صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، الذي يحمل رقم 47 ''القانون رقم 25-05، المؤرخ في الـ 19 من شهر جويلية 2025، المتعلق بالتعبئة العامة''، والذي يهدف إلى تحديد الأحكام المتعلقة بكيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، كما نصت عليها المادة 99 من الدستور.
ويقصد بقانون التعبئة العامة - كما أوضح النص - مجموع التدابير الواجب اتخاذها لضمان أكبر فعالية في انتقال القوات المسلحة وأجهزة الدولة والمؤسسات الوطنية، وكذا الاقتصاد الوطني من حالة السلم إلى حالة الحرب، ووضع القدرات الوطنية تحت تصرف المجهود الحربي.
وتم التأكيد على أن المجهود الحربي يشمل تركيز كافة أو بعض القدرات والموارد البشرية والوسائل المادية والاقتصادية والمالية للدولة، إضافة إلى تكييف الإنتاج الصناعي مع متطلبات القوات المسلحة.
ويبرز هذا القانون في سياق تعزيز الجاهزية الوطنية الشاملة لمواجهة التهديدات الاستراتيجية، من خلال مقاربة متكاملة تشمل الدولة والمجتمع بكل مكوناته، بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني، لتأمين انتقال فعال من وضع السلم إلى وضع الحرب متى اقتضى الأمر.
ترمي التعبئة العامة إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة ورفع قدرات الجيش الوطني الشعبي، عبر وضع كافة الموارد البشرية والوسائل المادية اللازمة تحت تصرفه لتمكينه من أداء مهامه في حماية وحدة الوطن وسلامته الترابية، ومجاله البري والجوي والبحري.
ويستند تنظيم التعبئة إلى منظومة شاملة تتولى الدولة مسؤولية تنظيمها وتحضيرها وتنفيذها، من خلال مشاركة فعلية من كل المؤسسات والهيئات، إلى جانب المواطنين والمجتمع المدني، في إطار قانوني مضبوط.
وتقرر التعبئة العامة – حسب ما جاء في هذا النص - من طرف رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم أو في حالة وقوع عدوان فعلي أو وشيك بحيث يتولى رئيس الجمهورية تحديد المحاور الأساسية للاستراتيجية الوطنية للتعبئة العامة من خلال مرسوم رئاسي، بينما يسهر الوزير الأول أو رئيس الحكومة على تنسيق ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية.
كما يشرف وزير الدفاع الوطني على مجمل النشاطات المرتبطة بتحضير التعبئة العامة وتنفيذها، في حين تتوزع المهام التنفيذية بين مختلف الوزارات والمؤسسات وفق مجالات اختصاصها.
ويشمل تنظيم التعبئة العامة سلسلة من التدابير التي يتم إعدادها في وقت السلم وتستمر بشكل دائم عند تنفيذها، ومن بين أبرزها وضع إطار قانوني وتنظيمي خاص، وتشكيل آليات مكلفة بالنشاطات ذات الصلة، وتحضير مخططات التعبئة، وتحديثها بصفة دورية، وتكوين احتياطات بشرية ومادية، وتسخير الأشخاص والممتلكات والخدمات اللازمة، إلى جانب تنسيق جهود جميع المتدخلين وتوعية المجتمع المدني والمواطنين بدورهم.
كما يشير نص القانون إلى إنشاء آلية على مستوى الوزارات والمؤسسات الوطنية لمتابعة تنفيذ هذه التدابير، وتُعد مخططات خاصة من قبل الوزارات بالتنسيق مع وزارة الدفاع الوطني، تُدمج لاحقا ضمن المخطط العام الذي تُعده هذه الأخيرة، ويُعرض للمصادقة من رئيس الجمهورية.
وتحدد هذه المخططات – يضيف النص - الكيفيات الخاصة بالتحضير والتنفيذ والتنسيق بين المتدخلين، وتشكل مرجعا أساسيا عند تنفيذ التعبئة العامة، إذ تحتوي على جميع المعطيات والوثائق المعدة مسبقاً في وقت السلم.
كما ينص القانون على تسخير الأشخاص والممتلكات والخدمات وفقا للتشريع المعمول به، ويُلزم المتدخلين بالتنسيق الوثيق مع وزارة الدفاع الوطني، ويُشجع المجتمع المدني والمواطنين على تعزيز الحس الوطني وتحمل مسؤولياتهم.
