أجمع متدخلون في ندوة علمية وطنية بجامعة وهران 1، على أن مبادرة تكوين جبهة وطنية للصحافة للتصدي للهجمات الإعلامية المتوالية على بلادنا، جاءت في الوقت المناسب، مؤكدين بأن الصحافة الجزائرية ملزمة بلعب أدوار جديدة مواكبة للتحولات، مشددين على ضرورة توفر عدة معطيات لتمكين الإعلام الوطني من لعب هذا الدور باحترافية ومهنية وأخلاق عالية. وقد نظم الندوة الموسومة بـ « تجربة الصحافة الساخرة في الجزائر»، قسم علوم الإعلام والاتصال، بالتنسيق مع مخبر سوسيولوجيا الاتصال الثقافي بجامعة الأغواط، تزامنا والاحتفال باليوم العالمي للصحافة وحرية التعبير.
بن ودان خيرة
* الأستاذ حبيب راشدين
هذه الفترة غير مناسبة للعبث بمقومات المجتمع
دعا الأستاذ حبيب راشدين وهو من قدماء الصحفيين، إلى عدم التوقف في التقييم الإعلامي للواقع الوطني على الهموم والانشغالات والمصالح فقط، وتجنيده بكل أصنافه للدفاع عن الوطن، والتركيز على التحديات المفروضة على بلادنا اليوم من كل جانب، بتحصينها بكل الوسائل، قائلا « ليس هذا هو الوقت الذي يمكن أن نعبث فيه بمقومات المجتمع»، فالعالم يخضع لانتقال رهيب على عدة مستويات منها الجيوسياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية وغيرها. وأشاد حبيب راشدين في مداخلة قدمها، بقيام نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعمل جبار في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية وسيادته وهويته، مساهمين بذلك في التصدي للحملات الإعلامية التي تقوم بها عدة أطراف أجنبية ضد بلادنا، موصيا بتبني أسلوب السخرية في المضامين الإعلامية لتطوير حس نقدي تجاه الخطابات المهيمنة.
وفي كلمته عن مسار الجريدة الأسبوعية «الصح-آفة» في تسعينيات القرن الماضي التي كان أسلوبها ساخرا، أوضح راشدين أن السخرية هي أداة قوية للتعبير عن الأوضاع المختلفة في المجتمع، وإيصال رسالة أشمل عن الوقائع، كما أنها ليست فنا هامشيا بل أداة مركزية لفهم العالم وتعديله، ما يجعل تدريسها ضروري لطلبة الإعلام والاتصال، الذين طالب بالالتفات إليهم عبر الجامعات الوطنية لأن صناعة الأفكار تنبع من الجامعة، وكذا تكوينهم في التكنولوجيات الحديثة للإعلام للتحكم في استخدامها، لدعم مسعى بناء الإعلام الجديد، لأن مستقبل الإعلام يقوم على التكنولوجيات والذكاء الاصطناعي في ظل تراجع دور الإعلام التقليدي.
وعبر راشدين عن ثقته الكبيرة في قدرات الشباب الجزائري، مثمنا إدراج نشطاء شباب في مجال الإعلام عبر الفضاء الأزرق «الصحافة الساخرة» في مضامينهم وهذا ما يعكس مستواهم في تناول الأخبار والمعلومات بطرق مختلفة، داعيا لضرورة تشجيعهم ودعمهم، بالمقابل، اعتبر أن الصحافة الوطنية اليوم مطالبة بالقيام بعمل نقدي بناء بكل احترافية ودون الدخول في صراع مع المؤسسات، ليكون عملها إضافة إيجابية لصالح الوطن.
* الدكتور والإعلامي عمار يزلي
الجبهة الإعلامية بحاجة لصحفيين متمكنين
وأوضح الأستاذ الدكتور والإعلامي عمار يزلي، أن مبادرة توحيد الصفوف لتشكيل جبهة وطنية للإعلام للتصدي للمغالطات وكل ما يبثه الإعلام الخارجي بخصوص بلادنا، تستدعي صحفيين متمكنين يتحكمون في اللغة ويتمتعون بثقافة عامة شاملة، أما التكوين فيأتي عن طريق الممارسة والتأطير الجيد.
واعتبر المتدخل في الوقت نفسه، أن الظرف الذي تعيشه الجزائر الآن مواتي جدا للصحافة الساخرة خاصة في تناول مواضيع وأخبار دولية، لأن هناك مفارقات عجيبة تحدث والعالم يتغير ويتشكل يوميا في اتجاه نحو التوحش والجنون، مما أدى إلى اللاحقوق باسم الحقوق، وهذا ما يمكن التعبير عنه بشكل جيد إعلاميا عن طريق «السخرية السوداء» اللاذعة والناجعة في إخراج المعاني المعبرة عن الوضع ومقاومة السقوط والإحباط.
