تحوّل الاحتفال بشهر التراث، إلى تقليد سنوي قار بقسنطينة، و بمرور السنوات تخلت التظاهرة عن الفلكلور و الأنشطة الفنية المطلقة، و أخذت تدريجا بعدا اقتصاديا، بعدما باتت ترتبط بمعارض الحرف و الصناعات التقليدية، التي يشارك فيها عارضون من مختلف ولايات الوطن، و تعرف حركية تجارية كبيرة على مدار ثلاثين يوما، إذ تحولت إلى فرصة للنشاط بالنسبة للكثير من الحرفيين، و مناسبة لإحياء صناعات يهددها الاندثار، ناهيك عن كون المناسبة فرصة لتأجير المرافق الثقافية و تثمينها اقتصاديا.

    هدى طابي

سنة بعد أخرى، تتوسع رقعة الاحتفال بالمناسبة، التي تتزامن مع بداية موسم تقطير الزهر و الورد والتي تنتهي يوم 19 من الشهر الجاري، إذ عرفت المدينة هذا الموسم برمجة تظاهرة كبيرة، ميزتها مشاركة واسعة لحرفيين في مختلف المجالات، من عديد الولايات، حطوا الرحال بقسنطينة، و توزعوا بين  ممر حديقة بن ناصر و قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، أين تعرض حرفيات حلوياتهن التقليدية و منتجات التقطير، إلى جانب منتجات أخرى عديدة، تصنف في خانة الصناعات التقليدية و الأنشطة اليدوية، على غرار الأواني النحاسية و سلال الحلفاء و المفروشات و الأكسسوارات و مستحضرات التجميل الطبيعية، و حتى نباتات الزينة و غير ذلك.
كلها أروقة أدت إلى حركية تجارية كبيرة على مستوى وسط مدينة قسنطينة، و  ساهمت، كما أكد مدير الثقافة للولاية عريبي زيتوني، في استغلال أمثل للفضاء الثقافي، و تحويله إلى فضاء منتج، خصوصا و أن المعارض باتت تنظم هذه السنة، وفق عقلية تجارية ربحية مشتركة، قائمة على توفير فضاء العرض المناسب للحرفي، مقابل أجرة رمزية يومية، وهي سياسية أقرتها الدولة مؤخرا، بموجب مرسوم يحدد آليات الانتفاع من المرافق الثقافية و تثمينها اقتصاديا.
 مدير الثقافة، قال بأن تظاهرة شهر التراث، أصبحت موعدا سنويا بأبعاد ثقافية و اقتصادية كذلك، فهو لا يهدف فقط إلى إحياء الصناعات التقليدية و تشجيع الحرفيين و إحياء التقاليد و العادات و المحافظة على الموروث الثقافي، بل يعد كذلك مناسبة لفتح سوق وطنية للمنتج الحرفي، و إعطاء الفرصة للحرفين لأجل الترويج لصناعتهم.
 يذكر بأن بلدية قسنطينة، غالبا ما تؤجر خياما وسط المدينة  للعارضين و الحرفيين، مقابل ما يعادل مليوني سنتيم للشهر، وذلك في إطار إثراء مداخليها من خلال الاستغلال الأنجع للفعاليات الثقافية التجارية، غير أن هناك حرفيين يعتبرون عملية التأجير مكلفة، سواء في المؤسسات الثقافية التي تقترح فضاءات مقابل 1000دج لليوم الواحد، أو في خيام البلدية.
مع ذلك فإن المعارض و التظاهرات تبقى متنفسا للعديد من الحرفيين على مستوى الوطن، و فرصة للنشاط و إنقاذ صناعات يتهددها الاندثار، كما أكد حرفيون و أصحاب أنشطة مصغرة،  التقيناهم مؤخرا بقسنطينة، في إطار فعاليات شهر التراث.

* وسيلة بحشاشي حرفية متخصصة في صناعة الحلويات
مناسبـــة لكســـب زبائـــــن دائمـــــين وضمان التوسع..
 تعتبر الحرفية المتخصصة في صناعة الحلويات التقليدية وسيلة بحشاشي، بأن المعارض التجارية التي تبرمج في إطار التظاهرات الثقافية، و بالتحديد شهر التراث، تعتبر مناسبة هامة جدا بالنسبة للحرفي، كونها فرصة للالتقاء بالزبون و عرض المنتج عليه، و التواصل معه بشكل مباشر، وهو ما ينجم عنه نوعا من الحركية طيلة شهر كامل و يساعد على تحقيق الربح على المستوى المادي و أيضا المعنوي، لأن الاحتكاك بين الحرفي و الزبون، يسمح ببناء علاقة ثقة، قد لا تتوقف عند حد التعامل الموسمي فقط، بل قد تستمر طويلا، بمعنى أن الحرفي يمكنه أن يضمن في هذه الفترة تحديدا، زبائن دائمين.
 وقالت المتحدثة، بأنها من الحرفيات الحريصات على المشاركة في التظاهرة، خصوصا في ما يتعلق بشقها التجاري، لما يمكن أن تقدمه لها من دفع على الصعيد المهني، بفضل التسويق الجيد أولا، وكذلك إمكانية اقتناص بعض الفرص التي قد لا تتوفر في محل مغلق أو ورشة منزلية صغيرة، بمعنى أن معارض الصناعات التقليدية تساعد على تطوير المشاريع المصغرة، كما أنها مناسبة تسمح للحرفي أو العارض بالمشاركة في عملية الترويج للموروث التقليدي الجزائري، وهي مساهمة تعود إيجابا على كافة المستويات، لأنها تخدم التراث من جهة وتقدم صورة جميلة عن المنتج التقليدي عموما و توسع آفاق استغلاله و توظيفه.

* كريم قادر مربي نحل و منتج مستحضرات طبيعية
فرصة لتسويق العلامة التجارية وطنيا
قال كريم قادر، مربي نحل و منتج من ولاية بومرداس، متخصص في صــــــــــناعة المكملـــات الغذائيــــة و مستحضرات  الـــــــــــــتجميل الطبيــــــعية، بأن معارض شهر التراث، لم تعد مجرد أنشطة مكملة لبرنامج احتفالية ثقافية معينة، بل باتت فرصة اقتصادية للنهوض بقطاع الصناعات التقليدية و الحرف، كونها تسمح بالتعريف بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة الناشطة في هذا المجال، و التي تحاول أن تجد مكانا لها في السوق، و أن تنافس، خصوصا في ظل تزايد الإقبال على كل ما هو طبيعي.
 قال صاحب علامة «مناحل كريم قادر»، بأن أهم ميزة للمشاركة في شهر التراث، هي الاستفادة من البعد الوطني للتظاهرة، لأجل التسويق للعلامة التجارية خارج الولاية الأم،  و تقديم المنتجات لزبائن من ولايات عديدة، على اعتبار أن هذه التظاهرة، عادة ما تستمر طيلة شهر كامل، و تستقطب بفعل تنوعها و صيتها مواطنين من كل ربوع الوطن، بمعنى أنه أفضل إشهار مجاني، يمكن أن يعتمد عليه أي حرفي، هذا إلى جانب الغاية التجارية المتمثلة أساسا في بيع المنتوج و تحقيق مكسب مقبول، يعوض فترة الركود التي رافقت جائحة كورونا، مشيرا إلى أنه ورغم مساوئ الجائحة و تأثيرها الكبير على الأنشطة التجارية والحرفية، إلا أنها ساهمت في رفع الوعي بأهمية العودة إلى الطبيعة، و هو ما يعكس الإقبال المتزايد على منتجاته، من حبوب لقاح و عسل و صابون و مكملات و مستحضرات تجميل طبيعية.

* طارق بوبربارة صاحب مشتلة
موســـم أهـــــم نشـــاط سنـــوي
بالنسبة لطارق بوبربارة، صاحب مشتلة الربيع القسنطيني، فإن المعارض التي تقام في هذا الإطار، تعد موسم النشاط الأهم طوال السنة، لأنها الفترة التي يمكن خلالها بيع أكبر حصة ممكنة من نباتات الزينة، خصوصا و أن هذه المعارض تكون مناسباتية في العادة، و تتزامن مع الاحتفال بشهر التراث الذي ينطلق مع بداية الربيع.
حسب المتحدث، فإن الإقبال يكون كبيرا جدا خلال  هذا الشهر، و حتى خلال معارض الخريف، خصوصا عندما تكون فضاءات العرض خارجية و تحديدا بوسط المدينة، لأن ذلك يوسع رقعة النشاط و يضع الزبون أمام خيارات واسعة كما أن عرض النباتات و الزهور في الخارج وسط جوي ربيعي  يكون له تأثير ايجابي على نفسية الفرد و يدفعه طوعيا إلى اختيار نبتة
و اقتنائها.
وأضاف، بأن القسنطينيين، يتمتعون بثقافة الحفاظ على النباتات المنزلية، خصوصا السيدات، علما أن مسك الليل و الياسمين،  تعتبران النبتتين العطرتين المفضلتين بالنسبة للعائلات، كما أنهما من النباتات التي ترافق تقليد تقطير الزهر و الورد، مشيرا إلى أن الأسعار مناسبة جدا هذه السنة و الخيارات واسعة و متوفرة، حيث تنطلق الأسعار من 100دج، إلى حدود ثلاثة ملايين سنتيم، حسب نوع النبتة و حجمها، مؤكدا بأن تظاهرة شهر التراث، ساهمت في السنوات الأخيرة، في دفع نشاط المشاتل بقسنطينة، و تطوير هذا التخصص عن طريق فتح سوق مباشرة للترويج للمنتجات.

* جمال مكي حرفي في صناعة النحاس
المعــــارض أحيـــت الحرفــة و أعــــادت بريـــق النــــحاس
من جانبه، أكد جمال مكي، حرفي في صناعة النحاس، بأن تظاهرة شهر التراث، ساهمت كثيرا في بعث الحرفة منذ باتت الفضاءات التجارية جزءا من برنامج الاحتفال، لأنها وفرت سوقا للترويج لهذا المنتج، و أكسبت العديد من الحرفيين زبائن أوفياء و دائمين من خارج الولاية، و حتى من دول الجوار، و الذين غالبا ما يزورون قسنطينة سنويا، في  هذه الفترة من السنة، للاستمتاع باحتفالات الربيع و موسم تقطير الزهر والورد، الذي بات يكتسي حلة وطنية و يستقطب مواطنين من خارج الولاية، خصوصا محبي النباتات العطرية و مستخلصاتها.
 الحرفي قال، بأن هذه الفرصة أحيت صناعة النحاس من جديد،  بفضل الطلب على المنتج من قبل زوار المدينة، أي أن سوق النحاس لم تعد محصورة في إقليم الولاية فقط، و توسعت ثقافة استخدامه في المناسبات أو حتى للديكور و الزينة، مع دخول المنتجات المستوردة من الهند أيضا، و التي أوضح بأنها تغطي نوعا ما، العجز المحلي الناجم عن نقص المادة الأولية، بسبب عراقيل الاستيراد و ارتفاع سعر النحاس الخام، الأمر الذي انعكس أيضا على سعر منتجات النحاس، لذلك فإن أكثر المنتجات التي يطلبها الزبائن في العادة، هي القطع صغيرة الحجم التي لا تتعدى أسعارها 2000  إلى 7000دج.

 

الرجوع إلى الأعلى