رفعت الجزائر سهرة أول أمس، عارضة التنظيم عاليا، من خلال مراسيم حفل افتتاح النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية، لأن كسب الرهان من أول لحظة في مسار هذا المولود الجديد في الساحة الرياضية القارية، سيضع مستضيفي قادم الطبعات أمام تحديات أكبر، من شأنها أن تعطي هذه المنافسة درجة الأهمية التي يراهن عليها الاتحاد الدولي للرياضة المدرسية، ولو أن رفع الستار عن هذه التظاهرة كان في أجواء مميزة، وجهت من خلالها الجزائر الكثير من الرسائل إلى العالم برمته، مكرسة المواقف الثابتة والرامية بالأساس إلى ترسيخ مبدأ الأمن والسلام، وتجسيد التآخي ومد جسور المحبة بين شبان القارة السمراء، بأقطابها الأربعة، فكان حفل الافتتاح في مستوى التطلعات، ورسم المكانة المرموقة التي تحتلها الجزائر في قارة إفريقيا، سواء من المجال الرياضي، أو السياسي، من خلال فتح ذراعيها لكل أبناء القارة، وتكريس قيم الوحدة، وتوجيه رسالة دعم الأمن والسلام، فضلا عن وضع حجر الأساس لانطلاقة جديدة للرياضة في إفريقيا، والتي لم تكن لتبلغ هذا المسار المتكامل لولا الإرادة السياسية الحقيقية، وترسيخ القناعة التي تنصب المدرسة في خانة نقطة الانطلاق لتكوين الفرد.
رسالة الجزائر إلى العالم، كانت من مركب 19 ماي 1956 بعنابة، في افتتاح تجاوز ما كان يراهن عليه مسؤولو لجنة التنسيق بين اللجان الوطنية الأولمبية لبلدان القارة الإفريقية، لأن الأمر يتعلق بألعاب مدرسية، مخصصة لشبان تتراوح أعمارهم ما بين 14 و17 سنة، لكن الدولة الجزائرية أعطت هذه التظاهرة الأهمية البالغة، من خلال تسخير إمكانيات مادية وبشرية معتبرة، في سبيل إنجاح هذا الحدث الرياضي القاري، خاصة وأن الجزائر كانت سباقة إلى احتواء هذا المشروع بمجرد الإعلان عنه كفكرة، وقرار الموافقة على استضافة النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية، وضع مسؤولي الهيئة القارية المشرفة على الرياضة المدرسية أمام تحديات أخرى، سيما وأن الحكومة الجزائرية نجحت في توفير كل الظروف الكفيلة بإنجاح هذه التظاهرة، في ظرف قياسي، لم يتعد 5 أشهر، ليكون الرد الميداني واضحا وصريحا سهرة أول أمس من «بونة»، حيث كان حفل الافتتاح في أجواء «خرافية»، بلوحات فنية «كوريغرافية»، مزجت بين التراث الذي يمتد في أعماق القارة السمراء وبين نبض الشباب، وذلك بعرض سافر بين الحضارات القديمة التي كانت قد مرت على المنطقة، وضربها في عمق الموروث التراثي والثقافي الذي تزخر به بلادنا.
حفل عنابة مرآة عاكسة لقدرات الجزائر
النجاح الباهر المحقق في حفل الافتتاح، جاء ليرسم المكانة الحقيقية للجزائر في الخارطة الإفريقية، سواء في الشق الرياضي أو السياسي، لأن أجواء عنابة سهرة أول أمس كانت المرآة العاكسة لمدى قدرة البلد على تنظيم واستضافة تظاهرات ومنافسات رياضية كبرى، لأن هذه التظاهرة واصلت «الديناميكية» الكبيرة التي تعيش على وقعها الجزائر، والتي كانت انطلاقتها منذ استضافة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وهران 2022، وبعد ذلك دورة «الشان 2022»، ثم كأس أمم إفريقيا لفئة أقل من 17 سنة، وكان بعدها الموعد مع دورة الألعاب العربية، لتفتح بعدها الجزائر ذراعيها لاحتضان شبان القارة السمراء، من الرياضيين المتمدرسين، بنحو 1700 مشارك، من 47 دولة، في تظاهرة هي الأولى من نوعها التي تقام في إفريقيا، والتنافس فيها سيكون بين رياضيين شبان، يسعون لتعبيد طريقهم نحو «النجومية»، إلا أن الدولة الجزائرية ارتأت إقامة حفل يجسد استراتيجية السلطات العليا للبلاد في تصوراتها الإستشرافية لدعم وتأطير شريحة الشبان في كل المجالات.
رفع الستار عن الطبعة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية كان في حفل «خضم» تخللته لمسات فنية، زاوجت بين التاريخ والموروث الثقافي، والتنوع الحضاري على امتداد العصور، كما أن «البانوراما» المقدمة في العرض الفني جسّدت قيم الوحدة والتآخي بين الشعوب الإفريقية، ومعانقة رسالة السلام، كما أنها رسمت معاني انفتاح الجزائر على الثقافات الأجنبية، مع إبراز دورها في ترسيخ التقارب بين الشعوب، وهذا عن طريق الاحتكاك المباشر في المجال الرياضي، فكانت رسالة «عنابة 2025» تأكيد على أن الجزائر الجديدة بلد مستقر وآمن، يستضيف شبان القارة وجعلهم يقضون جنبا إلى جنب لفترة «رياضية» أجواء أخوية في سقف واحد بالجزائر، مع ترسيخ مبدأ العيش معا في سلام في قارة إفريقيا، مهد أكبر وأعرق الحضارات.
إلى ذلك، فإن بصمة الجزائر اتضحت بصورة جلية في هذه التظاهرة، لأن المنافسة تعد «حديثة» في الخارطة الرياضية الإفريقية، لكن البلد المستضيف كان في مستوى الحدث، وتمكن من الظهور بوجه يعكس الأهمية البالغة التي كانت السلطات العليا للبلاد قد أعطتها لهذه التظاهرة، وذلك بالاستثمار في الامكانيات المعتبرة التي تم تسخيرها، في ظل توفر الجزائر على مرافق رياضية وهياكل استقبال وبنى تحتية تسمح لها بالنجاح في التنظيم، فكان العرس الرياضي القاري لشبان 47 دولة إفريقية محطة جديدة لإبراز مكانة البلاد ضمن الدول التي لديها من المقومات ما يسمح لها باحتضان منافسات رياضية من مستوى عال، ولو أن هذه التظاهرة وبعيدا عن إطارها الرياضي، فإن أبعادها امتدت إلى باقي المجالات، لأنها كرست المواقف الثابتة، والداعمة للجزائر، حكومة وشعبا، والتي تدعم دوما مبدأ الأمن والسلام، بنزول أزيد من 1700 شاب من مختلف ربوع القارة في ضيافة بلد يعد طرفا بارزا وفعالا في إفريقيا، وحتى العالم، مقابل نبذ العنف، من خلال التوسط في النزاعات، بحثا عن حلول بطرق سلمية، ودعم لغة الحوار والتفاوض، مع ترسيخ مبدأ السلام والتعاون بين الشعوب، وهي مواقف مترسّخة لدى الجزائريين، رسمها الجمهور الغفير، الذي سجل حضوره بقوة سهرة أول أمس بملعب 19 ماي 1956 بعنابة، والذي نال العلامة الكاملة، لأنه زاد في جمالية المشهد، بالتفاعل مع العروض المقدمة، مما جعل ضيوف الجزائر يسارعون إلى الإشادة بحفل الافتتاح، والتأكيد على نجاحه الباهر.
صالح فرطــاس