يسجل سمك التونة حضورا قويا بالأسواق الجزائرية، خاصة بالمدن الساحلية، و يمتد إلى غاية بعض المدن الداخلية، في ظل وفرة غير مسبوقة و أسعار معقولة، جعلته يتربع على عرش الموائد هذه الأيام. يبدو أن الصيادين الجزائريين نجحوا هذا الموسم في ترويض «التونة العنيدة»، حقيقة تعكسها الأسماك الضخمة التي يزيد وزن معظمها عن القنطار، التي تشكل ديكورا خاصا على حواف الكثير من طرقات المدن الساحلية، خاصة بالقرب من الشواطئ، و حتى في أسواق السمك، ما أسال لعاب الكثير من عشاق هذا النوع من السمك، فيصطفون يوميا هذه الفترة، لاقتناء القطع التي يريدون، مشكلين طوابير طويلة.

*  إيمان زياري

قررنا في البداية أن تكون انطلاقة جولتنا من أسواق بيع السمك بولاية بومرداس، لكن مخططنا تغير، فتنقلنا من حي لآخر، و ليس من سوق لآخر، فوفرة المنتج جعلته حاضرا بالطرقات و وسط الأحياء، أكثر من الأسواق، كما وقفنا عليه بعدة نقاط، منها بودواو، بودواو البحري، وسط بومرداس، زموري، فيغيي أو الكرمة و برج الكيفان بالعاصمة.
كميات هائلة من التونة تعرض للبيع بطريقة مغرية، بعد أن تفنن باعة السمك في قطعها، حيث يبرزون رأس السمكة، بجوار جذعها أو شرائحها الحمراء التي تزينها خطوط الدهن، التي تزيد من قيمة السمكة، و تجعل الكثيرين يثنون على جودتها، حتى قبل تذوقها.
«الصيد العارض» وراء وفرة التونة بالأسواق الجزائرية
الملاحظ أن توفر سمكة التونة بالأسواق الجزائرية، جاء مبكرا هذا الموسم، خاصة و نحن نعلم أن قانون الصيد يحدد الفترة المخصصة لذلك بين 26 ماي و الفاتح من جوان، غير أن الصيد انطلق هذا العام، حسب بعض الباعة و الصيادين الذين تحدثت إليهم النصر، في الأسبوع الثاني من شهر ماي، و هو ما يفسر، حسبهم، توفرها قبل الأوان بأسعار معقولة، تتراوح بين  1000 و 1200دج للكيلوغرام الواحد، عبر مختلف الأسواق.
مصطفى، صياد بمنطقة زموري، التقيناه و نحن نحاول البحث عن حقيقة التواجد المبكر للتونة العنيدة في الأسواق، فقال لنا أن هذا العام هو «عام التونة»، على حد تعبيره، مفسرا ذلك بعملية الصيد المبكرة التي جاءت بفعل مسارها عبر السواحل الجزائرية، ما فتح المجال أمام ما يعرف في قاموس الصيد بـ»الصيد العارض»، و هو الصيد غير المبرمج، من قبل الصيادين.
و أكد المتحدث أن صيد التونة هذا الموسم، اعتمد في الغالب، على الطريقة التقليدية، حيث أن جل الكميات المتوفرة في السوق، ناتجة عن صيد يومي لصيادين، يخرجون على متن قوارب صغيرة لصيد السمك العادي بطرق بسيطة،  فيصطادون التونة فجأة، دون تخطيط لذلك، ما ساهم في الوفرة من جهة، و في انخفاض أسعارها من جهة ثانية.
التونة تقصي السردين و تفرض «الصولد» على الجمبري
جولتنا ببعض محطات بيع التونة و السمك بولاية بومرداس، كشفت عن انخفاض قياسي في أسعار باقي أنواع السمك، خاصة بالنسبة للسردين الذي انخفض سعره بشكل غير متوقع، و وصل إلى 250 دينارا، بعد أن وصل في بداية ماي الجاري إلى 950 دج للكيلوغرام الواحد، كما تراجعت أسعار باقي أنواع السمك، و حتى الجمبري الذي انخفض سعره من 5000 دينار للكيلوغرام، إلى 2800 دينار ببعض نقاط البيع.
و فسر الباعة تراجع أسعار السمك لسببين، الأول و هو الأهم و يتمثل في تحسن الأحوال الجوية و سهولة الصيد، بينما أثر توفر التونة بشكل كبير عليها، و ذلك في ظل إقبال المستهلكين على اقتناء التونة و العزوف عن باقي أنواع الأسماك التي باتت تخضع هي الأخرى للتخفيضات»الصولد»، حسبهم، نظرا لبقائها حبيسة صناديق الباعة طيلة يوم كامل، دون التمكن من بيعها، مثلما كان يحدث سابقا.
عن الوقت المحدد لتصريف سمكة واحدة بوزن قنطار، أكد الباعة الذين تحدثت إليهم النصر، أن ذلك أمرا سهلا هذا الموسم، فزيادة الإقبال ينهي بيع سمكة واحدة في وقت قياسي، بعد أن كان تصريفها يتطلب في مواسم سابقة، يومين أو أكثر، ضف إلى ذلك أن هذه الوفرة ساهمت في وصول التونة إلى العديد من المدن الداخلية، كالبويرة و قسنطينة، أين تباع بنفس أسعار المدن الساحلية تقريبا.
توقعات بانخفاض أكبر في الأسعار و رفع رهان سفينتي بومرداس
يراهن جل باعة السمك و بعض الصيادين، ممن تحدثت إليهم النصر، على تسجيل وفرة أكبر في سمك التونة خلال الأيام القادمة، مع انخفاض أكثر في الأسعار يقولون أنه قد يصل إلى عتبة 700 إلى 800 دينار للكيلوغرام الواحد، ما ربطوه بدخول سفينتي صيد التونة الجزائريتين، اللتين تمت صناعتهما على مستوى ميناء زموري بولاية بومرداس، بأياد جزائرية بنسبة 100 بالمئة، مجال الخدمة.
 و قال محدثونا أن هاتين السفينتين تقومان بصيد التونة في أعالي البحر، بمنطقة دلس، و يتم تخصيص كميات معتبرة لمصانع التونة المصبرة أو المعلبة، و توجه كميات كبيرة للاستهلاك المباشر، ما يجعل الجزائريين يستمتعون بهذا النوع من السمك، الذي لا يتوفر طازجا سوى لشهر واحد في السنة.
التونة تكبح شهية المستهلكين لباقي اللحوم و تفتح المجال أمام الإبداع
يبدو أن توفر التونة و عرضها بطريقة مغرية، حجب عن الكثيرين باقي أنواع اللحوم الحمراء، فلا لحم البقر و العجل، و لا لحم الدجاج يستهوي الزبائن هذه الأيام، خاصة على مستوى المدن الساحلية، حقيقة أكدها لنا بعض المواطنين و بعض أصحاب محلات القصابة، خاصة المتاخمة لطاولات بيع التونة و الأسماك الأخرى.
و قال بعض المواطنين أن توفر التونة بأسعار، وصفوها بالمعقولة، شجعهم على شرائها، عوض باقي اللحوم الحمراء، خاصة في ظل ارتفاع أسعارها التي تبقى أغلى من التونة، في حين أن فوائد السمك أكثر منها، و أكد رجل وجدناه يشتري كيلوغرامين من التونة، أنه يقتني بشكل شبه يومي هذا النوع من الأسماك، و يحرص على تناوله طازجا مع باقي أفراد أسرته، في محاولة منه لاستغلال فرصة توفره و الاستفادة منه قدر الإمكان.
بينما أكد رب أسرة آخر، أنه قد خصص مبلغ مليوني (02)سنتيم لشراء التونة هذا الموسم، مضيفا أنه يحرص على حفظ و تجميد أجزاء منها، لتناولها عندما يشتهيها بعد انقضاء موسمها.
و أكد باعة أن استهلاك الجزائريين للتونة، فاق كل التوقعات هذا الموسم، في ظل وجود عدد كبير من عشاق السمك من جهة، و تزايد الوعي بفوائده من جهة ثانية، خاصة في ظل الأسعار التي يراهن المواطنون على انخفاضها بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة.
و قد ساهم توفر التونة هذا الموسم في فتح مجال الإبداع و التفنن في طهيها، فمن الشوي إلى القلي، و من الفرن إلى التصبير، إلى طرق أخرى يحاول الجزائريون استحداثها لتغيير طريقة طهي التونة، و هو ما يسجل بقوة في مختلف حصص الطبخ عبر مختلف القنوات الجزائرية، و كذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فايسبوك، حيث تعرض ربات البيوت و المختصات في الطبخ مختلف الوصفات الجديدة.
أخصائية التغذية الدكتورة آسيا آغا: تلوث البحار يفسد التونة و استهلاك السردين يبقى أفضل


