لا وجود لأي صراع واقعي بين المفرنسين و المعربين في الجزائر
نفى رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد في حوار خص به النصر، وجود ما يعرف بالصراع بين فئتين من المثقفين و حتى السياسيين في الجزائر خلفيته هي اللغة، مشيرا إلى أن الحديث عن صدام بين المفرنسين و المعربين مجرد قضية وهمية هدفها التشويش على مسعى الحداثة، كما تطرق المتحدث إلى قضية الأخطاء في الكتاب المدرسي و واقع اللغة العربية في الجزائر، فضلا عن موقفه من تصنيف الفرنسية كموروث استعماري.
حاورته: نور الهدى طابي
لم أهاجم مشروع تعريب الجامعة
. النصر: كنتم من بين الأصوات التي عارضت فكرة تعريب الجامعة و أثارت تصريحاتكم الأخيرة بخصوص الموضوع كثيرا من الجدل، لماذا تعتبرون التعريب خطأ؟
ـ صالح بلعيد: بداية أود أن أوضح بأن تصريحاتي السابقة في ما يخص هذه القضية أولت بطريقة غير صحيحة و حيد بها عن طبيعتها، أنا لا أعارض تعريب التدريس في الجامعة الجزائرية، بل قلت بأن تعريب التعليم الجامعي الكلي للعلوم خطأ، لأن بعض العلوم لا يمكن أن تكون منتجة، إلا إذا تم تناولها بلغتها الأصلية، مثلا من غير المنطقي أن نقوم بتدريس الإعلام الآلي بكل مواده باللغة العربية، فهناك مواد رئيسية لا تخدم الهدف التعليمي منها إلا إذا درست بلغتها الأصل الانجليزية.
أيضا علوم البحار لا يمكن أن تستقل بشكل كلي عن الإسبانية، و كذلك الأمر بالنسبة لعلم الديتاكتيك الذي يرتبط في الأصل بالألمانية، و تعد الروسية لغة البحث في الصناعات الثقيلة، أما الحقوق فلا يصلح سلخها كليا عن اللغة الفرنسية، وحتى علم اللاهوت لا تصح دراسته بشكل مثمر، دون التعمق في اللغتين الفارسية و التركية.
الخطأ في الكتاب المدرسي أخذ أكبر من حجمه
. مؤخرا أثارت أخطاء لغوية في كتب مدرسية ضجة كبيرة، ما جر المجلس الأعلى للغة العربية إلى الخوض في النقاش، كيف كانت طبيعة تدخلكم و لماذا هوجمتم رغم استقلاليتكم عن قطاع التربية؟
ـ بالفعل القضية أخذت بعدا أكبر من حجمها بكثير، وهنا أود توضيح جملة من النقاط، أولا مجلسنا هيئة استشارية مستقلة و ليس وزارة التربية، ثانيا نحن نقدم أفكارنا لكل الوزارات، و لسنا مرتبطين بطرف معين على وجه الحصر.
أما بخصوص الخطأ فقد أول بطريقة مبالغ فيها، هو ليس خطأ كارثيا، بل مجرد هفوة يمكن تداركها، و الكتاب المدرسي يراجع كل خمس سنوات تقريبا، و بالتالي فإن أي أخطاء مماثلة قبلة للتصحيح بكل بساطة، وقد تدخلنا كمجلس لمواجهة الوضع و لملمته، حيث اقترحنا مختصين من طرفنا للمشاركة في هيئة إعداد الكتاب المدرسي، الذي لا يجب أن نهاجمه و نصفه بالضعيف، لأن ذلك يؤثر سلبا على ثقة المجتمع في منظومته التعليمية، خصوصا و أن الواقع يثبت وجود كتب في المستوى.
. لكن هناك من أرجع قضية الأخطاء إلى خلفيات صراع بين تيار المفرنسين و المعربين في الجزائر، حتى أن هناك من تحدث عن مؤامرة ضد الهوية العربية الإسلامية، فما تعليقكم؟
ـ أقول بأن الأمر أبسط و لا يتعدى كونه هفوة واردة الحدوث، أما التحامل و استغلال الخطأ لإثارة مثل هذه القضايا، فهو مجرد محاولة للتشويش على مسعى العصرنة و الحداثة و هو مسعى يفرض نفسه على المدرسة الجزائرية، لكونها مطالبة بمسايرة العصر، لكن طبعا مع الحفاظ على الأصالة.
بمعنى أن هناك من صدموا بسبب إثراء كتاب التربية الإسلامية بمواضيع لها علاقة بالتربية المدنية و المواطنة، بالإضافة إلى الدين و الإسلام، مع أنها إضافة أعتبرها نوعية و تتماشى مع متطلبات الجيل الحالي، هؤلاء الأشخاص يحاربون الحداثة باسم الأصالة، مع أن الاستمرارية تتطلب المزاوجة بينهما، وهي قضية ليست حكرا على الجزائر، بقدر ما تعد ظاهرة عالمية، فكل الشعوب تراجع كتابها المدرسي و تجدده.
الصراع بين تيارين معرب و مفرنس قضية وهمية
. لكن ماذا بخصوص قضية صراع التيارين، هل هي واقعية وما أصل هذا الصراع؟
ـ أقول بل أجزم بوهمية هذا الصراع، هو أمر لا وجود له في الواقع، على الأقل في الفترة الحالية من تاريخنا، بالفعل كان هناك صراع في مطلع السبعينات و تحديدا مع بداية سنة 1971 ، تزامن بالأساس مع انطلاق أولى مراحل التعريب، إذ أن هناك تيارا لم يتقبل الفكرة ، في حين دافع عنها تيار آخر، لكنه توقف بل وئد في مهده، و الدليل أن هناك معربين يبدعون في مجالات الأدب كرشيد بوجدرة، وهناك مبدعين يثرون الأدب الجزائري بالغتين العربية و الفرنسية كمحمد ساري و أمين الزاوي.
الفرنسية موروث استعماري و واقع لا يمكن إلغاؤه
. لماذا أصبحت قضية تعميـــــــــــــــم استخدام الفرنسية تثار بقوة مؤخرا و هل توافق على تصنيف هذه اللغة بأنها موروث استعماري يستوجب التثمين؟
ـ أريد أن أؤكد بأننا كلنا كمثقفين و شخصيات في مناصب القرار، نعمل من أجل المواطنة اللغوية، ونحن في الجزائر لدينا لغتين ننتج في كليهما بشكل متكافئ وهو ما يؤكد أهميتهما معا.
لذا لا يمكننا أن نتخلى عن اللغة الفرنسية و أيضا لابد أن نعمل أكثر من أجل التحكم تقنيا في اللغة العربية ، الانفتاح على اللغات الأجنبية مطلوب، و لابد منه لذلك فإن التركيز على لغة واحدة قد ينتهي بنا إلى الانغلاق على الذات و بالتالي العزلة الفكرية و الثقافية و العلمية و الفنية، وعليه فإن المطلوب حاليا هو الحفاظ على الوحدة الوطنية كهدف واحد متعدد المناهج، خلاصة القول يجب أن نعيش الاختلاف، لكن دون أن نختلف.
بخصوص الفرنسية كموروث استعماري، بالفعل الفرنسية هي نتاج مرحلة من تاريخنا و واقع لا يمكن إنكاره أو تجاوزه أو إلغائه، و اللغات الأجنبية أيا كانت، ضرورية ويجب علينا الانفتاح عليها و الاستفادة منها بالقدر الممكن.
المكنز مشروع لتكريس المواطنة اللغوية
. كيف تقيمون واقع اللغة العربية في الجزائر بعد 55 سنة من الاستقلال، و ما هي آفاق حمايتها و ترقيتها في ظل ثورة المعلوماتية؟
ـ واقع اللغة العربية في بلادنا متطور ومميز، نحن من بين الشعوب المنتجة بشكل كبير و نوعي في هذه اللغة و نراهن بقوة على قناتي المدرسة و الإعلام لتثمين هذا الإنتاج و تكثيفه، يمكن القول حاليا أن هناك أزيد من 20 ألف موقع إلكتروني يستخدم اللغة العربية في التواصل، و نحن من جهتنا نهدف إلى توسيع استخدامها، من خلال استحداث برمجيات تتماشى مع متطلبات العصر، صحيح أننا نسير بخطى السلحفاة في هذا المجال، لكنها خطى ثابتة و صحيحة تهدف إلى خلق حلول طويلة الأمد.
من جهة أخرى، قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة التي أفرزتها ثورة المعلوماتية، هي واقع فرض نفسه و نحن مدركون لضرورة بل و حتمية مواكبتها، لذلك نعمل حاليا على الاندماج فيها بالقدر الممكن و لما لا تحسينها و إثرائها من خلال مساهمات بلغتنا العربية، وهو أمر لن يتأتى إلا من خلال تكريس الركام الثقافي و تفعيل الحراك الفكري و الثقافي.
. ماذا تحضرون كهيئة لترقية اللغة العربية على الأمد القريب؟
ـ مبدؤنا في العمل هو الاستمرارية المتجددة، و في هذا الإطار لدينا برنامج منابر للحوار و التفاعل ، منبر الفكر و منبر الشخصيات و منبر فرسان البيان، نحاول في كل مرة نكرس من خلالها مفهوم المواطنة اللغوية.
حاليا نراهن على تطوير الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي و بناء برمجيات حديثة لإطلاق مشروع « مكنز» المجلس الأعلى للغة العربية، وهو برنامج جامع لكل أعمال الجزائريين في مجال اللغة و الفكر و الأدب و التاريخ و الفقه و غيرها، يوفر خاصية نشرها عبر الشبكة المعلوماتية.
المكنز يضم أيضا مخطوطات قديمة نعمل حاليا على جمعها بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية و المجلي الإسلامي الأعلى، إذ يتوقع أن ننجح في جمع أكبر عدد من المخطوطات الموجودة على مستوى الزوايا و المكتبات، وقد بدأنا مع مكتبة في بجاية و زاوية الهامل في بوسعادة.
ن. ط
رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد للنصر
- التفاصيل
-
طقس موغل في الثقافة الأمازيغية: الوشم ..احتفالية الخصوبة ولغة التمرد والألم
تغنى الجزائريون في تراثهم " بزرقة الوشام" كوصف للمرأة الجميلة التي تميزها علامة على الوجه أو منطقة من الجسيد وذكره الرجال كعلامة للوفاء والألم، فالوشم عند الأمازيع...
الكاتب والروائي عبد الوهاب بن منصور للنصر: الرواية تكتب التاريخ غير الرسمي والشفوي
uالكثير من الروائيين حاولوا اِستلهام التراث الصوفي رغم مخاطرهيعتقد الكاتب والروائي عبد الوهاب بن منصور، أنّه مهما قِيل عن الرواية التي اِعتمدت أو اِستندت على...
المكتبات الرقمية.. هل أصبحت بديلا للمكتبات التقليدية؟
يحتفلُ العالم اليوم (23 أفريل)، باليوم العالمي للكِتاب وحقوق المؤلف والملكية الفكرية، ففي مثل هذا اليوم من كلّ عام، تحتفل منظمة الأُمم المتحدة للتربية...
أي دور للجامعة في الفضاء الاجتماعي؟
ما مدى اِرتباط الجامعة بالفضاء الاِجتماعي وبالواقع الفعلي للمواطن الجزائري، وما مدى أهمية وضرورة إدراك الجميع بمدى أهمية هذا الشريك الحيوي والجوهري «الجامعة»...
رؤية حداثية أساسها التنوير: الوجــه الآخــر لنضـال بن باديــس
إيناس كبير خص العلامة عبد الحميد بن باديس النشء باهتمام بالغ، فقد اقترب من مشاغل الجيل الجديد وأصغى لاهتماماته، حيث كان يرى فيه البذرة التي يجب أن تُروى على...
قراءة في رواية « باب القنطرة» للكاتبة نجية عبير: «السّيّــدات» .. انظر ما يوافق تربة قلبك وانثره فيها
إلهام بورابة معابر مفاتيح: الترجمة خلق جديد/ حزن الكاتب وحزن المترجم متشابهان ، لكن الفرح يكسبه القارئ./الرواية انتهت لكن الإطناب في إعادة التدوين لوضع كل شيء...
"نوافـــذ علـى الآخــر" كتابٌ جديـد للدكتور أزراج عمـــر
صدر منذ أيّام، عن دار «اسكرايب» في مصر، كتاب جديد للشاعر والمترجم والأكاديمي الدكتور أزراج عمر، وحمل عنوان «نوافذ على الآخر»، وهو عبارة عن مجموعة...
هــل يمكــن للمثقـــف أن يكــــون صانــــع محتـــــوى؟
هل بإمكان المُثقف أن يكون من صُنّاع المحتوى المؤثرين؟ وهل يمكن أن يكون مُبدعاً لمحتوىً مُؤثر هادف ومسؤول، خاصةً وأنّه من الضروري أن يحدث هذا في زمن...
الكاتب والإعلامي الدكتور محمّد بغداد للنصر
ما تمّ اِنجازه في مشهد الإعلام الثقافي مشاريع أفراديعتقد الكاتب والإعلامي محمّد بغداد، أنّ الإعلام الثقافي يتجاوز المستوى الأدبي، ليشمل كلّ معاني ونشاطات الإنسان في الحياة، بدايةً من الأسماء التي نطلقها على أبنائنا، مروراً...
قصائد لعبد الحميد شكيل
#عبور.. سأعبر الغابة..دون أن تراني الأشجار..سأعبر النهر..دون أن تعاندني طيور الماء..سأعبر البحر..دون أن يراني القراصنة،وهم يغتصبون نساء الزبد..سأعبر الوقت..ممهورا بنمش...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)