حين يتمنى طفلٌ الموتَ، لأنّه لا يجد ما يأكل بعد نفاد أوراق الأشجار وأعلاف الحيوانات، فإنّ ذلك يعني أنّ الإنسان قد استكمل دورته في سلّم الارتقاء وعاد إلى نقطة الصّفر. ولا نحتاجُ في فهم ما يحدثُ إلى شروحات فلاسفةٍ يستعرضون مهارات لغويّة يعوزها الموقف الأخلاقيّ في بلاتوهات التلفزيونات التي يمتلكها مُفترسون يحاولون إعادة تشكيل الرأي العام العالمي على الصّورة التي تخدم تجارتهم، ولا نحتاج إلى سماع كلام ساسةٍ يُديرون العالم بمنطق الصّعاليك.
حين يتمنى طفلٌ الموتَ ليأكل في الجنّة، لا يُجدي كلامٌ آخر، ويدخلُ في دائرة الحماقة كلّ حديثٍ عن مسؤوليّة "المقاومة" و تفوّق حضارة على أخرى، فالطفل الذي مات بالجوع أو بالصّواريخ، مات لأنّ ثمّة قاتل يقتلُ بالسّلاح وبمنع الغذاء، ومات، أيضًا، لأنّ ثمة من يبرّر للقاتِل أفعالَه ويبرّر للضحيّة عدم جدارتها بالحياة، و"الحضارة المتفوقة" لا تتنكّر لطابعها الديني، بل تستدعيه في حشد الدّعم وتُجبر العالم على الاستراحة من علمانيّته حين يتعلّق الأمر بها.
حين يسقطُ صِحافيّون خلف الكاميرات مغمى عليهم من الجوع، لأنّهم اختاروا نقل أخبار الجُثث وليس تزيين أفعال لُصوص العالم والمفسدين في الأرضِ، سنتذكّر بأنّ شرف هذه المهنة (المطعون) يصونه نساءُ ورجالُ الميْدان في بحثهم عن الحقيقة، وليس صُنّاع البروباغندا والتّضليل في البلاتوهات الفارهة.
حين يُقتلُ طفلٌ، أو يتمنى الموت حتى لا يُقتل على مهلٍ، فإنّ ذلك يعني أن الإنسانيّة سقطت ولا ضرورة للتفتيش عن الأسباب أو الاختفاء خلف الجمل، لتبرير ما لا يقبل التّبرير.
والمُحزن في القصّة أن الدّفاع عن قتلة الأطفال لم يعد مقتصرًا على بعض وسائل الإعلام الغربيّة وبعض الفلاسفة والمفكرين الذين يتغذّون من المزرعة الصهيّونيّة، بل انتقل إلى المنطقة العربيّة، حيث يجري التّرويج للاصطفاف في معسكر المجرمين، على أساس أنه اختراقٌ ونجاحٌ دبلوماسي و أنه انتقال إلى نادي الأمم المتطوّرة، وبالتالي فإنّ ما كان يُعرف بالخيّانة أصبح حنكة سيّاسيّة تستدعي التّعميم والإدراج في "كاتالوج" النّجاح لتفيد المُقبلين على تبني مواثيق الذّل.
حين يتمنى طفلٌ الموت، فإنّه يسقط الأقنعة عن وجوه القتلة وشركائهم.
حين يتمنى طفلٌ الموت فإنّه يُعيد النّظر في تعريف الحياة الكاذبة التي نحياها.
سليم بوفنداسة