* مطالـب بإنـشاء نصـب تـذكاري ونقــل الـرفات   
عاد الحديث عن رفات شهداء بمغارة جبل السما، الكائنة بأعالي بلدية غبالة بجيجل، خلال رحلة استكشافية، نظمتها السلطات المحلية لبلدية غبالة و كذا بلدية حمالة بولاية ميلة، بمشاركة جمعية تواصل للسياحة و التنمية، إلى المغارة التي لا تزال تضم أزيد من 20 رفات شهيد ، مدفونة تحت الأنقاض، أو متناثرة بين أنفاق المغارة، وفق شهادات حية لثلاثة مجاهدين نجوا بأعجوبة من قصف الجيش الفرنسي للمنطقة في أواخر سنة 1957 ، إلى جانب بعض أبناء المنطقة الذين ما زالوا يتذكرون تلك العملية العسكرية، ما دفع سلطات بلديتي حمالة و غبالة بتوجيه نداء إلى السلطات العليا للبحث عن رفات الشهداء و جمعها و إعادة دفنها بمقبرة الشهداء.
النصر تلقت مؤخرا دعوة من السلطات المحلية لبلدية غبالة، من أجل المشاركة في رحلة استكشافية إلى مغارة جبل السما بأعالي البلدية، استقطبت جمعيات من ولاية ميلة تضم أبناء المنطقة، و حتى أبناء الشهداء الذين لا تزال رفاتهم بالمغارة.
إنطلاقة الرحلة كانت في حدود الساعة السابعة صباحا، باتجاه بلدية غبالة، حيث قطعنا مسافة 100 كلم، للوصول إلى أسفل الجبل الذي يصل علوه إلى حوالي 1400 متر، حسب أبناء المنطقة و السلطات المحلية.
هناك التقينا بالقادمين من ولاية ميلة، الذين انطلقوا في رحلتهم نحو المغارة، وسط طريق شبه غابي وطويل، ثم قرر المشاركون في الرحلة تسلق الصخور و الجبل لمسافة قصيرة.
قبل انطلاقنا، التقينا بمجموعة من النسوة رفقة رجل، فأخبرتنا إحداهن بأنها ابنة شهيد قدمت من حمالة في القافلة السياحية لزيارة المغارة، لكنها فضلت البقاء أسفل الجبل، بسبب صعوبة المسلك، و أكدت لنا بأنها تعشق جبال جيجل، لأن جلها كانت شاهدة على محطات تاريخية هامة خلال الاستعمار الفرنسي.
أكبر عائق واجهنا، هو تسلق جبل صخري، للوصول إلى قمة يزيد علوها عن 1200 متر، فسرنا وسط الصخور الصلبة التي تحيط بنا في كل مكان، و الأحراش، التي كانت جلها من النوع الشوكي، و كلما سرنا نحو الأعلى، زادت صعوبة الرحلة.
الحماس لرؤية المغارة، جعل الجميع يتحلون بالصبر و المثابرة، و يتحدثون عن بطولات شهداء المنطقة خلال الحقبة الاستعمارية، و يقارنون جيلهم بالأجيال الصاعدة، أثناء التنقل بين الجبال و المسالك الوعرة.
بعد مرور 40 دقيقة تقريبا، وصلنا إلى أول محطة، و هي منجم قديم، كان يستخرج منه الحديد، فأخبرنا أبناء المنطقة، بأن المستدمر، كان يستغل ثروات المنطقة، فجبلها عبارة عن منجم للحديد، وقال رئيس البلدية، بأن جبال غبالة تنتظر الاستكشاف من قبل السلطات ، لأنها فضاء خصب للاستثمار، كما يمكن البحث بها عن حقائق تاريخية و آثار متناثرة في كل مكان، و حسب أحاديث الأجداد ممن عايشوا الثورة، فإن جثت عشرات الشهداء، مدفونة في أعالي الجبال، لأن المستعمر، كان يتتبع مسارهم من خلال الطائرات، و يقوم بقصفهم من الأعلى أو بواسطة المدفعية، لأنه واجه صعوبة كبيرة في التنقل برا عبر الجبال و المسالك الصعبة.
شظايا صواريخ
أخبرنا مرافقون، بأن جبل السما يضم العديد من الكهوف و المغارات، التي لجأ إليها المجاهدون للاختباء، و تعتبر من الأماكن الوعرة، التي يصعب الوصول إليها.
