تواجه الحكومة الفرنسية مأزقا حقيقيا مع الدخول الاجتماعي الجديد بين تهديد النقابات بإضراب عام رفضا لخطة التقشف التي أقرتها حكومة بايرو، وبين عزم هذا الأخير عرض الخطة على البرلمان لنيل الثقة، في مشهد يؤكد فشل رهانها على تحويل أنظار الفرنسيين باللجوء إلى التصعيد مع الجزائر.
لم تدم طويلا سياسة الهروب إلى الأمام التي حاولت الحكومة الفرنسية إشغال الرأي العام الفرنسي بها بالتركيز على التصعيد مع الجزائر في الأشهر الماضية لتعود اليوم إلى مواجهة الواقع الحقيقي للمواطن الفرنسي بكل ما يحمله من تحديات ومخاطر.
فقد عادت النقابات الفرنسية إلى التصعيد من جديد بإعلانها الدخول في إضرابات وطنية يوم 18 سبتمبر الداخل للتعبير عن رفضها لخطط الحكومة خفض الإنفاق العام ومواجهة زيادة الدين الداخلي، إذ تواجه حكومة فرانسوا بايرو ضغطا متزايدا منذ إعلانه خفضا شاملا في الميزانية، وإلغاء بعض العطل الرسمية وتجميد الزيادات في الإنفاق.
ويواجه رئيس الحكومة فرانسوا بايرو اليوم خطر الإطاحة به بعد قراره اللجوء إلى التصويت على الثقة بحكومته يوم الثامن سبتمبر الداخل من أجل تمرير أو رفض سياسة التقشف والخطط المالية و الاقتصادية التي أقرها، وفي حال حجبت عنه الثقة فإن ذلك يعني سقوطا مدويا لحكومته وتغييرا جذريا في المشهد السياسي الفرنسي، وتوجها نحو المجهول، وهو ما سيخلط كل الأوراق داخل الحكومة والطبقة السياسية، وفي الشارع أيضا.
وفي هذا الخضم وفيما يحاول بايرو استمالة النواب للتصويت على مشروعه ومنح الثقة لحكومته بالتهديد بمنح الثقة للحكومة أو الدخول في فوضى مالية وسياسية وتحمل مسؤولية وتبعات تصويتهم، أعلنت أحزاب اليسار وحزب التجمع الوطني، تمسكها بخيار حجب الثقة، وفي نفس الوقت أفادت استطلاعات للرأي أن غالبية الفرنسيين يؤيدون حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، لكن هذا الخيار غير متوافق عليه لحد الآن بين مختلف فواعل الطبقة السياسية الفرنسية.
كما بينت استطلاعات الرأي أيضا في جانب آخر أن غالبية الفرنسيين لا يؤيدون الإجراءات التي اقترحتها حكومة بايرو في هذا المقام، وهو ما يعطي صورة عن الوضع الصعب الذي يمر به بايرو و حكومته في الوقت الحالي.
وفي حال سقوط حكومة بايرو بعد امتحان حجب الثقة في الثامن سبتمبر الداخل فإن ذلك يعني الدخول في عدم استقرار سياسي ودستوري واضح، إذ أن الرئيس إيمانويل ماكرون استهلك منذ بداية عهدته الثانية في سنة 2022 إلى اليوم أربع حكومات، وهو ما يؤشر على ضعف الأداء الحكومي في مواجهة المشاكل الداخلية وبخاصة منها تزايد الدين الداخلي الذي وصل إلى 3200 مليار يورو.
وفي خضم كل هذه الأزمة و تزايد المخاوف من سقوط حكومة بايرو أكد الرئيس ايمانويل ماكرون من جانبه أنه سيواصل مهامه حتى نهاية ولايته الرئاسية المقررة في 2027، على الرغم من الدعوات الكثيرة والمتكررة لتقديم استقالته وحل البرلمان وإجراء انتخابات.
ويؤكد المشهد السياسي العام في فرنسا اليوم أن الحكومة الفرنسية فشلت حتى الآن في تحويل أنظار الشعب الفرنسي عن مشاكله الداخلية، وتصديرها نحو الخارج، عندما اختارت التصعيد المتدرج مع الجزائر منذ عدة شهور، بافتعال أزمات دبلوماسية وقنصلية وسياسية مع الطرف الجزائري في كل مرة، ومحاولة إلقاء المسؤولية على الجزائر في كامل حلقات مسلسل التصعيد والقرارات غير المدروسة التي اتخذتها في هذا الإطار.
و ها هي اليوم تعود لمواجهة المشاكل الحقيقية التي تشغل بال المواطن الفرنسي قبل كل شيء، بل وهي مهددة بالسقوط، ما يؤكد أن رهانها على الملف الجزائري خاسر في النهاية.
إلياس -ب