أجمع فنانون مسرحيون وأكادميون ، شاركوا مؤخرا في فعاليات «عروض وهران الفكاهية»، أن الفكاهة الهادفة فن يصنعه الممثل البارع، والنص المناسب، ويديره المخرج. أما الضحك فيقرره الجمهور المتلقي، وأن الفكاهة تحمل رسائل للمجتمع ما يستدعي الحرص على ضبط المحتوى بما يتوافق والوضع الذي يعيشه الناس في يومياتهم.
* محمد ميهوبي فنان ومكون مسرحي
هي أصعب شكل مسرحي
أكد الفنان والمكون المسرحي محمد ميهوبي، الذي كان منسقا للعروض، أن الفكاهة أصعب شكل مسرحي من حيث الطريقة التي تؤدى بها والفكرة العامة للمسرحية، فالفكاهة هي الانطلاقة والضحك هو الوصول، وهي مهارة فنية يؤديها الممثل، ويخططها الكاتب، ويصنعها المخرج بمعنى أنها الوسيلة والفن معا.
و تعتمد حسبه، على الموقف وهي كونية يصنعها النص والإخراج وأداء الممثل، ووسائل العرض، كما توجد الفكاهة السهلة وهي محلية تعتمد على الكلمة مثل ما نجده في شكل «ستاند آب». أما الضحك فنتيجة و رد فعل وانفعال عاطفي للمتلقي بعد موقف مسرحي فكاهي، و قد يكون الضحك نتيجة لعدة مواقف، مثلا نكتة أو موقف مبكي أو مواقف أخرى، و الضحك لا يكتب كنص بل يأتي لا إراديا من الجمهور المتلقي.
مردفا، أن تأثير الفكاهة متفاوت على المجتمع ومرتبط بأسلوب إيصال الفكرة العامة للنص أو للإخراج، فهناك من يهدف للتسلية بالفكاهة ومن يريد تبليغ فكرة ما، وآخر لنشر ثقافة معينة، وطغت المبالغة في بعض العروض الفكاهية لدرجة أنها أثرت على الأداء المسرحي فوق الخشبة كما عبر، لأن الفكاهة شكل مسرحي وإحساس، ورد فعل إنساني فطري.
ودعا المسرحي، الفنانين للاجتهاد وتقديم أفكار مبتكرة جديدة تكون لها علاقة بالمجتمع مع احترام التوابث المتعارف عليها وأنه على الممثل أن يكون ابن محيطه وعصره، وأن يكون ذكيا في تقديم أعماله.
مبرزا، أن هناك شبابا يعملون في الخفاء و يؤدون المسرح بكل مقاييسه ومتطلباته، منوها بأن سيراط بومدين صنع نفسه بنفسه وساعدته الظروف في الفترة التي عاشها أيضا، وقال إن هناك مواهب جديدة ستدفع بالمسرح والفكاهة إلى الأمام لمواكبة العصر وتطورات ومتطلبات المجتمع، فهناك السهل الممتنع وهو ما أنجزه وينجزه عمالقة الفكاهة. أما الممتنع السهل هو ما يقوم به أشخاص لا معرفة لهم بالفن المسرحي، ومنه ما يقدمه بعض المؤثرون على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشاد محدثنا، بنسبة نجاح تظاهرة «عروض وهران الفكاهية» التي نظمت في الفترة ما بين 25 و29 أوت المنصرم، معتبرا أيضا أن العروض التي شاركت في التظاهرة، كانت متفاوتة فمنها من اجتهد وجاء بالجديد وهناك من اكتفى بعمل سابق، ومن المشاركين حسبه، من قدم أعمالا في شكل مسرحيات، وهناك من لجأ «للستاند آب»، ومنهم من مزج العرض بالأغنية الهزلية التي تعد من بدايات المسرح القديم، حيث كان الفنان يؤدي الأغنية ويمثل.
* قارة سيد أحمد مكون ومخرج وممثل مسرحي
بناء درامي و رسالة مجتمعية
من جانبه، أوضح الأستاذ قارة سيد أحمد مكون، ومخرج، وممثل مسرحي، أن المسرح أنواع والضحك نوع منه، ومسرحيات الكوميديا الساخرة أو الكوميديا السوداء أو «الفارص» أو»الفودفيل»، هي أنواع تعنى بالمسرح الكوميدي، والكوميديا لا يمكن أن تكون دون هدف كما قال، فوراءها يبحث الفنان عن موقف كوميدي يسمح له بتوظيف خيال الجمهور للهدف المبتغى بينما نشاهد اليوم أعمال الضحك من أجل الإضحاك فقط دون رسائل هادفة.
واعتبر الأستاذ قارة، أن الكوميديا التي أنجزها عمالقة الفن المسرحي الجزائري، كانت موجهة لمجتمع قد لا يشبه المجتمع الحالي، وبفضل تلك الأعمال « أعيد توجيه الجمهور نحو سبيل ما» من خلال رسائل فنية.
منبها، الممثلين الشباب من الانسياق وراء ما ينجز من أعمال عبر شبكات التواصل الاجتماعي لاستقطاب المتفرج ولو عن طريق التفاهات التي قد تضحك ولكن صلاحيتها تنتهي بسرعة.
وداعيا بالمقابل، إلى العمل على الفرجة والإمتاع بمواضيع من عمق المعيشة اليومية للجمهور، وهذا وفق بناء درامي حقيقي يحمل بين طياته رسالة بطريقة محترفة، لأن الممثل المتكون يستعمل تقنيات غير التي يعتمد عليها المؤثر عبر شبكات التواصل، بل يقدم «ضحكا مدروسا» متواصلا عبر الزمن بحيث يمكن إعادة مشاهدة العرض في أي فترة والضحك بنفس الوتيرة.
وقال المتحدث، إن الجمهور الحالي فقد البوصلة بين الواقع والمواقع، مردفا أن ما يعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، يفرض نفسه ويخلف أثرا اجتماعيا، ولكن يحيل أيضا إلى النقص المسجل في الواقع والمتمثل في عدم توفير البديل والاختيار الأمثل لصالح الجمهور.
* الأستاذ هشام سقال ناقد مسرحي
الفكاهة تأتي من الخشبة والضحك يأتي من الجمهور
وقال الأستاذ هشام سقال، ناقد مسرحي ومدير متحف أحمد زبانا بوهران، إن هناك فرقا بين الفكاهة والضحك، فالفكاهة تأتي من الخشبة والضحك يأتي من جمهور القاعة، كما أن الفكاهة هي المحتوى و الأسلوب الذي يتقدم به الممثل في طرح مضمون أو موضوع المشهد أو المسرحية المقدمين أمام الجمهور بصفة إرادية لأنه يتضمن نصا مكتوبا. أما الضحك فردة فعل الجمهور وغالبا ما تكون غير إرادية، وبالتالي هناك تفاوت كبير بطبيعة الحال.
وأضاف، أن الكتابة المسرحية تتضمن الكوميديا التي هي طابع من طبوع الكتابة الدرامية، والتي عرفت منذ الأزل أي منذ نشأة المسرح عند الإغريق، فالتراجيديا مثلا، شكل مسرحي أو شكل درامي مخصص لطبقة النبلاء، أما الكوميديا فكانت مخصصة لعامة الشعب البسيط.
والكوميديا كما أوضح، في أصلها أو في فيما جاء به المنظرون في المسرح لديها قواعد ترتكز عليها، فهي تعتمد على قالب درامي معين في الكتابة، وفي البناء، والشخصيات، وفي تركيبة الحوارات.
وقد عرف المسرح الجزائري الكوميديا عن طريق الفنانين رويشد ومحمد التوري، ورشيد القسنطيني، وكان طابع العديد من المسرحيات كوميديا، ومنها بعض الاقتباسات التي جاء بها المرحوم مصطفى كاتب من مسرحيات «موليار»، وكلها أعمال كوميدية بحتة.
وفي المسرح الجزائري كذلك، كان هناك العديد من المؤلفين الذين يكتبون للكوميديا ولكن المواضيع لم تكن كوميدية فقط بل هافدة، فمثلا عبد القادر علولة في مشاهد من مسرحية «الأجواد» مرر جملة من الرسائل التي حكت عن هموم المواطن الجزائري اليومية بطريقة كوميدية، فكان الجمهور يضحك على بعض المشاهد وعلى بعض المواقف الدرامية، وهنا يكمن الاختلاف. وأوضح المتحدث، أن هناك ما يسمى بالارتجال خاصة في العروض المعاصرة، فالكتابة لم تكن بقالب كوميدي محض مثل ما أنجزه محمد بن قطاف، وعز الدين مجوبي، بل هي مسرحيات كوميدية لها موضوع و فكرة عامة، ولها بداية، ووسط، ولها نهاية. مسرحيات تتحدث عن أمور جدية جدا ولكن بطريقة هزلية فكانت الأعمال المسرحية تجعل الجمهور يضحك على تناقضاته.
وقال، إن تظاهرة «عروض وهران الفكاهية» التي نظمت مؤخرا، كانت ناجحة جدا خاصة من جانب التنظيم، والمشاركة كانت قوية وأغلب المشاركين من الجيل الجديد الذي يسعى للتموقع في الساحة المسرحية، وتم خلال السهرات تقديم العديد من العروض الفكاهية التي حاول الممثلون من خلالها إمتاع الجمهور، لأن العروض كانت متفاوتة في الأداء ما بين الفكاهة والضحك.
مشيرا، إلى أن هناك شبابا يمتلكون الموهبة وعرفوا كيف يتعاملون بطريقة تفاعلية مع الجمهور خاصة في جنس «ستاند آب»، و هناك من قدموا بعض العروض وحاولوا محاكاة الفكاهة لكنها لم تلق استجابة.
* الممثل سمير بن علة المتوج بأحسن أداء
فن يعتمد على خفة الدم و الحوار و المواقف
قال الممثل سمير بن علة، الحائز على جائزة أفضل أداء، إن الفكاهة لا تقتصر فقط على الإضحاك بل تمرر رسائل هادفة للجمهور، وإن لم تضحك فالسبب هو النص، و الحوار الفارغ وكذلك الممثل، ربما عجزه عن إيصال الرسالة أو محتوى النص بشكل فكاهي.
وتوجد كذلك فكاهة دون معنى أو فارغة إن صح القول، وهي التي لا تحمل أية رسالة للمتلقي ومنها النكت والتهريج حسبه. مضيفا، أن هناك تكاملا بين الفكاهة والضحك، لأن الفكاهة هي وسيلة من خلالها نصل إلى الضحك الذي يمثل النتيجة، وتعتمد على خفة الدم، و الحوار الساخر، والمواقف الكوميدية. أما الضحك فرد فعل المتلقي على موقف مضحك، مبرزا أيضا أنه ليس كل من يحترف الفكاهة يمكنه أن يضحك، لأن المكان والمتلقي يختلفان من منطقة لأخرى، حسب الاختلاف الثقافي والاجتماعي وحتى الفئات العمرية، حيث يستطيع الممثل أن يضحك الجمهور في منطقة دون أخرى، كذلك الإضحاك قد يرتبط بالنص الذي قد يكون فارغا من المحتوى ولهذا لاينتج عنه ضحك. وبخصوص العرض الفكاهي الذي قدمه ونال بفضله الجائزة أوضح سمير، أنه عرض مسرحي فكاهي مصغر يحمل عنوان «وردية و لزرق»، تدور أحداثه حول زوجين في قالب فكاهي ومحاكاة الحياة الزوجية في كل المجتمعات وبالأخص المجتمع الجزائري، يقول :» نشاهد الزوجة وردية المتسلطة نوعا ما مع زوجها الرجل البسيط، وبالرغم من المشاكل اليومية بينهما إلا أنهما يحبان بعضهما ولا يمكن لهما الاستغناء عن بعضهما، وقد أدت دور الزوجة وردية الممثلة حورية زاوش، وكانت هذه أول مرة يتقاسم الثنائي الخشبة رغم أنهما قدما عدة أعمال تلفزيونية مشتركة».
بن ودان خيرة