و بعد ما يقارب 60 دقيقة، من تسلق الصخور الصعبة، مع أخذ قسط من الراحة، استطعنا الوصول، قبل زوار الولاية من منطقة حمالة، إلى المغارة التي كانت شاهدة على بطش المستعمر، فوجدنا شظايا الصواريخ لا تزال ظاهرة للعيان.
من ملاذ آمن للمجاهدين إلى مقبرة للشهداء
لاحظنا أنه من الصعب رؤية مدخل المغارة من بعيد، لأنه يقع بين الصخور، و اكتشفنا أن للمغارة مدخلان، أحدهما ضيق، و الآخر واسع، و الدخول منهما يتطلب الحذر، و استعمال مصابيح للإضاءة.
سبقنا شخصان من العارفين بخبايا المغارة، و بعد قطع ما يقارب خمسة أمتار بين صخور ضيقة، وصلنا إلى داخل المغارة، فكانت شبه مهيئة من الداخل و باردة، تجد بها أنفاقا طويلة.
و قال لنا مشاركون في الرحلة، بأنه من الصعب الوصول إلى الأعماق، بسبب ضيق الممر، و نقص الأوكسجين، وقد سبق لأعوان الحماية المدنية دخول الكهف ولم يستطيعوا إكمال الغوص في أعماق أحد الأنفاق، رغم بلوغهم حدود 24 مترا، فأنهوا مهمتهم.
و أشار الحضور، بأن للمغارة امتدادات عبر الجبل، كما قال لهم شيوخ قديما، و أعربوا عن أسفهم لأنه لم يتم لحد الآن القيام بعملية بحث عن رفات الشهداء و السكان بالمغارة، بعد أن قصف المستدمر الفرنسي الجبل على رؤوسهم، و أغلق منافذ الأنفاق عليهم بكل وحشية، لكن نجاة ثلاثة مجاهدين، كشف عن وجود شهداء بالمغارة، كما أن تاريخ قصف الجبل ليس محددا باليوم و الشهر، و كل ما يعلمه السكان أنه كان سنة 1957.
رفات 20 مجاهدا
و أكد من جهته رئيس بلدية غبالة أحمد إبراهيمي، بأن المغارة، كانت شاهدة على وحشية المستعمر، ففي أواخر سنة 1957، حاصر الجيش الفرنسي، مجموعة من المجاهدين، فلجأوا إلى المغارة للاختباء، و حسب الروايات و الشهادات، فإن عددهم فاق 20 مجاهدا، و أسماء الأغلبية لا تزال مجهولة و غير محددة، و قد نجا منهم ثلاثة مجاهدين، توفوا في ما بعد.
لجأ المعنيون إلى إحدى تفرعات المغارة، التي تمتد إلى أعماق الجبل، و هي كبيرة جدا، و من الصعب الوصول إليها، حسب المير، فقام المستعمر بردم الكهف، و لا تزال بقايا شظايا القنابل موجودة، و الأتربة غطت المكان، و حجم الردم كبير، و يتطلب القيام بحفريات دقيقة و واسعة من أجل إزالة الأتربة.
 و أضاف المتحدث، بأن السلطات المحلية لبلديتي غبالة و حمالة، تتمنى الوصول إلى هناك و الكشف عن رفات الشهداء المدفونين في مكان مجهول داخل المغارة الواسعة و تفرعاتها، لدفنهم بمقبرة الشهداء، و إنشاء نصب تذكاري يخلد الواقعة الأليمة التي فقد خلالها ما يفوق 20 شهيدا.
وذكر رئيس بلدية حمالة، بوزريب زهير، بأن للمغارة أهمية كبيرة، لأن أغلب الذين استشهدوا بها، ينحدرون من منطقة ميلة، و تعتبر رمزا من رموز الثورة، و حسب الروايات السابقة، فقد قام المستعمر بتدمير مداخل المغارة و محاصرة المجاهدين، و بعض المواطنين العزل الذين فروا للاختباء معهم.
و بعد مرور 17 يوما تقريبا، استطاع ثلاثة مجاهدين الخروج من إحدى منافذ المغارة، و توجهوا إلى قرية عين البيضاء.
