يحذر أطباء و مختصون في علم النفس و علم الاجتماع من الآثار السلبية التي تخلفها الجائحة على المدى القريب و البعيد، سواء  في الجوانب العضوية الجسدية أو النفسية  و الاجتماعية، ما يستدعي التكفل و التأهيل، خاصة بالنسبة للمصابين بالفيروس، و ذلك بعد انتهاء فترة خضوعهم للعلاج و تعافيهم.
يؤكد المختصون أن الأزمة الوبائية ستغير بشكل كبير معالم المجتمع و العلاقات بين أفراده، وذلك بتكريس النزعة الفردية و العدوانية بسبب رهاب العدوى و الوصم الاجتماعي الذي قد يلاحق المرضى، ناهيك عن العجز الذي يمكن أن يخلفه الفيروس على عدد من أجهزة  الجسم، ما يتطلب التأهيل و تكثيف العلاج ، حسب حدة هذه الآثار، كما قال أطباء .
منيرة بحيطة مختصة في الطب الداخلي
التأهيل الرئوي إجباري للتخلص من الآثار الجانبية للفيروس

تؤكد المختصة في الطب الداخلي منيرة بحيطة حرم بوذراع ، ضرورة التأهيل الرئوي لكل شخص أصيب بفيروس كورونا و تمكن من الشفاء منه ، و ذلك من أجل التخلص من الآثار السلبية التي يتركها هذا الوباء  على المديين القصير و الطويل.
و أوضحت المختصة في حديث للنصر، إنه يصعب حصر و إحصاء هذه الآثار بسبب خطورة هذا الفيروس الذي يحصد يوميا أعدادا كبيرة من الإصابات و الوفيات ، و هو ما يتطلب رقابة على المدى الطويل لمعرفة ما ألحقه الفيروس من أضرار بجسم المصاب ، و منها ما يكون ظرفيا كالسعال و صعوبة التنفس التي تستمر  لأسابيع أو اشهر بعد الشفاء ،  و التي يمكن التعرف عليها من خلال إجراء بعض التحاليل الخاصة بالتنفس ،و التي تظهر خللا في عملية التنفس ، أو فقدان لحاستي الشم و التذوق ما بين 15 يوما أو أكثر،  و هذه الأعراض غالبا ما تكون عارضة  ، بالمقابل هناك أثار طويلة المدى و قد تبقى مع الشخص إلى نهاية حياته و تتعلق بالتهابات  حادة على مستوى الرئة أو ما يعرف بـ « التليف الرئوي» يحدثها الفيروس  ، إلى جانب بعض الأدوية المستعملة خلال فترة الإنعاش و كذا التهوية الاصطناعية داخل غرفة الإنعاش .
و تنصح المختصة كل مصاب بعد شفائه بضرورة التوجه  لطبيب مختص ، من أجل المتابعة  الطبية و معالجة هذه الآثار و التقليل من حدتها بإتباع  ما يسمى بنظام التأهيل الرئوي ، و المتمثلة  أساسا في التمارين الرياضية الدورية التي تساعد على علاج مشاكل ضيق التنفس باستخدام الدراجة و بعض  الأجهزة الرياضية  ، تحت متابعة الطبيب أو تقني في الصحة ،و يساعد هذا النظام على التقليل أو القضاء على مخلفات ما بعد كورونا.

نوال حنيدر مختصة في أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة
استرجاع حاستي الشم و الذوق بعد العلاج يتطلب أسابيع