قالت أخصائية التغذية الدكتورة آسيا آغا، أن استهلاك الأسماك الصغيرة أفضل صحيا من استهلاك الأسماك الكبيرة كالتونة، في ظل تزايد معدل تلوث البحار و تأثير ذلك على الكائنات الحية التي تضمها.
و أوضحت أخصائية التداوي بالغذاء، أنه من الخطأ  الاعتقاد أن تناول كميات كبيرة من التونة التي تتوفر بكثرة هذه الأيام، أمر جيد، خاصة و أن تحاليل كثيرة أثبتت وجود نسب عالية من البلاستيك في لحوم التونة، و مختلف الأسماك الكبيرة، و يؤثر استهلاكها سلبا على الصحة، كما قالت للنصر.
و أكدت الدكتورة آغا، أن خبراء التغذية لا ينصحون بتاتا بتناول الأسماك الكبيرة، بل يدعون إلى تناول السردين و مختلف أنواع الأسماك الصغيرة، و ذلك لأنها تبقى مدة قصيرة في البحر، و بالتالي تنخفض نسبة استهلاكها للمواد الملوثة المتمثلة في نفايات المدن و السفن ، بينما تعيش و تنمو الأسماك الكبيرة على الغذاء الملوث في البحر لمدة أطول.
أضافت المختصة بأنه يمكن استهلاك التونة، لكن دون إفراط، لتفادي تأثير ذلك على الصحة، و لمحاولة إحداث توازن في الغذاء، و الحرص على توفير «أوميغا 3 « الموجود في الأسماك، على غرار السردين و أسماك أخرى صغيرة، تصنف في خانة اللحوم البيضاء، بينما تبقى اللحوم البيضاء التي تضم لحم الدجاج و الديك الرومي، من بين المواد التي يدعو الأخصائيون إلى التقليل منها قدر
 الإمكان.                                          إ. ز

الرجوع إلى الأعلى