من الآن فصاعدا على “بروفيسورات” الطب الذين يقودون المصالح المختصة في المستشفيات مغادرة مناصبهم في سن الـ 65 والركون للتقاعد، هكذا قال وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات أول أمس، لابد أن تعطى الفرصة للأطباء من الأجيال الجديدة التي درست وكافحت وتعبت هي الأخرى، ولا بد أن ينتهي عصر احتكار المناصب في المستشفيات.
و في الواقع فإن هذا الأمر طرح بإلحاح من طرف الأطباء منذ سنوات.. خاصة منهم الشبان الذين اشتكوا من سطوة العمداء الذين احتكروا المناصب الهامة في المستشفيات العمومية لسنوات بل لعقود طويلة، مثلما هو حاصل في قطاعات أخرى حيث يشتكي الشباب من الكبار.
وبالعودة إلى مقولة “حماسة الشباب وحكمة الشيوخ” فإنه بالإمكان الاستفادة من خدمات الاثنين معا لفائدة المرضى والصحة والبلاد بصورة عامة، و هنا لا تطرح إشكالية البقاء في الخدمة، بل يطرح مشكل احتكار المنصب، وقد سمعنا كلاما كثيرا عن أساتذة في الطب لا يقبلون مغادرة مناصبهم وهم في الغالب رؤساء لمصالح طبية متخصصة في المستشفيات، ومنهم من يحتكر المنصب لمدة فاقت الثلاثين سنة و أكثـر، بل ويرفضون الاعتراف بالأساتذة الجدد الذين يتخرجون من الجامعات الوطنية وغيرها، ويقضون مسارا معتبرا في ممارسة المهنة ويتدرجون في المناصب.وزير الصحة اقترح بل قرّر ومن ورائه الحكومة إحالة كل من بلغ الخامسة والستين على التقاعد، ودعاهم إلى عدم اعتبار ذلك عقوبة لهم، ومن يريد العمل بعد هذه السن  عليه إمضاء اتفاقية مع وزارة الصحة، أو القيام بأبحاث في الميدان.. وهو واسع وعريض، لكن الأجيال الجديدة من أساتذة الطب عليها هي أيضا أن تنال حظها.
المقترح يبدو معقولا لكسر احتكار أساتذة صار البعض منهم يعتبر المصالح التي  يشرفون عليها ملكا خاصا، يتصرفون فيها كما يشاؤون، لكن هذا لا  يعني أنه يجب الاستغناء عن خدماتهم، فمن يبلغ الخامسة والستين يكون في الواقع في قمة العطاء، ويمكن للصحة أن تستفيد منه ومن خبرته ومن خدماته. ويمكن بسهولة وبقليل من التفكير ايجاد طريقة مثلى للاستفادة من خدمات هؤلاء دون إبقائهم بالضرورة على رأس مصالح استشفائية بعينها، يمكن لهم أن يقدموا أبحاثا، أو أن يؤطروا أطباء جدد، أو يقدموا محاضرات ومداخلات في مختلف أنواع الطب في الجامعات والملتقيات وغيرها، يمكن لهم القيام بعمليات جراحية معقدة ودقيقة مثلا ، في النهاية يمكن لهؤلاء تقديم خدماتهم للمجتمع وللمريض بعيدا عن أي حساسية و دون أي إشكالية.وكما جرت التقاليد في مختلف العلوم وفي الجامعات فإن الذين يصلون إلى درجة الأستاذية في أي تخصص عندما يتقدم بهم العمر تصبح أهدافهم محددة ودقيقة، ومجالات تدخلهم واضحة ودقيقة أيضا، وعليه فهم يقدمون ما “قل ودل” من باب الخبرة الطويلة التي اكتسبوها وكذلك من جهة أعمارهم، وهذا شيء طبيعي لأن الإنسان كلما تقدم به العمر كلما قل نشاطه. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الصحة في الجزائر بمختلف هياكلها وتخصصاتها بحاجة إلى جميع أبنائها في الوقت الحالي وفي المستقبل، فبالموازاة مع الهياكل الجديدة التي تقوم الدولة ببنائها لتلبية طلبات المواطنين في هذا المجال، فإن الحاجة إلى أطباء أكفاء وذوي خبرة تبقى قائمة، لأن الواقع يقول أننا نعاني من نقص واضح في الأطباء خاصة المتخصصين منهم.. و أن الخدمات الصحية رغم جهود الدولة تبقى غير كافية في العديد من المناطق، ويمكن بقليل من الحكمة نزع الفتيل المشتعل بين أساتذة الطب القدماء و أبنائهم الجدد دون أي إشكال.
النصر

الرجوع إلى الأعلى