الخياطون عجزوا عن تلبية طلبات زبائنهم المتزايدة
و جدنا الحرفي رشيد بخوش، جالسا خلف آلة الخياطة، في  ورشته  المتخصصة في الخياطة  الآلية للقشابية، الكائن في شارع  العربي  بن مهيدي، وسط مدينة عين مليلة، و يديه و رجليه لا تتوقفان ، عن الحركة، في  نوع  من السباق مع الزمن ، وكأنه  يقول  لنا الوقت عملة الحرفيين والتجار، و هو يشهد على اندثار صناعة القشابية التقليدية في منطقته، و كذا الخياطة اليدوية، فاختفى بذلك عالم من المعدات و الوسائل  التقليدية، التي تدخل في صناعتها و كذا نشاطات حرفية كالنول و غزل  الصوف و  نسجه ، على الرغم من الطلب الكبير على هذا اللباس التقليدي الذي عاد  المواطنون لارتدائه، على اختلاف أعمارهم ووظائفهم، في نوع من الحنين إلى زي الأجداد.
كثرة الطلب جعلت الحرفين بالرغم من ارتفاع عددهم  في  المدينة  يعجزون،  عن تلبية حاجة الزبائن، لهذا اللباس التقليدي ، على الرغم من سعره الذي يتراوح ما بين 1.9 مليون سنتيم  و17 مليون سنتيم  للقطعة الواحدة، هذا ما وقفنا عليه مؤخرا، فقد لاحظنا كثرة المحلات المتخصصة في ذات الحرفة في أزقة و أنهج عاصمة  قطع الغيار عين مليلة، و انهماك أصحابها وراء، آلات الخياطة، لا يبرحون مقاعدهم، مما جعلها القشابية  تفقد  طابعها التقليدي، بعد أن عوضت الماكنة الآلية، الخياط  و مساعده و اختفت معهما الإبرة و خيوط الحرير، في نوع من السباق مع الزمن، قبل أن ينقضي فصل البرد، فيعصف الركود بحرفتهم.
الحرفي  رشيد بخوش قال أن الطلبيات التي لديه تغطي الموسم، والطلبيات الجديدة لن يتمكن من تلبيتها قبل شهرين.
محدثنا تأسف لأن محترفي صنع القشابية على الطريقة اليدوية التقليدية انقرضوا في منطقته، فلم يعد للنول مكانا في بيوت الشاوية، ولا للمشط  والمغزل،  ودقات الخلالة على المنسج، لرصن خيوط الصوف الطبيعية صوت في البيوت، التي تحولت إلى قصور تفنن أصحابها في بنائها في نوع من التنافس بينهم ، وملأت زواياها الآلات المستوردة من كل بقاع الدنيا.
بخصوص سؤالنا عن مصدر قماش القشابية رد رشيد، بأنه يجلبه من الصحراء، و بوسعادة، ومنطقة أولاد نايل، على اختلاف الخيوط المستعملة  بين الصوف والوبر، ومختلف أنواع الخيوط الطبيعية، مما يجعل سعرها يصل الملايين و فاجأنا بأعلاها سعرا، و الذي يصل 17 مليون سنتيم،  وكل زبون يختار ما يناسبه حسب قدرته المالية. رشيد يخيط إلى جانب القشابية، البرنوس بكل أنواعه وأشكاله ولون صوفه، بين الأبيض والأسود، والوبري وهو الأغلى ثمنا.
و تحسر لاندثار الحرفة التقليدية، و بعض من أراد العودة إليها، لم يتمكن من اقتناء الأدوات التي تدخل في حياكة الصوف، و ذكر بأن أحد الحرفيين طلب منه، كل ما يخص النول، ووعده بتلبية طلبه من بوسعادة  جراء زوالها تماما من المنطقة، حسبه.
عن زبائنه يقول خياط القشابية، بأنهم من كل فئات المجتمع،  بكل شرائحها العمرية ،فهم من التجار، و الموظفين، و الفلاحين، و المستوردين، فالعودة إلى القشابية  تحولت إلى صرعة في الموضة، خلال السنوات الأخيرة، و كذا شكلا من أشكال التمسك بالهوية.
وبعد جولتنا في عين مليلة ، اتجهنا إلى المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ ،و الإنسان والتاريخ، فرع عين مليلة ، فتحدثنا إلى الباحث و أستاذ أنثروبولوجيا التنمية في جامعة قسنطينة فوزي مجمج حول موضوع  العودة إلى القشابية، فأوضح بأن القشابية لباس تقليدي مفعم بالرمزية، الدالة على الانتماء  و الهوية.
 فالجزائري بعد الاستقلال سارع  إلى  نبذ كل ما هو تقليدي، فرأينا  في السبعينات مثلا، انبهارا باللباس الغربي، الذي كان يمثل آنذاك التطور والحضارة، بالمقابل كان كل من يرتدي القشابية يعد رجعيا، ومتخلفا. ومع مرور الوقت و احتدام الصراع حول موضوع   الهوية و الانتماء، ودخول الجزائر في فترات مظلمة، عادت بعض الأشياء  المادية والمعنوية ، التي تمثل التراث القديم إلى الواجهة، لكن هذه المرة بنظرة جديدة، تحمل الحنين للتمسك بالذات، والموروث الثقافي، الذي  حمل الخصوصية،  في كوننا جزائريين و شاوية أمازيغ، في هذه المنطقة من البلاد، وقد تكون العولمة الطاغية اليوم،  هي الدافع الرئيس لهذه العودة الكبيرة  للجزائري لعاداته و تقاليده، فهذا السلوك جاء كرد فعل  ثقافي يرفض الذوبان في  الثقافات الأخرى».                   
ص.رضوان

الرجوع إلى الأعلى