أحرز قطاعا التربية الوطنية والتعليم العالي على مدار 63 سنة الماضية مكاسب عدة في مجال تكوين الأجيال والإطارات لتقود قاطرة النمو و التقدم، مع حرص شديد على تحقيق مدرسة وجامعة الجودة، بتحيين المناهج وإقحام الرقمنة والوسائل التكنولوجية في التدريس، وتكوين الأساتذة لمواجهة التحديات والاستجابة لمتطلبات المجتمع.
وحظي التعليم بمختلف أطواره ومستوياته منذ الاستقلال باهتمام خاص ضمن البرامج والمخططات التي اعتمدتها الدولة لتحقيق النمو والازدهار في شتى المجالات، كما عكست الميزانية الهامة التي رصدتها الدولة لقطاعي الجامعات والتربية الوطنية ضمن قوانين المالية المكانة التي يتربع عليها العلم والمعرفة ضمن سلم الأولويات والرهانات.
ويشير تزايد عدد المرافق والهياكل التابعة لقطاعي التربية والتعليم العالي إلى تسارع وتيرة النمو في مجال التدريس والتكوين بصورة شاملة، بتسجيل أزيد من 30 ألف مؤسسة تعليمية في السنوات الأخيرة، وشبكة هامة من الجامعات والمدارس العليا، تتوفر على مختلف التخصصات، مع إحصاء حوالي 11 مليون تلميذ في الأطوار الثلاثة، ونحو 2 مليون طالب جامعي.
وتتوزع المرافق البيداغوجية التابعة لقطاعي التربية والتعليم العالي على مجمل أنحاء الوطن، يؤطرها الآلاف من الأساتذة والموظفين، يسهرون من جانبهم على تحسين ظروف التمدرس والتعليم، من خلال التكوين المتواصل للأساتذة، وتحيين المناهج، واعتماد الوسائل التكنولوجية في التعليم.
ويضم قطاع التعليم 54 جامعة و40 مدرسة عليا و13 مدرسة عليا للأساتذة فضلا عن 13 مركزا جامعيا، إلى جانب جامعة التكوين المتواصل، وبفضل الجهود التي يبذلها القطاع لبلوغ جامعة الجودة، تم في بداية الموسم الجامعي الحالي نقل عدة مؤسسات جامعية من التعليم الكلاسيكي إلى جامعة الجيل الرابع التي ترتكز على الابتكار والبحث التطبيقي وريادة الأعمال، وتقدم خدمات رقمية للمنتسبين للقطاع.
ويراهن هذا القطاع الاستراتيجي عبر استحداث عدة مراكز بحثية وحاضنات المشاريع المبتكرة على نقل التكنولوجيا من مراكز البحث العلمي إلى المؤسسات الاقتصادية، عن طريق تثمين نتائج البحث العلمي، وتحويلها إلى منتجات قابلة للتسويق والتطوير على مستوى المؤسسات الاقتصادية.
ويقود قاطرة التطوير العلمي والتكنولوجي نحو 70 ألف أستاذ باحث، من بينهم أزيد من 2200 باحث دائم على مستوى المؤسسات ذات الطابع العلمي والتكنولوجي، فضلا عن المراكز البحثية التي يتجاوز عددها 32 متخصصة في مجال ريادة الأعمال والابتكار.وتعد الثورة الرقمية التي يشهدها قطاع التعليم العالي في مجال الذكاء الاصطناعي من أبرز المكاسب المحققة، من خلال دعم المؤسسات الجامعية بمرافق لتثمين المشاريع البحثية في الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الباحثين والطلبة على الاهتمام أكثر بهذا الجانب العلمي، ناهيك عن استحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي بالقطب التكنولوجي لسيدي عبد الله بالعاصمة، التي تستقطب بدورها المتفوقين في امتحان شهادة البكالوريا.
وترمي السلطات العمومية عبر تطوير البحث العلمي وتطوير البيئة المناسبة للذكاء الاصطناعي لتحقيق السيادة في الميدان التكنولوجي والرقمي، وتقديم حلول جزائرية بحتة لمختلف الإشكالات ذات الطابع العلمي بدل الاعتماد على حلول مستوردة، إلى جانب إقحام الذكاء الاصطناعي في تطوير المجالات الاستراتيجية كالصحة والفلاحة و الصناعة. وأثمرت هذه الجهود إنجاز أبحاث عدة لمواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن الطاقوي، كما مكنت الجزائر من تبؤ مراتب مشرفة دولية في مجال البحث العلمي، وترتيب الجامعة الجزائرية ضمن أفضل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي دوليا، وعلى الصعيد العربي والإفريقي والمغاربي، بفضل ما تم إحرازه من نتائج في مجال البحث العلمي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة. ولا تقل مكاسب قطاع الجامعات منذ الاستقلال عن تلك التي سجلها قطاع التربية الوطنية ، ويعكس العدد الهام للمتمدرسين الذي يزداد سنويا، ليعادل حوالي ربع عدد سكان البلاد، مدى الاهتمام بالتربية والتعليم ضمن السياسات العمومية.
وتتجلى أهم المكتسبات في الحفاظ على مجانية التعليم لصالح كافة التلاميذ، إلى جانب ضمان التعليم التحضيري للأطفال ما قبل سن التمدرس، بتوفير المقاعد البيداغوجية الكافية والعدد المناسب من المؤطرين، إذ تعد هذه المرحلة من التعليم ركيزة أساسية ضمن المسار الدراسي للتلاميذ. ويمكن حصر الإنجازات الكبرى التي حققها قطاع التربية الوطنية في تعميم التعليم التحضيري وتوسيع تدريس اللغة الإنجليزية ليشمل جميع مراحل التعليم الابتدائي، إلى جانب تنصيب اللوحات الإلكترونية بالمدارس الابتدائية، وتخفيف مناهج الطور الأول الابتدائي، في انتظار تعميم الإجراء بصفة تدريجية على باقي الأطوار التعليمية بهدف تحقيق مدرسة الجودة، فضلا عن المراجعة المستمرة للأجور والعلاوات لفائدة المستخدمين.
ويعد رقمنة قطاع التربية على غرار التعليم العالي أهم مكسب تم تحقيقه بنجاح وبسواعد جزائرية، بفضل استحداث عديد الأرضيات والمنصات لتحسين جانب التسيير والتكفل الأمثل بالموارد البشرية، وتطوير طرق التدريس عبر تحسين كفاءات ومهارات المعلمين، إلى جانب تسهيل تعلم وتحصيل التلاميذ.
كما تعنى السلطات العمومية بالجانب الاجتماعي لمرافقة الفئات الهشة، بضمان مجانية الكتب والمنح المدرسية على غرار المنحة الجامعية التي يستفيد منها الطلبة، تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص، وتعد نسب النجاح في امتحانات المدرسة الوطنية مرآة عاكسة لمكانة المدرسة والجامعة ضمن البرامج التنموية.
لطيفة بلحاج