و أوضح المتحدث، بأن سلطات ولاية ميلة، زارت من قبل رفقة المجاهدين، المنطقة، ووجدوا صعوبات كبيرة في الوصول إلى الرفات، فتأكدوا بأن العملية تتطلب إمكانيات كبيرة و عملية بحث واسعة، من أجل العثور عليها، لأن عمق المغارة، يفوق 24 مترا، استنادا لعمل ميداني قامت به مصالح الحماية المدنية، و ضم المسؤول، صوته إلى صوت السلطات المحلية ببلدية غبالة، للدعوة إلى الإسراع لتنظيم عملية واسعة بالمغارة لاستخراج رفات الشهداء.
سعد فريوخ، أحد المشاركين في العملية، و هو ابن شهيد، قدم من ولاية سكيكدة، لاستكشاف المنطقة، باعتبار أحد المجاهدين الناجين من عائلة «لموشي»، من أصهاره، قال للنصر، إن مجاهدين أطلعوه على الأحداث الأليمة التي وقعت بالمغارة، لأن جبال جيجل، سكيكدة و ميلة، لها نفس الامتداد خلال فترة الثورة التحريرية، لكن عدم متابعة الأحداث من قبل الباحثين و المهتمين بالتاريخ، جعلها في طي النسيان، كما أن عشرات العائلات رحلت من المنطقة، و حملت معها أسرار تلك الوقائع و تفاصيلها، مما يتطلب القيام بتحقيقات ميدانية حولها.
بعد ساعتين تقريبا، وصل الفريق القادم من ولاية ميلة، بمعية جمعية  تواصل للسياحة و التنمية، و من بينهم الإعلامي رشيد بوطلاعة، الذي ذكر جانبا من الأحداث، لأنه تمكن من الاستماع إلى شهادة أحد المجاهدين فقال « حسب رواية المجاهد،، رامول أرجم، فإن عدد أفراد المجموعة التي دخلت المغارة تجاوز 20 مجاهدا، هروبا من الجيوش الفرنسية المدعمة بالطائرات، و كان رفقتهم مجموعة من سكان المنطقة، تعرضت لمضايقات المستعمر الفرنسي، فلجأت الجيوش الفرنسية إلى  المتفجرات بعدما استعصى عليها الدخول إلى المغارة، فهدمتها على رؤوس من اختبأوا داخلها، فظلوا داخلها لفترة تفوق 20 يوما، تحت الحصار، و شاءت الأقدار أن  يفر ثلاثة مجاهدين من المغارة ، عبر بعض المنافذ، و يتعلق الأمر، بالمجاهدين المتوفين، رماش سعد، بوزبرة مولود، و نموشي زغدود « الحسين»، و هناك رواية أدلى بها أحد أبناء الشهداء، مفادها أن قطرات الماء التي كانت تنزل من تشققات المغارة، أنقذتهم من العطش، و جعلتهم يستجمعون قواهم طيلة مدة الحصار، إلى جانب تناولهم للقليل من الطعام».
و أضاف المتحدث، بأن رفات الشهداء، لا تزال تحت الأنقاض، حسب شهادات مجاهدين، و تتطلب عملية استخراجها إمكانيات كبيرة»، مؤكدا، بأن التصريحات تضاربت حول أسماء بعض الشهداء، لكن هذه الوقائع تظل حقيقة تاريخية ضمن محطات الثورة المجيدة، و أكد « من بين الشهداء أفراد من عائلات رماش، لشهب، فيلالي، نموشي، إلى جانب مجاهدين آخرين، و مواطنين عزل، و القائمة النهائية غير مضبوطة، لكن يفوق تعدادها 24 شهيدا».
وذكر، رئيس جمعية تواصل للسياحة و التنمية لولاية ميلة، بأن الغاية من تنظيم الرحلة هو الإطلاع على المناظر الخلابة التي تزخر بها جيجل، و كذا الوقوف لحظات بمغارة الشهداء للترحم عليهم، و محاولة تقريب شباب اليوم من إحدى المحطات التاريخية التي مرت بها الثورة التحريرية، و التعريف ببطولات المجاهدين.
و أجمع المشاركون في الرحلة على مطالبة السلطات العليا للبلاد ببرمجة عملية كبرى للتفتيش عن رفات الشهداء المدفونين بالمغارة، و وضع نصب تذكاري تخليدا لذكراهم.                          كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى