غيّرت مخلفات النسخة الثانية من دورة «البلاي أوف» الوطنية للأصناف الشبانية من معالم الخارطة الكروية الوطنية، لأن هذه المنافسة أتاحت الفرصة لبعض المدارس لنفض الغبار عنها، والعودة إلى الواجهة بفضل الشبان، في مرحلة أصبحت فيها موازين القوى شبه ثابتة على مستوى الأكابر، لأن دخول «الاحتراف» موسمه 15 جعل من الجانب المادي معيارا مهما في توزيع مستويات أندية «النخبة»، بين الكوكبة المرشحة دوما للتنافس على لقب البطولة، أو مقاعد فوق «البوديوم» تؤهل للمشاركة القارية، وبين مجموعة تسعى للظهور كأطراف بارزة في المعادلة، بينما تبقى الكوكبة الثالثة بهدف ينحصر في ضمان البقاء، ولو أن الملفت للانتباه أن مستوى نشاط الأكابر لم يعد المقياس الذي يلقي بظلاله على إفرازات بطولة الشبان، لأن النظام الذي اعتمدته الفاف منذ موسمين فتح صفحة جديدة في صيغة المنافسة بالنسبة للفئات الشبانية، من خلال تنظيم بطولة تحدد بطل الجزائر في كل صنف، فكان فريق جمعية الشلف الوحيد من الرابطة المحترفة، الذي سجل تواجده في لائحة أبطال الشبان للموسم الكروي (2024 / 2025)، مقابل نجاح فريق من وطني الهواة وآخر من قسم ما بين الجهات في البروز، وخطف التاج الوطني.
الإقدام على برمجة دورة «البلاي أوف» الوطنية، كان من أهم القرارات التي اتخذها المكتب الفيدرالي في أكتوبر 2023، والذي جاء امتدادا لقرار تعليق تنظيم بطولة الشبان على مستوى الرابطة الوطنية للهواة، وإسناد المهمة للرابطات الجهوية للتكفل بتنظيم بطولة الأصناف الشبانية على اختلاف مستوياتها، لكن بمراعاة معيار الانتماء، خاصة بالنسبة لفرق النخبة، وكذا وطني الهواة، والتي تحصلت على أفضلية النشاط في أفواج «الامتياز»، وهو الإجراء الذي خفف كثيرا من التكاليف المالية للأندية بخصوص الشبان، خاصة بعد الإعفاء من التنقلات الطويلة، وفي الكثير من الأحيان من المبيت، ليكون الطابع «الوطني» حاضرا في المرحلة النهائية من البطولة، من خلال دورة «البلاي أوف» التي ينشطها أبطال الرابطات الجهوية في كل فئة عمرية، من أجل التنافس على لقب البطولة الوطنية، وبالتالي تحديد بطل الجزائر في كل صنف.
ولعل من أهم المكتسبات، التي تم تحقيقها في النسخة الثانية من هذه المنافسة عودة الفئات الشبانية إلى النشاط على مستوى منطقة الجنوب الغربي من الوطن، بعد تعليق بطولة الشبان على مدار 14 سنة كاملة، حيث كانت المشاركة في الرابطات الولائية اختيارية، وفريق شبيبة الساورة ظل منذ صعوده إلى الرابطة المحترفة، يطلب ترخيصا استثنائيا من الفاف يسمح له بمزاولة نشاط الشبان على مستوى رابطة وهران الجهوية، لكن ومع انطلاقة الموسم الرياضي (2024 / 2025)، ألزمت الاتحادية جميع الرابطات بتنظيم بطولة الشبان، فكانت عودة النشاط في الفئات الصغرى على رابطة بشار الجهوية والرابطات الولائية المنضوية تحت لوائها من أهم الانجازات المحققة، بصرف النظر عن تتويج اتحاد بشار الجديد باللقب الوطني في فئة الأواسط، وبلوغ اتحاد تندوف المرحلة الوطنية من التصفيات، كما أن النجاح الذي عرفته الطبعة الأولى من دورة «البلاي أوف» الوطنية جعلت مسؤولي النوادي يوجهون اهتمامهم نحو الشبان، بالمقارنة مع ما كانوا عليه في المواسم السابقة، خاصة وأن الأمر يتعلق بلقب البطولة الوطنية.
وجاءت هذه الخطوات لتواكب استراتيجية العمل المنتهجة من طرف المديرية الفنية الوطنية، والرامية بالأساس إلى إعادة هيكلة المنتخبات الوطنية للشبان، والانطلاق في مخطط البناء الهيكلي من نقطة الصفر، من خلال التنقيب عن المواهب التي تمتلك من المؤهلات الفنية الفردية ما يرشحها للتواجد ضمن حاملي الألوان الوطنية في كل الفئات العمرية، وهي السياسة التي تأتي لتكمل الشطر الثاني من البرنامج الخاص التي تم تسطيره في وهران، بتنظيم مهرجانات تحت تسمية «خضر المستقبل»، الموجهة بالأساس لمواليد سنتي 2010 و2011، لأن المديرية الفنية، وفضلا عن التغيير الذي أدخلته على تركيبة طواقم كل المنتخبات، فإنها قررت رسم خارطة طريق «استباقية» لبناء كل منتخب، وفق الاستحقاقات المبرمجة على المديين القصير والمتوسط، وعليه فقد كانت مباريات دورة «البلاي أوف» الفضاء المناسب للمعاينة، خاصة في النهائيات.
من هذا المنطلق فإن النسخة الثانية عرفت غياب «كبار» الرابطة المحترفة عن المرحلة الوطنية، والاستثناء صنعه فريقا جمعية الشلف ونادي بارادو بالتواجد في هذه المحطة بالفئات الثلاثة، حيث أن «أكاديمية» بارادو كانت قد أحكمت سيطرتها على البطولة على مستوى الرابطة الجهوية للجزائر الوسطى، مما قطع الطريق أمام أندية «عاصمية» كبيرة للظهور في دورة «البلاي أوف» الوطنية، في صورة اتحاد ومولودية الجزائر وشباب بلوزداد، وحتى شبيبة القبائل وأولمبي أقبو، لأن التتويج بكأس الجمهورية لهذا الموسم كان من نصيب فرق من هذه الرابطة، بعد إحراز أبناء «سوسطارة» الكأس لدى الأصاغر والأكابر، بينما نال أشبال أقبو كأس الأشبال، في حين توج أواسط مولودية الجزائر بالكأس، لكن بروز «الباك» كقوة ضاربة في الشبان في مشوار البطولة قلب الموازين، وأجبر حاملي الكأس على البقاء بعيدا عن مرحلة الأضواء.
بالموازاة مع ذلك فقد برزت فرق مصنفة في خانة «الصغار»، كما هو الحال بالنسبة لاتحاد شرطة سطيف، وكذا اتحاد سيدي عمار من جهوي عنابة، فضلا عن تألق مشعل تحدي البرج وأكاديمية فروحة مجددا، وهو الثنائي الذي أصبح يسرق الأضواء في منافسات الشبان سواء في البطولة أو كاس الجمهورية.
إلى ذلك، فإن الأمور الميدانية سارت في ظروف جسدت استعادة الشبان لمكانتهم في المشهد الكروي الوطني، لأن الاهتمام الكبير الذي أولته الفاف لمباريات «البلاي أوف» على امتداد مراحلها قابلته متابعة جماهيرية كبيرة، والعرس الكروي الذي احتضنته مدينة قاوس بولاية جيجل مطلع هذا الأسبوع، كان المرآة العاكسة للنجاح الكبير الذي عرفته هذه الطبعة، سواء من الناحية التنظيمية، بانبهار الحضور من الامكانيات المتوفرة بملعب الحسين ريموش بقاوس، أو الإقبال الجماهيري الذي زاد في جمالية المشهد، وصولا إلى المستوى الفني، والذي أتاح الفرصة للتقنيين لاكتشاف مواهب فنية تعد بالكثير، في كل الفرق التي نشطت النهائيات، كما أن الاحتكام إلى ركلات الترجيح في النهائيات الثلاثة أبرز دليل على التنافس الشديد بين الشبان من أجل التتويج باللقب، فكانت نهاية المنافسة بتربع أبطال جدد على العرش، لأن ترجي قالمة لفئة أقل من 15 سنة خلف نادي بارادو، وأشبال «الباك» تنازلوا عن لقبهم الوطني لجمعية الشلف، في حين أصبح اتحاد بشار الجديد بطلا للجزائر في صنف الأواسط، بدلا من وفاق سطيف، وهي حصيلة تؤكد بأن انتماء «الأكابر» ليس معيارا للوقوف على جدية العمل المنجز في الشبان، لأن الخزان الحقيقي يبقى على مستوى أندية الهواة.
صالح فرطاس
