اعتبر القائد السابق للمنتخب الوطني لكرة اليد عبد الغاني لوكيل تراجع «اليد» الجزائرية، من العواقب الحتمية للسياسة المنتهجة على مستوى النوادي، والتي تتجاهل التكوين، مقابل تركيز الاهتمام على الأكابر فقط، وأكد بأن تسطير المربع الذهبي كهدف من مشاركة الخضر في دورات «الكان»، يبقى بمثابة الدليل القاطع على عدم قدرة المنتخب الوطني، على مواكبة الريتم القوي الذي أعطاه منتخب مصر وتونس قاريا.

حــاوره: صالح فرطــاس

لوكيل الذي يشرف حاليا على تدريب أولمبيك عنابة، تحدث للنصر في هذا الحوار عن العودة التدريجية لليد العنابية إلى الواجهة وطنيا، بنفض الغبار عن جزء من أمجاد مدرسة «الصلب»، كما عرج على مستقبل المنافسة، وأبدى تأييده المبدئي لفكرة تعليق المنافسة.
- نستهل هذه الدردشة بالاستفسار عن كيفية تعاملكم مع هذا الظرف الخاص؟
منذ اتخاذ قرار توقيف المنافسات الرياضية، أصبح العمل الميداني عبارة عن حلول ترقيعية فقط، وذلك بإجبار اللاعبين على التدرب على انفراد، بنية المحافظة على اللياقة البدنية، اعتمادا الركض وبعض التمارين الخاصة بالمرونة، رغم أن كرة اليد تحتاج إلى تدريبات خاصة، لأن العمل بالكرة أمر ضروري، كما أن التدريبات الجماعية تعد مفتاح النجاح في تجسيد البرنامج المسطر، فضلا عن بلوغ مرحلة الروتين، من خلال عدم قدرة أي لاعب على مواصلة التدريبات على انفراد، مما يجعلنا نؤكد على أن الحديث عن تدريبات لاعبي كرة اليد في فترة توقف المنافسة، لن يخرج عن الجانب البدني، ودون خصوصية في العمل، وهذه ضرورة ملحمة أملتها الظروف الاستثنائية التي نتجت عن أزمة وبائية، كما أننا انخراطنا في العمل التوعوي والتحسيسي بصورة آلية، في محاولة لإقناع المواطنين بالالتزام بتدابير الحجر الصحي، وإجراءات الوقاية، إلا أن المظاهر التي تشهدها شوارع مدينة عنابة يوميا في الأيام الأخيرة يندى لها الجبين، وتبقى دليلا على عدم إدراك الأغلبية بالخطر الكبير الذي يشكله الفيروس على حياتهم، رغم أن ارتفاع الحصيلة بالولاية بشكل ملحوظ، لم يكن كافيا للرفع من درجة الوعي لدى المواطنين.
- نفهم من هذا الكلام بأن أندية كرة اليد لن تكون جاهزة لاستئناف المنافسة، إذا ما تقرر ذلك؟
الحديث عن مستقبل البطولة يبقى مقترنا بتطورات الوضعية الوبائية، مع ارتباط عودة المنافسة بتلقي ترخيص من السلطات العليا للبلاد، والحصيلة المسجلة حاليا تجعلنا نضع الأرواح البشرية في المقام الأول، لأنها أهم من أي نشاط، حتى لو اقتضى الأمر تعليق المنافسة نهائيا والإعلان عن موسم أبيض، لأن البطولة الوطنية لكرة اليد لم تبق من مرحلتها الأولى سوى جولة واحدة، قبل المرور إلى دورتي اللقب وتفادي السقوط، والاتحادية كانت لها جلسة عمل مع الوزارة لمناقشة هذا الموضوع، ولو أن تجاوز فترة التوقف مدة 50 يوما يبقي توقيف البطولة الخيار الأمثل في نظري، لأن الاستئناف يكون وفق جملة من الإجراءات، ويتطلب استفادة الأندية من فترة تحضير لا تقل عن 4 أسابيع، دون تجاهل التدابير الوقائية التي يجب مراعاتها، وكرة اليد تبقى من الرياضات التي تشهد احتكاكات جسمانية كبيرة بين اللاعبين، وهذا العامل لن يكون من السهل على أي طرف التأقلم معه، لأن المخاوف من انتقال العدوى ستلقي بظلالها على الجانب البسيكولوجي، رغم أن الاتحادية تعتزم عقد اجتماع استثنائي مع رؤساء الأندية وأهل الاختصاص، لمناقشة كل هذه الجوانب واتخاذ القرار المناسب بخصوص مستقبل المنافسة، وهذا كله بعد رفع الحجر الصحي.