ذكرت المختصة في أمراض و جراحة الأذن، الأنف و الحنجرة نوال حنيدر للنصر، إنه لا يوجد دليل علمي و طبي صريح اليوم بخصوص الشفاء كلية من فيروس كورونا و احتمال معاودة ظهوره لدى الأشخاص المصابين بعد الشفاء  ، لأن الوباء لم يفصح حسب قولها عن كل أعراضه فلا تزال كبرى المخابر العالمية تجري دراسات و تجارب يومية لمعرفة طبيعة هذا الوباء .
و عن الآثار التي يخلفها المرض بعد الشفاء،  فإنها تختلف حسب قولها حسب بنية كل جسم من خفيفة إلى متوسطة إلى حادة ، و أبرزها  فقدان حاستي الشم و الذوق التي ترافق المصاب منذ البداية و قد تستمر معه  بعد الشفاء ، ليبقى الأمر مرتبطا بمدة استرجاع هاتين الحاستين ، حيث أثبتت الدراسات العلمية و بعض ملاحظات الأطباء أن المدة تتراوح عادة لأيام و قد تمتد إلى عدة أسابيع ، أما ما يتعلق بإمكانية معاودة ظهور المرض كما تم تسجيله في بعض الدول على غرار الصين و اليابان و التي تطرح احتمالية عدم الشفاء كلية من المرض ، بينما تركز الدراسات الجارية حاليا حسب المختصة حول جهاز المناعة  المكتسبة من قبل المصابين ضد الفيروس ، حيث أظهرت الدراسة التي أجرتها مجلة « ميد سكايب» أنه بعد ثمانية أسابيع بعد الشفاء تباينت نسب وجود الأجسام المضادة  من شخص لآخر ، حيث بلغت النسبة 40 بالمائة عند حاملي الفيروس مع الأعراض ، فيما بلغت 13 بالمائة بالنسبة لحاملي الفيروس دون أعراض ، ما يعني تأثر جهاز المناعة بشكل ملاحظ بعد الإصابة بالمرض و تتواصل هذه الأعراض إلى ما بعد الشفاء ، و عموما فإن الدراسات لا تزال جارية من أجل الفصل في مسألة الشفاء تماما من المرض أو إمكانية معاودة الفيروس لنشاطه بعد مرحلة العلاج.
 عبد الله ذراع أستاذ في علم الاجتماع
كورونا ستترك أثارا اجتماعية خطيرة على المختصين البحث فيها بعمق
يرى الأستاذ عبد الله ذراع أن للوباء الكثير من الأعراض السلبية  الخطيرة  من بينها تعرّض معنويات ونفسيات قطاع واسع من أفراد المجتمع الجزائري للاهتزاز، ما يؤشر لمرحلة صعبة بعد نهاية هذه الجائحة على مستوى المنظومة السلوكية للجزائريين والعلاقات البينية فيما بينهم،  و يقول  أستاذ علم الاجتماع في حديث للنصر أنه حينما نتحدث عن المنظومة السلوكية هذه، فإننا نعني بوجه خاص طغيان ثقافة الخوف والهلع ما يسبب اختلالا في العلاقات الاجتماعية، و انعدام الثقة في النفس وفي الآخرين و الأخطر أن الآخرين هنا هم أفراد الأسرة الواحدة ـ الأهل و كذا الأقارب ـ الجيران ـ الأصدقاء ـ زملاء العمل...إلخ، و  من ثمة شيوع الإحساس بالتوتر والقلق والاكتئاب، وطغيان العدوانية نتيجة العزل الطويل.
إن هذه الاختلالات النفسية ناجمة بالأساس عن «فوبيا عدوى كورونا» التي لازمت المجتمع منذ ظهور هذه الجائحة، فالمريض لا يمكن لأحد الاقتراب منه خوفا من العدوى، ويظل الخوف قائما في النفس حتى بعد شفاء المريض، وهذا ما يؤدي إلى شيوع السلوكات غير السوية السالفة الذكر، وهذا مؤشر خطير على وضعية نفسية واجتماعية لن تكون صحية على الإطلاق في مرحلة ما بعد كورونا، ما يتطلب من العلماء والخبراء بذل الكثير من الجهود العلمية والأكاديمية للبحث في هذه المواضيع ومعالجة الاختلالات المتوقعة.
فالمصاب بوباء كورونا إذن، سيلاحقه ما يسميه علماء الاجتماع بالوصم الاجتماعي للمرض، بمعنى أنه سيظل منبوذا من المجتمع، وفاقدا للقدرة على إعادة نسج شبكة علاقاته الاجتماعية التي كان يتمتع بها من قبل، والخطير في هذا السياق، هو فقدانه التواصل والحميمية حتى مع أقرب مقربيه، من الأهل، الجيران، الأصدقاء وزملاء العمل، وهذا واقع معاش مع كثير من هؤلاء، حيث ظلوا وحيدين غير مرحب بهم في زيارتهم أو التواصل الجسدي معهم حتى بعد شفائهم نهائيا، ما يؤدي إلى مزيد من التفكك الاجتماعي وترهل النسيج الاجتماعي للمجتمع الجزائري، المعروف تاريخيا وثقافيا بالتماسك والتضامن والتعاون والترابط وحتى التراحم بالمفهوم الديني للكلمة، وهذا سيكرّس حتما طغيان الفردانية والأنانية، تفكك الأسرة كخلية أولى للمجتمع، زيادة وتيرة العنف الاجتماعي، زوال سلوكات التعاون والتكافل والتعاون وانحسار قيم التزاور والتراحم بين أفراد المجتمع الجزائري.

