الثلاثاء 22 جويلية 2025 الموافق لـ 26 محرم 1447
Accueil Top Pub

مائدةٌ في الجنّة


حين يتمنى طفلٌ الموتَ، لأنّه لا يجد ما يأكل بعد نفاد أوراق الأشجار وأعلاف الحيوانات، فإنّ ذلك يعني أنّ الإنسان قد استكمل دورته في سلّم الارتقاء وعاد إلى نقطة الصّفر. ولا نحتاجُ في فهم ما يحدثُ إلى شروحات فلاسفةٍ يستعرضون مهارات لغويّة يعوزها الموقف الأخلاقيّ في بلاتوهات التلفزيونات التي يمتلكها مُفترسون يحاولون إعادة تشكيل الرأي العام العالمي على الصّورة التي تخدم تجارتهم، ولا نحتاج إلى سماع كلام ساسةٍ يُديرون العالم بمنطق الصّعاليك.

حين يتمنى طفلٌ الموتَ ليأكل في الجنّة، لا يُجدي كلامٌ آخر، ويدخلُ في دائرة الحماقة كلّ حديثٍ عن مسؤوليّة "المقاومة" و تفوّق حضارة على أخرى، فالطفل الذي مات بالجوع أو بالصّواريخ، مات لأنّ ثمّة قاتل يقتلُ بالسّلاح وبمنع الغذاء، ومات، أيضًا، لأنّ ثمة من يبرّر للقاتِل أفعالَه ويبرّر للضحيّة عدم جدارتها بالحياة، و"الحضارة المتفوقة" لا تتنكّر لطابعها الديني، بل تستدعيه في حشد الدّعم وتُجبر العالم على الاستراحة من علمانيّته حين يتعلّق الأمر بها.
حين يسقطُ صِحافيّون خلف الكاميرات مغمى عليهم من الجوع، لأنّهم اختاروا نقل أخبار الجُثث وليس تزيين أفعال لُصوص العالم والمفسدين في الأرضِ، سنتذكّر بأنّ شرف هذه المهنة (المطعون) يصونه نساءُ ورجالُ الميْدان في بحثهم عن الحقيقة، وليس صُنّاع البروباغندا والتّضليل في البلاتوهات الفارهة.
حين يُقتلُ طفلٌ، أو يتمنى الموت حتى لا يُقتل على مهلٍ، فإنّ ذلك يعني أن الإنسانيّة سقطت ولا ضرورة للتفتيش عن الأسباب أو الاختفاء خلف الجمل، لتبرير ما لا يقبل التّبرير.
والمُحزن في القصّة أن الدّفاع عن قتلة الأطفال لم يعد مقتصرًا على بعض وسائل الإعلام الغربيّة وبعض الفلاسفة والمفكرين الذين يتغذّون من المزرعة الصهيّونيّة، بل انتقل إلى المنطقة العربيّة، حيث يجري التّرويج للاصطفاف في معسكر المجرمين، على أساس أنه اختراقٌ ونجاحٌ دبلوماسي و أنه انتقال إلى نادي الأمم المتطوّرة، وبالتالي فإنّ ما كان يُعرف بالخيّانة أصبح حنكة سيّاسيّة تستدعي التّعميم والإدراج في "كاتالوج" النّجاح لتفيد المُقبلين على تبني مواثيق الذّل.
حين يتمنى طفلٌ الموت، فإنّه يسقط الأقنعة عن وجوه القتلة وشركائهم.
حين يتمنى طفلٌ الموت فإنّه يُعيد النّظر في تعريف الحياة الكاذبة التي نحياها.

سليم بوفنداسة



المزيد من الأعمدة

مائدةٌ في الجنّة

حين يتمنى طفلٌ الموتَ، لأنّه لا يجد ما يأكل بعد نفاد أوراق الأشجار وأعلاف الحيوانات، فإنّ ذلك يعني أنّ...

  • 21 جويلية 2025
لا يصدأ !

تعبّر النّخب "الحقيقيّة" عن عبقريّة أممها وتتحوّل إلى رصيدٍ رمزي ووسيطٍ في الحوار مع الشعوب...

  • 14 جويلية 2025
سحت

يحاولُ حملةُ أقلامٍ يكتبون في الصّحافة الفرنسيّة الزج بالجزائر في محاور مُستهدفة، بل ويجتهدون في...

  • 30 جوان 2025
لُقــــاح

سليم بوفنداسةتحوّل تغليفُ الباطل برداء الحقّ إلى صِناعة مضمونة الرّواج، بسبب فوضى فكريّة ناجمة عن...

  • 24 جوان 2025
حربٌ تُخفي أخرى

  سليم بوفنداسةتُخفي الحربُ الدائرة حربًا مُضمرة، قد تُسمى باسمها خارج الدوائر الرسميّة والأدبيّات السياسيّة...

  • 17 جوان 2025
بروتوكول فانون

يُعيد الخطاب النيوكولونيالي الذي تُنتجه النّخب الغربيّة، هذه الأيام، فرانز فانون إلى واجهة...

  • 09 جوان 2025
لا تلعب معهم!

تدفعُ "نوايا حسنة" بعض الأكاديميين الجزائريين للمشاركة في برامج سجاليّة في قنوات عربيّة وأجنبيّة...

  • 12 ماي 2025
حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com