ويمكن أن تنجح الصحافة الساخرة في بلادنا، كما قال، إذا وجدت تأطيرا جيدا وحاملا إلكترونيا يساهم في انتشارها، تزامنا وطرح مبادرة توحيد الصفوف في جبهة وطنية للإعلام، والتي قال بشأنها إنها يجب أن تبحث عن أسماء لصحفيين يتحكمون في اللغة ويتمتعون بثقافة عامة شاملة، ثم يأتي التكوين عن طريق الممارسة، مردفا أن هذا النوع من الصحافة يؤدي عدة أدوار منها مراعاة التنوع الثقافي واللغوي والاجتماعي في عملية إعداد المعلومات والأخبار، وأن المفارقات هي التي تخلق هذا النوع من الصحافة المعتمدة على السخرية التي هي نقد لاذع وطريف لواقع اجتماعي.
وقد ركز الأستاذ يزلي، في مداخلته، على أهمية العناوين في الصحافة، معتبرا أن الاشتغال على العناوين مهم كونه «عصارة مكثفة» لمئات الكلمات وآلاف الحروف، ويجب أن يؤدي الدلالات المناسبة والهادفة، واسترسل في قراءة العديد من العناوين التي ضمتها عدة أعداد من جريدة «الصح- آفة» والتي لخصت أوضاعا سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وطنية ودولية كانت سائدة آنذاك.
* الدكتورة فلة بن غربية
الصحافة الجزائرية مازالت تناضل للدفاع عن الوطن
قالت الدكتورة فلة بن غربية، أستاذة بقسم الإعلام والاتصال بجامعة وهران 1، إن الصحافة في الجزائر كانت ومازالت تناضل من أجل خطاب إعلامي يدافع عن البلاد التي هي اليوم في قلب الحدث العالمي، وهذا ما يستدعي بذل المزيد من الجهد للدفاع عن مقدسات الوطن والمجتمع.
وأوضحت الأستاذة أنه على وسائل الإعلام الجزائرية أن تبذل جهدا أكبر في التعاطي مع ما يحدث من حولنا، وتبني إستراتيجية مدروسة للخطاب الإعلامي لإيصال كلمتها بطريقة أخلاقية وفق قواعد صحفية، يكون مرتكزا على إستراتيجية تأثيرية وإقناعية وفق ميكانزمات الإقناع والتأثير بالأدلة والبراهين حتى تستطيع التصدي لما يبثه الآخر.
ويمكن للإعلام الجزائري الارتكاز على عدة أمور في المجتمع وأخذها، كما قالت، بعين الاعتبار لمخاطبة الفرد الجزائري بهدف ترسيخ وعي جماعي لديه، منها مقومات المجتمع، هويته، تاريخه، تراثه، مقدساته التي هي خط أحمر وحتى اجتماعياته التي يتميز بها عن غيره من الشعوب، وكل هذا وفقها يتطلب أيضا العمل على إعداد صحفيين متخصصين في مجالات مختلفة لمجابهة التحديات والرهانات، لأننا اليوم في وضع حساس ووقت يتطلب من الجميع الوقوف صفا واحدا «رجالا ونساء» في خطوط الدفاع بطرق أكثر جدارة وقوة وتأثيرا وإقناعا.
وأبرزت أن أصل الإعلام هو الصحفي، وعليه يجب الحرص على تكوينه وتلقينه أبجديات العمل الصحفي، كي يكون مثل الجندي الذي يحمل بندقيته لأن القلم والكلمة مثل الرصاصة، فالصحفي سلاحه هو الفطنة والإلمام بكل حيثيات الموضوع والإطلاع المستفيض على ما يحدث، وأن يستقي المعلومات من المصادر الرسمية والمراجع الموثوقة ويتناولها بطريقة موضوعية مع إحداث التأثير اللازم الذي يؤدي لترسيخ المضامين في الأذهان وبالتالي تحقيق ردود الأفعال المطلوبة، مشيرة هنا إلى أن «الإعلام الغربي ينتهج التكرار في عدة قضايا لأنه يلعب على المخيال الجماعي لزرع وعي مزيف يخاطبون به اللاشعور فيؤثرون ويقنعون»،
وأنه على الصحفي الجزائري كذلك أن يحرص على البحث والإطلاع والإهتمام والإلمام، حتى يطور قدراته ومهاراته خاصة وأن التكنولوجيات الحديثة توفر الكثير من الأمور التي يمكنه حسن استغلالها لترقية أدائه، معتبرة أن جريدة «الصح-آفة» هي حالة إعلامية في ظل سياق مميز بالانفتاح وبداية التعددية الإعلامية، وأن الأسلوب الساخر للجريدة لم يكن بغرض الإضحاك والتنكيت، بل كانت نوعا إعلاميا جادا ناقدا وله وقع مؤلم.