- وماذا عن وضعية أولمبيك عنابة في البطولة، في ظل ميولك إلى خيار توقيف المنافسة نهائيا؟
كما سبق وأن قلت، فإن المرحلة الأولى من البطولة لم تتبق منها سوى جولة واحدة، وأولمبيك عنابة يتواجد حاليا ضمن كوكبة الأندية المرشحة للتنافس على اللقب، لأن التأهل إلى دورة «البلاي أوف» يمر عبر الفوز بالمقابلة المتبقية أمام نادي تاجنانت، وهو الهدف الذي كنا قد سطرناه مع الإدارة يتمثل في ضمان تواجد «لوما» في دورة اللقب، دون رفع عارضة الطموحات إلى غاية اعتلاء «البوديوم»، وعليه فإن تأييدي لفكرة توقيف المنافسة نهائيا هذا الموسم لا علاقة له بوضعية فريقنا في سلم الترتيب، بل مستمد من واقع نعيشه ميدانيا، لأن التدابير التي تم اتخاذها لتسيير الأزمة الوبائية في بلادنا، لم تحترم بالشكل المطلوب من طرف المواطنين، خاصة على مستوى الأماكن التجارية، مما حصر التفكير في كيفية التخلص من الفيروس، دون الانشغال بمستقبل المنافسات الرياضية.
- وهل لنا أن نعرف سر بروز نادي «الأولمبيك» بسرعة على الساحة الوطنية بعد غياب طويل لليد العنابية عن الواجهة؟
ليس هناك أي سر، لأن الجدية في العمل تبقى مفتاح النجاح، ونادي أولمبيك عنابة كان ظهوره على الساحة بأسس صحيحة، من خلال مشروع رياضي على المديين المتوسط والطويل، مع حرص الإدارة على توفير الظروف الكفيلة بتجسيد البرنامج المسطر، وهذا بالتنسيق مع كل الأطراف المباشرة، من لاعبين وطواقم فنية وطبية، وهو المشروع الرياضي الذي كانت خطواته الأولى ناجحة إلى حد بعيد، الأمر الذي جعل السلطات المحلية بالولاية تحتضنه، وتعمل على تقديم المساعدات للنادي، مما مكن «لوما» من البروز، وتحقيق الصعود إلى القسم الممتاز، وهذا بفضل تظافر جهود الجميع، لأن التصفيق لا يمكن أن يكون بيد واحدة، والنجاح في تحقيق الغاية المرجوة يبقى ثمرة عمل جماعي، وهذه القاعدة تعد المبدأ المعمول به في الفريق، خاصة بعد أن قررت اللجنة المسيرة وضع الثقة في طاقم فني من أبناء المدينة، لأنني أتواجد رفقة كل من هشام بودرالي ومدرب الحراس هشام فليجة على رأس العارضة الفنية، والخبرة الدولية لهذا الطاقم جعلت سياسة الفريق تميل أكثر إلى التكوين.
- لكن كرة اليد في عنابة استعادت القليل من شعبيتها بفضل هذا الفريق، أليس كذلك؟
هذا أمر لا نقاش فيه، والدليل على ذلك أن كل مبارياتنا بعنابة تجرى أمام مدرجات مكتظة عن آخرها، ونحظى بمؤازرة كبيرة من الأنصار، الذين اعتادوا في الحقيقة على تشجيع فريق كرة القدم، لكنهم لم يبخلوا علينا بتشجيعاتهم والوقوف إلى جانبنا، وهذا كله نتيجة نجاح الأولمبيك في الصعود إلى القسم الممتاز منذ موسمين، ولو أن هذا العامل يعطينا دفعا معنويا كبيرا، لأننا أصبحنا نمتلك قاعدة جماهيرية، فضلا عن استعادة البعض من ذكريات مدرسة صلب عنابة، التي كانت خزانا للمنتخبات الوطنية منذ سنوات طويلة، ونحن أبناء هذه «المدرسة»، وقد عمدنا إلى انتهاج سياسة تكوين، بالسعي للاستثمار في الطاقات الشابة التي نتوفر عليها، وتركيزنا هذا الموسم منصب أكثر على فئة أقل من 17 سنة، لأن هذا الفريق قادر على التألق وطنيا، في وجود بعض العناصر في المنتخب الوطني، كما أننا بالموازاة مع ذلك نعمل على انتهاج طريقة لعب مميزة خاصة بفريقنا.
