احتضن أول أمس، المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني، سهرة موسيقية استثنائية ضمن الليلة الثانية من فعاليات الطبعة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي للمالوف، حيث توافد جمهور غفير من عشاق الطرب الأصيل ليستمتع بأداء مجموعة من الفنانين البارزين في الطابعين المالوف والأندلسي تتقدمهم سيدة الأداء الفنانة بهجة رحال.
افتتحت الفنانة السهرة في أجواء فنية طبعها عبق الأصالة والتراث الموسيقي العريق، وأطربت الحضور بمجموعة من النغمات الأندلسية، قدمتها بإحساس راق وأداء متقن، جعل الجمهور يتفاعل معها بشكل كبير منذ اللحظات الأولى.
وفي تصريح خصت به النصر على هامش الحفل، عبرت الفنانة عن سعادتها بتواجدها في قسنطينة، قائلة: « سعيدة لتمثيل مدرسة الصنعة في هذا المهرجان الكبير، وقد تحمست للقاء الجمهور وكأنه اللقاء الأول رغم أني بدأت مشواري عام 1974، وقد اخترت اليوم أن أقدم توليفة من المدارس الثلاث رئيسية في الصنعة العاصمية، الغرناطي في تلمسان، والمالوف القسنطيني».
وأضافت: «كانت أول مشاركة لي في هذا المهرجان سنة 1982، وهو فضاء مهم لتبادل الخبرات والتعلم بين هذه المدارس التي تعبّر عن هوية وأصالة الجزائر الثقافية»، وتحدثت رحال عن التقارب بين الصنعة والمالوف، موضحة أن النوبة التي أدّتها بطبع «السيكا» قريبة جداً من المالوف القسنطيني.
وأكدت، أن جمهور قسنطينة جمهور «ذواق وواعٍ»، مشيرة إلى أنها انبهرت بالتجاوب الكبير الذي قوبلت به من الحضور.
من جهته، قدّم الفنان محمد عبد الرشيد سقني أداء قويا ألهب قاعة المسرح، خاصة عند تقديمه لقصيدة «صالح باي»، التي قال إنه تلقى طلباً خاصاً لأدائها من الفنان التونسي زياد غرسة، ومن محافظ المهرجان إلياس قسنطيني.
وأوضح سقني، أنه اضطر لتقسيم القصيدة لطولها وذلك نظراً لضيق الوقت، معبّراً عن سعادته بنجاحه في إيصال الرسالة الفنية للجمهور، الذي تفاعل معه بشكل «فاق التوقعات» على حد تعبيره. وأضاف: «وجودي في هذا المهرجان فخر كبير، والحمد لله الذي وفقني في هذه السهرة».
كما أبهرت الفنانة التونسية والدكتورة في الموسيقى هند الزويري الحضور بنمط موسيقي فريد يمزج بين الأندلسي والتأثيرات العالمية.
وقالت في تصريحها للنصر: «سعيدة جداً بوجودي في قسنطينة وسط هذه الأجواء المتميزة من الضيافة والمحبة. الموسيقى التي أقدّمها تمزج بين الأندلسي والمشرقي والإسباني، بمشاركة عازفات من دول مختلفة مثل السويد والنمسا وتونس».
وأضافت الزويري: «كمؤلفة وعازفة ودكتورة في الموسيقى، أؤمن أن الموسيقى جسر يربط بين الشعوب، وهي لغة كونية لا تحتاج إلى ترجمة، بل تُفهم من خلال الطابع والمقام والنوتة».
وأشارت الفنانة، إلى أن إصداراً جديداً لها أطلق حديثاً في فرنسا، معربة عن فخرها بأن موسيقيين من دول وثقافات مختلفة يعزفون الموسيقى الجزائرية، واصفة ذلك بـ»الإنجاز الذي يترجم عالمية هذا التراث.»
أما مسك ختام السهرة، فكان مع الفنان القسنطيني عبد العزيز بن زينة، الذي قدّم أداءً مؤثراً حمل بين نغماته شجون الماضي وحنين الذكريات.
بن زينة، الذي عبّر عن تأثره العميق لكونه يشارك لأول مرة في مهرجان فني بمسقط رأسه، لم يتمالك دموعه أمام تفاعل الجمهور وقال: «أنا فخور جداً بتواجدي في قسنطينة، المدينة التي نشأت فيها، وما شاهدته الليلة من حب الجمهور أسعدني إلى أبعد الحدود. أشكر القائمين على هذا المهرجان الراقي، وأحمد الله على هذه الفرصة التي لا تُنسى».
السهرة لم تقتصر على الأداء الفني فقط، بل تخللتها لحظة مؤثرة تمثلت في تكريم عائلة الفنان الراحل عمار توهامي، أحد أعلام المالوف، في لمسة وفاء استُحضرت فيها روحه وذكراه أمام الجمهور.
أظهرت السهرة الثانية من مهرجان المالوف الدولي أنّ هذا الحدث بات أكثر من مجرد تظاهرة فنية، بل هي منصة حقيقية للتلاقي الثقافي والتبادل بين الفنانين المحليين والدوليين، حيث عبّر المشاركون عن تقديرهم العميق للجهود التنظيمية وللجمهور القسنطيني المعروف بذوقه الرفيع.
وبين النوبات الأندلسية والطبوع القسنطينية، وامتزاج العود بالناي، والصوت بالكلمة، رسم المهرجان لوحته الفنية التي تعكس غنى التراث الجزائري، وانفتاحه في الوقت نفسه على العالم، ليبقى المالوف، بكل طبقاته ومقاماته، رمزاً لهوية تتجدّد دون أن تنقطع عن جذورها.
عبدالغاني بوالودنين
