زاد الحديث عن اضطراب التوحد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وزاد معه التأثير السلبي لنقص المعلومات وضعف التكفل بالأطفال المصابين به، ما اضطر  العديد من الأولياء وبالأخص الأمهات للبحث عن بدائل أخرى، عبر محركات البحث و مواقع التواصل، التي تقدم كما هائلا مع المعلومات الصعب غربلتها ومعرفة مدى صحتها ، وهو ما دفع مختصين أرطفونيين و نفسانيين إلى تكثيف نشاطهم عبر المنصات التفاعلية، لتوجيه الأمهات ومساعدتهن على التعامل بشكل صحيح مع الوضع، خصوصا وأن مجموعات وصفحات فيسبوك، أصبحت بيئة خصبة للتحايل و استغلال الفراغ المعرفي للترويج لدورات تجارية تبيع الوهم للأولياء.

حليمة خطوف

مجموعات افتراضية للمرافقة والدعم النفسي
   يحصي الفضاء الأزق اليوم، كما هائلا من المجموعات الخاصة بأولياء الأطفال المصابين بطيف التوحد أو اضطراب التوحد، وهي مجموعات تشرف عليها أمهات أطفال مصابين، إضافة إلى مختصين عياديين و أرطفونيين، و المتابع لبعض هذه المجموعات المغلقة، يلاحظ التفاعل الكبير مع منشوراتها خصوصا من قبل السيدات، حيث تؤكدن بأن هناك نقصا كبيرا في المعلومات و ضبابية حول موضوع التوحد بدليل أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون بأنه مرض، في حين أن الأمر يتعلق بإضراب يصعب تحديد أسبابه، ولعل هذا التعقيد هو ما دفع الكثير من الأمهات للبحث على مواقع التواصل، عن حلول وعلاجات ممكنة، من خلال الاستعانة بخبرة أولياء آخرين و تبادل التجارب.
وحسب الكثير من المنشورات التي يتم تداولها في هذه المجموعات، فإن المرافقة النفسية والدعم المعنوي هو أكثر شيء يجدنه في مواقع التواصل الاجتماعي ويحرمن منه في الواقع، فالتفاعل على هذه المنصات كسر عزلتهن و خفف لديهن عقدة الاضطراب و الشعور بالغرابة والحزن تجاه حالات أبنائهن، كما سهل عليهن تقبل فكرة اختلاف صغارهن عن أقرانهم.
ويشكل فيسبوك، المتنفس الأول للعديد من أمهات أطفال التوحد، اللاتي وجدن في مجموعات و صفحات المنصة مساحة للتعبير عن وضعهن و البحث عن حلول تساعدهن على التعامل بإيجابية أكثر مع صغارهن، وهو ما يفسر العدد الكبير للمنتسبات لمجموعات مثل مجموعة « متنفس أمهات أطفال التوحد» التي تحصي 500ألف مشتركة و كذا مجموعة «ملتقى قادة العرب للتوحد»، الفضاء الذي يجمع أولياء أمور من مختلف الدول العربية.
وقد أخبرتنا السيدة سليمة، والدة طفل مصاب بالتوحد بأن فكرة التواصل مع غيرها من الأمهات، ساعدتها كثيرا من الناحية النفسية، خصوصا وأنها تنشر وتعلق بهوية افتراضية، وهو ما منحها حرية أكبر للتعبير عن مخاوفها و هواجسها، حتى أنها استطاعت الإفصاح عن صعوبة تقبلها لاختلاف طفلها، وعن معاناتها مع طبعه العدواني تقول: « تبادل التجارب مع باقي الأمهات والفضفضة ساعدني على تقبل الوضع وحررني من عزلتي، حتى أنني استفدت كثيرا من نصائح وتوجيهات غيري من الأمهات، كما أصبحت وفية لصفحات مختصين أرطفونيين و نفسانيين تعرفت عليهم بفضل مجموعات الدعم التي نفتقر إليها واقعيا في بلادنا على عكس بلدان أخرى».
 والدة طفل آخر، تطرقت إلى ضعف التكفل و العدد القليل جدا من الجمعيات الخاصة بالأطفال المصابين بالتوحد، وقالت، بأن غالبية الجمعيات الموجودة في الجزائر تتمركز في المدن الكبرى، و هو ما يضاعف عزلة الأطفال وأوليائهم عبر باقي ولايات الوطن.
أمهات أخريات تحدثن، عن نقص المعلومات و عن جهلهن بطبيعة الجهات الواجب التواصل معها للتكفل بأطفالهن، وقلن بأن الكثير من الصغار يكبرون في الظل و يساء فهم حالاتهم، فهناك من يعتبرهم معاقين وهناك من يرى بأنهم مجانين وكلها مفاهيم خاطئة، تحاول هي وغيرها من الأمهات تصحيحها عبر فيسبوك.
عيادات موازية للمتابعة عن بعد
 الاهتمام الكبير للأولياء بمواقع التواصل و سعيهم للحصول على المعلومة من خلالها، دفع مختصين في مجالات علم النفس العيادي والتربوي و الأرطفوني، إلى تكثيف نشاطهم عبرها، من خلال استحداث صفحات هي بمثابة عيادات موازية، يقدمون عبرها التوجيه والنصح سواء من خلال فيديوهات تفصيلية أو بث مباشر للإجابة على أسئلة الأولياء على غرار ما تقوم به الأخصائية النفسانية التربوية رقية بلرامول، التي تبث  عبر حسابها على موقع فيسبوك، حلقات توجيهية مباشرة تقدم من خلالها النصح و ترد عبرها على انشغالات الأمهات  فيما يتعلق بتربية الأبناء والتعامل مع أطفال التوحد.
ويحذر مختصون آخرون عبر مجموعات يديرونها  من  الاستخدام العشوائي للفيتامينات والمكملات الغذائية و الأدوية الخاصة بأطفال التوحد، فيما يقدم غيرهم، محاضرات مصورة أو مكتوبة عن طرق التواصل اللفظي مع أطفال اضطراب طيف التوحد ، و الألعاب والأنشطة التدريبات التي تعزز التكامل الحسي والحركي عندهم، ونذكر على سبيل المثال تجربة الأخصائية الأرطفونية بسمة فوزي.
وهم الدورات التجارية
ورغم الايجابية التي تمنحها المجموعات التفاعلية للأمهات، إلا أن الاعتماد بشكل مطلق على ما يتم تداوله من معلومات عبرها، يعد خطأ فادحا تقع فيه كثير من الأمهات حيث تؤكد الأخصائية النفسانية والتربوية صبرينة بوراوي، بأن تشخيص حالة الطفل المصاب باضطراب التوحد لا يمكن أن تتم إلا من خلال المعاينة الفعلية للطفل، خصوصا وأن هناك خلطا كبيرا فيما يتعلق بتحديد نوع الاضطراب، إذ أن هناك أطفالا يعانون من مشاكل أخرى كفرط الحركة ويشخصون على أنهم مصابون بالتوحد، كما أن هناك صغارا بطبع هادئ جدا يكونون قليلي الكلام و التفاعل لكنهم طبيعيون ومن الخطر و الخطأ تشخيصهم على أنهم مضطربون، ناهيك عن أن اضطرابات التوحد تختلف و تزيد وتنقص بحسب كل حالة و بالعودة إلى خلفيات الإصابة، فهناك حالات تستدعي تدخل طبيب أعصاب وإخضاع الطفل لفحوصات بالأشعة و تقديم علاج دوائي، فيما توجد حالات قد لا تتطلب سوى تمارين متخصصة و مرافقة نفسية و أرطفونية أو غير ذلك، ولهذا تنصح الأخصائية الأمهات والأولياء عموما بعدم الانسياق وراء ما يروج على مواقع التواصل، و الاعتماد أكثر على رأي  المختص، كما تحذر كذلك من الدورات المجانية التي يروج لها عبر العديد من الصفحات والمجموعات والتي توهم الأولياء بإمكانية علاج حالات أبنائهم في أسبوع أو أشهر، وتقول بأنها حيل تجارية لا طائل منها.

* الأخصائي العيادي حسام زرمان
 فوضى التشخيص تعقد وضعية الطفل
يقول الأخصائي العيادي حسام زرمان، بأن استخدام مصطلح «مرض» لوصف حالات التوحد، خطا فادح يقع فيه العديد من الأشخاص بمن فيهم بعض الأخصائيين، فالتوحد حسبه، اضطراب وخلل تختلف أسبابه و تتعدد رغم صعوبة تحديد خلفياتها، ولذلك فإن التوجه لتقديم معلومات أو لتشخيص بعض الحالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمر غير مقبول ويتعارض بشدة مع أخلاقيات المهنة.
 وحذر المتحدث، من البرامج العلاجية لمتابعة أطفال التوحد، التي يروج لها على شكل دورات  مكثفة عن بعد، يتم التسجيل لحضورها عبر روابط  فيسبوك و أنستغرام وبمبالغ كبيرة، وقال بأنها، غير مقبولة و تشوبها العديد من النقائص والأخطاء، فمن يبرمجونها ليسو مختصين، كما أن هدفهم منها هو الربح المادي لأن علاج التوحد في ظرف وجيز أمر مستحيل ولا يتطابق مع منطق التكفل القائم على فهم كل حالة بشكل مستقل و تحديد البرنامج النفسي والأرطفوني المناسب لها، ناهيك عن أن التفاعل المباشر مع الطفل، يعتبر شرطا رئيسيا في عملية العلاج والمتابعة وهو شق تفتقر إليه دورات العالم الافتراضي.        
ح. خ

الرجوع إلى الأعلى