- نعرج الآن على الحديث عن المنتخب الوطني، كيف تعلق على التراجع الملحوظ لليد الجزائرية في السنوات الأخيرة؟
الأكيد أن انعدام العمل القاعدي يحول دون ضمان استمرارية المنتخب في نفس «الديناميكية»، والجزائر تبقى غائبة عن الساحة القارية في المنافسات الخاصة بالفئات الشبانية، وهذا انعكاس صريح للواقع الذي تعيشه الأندية، لأن حصر الاهتمام في الأكابر وتهميش باقي الأصناف حال دون تكوين منتخبات قوية، مما جعل المنتخب الأول يتراجع من فترة لأخرى باعتزال اللاعبين تباعا، فضلا عن الحركية الكبيرة التي عرفتها العارضة الفنية للمنتخب الأول، لأن غياب الاستقرار يؤثر على أداء التشكيلة، بتغير أسلوب اللعب من مدرب لآخر، وعواقب هذه التراكمات أثرت على نتائج المنتخب الأول، الذي لم يعد قادرا على فرض أسلوب لعبه في المنافسات القارية.


- وهل يمكننا أن نتفاءل بعودة الكرة الصغيرة الجزائرية إلى سابق عهدها والتربع على العرش القاري؟
العمل القاعدي وانتهاج سياسة التكوين على أسس صحيحة كفيل بتجسيد هذا الحلم، لأن الجزائر تتوفر على طاقات واعدة، لكن عدم الاستثمار فيها بعقلانية حال دون تحقيق النتائج المرجوة، كما أن «ذهنيات» التسيير تغيرت، بطغيان الجانب المادي على الشق الرياضي، على العكس مما كان معمولا به في السابق، لأننا كنا نضع الألوان الوطنية فوق جميع الاعتبارات، رغم الفترة العصيبة التي كانت تعيشها بلادنا، وذكريات النهائيات الخمس المتتالية التي خضتها شخصيا في دورات «الكان» قد لا تكرر، لأن منتخبنا أصبح عاجزا عن تجاوز عقبة المربع الذهبي، بسبب السيطرة المشتركة بين تونس ومصر.
- ألا يعني هذا بأنك تتحسر كثيرا على الوضع الحالي للمنتخب مقارنة بالفترة التي قضيتها مع الخضر؟
جيلنا لم يكن بنفس درجة القوة التي كان فيها المنتخب الوطني في سنوات الثمانينات، عند احتكار التاج القاري، لكننا لم نتراجع إلى المستوى الحالي، حيث تقمصت الألوان الوطنية لمدة 14 سنة، وشاركت 7 مرات في دورات «الكان»، وخضنا خلالها النهائي في 5 مناسبات، لتبقى أحسن ذكرى في هذه المنافسة عودتنا باللقب من البنين في دورة 1996، بعد الفوز على تونس، ولو أننا خسرنا في تلك الفترة 3 نهائيات أخرى أمام نفس المنافس، كما أهدرنا اللقب في دورة 2000 ببلادنا، عند الانهزام في النهائي أمام مصر، بينما سجل الجيل الذي لعبت معه 5 مشاركات في المونديال، وقد نلنا شرف إهداء الجزائر أول فوز في تاريخ مشاركاتها في نهائيات كأس العالم، وكان ذلك في دورة إيسلندا 1995، بعد انتصارنا على الدانمارك بفارق إصابة واحدة، ثم أحرزنا فوزا ثانيا على اليابان، فنجحنا في بلوغ ثمن النهائي، وهي واحدة من أحسن الذكريات، رغم أننا كنا قد أدينا مشوارا أفضل في مونديال 2001 بفرنسا، لما فزنا في الدور الأول على كل من البرازيل والكويت، وتعادلنا مع الأرجنتين، إلا أن مغامرتنا توقفت في ثمن النهائي على يد مصر، فاحتلينا المركز 13 عالميا، ولو أن ذلك المنتخب كان في غالبيته مشكلا من لاعبي مولودية الجزائر، أمثال جمعة وعواشرية دون نسيان النجم المخضرم عمر عازب، وهذا الجيل مكن المولودية من إحراز 33 لقبا وطنيا بين البطولة والكأس والكثير من الألقاب القارية.
 ص. ف

الرجوع إلى الأعلى