 الأخصائي النفساني ماليك دريد
 يجب إتباع بروتوكول علاجي نفسي  حديث  للقضاء على  مخلفات الجائحة

 أكد المختص في علم النفس ماليك دريد من مستشفى سطيف ، أن  لفيروس كورونا آثار وتداعيات نفسية على المدى القريب والبعيد ، فالتأثيرات والتداعيات النفسية ليست نفسها من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر ، حيث تختلف بحسب التركيبة النفسية لكل شخص ومدى قوة شخصيته ومناعته النفسية ومدى قدرته على التكيف مع الأحداث الصادمة ، بما فيها الإصابة بفيروس كورونا الذي قد يعاش كحدث صدمي لدى البعض باعتباره فيروسا قاتلا له تأثيرات خطيرة بالرغم من شفاء أغلب الحالات ، لكن الإشكال يكمن في المعلومات والمعطيات العلمية التي تكتشف في كل مرة حول الفيروس والتي قد تكون متناقضة أحيانا ، فمثلا عندما يسمع المريض معلومة تشير إلى أن المصاب عندما يشفى قد يصاب مرة ثانية ، وأن بعض المصابين من صغار السن تمكن الفيروس منهم بالرغم من تمتعهم بصحة جيدة وخلوهم من أمراض مزمنة، هذه المعلومات لاشك أن لها تأثيرات نفسية على المصاب حتى بعد شفائه التام ، فعندما يعيش المصاب المرض كحدث صدمي قد تظهر لديه أعراض تشبه أعراض اضطراب ما بعد الصدمة فيعاني من قلق و عزلة اجتماعية مع إحساس قوي بالخطر و التوتر، حتى في الحالات الآمنة، إضافة إلى اضطرابات  النوم كالأرق ،الكوابيس ، فقدان الشهية...، كما يلاحظ تزايد حالات العنف اللفظي والجسدي منذ بداية انتشار الوباء سواء داخل الأسرة الواحدة أو المجتمع ككل بسبب تداعيات الحجر الصحي. كما أن التداعيات الاقتصادية للفيروس والتي تسببت في فقدان الملايين من الأشخاص عبر العالم لوظائفهم ومصادر رزقهم لا شك أنها ستترك عواقب نفسية واجتماعية فقد يتزايد عدد المدمنين على المخدرات ، ومتعاطي الكحول والتدخين ، بل لا يستبعد حتى تسجيل حالات انتحار بسبب البطالة وعدم الاستقرار الاجتماعي. من المؤكد أن الآثار النفسية للفيروس ليست نفسها بالنسبة لجميع الناس فهناك فئات بدأت تظهر التداعيات النفسية للفيروس عليها بداية بالأطقم الصحية الموجودة في الصفوف الأولى حيث بدأت تعاني من آثار الاحتراق النفسي ، القلق والضغط النفسي وقلق الموت، حيث تستيقظ يوميا على أخبار فقدان زملاء في المهنة ، كما أن هناك فئة أخرى سيترك الفيروس أثاره النفسية عليها وهي فئة الأطفال بسبب تغيير نمط حياتهم وحرمانهم من هواياتهم السابقة ، دون نسيان فئة كبار السن والمتقاعدين والتي بعض أفرادها كان يعاني أصلا من توتر وقلق بسبب الفراغ والروتين حتى في الأيام العادية. إن التكفل النفسي بالأفراد أمر أكثر من ضروري في الوقت الحالي كإجراء وقائي ، إضافة إلى التكفل على المدى القريب والمتوسط ،حيث يجب وضع خطة وقائية وعلاجية مدروسة تشمل خاصة الفئات الأكثر تضررا من الناحية النفسية وتطبيق بروتوكول علاجي نفسي وفق التقنيات الحديثة في العلاج النفسي ، كالعلاج المعرفي السلوكي بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من رهاب المستشفيات بسبب الفيروس مثلا ،ومختلف تقنيات الاسترخاء وحتى العلاج الدوائي من طرف أطباء الأمراض العقلية إذا استلزم الأمر، خاصة في حالات الاكتئاب الحاد واضطرابات النوم .

هيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى