هل نحن الآن بصدد تسجيل تسخين جديد في العلاقات الجزائرية الفرنسية في جانبها السياسي و الدبلوماسي، عقب الزيارة التي قام بها السيد عبد القادر بن صالح بصفته الرجل الثاني في هرم الدولة الجزائرية إلى باريس بحر الأسبوع الجاري؟.
يجب أن نقرّ أولا، أن العلاقات السياسية بين البلدين، عرفت منذ أشهر و بالذات منذ الزيارة المثيرة للجدل للوزير الأول الفرنسي مانويل فالس إلى الجزائر في الربيع الأخير، بعض التوتر و الفتور الناجم عن محاولة مفضوحة لمسؤولين فرنسيين و مؤسسات إعلامية تريد النيل من الجزائر و مؤسساتها الدستورية.
 و قد كانت قضية توظيف صورة رئيس الجمهورية من قبل مسؤول فرنسي لم يكن في مستوى قواعد و آداب الضيافة، و قبلها إقحام صورة الرئيس ظلما في قضية لا علاقة له بها
و نشرها على صدر الجريدة الأولى في فرنسا ، من بين المؤشرات على دخول العلاقات السياسية بين البلدين إلى الثلاجة، أين احتجت الجزائر بصفة رسمية لدى السلطات الفرنسية وفق القواعد
و الأعراف الدبلوماسية.
و بعد فترة من الترقب و الإنكفاء على الذات، جاء دور الدبلوماسية البرلمانية لإعادة الدفء إلى أوصال الدبلوماسية الرسمية، حيث يقوم رئيس مجلس الأمة بزيارة إلى باريس بدعوة من نظيره الفرنسي، و قد سلّم رسالة من الرئيس بوتفليقة إلى نظيره فرانسوا هولاند عقب استقباله في الإليزيه كما تمليه الأعراف الدبلوماسية.
وقد اتضح من لهجة العتاب التي كان يخاطب بها
بن صالح المسؤولين الفرنسيين لتقصيرهم المتواصل في فهم الأوضاع الحقيقية لشركائهم الجزائريين على الضفة الأخرى للمتوسط، أن الندية و المعاملة بالمثل هي اللغة الأقرب إلى فهم و إدراك المسؤولين الفرنسيين، و لذلك نرى اليوم الوزير الأول الفرنسي و كأنه يقدم اعتذارا للرئيس بوتفليقة و مؤسسات الدولة الجزائرية، عندما يقول أن نشره للصورة على تويتر لم يكن القصد منه الإساءة لصاحبها الذي يحترمه
 و يقدره كثيرا.
و لا يخفى على أحد أن المسؤولين الفرنسيين على اختلاف عائلاتهم السياسية من اليمين إلى اليسار، يتصرفون بنفس الطريقة مع الجزائر لمّا يكونوا أما الحائط كما يقولون هم، حيث يحيلون محاوريهم إلى سوء فهم و قع أو تفسير خاطئ لأقوالهم
و أفعالهم.  
و إلى الآن مازال المهتمون بتطور العلاقات الجزائرية - الفرنسية، يرون أن فرنسا كانت دوما في حاجة إلى الجزائر و ليس العكس، و لذلك نرى اليوم عموم الطبقة السياسية في فرنسا، و على اختلاف ألوانها مهتمة بالشأن الجزائري أكثـر من أي وقت مضى، و تعمل جاهدة على جعله واحد من أهم الملفات التي تحدد الرهانات الإنتخابية لرئاسيات أفريل 2017 القادمة و التي ستكون تحت شعار « إلاّ ساركوزي».
و الجزائر التي تبقي دائما على حبل الوّد السياسي مع فرنسا الرسمية بحكم العلاقات التاريخية بين الطرفين ، تملك من الأوراق ما يمكنها من لعب دور حاسم في تحديد معالم الساكن الجديد لقصر الإليزيه، في حال ما إذا تم تجنيد الجالية الجزائرية و معها المغاربية و التي تقدر بملايين الأصوات وباستطاعتها ترجيح كفة المرشح الذي يتبنى معاناتها و مخاوفها الناجمة عن الحملة العدائية الشرسة ضد المسلمين و التي يقودها اليمين و اليمين المتطرف و حتى بعض أهل اليسار الذين انحرفوا يمينا لمّا يتعلق الأمر بالمغاربة.
فرنسا لا تقوى على نسيان الجزائر و تركها لحالها، فهي تطلب علانية تعاونا جزائريا مكثفا في مجال مكافحة الإرهاب على التراب الفرنسي المهدد دوما، و تنتظر مساعدة على خروجها من مستنقعات تورّطت فيها بكل من سوريا و ليبيا و مالي، رغم اختلاف مقاربة البلدين.
غير أنها في السر تريد المزيد من المشاريع التجارية و الصفقات لشركاتها المفلسة، و تريد أن تبقى محتفظة بالأولوية و الأفضلية و دون مقابل ،
و هذا لم يعد مقبولا في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة. تاريخيا هذه هي العلاقات الجزائرية - الفرنسية معرّضة للمد و الجزر، و بالتالي تحتاج كلّما دعت الضرورة إلى إعادة التسخين.              النصر

الرجوع إلى الأعلى