانع تعرض على الطلبة مشاكل تطوير معينة، يلتزمون هم بإيجاد حلول لها عن طريق تحويلها إلى مواضيع بحثية لمذكرات تخرجهم، وهو الأمر الذي يسمح، حسبه، بتوسيع آفاق تمويل النشاطات العلمية، سواء من خلال برامج التكوين التي تقرها الشركات لصالح الطلبة، أو من خلال حث الجامعة على ضخ رصيد إضافي في ميزانية النادي تشجيعا له، خصوصا و أن الجانب المادي يعد العائق الوحيد أمام تطويره.  ومن بين المشاريع التي يتم العمل عليها،  مشروع مع شركة الإلكترونيات «ستريم سسيستام»، لإنجاز جهاز اختبار أوتوماتيكي، كان قبل سنة مجرد فكرة، كما عبر الأستاذ يخلف، لكن نجاعتها، شجعت الشركة على تبنيها و تخصيص غلاف مالي بملايير  الدينارات لتحويل هذه الفكرة  إلى مشروع حقيقي.و هناك مشروع آخر  يتعلق بتطوير  بساط  لنقل الأمتعة على مستوى مطار قسنطينة، وهو مشروع سيتم تعميمه مستقبلا على باقي مطارات الوطن، كما كشف عنه المتحدث، مضيفا بأن  العديد من الشراكات الاقتصادية العلمية انطلقت و لم تستمر،  منها ما جسد على أرض الواقع، على غرار مشاريع مع شركة نافطال و شركة النقل بالسكة الحديدية، و عديد المؤسسات الناشطة في المجال الصيدلاني .
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى