يرتبط شهر رمضان الكريم، في ولاية ورقلة الجزائرية وعدد من مدن الجنوب، بعادة قديمة متوارثة، تعرف بـ « الداير»، وهي عادة ما تزال قائمة إلى يومنا هذا رغم رياح العصرنة، وتعد من السلوكيات الاجتماعية الإيجابية و المستحبة التي تكرس التكافل وتزرع المحبة والتآخي بين الأفراد.
ويرجع سر تسمية العادة التقليدية بـ « الداير»، إلى توالي السهرات على أفراد العائلة أو الجيران بشكل دائري طيلة أيام الشهر الفضيل، حيث يقع الاختيار على المضيف بحسب موقعه في الجلسة الدائرية، مع ضرورة محافظة الأشخاص على نفس موقعهم في الجلسة.
وتقوم هذه العادة على تنظيم لقاء في كل يوم من أيام الشهر بعد أداء صلاة التراويح مباشرة، يجمع اللقاء سكان منطقة معينة أو قاطني حي من الأحياء الشعبية ويمكن أن يكون المجتمعون أفراد عائلة كبيرة، وهي عادة معروفة بشكل كبير لدى سكان ورقلة وبالأخص في أوساط « المخادمة» و « سعيد عتبة» و» بني ثور» و « بني عمران» و « بني عامر».
ويحرص أصحاب البيت قبل حضور ضيوفهم، على إعداد كل ما تتطلبه السهرة، بتحضير سفرة متنوعة من أطباق وحلويات تقليدية تتميز بها المنطقة، ويكون الشاي الصحراوي ملك الجلسة الذي لا يمكن الاستغناء عنه في لمات أهل الجنوب، ومن أبرز الأكلات التقليدية التي يتم تحضيرها في عادة « الداير»، أطباق متنوعة من المعكرونة و الدشيشة و المختومة والمحمصة والمرسوم وغيرها، وهي وصفات تبدع نساء الجنوب في طبخها.
وتبدأ لمة « الداير» بتناول ما لذ وطاب من المأكولات وتبادل أطراف الحديث وتقاسم السهر والحكايات والسمر، لتختتم السهرة بقراءة جماعية لآيات من القرآن الكريم، وتبادل القصص والمعلومات الدينية، ومدح النبي الكريم و التهاليل الدينية.
وتستمر الجلسة لما يقارب الأربع ساعات إلى غاية اقتراب موعد السحور، ولا يفترق الشمل إلا بعد تحديد المنزل الذي ستقام فيه الوليمة التالية في اليوم الموالي ليفترق المجتمعون على أمل اللقاء و يتوجه كل منهم نحو بيته للسحور وأداء صلاة الفجر. و الهدف الأسمى والأساسي من تطبيق هذه العادة والحفاظ عليها من الاندثار، هو تعزيز أواصر المحبة والأخوة بين الأفراد والجيران، والتمسك بصلة الرحم و ترميم العلاقات الاجتماعية وفك الخلافات والنزاعات السابقة.
و أقل ما يمكن قوله عن هذه العادة الطيبة الأصيلة، هو اعتبارها جلسة تجمع بين المتعة و البهجة والطاعة ناهيك عن التذكير بأهمية التآخي و التراحم في شهر الصيام.
رميساء جبيل