يشمل تحضير التعبئة العامة – حسب ''القانون رقم 25-05، المؤرخ في الـ 19 من شهر جويلية 2025، المتعلق بالتعبئة العامة''، تنفيذ أعمال مشتركة وخاصة.
وتقع الأعمال المشتركة على عاتق الوزارات وتشمل إعداد النصوص التنظيمية، إعداد المخططات، وضع تقديرات مالية، إحصاء الموارد البشرية والوسائل المادية، وصيانة الاحتياطات، والمشاركة في تمارين محاكاة التعبئة وتقييم مدى الجاهزية.
أما الأعمال الخاصة – حسب الوثيقة - فتتولاها وزارة الدفاع الوطني وتشمل تحليل المعطيات الميدانية، تنظيم التمارين، والتنسيق مع السلطات المحلية من أجل الحفاظ على صلات مستمرة مع عسكريي الاحتياط وتحضير الدفاع الشعبي.
وتلعب الوزارات دورا مكملا في هذا المسار، منها وزارة الشؤون الخارجية التي تُكلف بتحسيس الجالية الوطنية في الخارج بدورها الدفاعي، وشرح شرعية اللجوء إلى التعبئة للمجتمع الدولي، فيما تتكفل وزارة الداخلية – يشير ذات النص - بتحديث قاعدة البيانات المتعلقة بالمواطنين والموارد القابلة للتعبئة، وتوعية السكان بعواقب التخلي عن واجباتهم الوطنية.
أما وزارة الصناعة فتسهر حسب هذا القانون، على تكييف الإنتاج الصناعي المدني مع المتطلبات العسكرية، في حين تتولى وزارة النقل ضمان ملاءمة وسائل النقل العمومية والخاصة مع الاحتياجات الميدانية. كما تسهر الأشغال العمومية على تهيئة البنية التحتية الضرورية، وخاصة الملاجئ وشبكات الطرق.
وتتكفل وزارة الصحة بتحضير وتجهيز الهياكل والمستلزمات الطبية، وتتكامل وزارات الطاقة، الفلاحة، الموارد المائية، والتجارة لضمان توفر الموارد الحيوية، بينما تضطلع وزارة المواصلات بمهام تعزيز شبكات الاتصال الوطنية، وتُسند إلى وزارة الشؤون الدينية مهام توعية المواطنين من منطلق الواجب الديني، فيما تعمل وزارة الاتصال على ترسيخ الحس الوطني عبر وسائل الإعلام.
وعند تنفيذ التعبئة العامة، تُواصل مؤسسات الدولة والقطاعان العمومي والخاص أداء وظائفها، لكن مع إعطاء أولوية مطلقة لحاجيات القوات المسلحة، ويترتب عن ذلك الانتقال الرسمي من حالة السلم إلى حالة الحرب، تعليق تسريحات العسكريين، استدعاء الاحتياط، وتفعيل تدابير دفاع شعبي، وتسخير الموارد، وتعليق التقاعد بالنسبة للوظائف الحساسة.
كما يتولى وزير الدفاع الوطني، بالتنسيق مع باقي الوزراء، تنفيذ المخطط العام تدريجيا، بما يشمل ترشيد استعمال الموارد الحيوية، وضمان حماية المنشآت الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الداخلية.
وتُكلف الجماعات المحلية في ذات الإطار، بتنفيذ الإجراءات التنظيمية، تسهيل تعبئة المواطنين، تنظيم حركة المرور لدعم التحرك السلس للقوات المسلحة، وتكثيف التوعية العامة.
وفي إطار المتابعة الدورية، يرفع وزير الدفاع الوطني تقريرا سنويا لرئيس الجمهورية حول مستوى التحضير والجاهزية في مجال التعبئة العامة، لتقييم الأداء وتوجيه التحسينات اللازمة.
تجدر الإشارة إلى أن ذات القانون الذي ينص على أنه " يترتب على التسخير ، الحق في تعويض عادل ومنصف طبقا للتشريع والتنظيم الساري المفعول''، يتضمن في ذات الوقت عقوبات سالبة للحرية وغرامات متفاوتة ضد كل من لم يتقيد بالتدابير المتخذة من طرف السلطات المختصة المرتبطة بحالة التعبئة العامة في مجال التنقل والدخول إلى التراب الوطني والخروج منه، و كل من ينشر أو يروج أو يتداول بأي وسيلة كانت، لاسيما عبر وسائل التكنولوجيات الحديثة، بيانات ومعلومات قصد عرقلة السير الحسن للتعبئة العامة، وغيرها.
عبد الحكيم أسابع